تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 84

الموضوع: هل أجاز شيخُ الإسلام الاحتفالَ بالمَوْلِد؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي هل أجاز شيخُ الإسلام الاحتفالَ بالمَوْلِد؟

    هل أجاز شيخُ الإسلام الاحتفالَ بالمَوْلِد؟
    الشيخ/ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ المَقْدِي
    9ربيع الأول 1434هـ

    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ رحمةِ الله للعالمين، وعلى آله وصحبه وتابعيه بإحسانٍ، إلى يوم الدِّين.
    فقد أَمَرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ عباده المؤمنين بأن يردُّوا كُلَّ تنازع في أُصُولِ الدِّينِ، وَفُرُوعِهِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذلك في قوله سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء: 59].
    والكتابُ والسُّنة هما مصدرا الشريعة الإسلامية وفيهما ينحصر (النص الشرعي) (1).
    ومعلومٌ أن فهم الكتاب والسنة وما تفرَّع عنهما من أحكامٍ ليس متيسِّرًا لكل أحدٍ رغم حاجة المسلمين جميعًا إلى تصحيح معتقداتهم وعباداتهم ومعاملاتهم؛ ولذلك فقد امتنَّ الله عزَّ وجلَّ على هذه الأمة بعلماء وفقهاء من الصحابة والتابعين وممن جاء بعدهم، بذلوا أعمارهم في فهم الكتاب والسنة وبيانهما .
    ومع تطاول الأمد وتفشي العصبيات المذهبية والتحزُّب الممقوت، بدأ الناس يبتعدون شيئًا فشيئًا عن نصوص الوحيَيْن من الكتاب والسنة، ويتعلَّقون بآراء العلماء والفقهاء وتحريراتهم في المسائل المختلفة، وهذا مخالف للأصل الذي ينبغي أن يتمسَّك به أهلُ الحق وهو التعلق بالنص الشرعي من الكتاب وصحيح السنة الذي هو حجة في ذاته بينما قول العالم تعوزه الحجةُ والدليل. وليس في ذلك انتقاصٌ من شأن العالم ، بل نقطع بأَنَّهُ "لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ - الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا- يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ"(2)، فضلاً عن أن يَقْصِد إلى مخالفة كتاب الله عز وجل، وحاشاهم -رضي الله عنهم وغفر لهم-.
    ولا شكَّ أنَّ "علماء الدِّين كلَّهم مجمعون على قَصْدِ إظهار الحقِّ الذي بعَث اللهُ به رسولَه صلى الله عليه وسلم، ولِأنْ يكون الدِّين كلُّه لله وأن تكون كلمتُه هي العليا ، وكلُّهم معترفون بأن الإحاطةَ بالعِلم كلِّه من غير شذوذ شيءٍ منه ليس هو مرتبةَ أحدٍ منهم ولا ادَّعاه أحدٌ من المتقدِّمين ولا مِن المتأخِّرين؛ فلهذا كان أئمةُ السَّلَفِ الْمُجمَع على علمهم وفضلهم يَقبَلون الحقَّ مِمَّن أورده عليهم وإن كان صغيراً ويوصُون أصحابهم وأتباعهم بقَبُول الحقِّ إذا ظهر في غير قولهم"(3). ولا يَخفَى أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أوسعُ هذه الأمة عِلمًا وأشدُّهم اتباعًا لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله يقول ابن مسعود – رضي الله عنه - :"كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا وَأَحْسَنَهَا حَالا ، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ" (4).
    ومع هذه المكانة الرفيعة والعلم الراسخ والاتِّباع الحَسَن إلا أنه قد يقع من أحدهم خطأ في العلم أو العمل فمتى استبان له ذلك الخطأ رجَع؛ يقول ابْن تَيْمِيَّةَ عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه: "... يَرْجِعُ عَنْ أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فِي خِلَافِ مَا قَالَ، وَيَسْأَلُ الصَّحَابَةَ عَنْ بَعْضِ السُّنَّةِ حَتَّى يَسْتَفِيدَهَا مِنْهُمْ "(5).
    ومن ذلك رجوعُ أُبي بن كعب عن القول بعدم الغسل عند التقاء الخِتانيْن، ورجوعُ عُمَرَ عن القول بعدم جواز التيمُّمِ للجُنُب، ورجوعُ ابنِ عمر عن القول بوجوب الزكاة للوُلاة، ورجوعُ أبي هريرةَ عن القولِ بألا صيامَ لِمَنْ أصبح جُنُبا، ورجوعُ ابن عبَّاسٍ عن قوله بإباحة ربا الفضل، ورجوعُ عُثمان عن قوله بأن الْمُعتدَّة بالوفاة تعتدُّ حيث شاءتْ، ورجوعُ أبي موسى عن قوله في رَضاع الكبير(6).
    فهذه المسائلُ ومِثلُها كثيرٌ تُظهِرُ رَحَابةَ المعترَكِ الفكريِّ وأنَّ الصحابة كانوا يتناصحُون في المسائل الشرعية بُغيةَ اجتماعِ القلوب على الحق، "وَقَدْ كَانَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْأَمْرِ اتَّبَعُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [سورة النساء: 59] وَكَانُوا يَتَنَاظَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُنَاظَرَةَ مُشَاوَرَةٍ وَمُنَاصَحَةٍ وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّة ِ مَعَ بَقَاءِ الْأُلْفَةِ وَالْعِصْمَةِ وَأُخُوَّةِ الدِّينِ"(7)
    ومع إقبالِ شهر ربيعٍ الأول من كلِّ عامٍ، تطفو على السطح قضية الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وهي من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة المردودة؛ فهي بدعة مُحدَثة في الدين اكتمل أركان الابتداع فيها من إحداث قربة لم يشرعها الله ولا رسوله ، وتخصيص يوم لإقامتها، وبها نوعُ مُشابَهةٍ للمشركين ولتفصيل هذه الجمل أقول:
    أما الإِحْداثُ: فاعتبارُ زمنٍ من الأزمان شعيرةً دينيةً ينتدب الناس فيه للتقرب إلى الله إيجابًا أو استحبابًا بدون بيِّنةٍ شرعية، فهو إحداثٌ محرَّمٌ؛ يقول الله تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]
    ومعلوم أن "الرسولَ صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا غيرُهم من الصحابة ـ رضوان الله على الجميع ـ ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعةً لشرعه ممن بعدهم. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(8)، أي : مردود عليه ، وقال في حديث آخر : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(9)" (10).
    وأولُ مَن أحدث الاحتفالَ بالمولد النبوي هم بنو عبيد القداح (العُبيديون)، الذين يُسمُّون أنفسهم بالفاطميين(11). وذلك في المائة الرابعة من الهجرة؛ حيث كان دخول العُبيديين مصر سنة 362هـ.
    قال المقريزي: "وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعيادٌ ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أوّل العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم،"(12).
    فيظَهَر بهذا أنها حدثت في عصر الدولة العُبيدية، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(13).

