الإجماع على أن الهرولة ليست بصفة:
وإليكم الآن كلام شيخ الإسلام أبوالعباس ابن تيمية الحراني-رحمه الله تعالى-في حديث الهرولة
»قال الرازي : » قوله صلى الله عليه وسلم: » من أتاني يمشي أتيته هرولة « ،ولا يشك كل عاقل أن المراد منه التمثيل والتصوير « .
يقال له :هذا الحديث لفظه في الصحيحين :عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : » يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، ومن تقرَّب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ،ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة « ، ولا ريب أن الله تعالى جعل تقربه من عبده جزاء لتقرب عبده إليه ؛لأن الثواب أبداً من جنس العمل ،كما قال في أوله : » من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم « .وكما قال صلى الله عليه وسلم : »الراحمون يرحمهم الرحمن،ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء « ،وقال:{ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ }[محمد:7], وقال : { إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء:149],
وقال: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}[النور:22].
وإذا كان كذلك فظاهر الخطاب أن أحد التقديرين(1) من جنس الآخر ، وكلاهما مذكور بلفظ المساحة .
فيقال : لا يخلو إما أن يكون ظاهر اللفظ في تقرب العبد إلى ربه وهو تقرب بالمساحة المذكورة أو لا يكون ، فإن كان ذلك هو ظاهر ذلك اللفظ فإما أن يكون ممكنًا أو لا يكون ، فإن كان ممكنا فالآخر أيضًا ممكن ، و لا يكون في ذلك مخالفة للظاهر ، وإن لم يكن ممكنًا فمن أظهر الأشياء للإنسان علمه بنفسه وسعيه . فيكون قد ظهر للمخاطب معنى قربه بنفسه ، وقد علم أن قرب ربه إليه من جنس ذلك ، فيكون الآخر أيضا ظاهرا في الخطاب ، فلا يكون ظاهر الخطاب هو المعنى الممتنع بل ظاهره هو المعنى الحق.
ومن المعلوم أنه ليس ظاهر الخطاب أن العبد يتقرب إلى الله بحركة بدنه شبرًا وذراعًا ومشيًا وهرولة ، لكن قد يقال عدم ظهور هذا هو للقرينة الحسية العقلية ، و هو أن العبد يعلم تقربه ليس على هذا الوجه ، وذلك لا يمنع أن يكون ظاهر اللفظ متروكاً.
يقال : هذه القرينة الحسية الظاهرة لكل أحد هي أبلغ من القرينة اللفظية فيكون بمعنى الخطاب ما ظهر بها لا ما ظهر بدونها . فقد تنازع الناس في مثل هذه القرينة المقترنة باللفظ العام ، هل هي من باب التخصيصات المتصلة؟ أو المنفصلة؟. و على التقديرين فالمتكلَّم الذي ظهر معناه بها لم يُضِل المخاطب ولم يلبس عليه المعنى بل هو مخاطب له بأحسن البيان .
ثم يقال :الحجة لمن جعل ذلك مخصصًا متصلاً لا من منع ذلك أن يكون ذلك تخصيصا « اهـ( 2)
-------------------------------------
1)علق محقق الكتاب بقوله : لعلها ( التقربين ) .
2)بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ، لشيخ الإسلام إبن تيمية ،تحقيق الجزء د/ عبد الرحمن بن عبد الكريم اليحيى ، طبعة مجمع الملك فهد [1426] . ج (6)، ص(101) .
تنبيه مهم:
قال فصيلة الشيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله-:
(يقول ذكرت أن الهرولة صفة وهي صفة لم ترد إلا في حديث واحد (وإذا جاءني يمشي أتيته هرولة) ومن المعلوم أن العبد لا يمشي إلى الله وإنما المراد به التقرب إليه ، وليس المراد ظاهره فوجب أن يكون معنى الهرولة على خلاف ظاهر دلالة السياق وقد ذكر هذا بعض أهل العلم فما قولكم في هذا الكلام ؟
طبعا أهل السنة في الهرولة الأصل فيها أن تُثبت لله جل وعلا فهي من جنس باقي الصفات هذا قول عامة أهل السنة ، [B][U]لكن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر في رده على الرازي في القسم المخطوط الذي لم يطبع لأن الرازي استدل بهذا الحديث على أنه لا يراد بها ا%u