    والمولد النبوي بدعة عند مَن يقول بجوازه، بَلْهَ مَن يمنعه:
    قال ابنُ الحاج: "وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْبِدَعِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الْعِبَادَاتِ وَإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ مَوْلِدٍ وَقَدْ احْتَوَى عَلَى بِدَعٍ وَمُحَرَّمَاتٍ جُمْلَةٍ"(14).
    وقال أبو شامة - رحمه الله - : (ومِن .. ما ابتُدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يُفعل بمدينة إربل -جبرها الله تعالى- كلَّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ) (15).
    وذكر ابنُ النحاس مِن جملة ما ابتُدع في المواسم والأعياد: "عمل المولد في شهر ربيع الأول"(16).

    أمَّا التَّخصيصُ: فقد خصَّصوا له اليومَ الثانيَ عشرَ من ربيعٍ، والشريعةُ قد نَهَتْ عن تخصيص يوم بتقرُّبٍ إلا ما خصَّته الشريعةُ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»(17).
    فـ "المفسدة تنشأ من تخصيص ما لا خصيصة له ، كما أشعر به لفظُ الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن نفس الفعل المنهي عنه ، أو المأمور به ، قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي ، كما في قوله : «خَالِفُوا المُشْرِكِينَ»(1 8). فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم أو صلاة يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص"(19).

    أما التشبُّهُ: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ »، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»(20).
    فالاحتفالُ بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، فيه تشبُّه بالاحتفال بميلاد المسيح عيسى بنِ مريمَ عليه السلام، "ويقيمه المبتدعة على اعتبار أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أجدرُ وأولى بالتكريم من عيسى -عليه السلام-، وفيه تُنشَدُ القصائدُ في مَدْحِ النبي صلى الله عليه وسلم وإطرائه، مع ورود نهيه بقوله: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ»(21)، فجَمَعوا بين سيئتين: التشبه بالكفار والتشبه في الإطراء(22).

    فعُلم بهذا أن المولد النبوي من جملة البدع المردودة، ولأن البدعة ليست على حدٍّ سواءٍ مِن حيث الردِّ؛ فقد قسم العلماءُ البدعةَ إلى حقيقيَّةٍ وإضافيَّةٍ:
    فالحقيقية هي "الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لا مِنْ كِتَابٍ، وَلا سُنَّةٍ، وَلا إِجماع، وَلا قِيَاسٍ، وَلا اسْتِدْلالٍ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَهل الْعِلْمِ، لا فِي الْجُمْلَةِ، وَلا فِي التَّفْصِيلِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِدْعَةً؛ لأَنها شيءٌ مُخْتَرَعٌ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ"(23).
    أما الإضافية فهي "الَّتِي لَهَا شَائِبَتَانِ:
    إِحْدَاهُمَا: لَهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ مُتعلَّق، فَلَا تَكُونُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ بِدْعَةً.
    وَالْأُخْرَى: لَيْسَ لَهَا مُتعلَّق إِلَّا مِثْلَ مَا للبدعة الحقيقية ... أَيْ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ سُنَّة لِأَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إِلَى دَلِيلٍ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِهَةِ الأُخرى بِدْعَةٌ لِأَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إِلَى شُبْهَةٍ لَا إِلَى دَلِيلٍ، أَوْ غَيْرِ مُسْتَنِدَةٍ إِلَى شَيْءٍ".
    وهذا التقسيم(24) ينتج من النظر إلى البدعة, وعلاقتها بالدليل الشرعي من جهة, ثم علاقتها بالعمل من حيث الالتصاق والانفراد من جهة أخرى.
    فالحقيقية لا تستند إلى دليل معتبر, ولا إلى شبه دليل، لا في الجملة ولا في التفصيل. وأما الإضافية فلها نوعُ تعلُّقٍ بالدليل الشرعي.
    والحقيقية قد تنفرد عن العمل المشروع وقد تتصل به. وأما الإضافية فملتصقة بالعمل المشروع, ومتداخلة معه في غالب أحوالها.

    والبدعة الإضافية إذا التصقت بالعمل المشروع حتى أصبحت وصفاً له غير منفك عنه, فهذه تنتقل إلى بدعة حقيقية ؛ذلك أن البدعة التي صارت وصفاً للمشروع بسبب التصاقها به, تكون قد أدت إلى انقلاب العمل المشروع إلى عمل غير مشروع, ويبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(25).
    فمشروعٌ محبةُ النبي-صلى الله عليه وسلم- وذكر سيرته وصفاته وأحواله, ولكنها لما اختلطت بالأعمال المبتدعة كاتخاذ يوم مولده عيداً, وتخصيصه بنوع من الذكر المبتدع, والدعاء المحدث, وغير ذلك من البدع .. وصارت هذه البدع أوصافاً ملازمة للعمل المشروع, وطاغية عليه, أصبحت هذه البدعة حقيقية.
    فالعبادات تكون خارجة عن أمر الشارع من ثلاثة أوجه؛ لكل وجهٍ منها حكمٌ يخُصُّه:
    الوجه الأول: أن تنفرد العبادة عن العمل المشروع فهي بدعة حقيقية مردودة.
    الوجه الثاني: أن تلتصق البدعة بالعمل المشروع وتصير وصفا له غير منفك عنه كبدعة المولد وهذه تكون في أصلها بدعة إضافية، ولكنها انقلبت إلى بدعة حقيقية؛ لأنها صارت علما على البدعة.
    الوجه الثالث: أن تلتصق العبادة بالعمل المشروع ولا تصير وصفا ملازما له كالجهر بالنية في الصلاة، وهذه بدعة إضافية يقبل من العبادة المشروع ويرد المبتدع.

    فإذا تبين ذلك؛ فلا يحِلُّ تحت وطأةِ ضغطِ الواقع وكثرة التلبيس والتشغيب على هذا الحكم البيِّن افتراضُ مقدِّمات وشرائط تُوهِن من بيانه، أو اقتراض ألفاظٍ مشتبهة تُوهن من ضرورة الجزم في رَدِّ المبتدعات ، أو اتخاذ أسلوب الملاينة المجوِّز للبدعة بحُجَجٍ ليست شرعية، لاسيما وأن هذه البدعة استُطير شَرَرُها وصارت عَلَمًا على الفعل المبتدع؛ فتُعطل لأجلها الأعمال ، ويُجاهَر بها، ويُفعل فيها مالا يُفعل في الأعياد الشرعية؛ فوجب "رَفْعُ الِالْتِبَاسِ النَّاشِئِ بَيْنَ السُّنَنِ وَالْبِدَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَتِ الْبِدَعُ، وَعَمَّ ضَرَرُهَا، وَاسْتَطَارَ شَرَرُهَا، وَدَامَ الْإِكْبَابُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَالسُّكُوتُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِي نَ عَنِ الْإِنْكَارِ لَهَا، وَخَلَفَتْ بَعْدَهُمْ خُلُوفٌ جَهِلُوا أَوْ غَفَلُوا عَنِ الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْقِيَامِ فِيهَا، صَارَتْ كَأَنَّهَا سُنَنٌ مُقَرَّرَاتٌ، وَشَرَائِعُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ مُحَرَّرَاتٌ، فَاخْتَلَطَ الْمَشْرُوعُ بِغَيْرِهِ، فَعَادَ الرَّاجِعُ إِلَى مَحْضِ السُّنَّةِ كَالْخَارِجِ عَنْهَا(26). وبعد هذه المعاني الهامة في بيان هذه البدعة ننظر في كلام ابْن تَيْمِيَّةَ -رحمه الله- في مسألتين:
    1- سَوْقُ كلام ابْن تَيْمِيَّةَ – رحمه الله – الدال على بِدْعيَّةِ المولد.
    2- قراءة نصوص مشتبهة لابْن تَيْمِيَّةَ – رحمه الله – .
    يقول - رحمه الله -: عن اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف الناس في مولده: "فإن هذا لم يفعله السَّلَفُ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان"(27).
    ويقول : "وَأَمَّا اتِّخَاذُ مَوْسِمٍ غَيْرِ الْمَوَاسِمِ الشَّرْعِيَّةِ كَبَعْضِ لَيَالِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّتِي يُقَالُ إنَّهَا لَيْلَةُ الْمَوْلِدِ، أَوْ بَعْضُ لَيَالِي رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ أَوَّلُ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنُ شَوَّالٍ الَّذِي يُسَمِّيه الْجُهَّالُ "عِيدُ الْأَبْرَارِ"، فَإِنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحِبَّهَا السَّلَفُ وَلَمْ يَفْعَلُوهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ"(28).

    ويتضح هنا بجلاء موقفُ ابْن تَيْمِيَّةَ – رحمه الله- من الاحتفال بذكرى المولد، فهو لم يفعله السلف ؛ إذ هو من المواسم البدعية.
    وبرغم هذا البيان ، إلا أن بعض ذوي الأهواء تلقَّف بعضَ النصوص المشتبهة الواردة عن شيخ الإسلام وأراد أن يروِّجَ لبدعة المولد بزعمه أن شيخ الإسلام أجاز الاحتفال به، وهي دعوى ليست دقيقة ولا صائبة كما سيأتي إن شاء الله.
    النصوص التي يستدل بها هؤلاء من كلام شيخ الإسلام:
    - قال في "اقتضاء الصراط المستقيم": "وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم(29) عيدًا محدثٌ لا أصل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم-مَنِ اتخذ ذلك اليوم عيدًا، حتى يحدث فيه أعمالًا. إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع. وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين. ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا. وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع. وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده- فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. "(30).

    - وقال بعدها: "وإنما كمال محبته (الرسول صلى الله عليه وسلم) وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان. وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حسن القصد، والاجتهاد الذين يرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً ..." (31).
    - وقال أيضًا: "فتعظيمُ المولد، واتخاذُه موسمًا، قد يفعله بعضُ الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس، ما يستقبح من المؤمن المسدد. ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحفٍ ألفَ دينار، أو نحو ذلك فقال: دعهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، أو كما قال. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة. وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجويد الورق والخط. وليس مقصود أحمد هذا، إنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه أيضًا مفسدة كُرِهَ لأجلها. فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا بفسادٍ لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور: من كتب الأسمار أو الأشعار، أو حكمة فارس والروم"(32).
    فهذه ثلاثةُ مواطن من كلام شيخ الإسلام يتعلَّق بها أهلُ الأهواء لترويج بدعتهم والتلبيس على الناس بأن ابْن تَيْمِيَّةَ يقول بجواز الاحتفال بالمولد وبأن فاعلَه مأجورٌ؛ لما له من حُسْنِ القصد والاجتهاد.ولمناقشة هذه النصوص المشتبهة، نقول ابتداءً: إن كلام شيخ الإسلام بشأن إثابة الواقع في الاحتفال بذكرى المولد النبوي لا يدل على مشروعية هذا الاحتفال؛ إذ قد صرَّح بأنه "قد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحًا، ولا يكون عالمـًا أنه منهي عنه، فيثاب على حسن قصده، ويُعفى عنه لعدم علمه. وهذا باب واسع. وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها، قد يفعلها بعض الناس، ويحل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهي عنها. ثم الفاعل قد يكون متأولا، أو مخطئا مجتهدا أو مقلدا، فيغفر له خطؤه ويثاب على ما فعله من الخير المشروع المقرون بغير المشروع، كالمجتهد المخطئ"(33).
    كما صرَّح(34) في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقةَ السلف الصالح ، وإنما ابتُلى به كثيرٌ من المتأخِّرين ، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه ، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه ، والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب"(35)،
    أضف إلى هذا أن نفس كلام شيخ الإسلام: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده..."، إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب عليه ما هو أنكر منه ، يعني أن حسن نية هذا الشخص ـ ولو كان عملُه غيرَ مشروع ـ خيرٌ من إعراضه عن الدين بالكلية.

    وقال شيخ الإسلام أيضًا: "من كان له نيةٌ صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع"(36).
    فكلامُ شيخ الإسلام هنا لا يدل بحالٍ على تجويز بدعة الاحتفال بالمولد النبوي .

    والمُستدِلُّ بكلام شيخ الإسلام يُجاب عليه من وجهيْن:
    الأول: أنَّ كلام شيخ الإسلام ابْن تَيْمِيَّةَ إنما هو في حقِّ مَن فعله جاهلاً، قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "والشيخ تقي الدِّين أحمد بن تيمية رحمه الله ممن يُنكِرُ ذلك (الاحتفال بذكرى المولد النبوي) ويرى أنه بدعة. ولكنه في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) ذكر في حق مَن فعله جاهلاً، ولا ينبغي لأحدٍ أن يغترَّ بمن فعله من الناس أو حبَّذ فعله أو دعا إليه ...؛ لأن الحجة ليست في أقوال الرجال وإنما الحجة فيما قال الله سبحانه أو قاله رسولُه صلى الله عليه وسلم أو أجمع عليه سلف الأمة"(37).

    الثاني: أن كلام الشيخ -رحمه الله تعالى- في هذه الجمل الثلاث مُفسَّرٌ بكلامه الذي مرَّ بنا قريبًا وبغيره مما قرَّره في كتبه المختلفة من أن "سائر الأعياد والمواسم المبتدعة من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه"(38). وبقوله أيضًا: إن "ما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب"(39). وبقوله أيضًا: إن "من ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكًا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله"(40)، وبقوله: "إن من أطاع أحدًا في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من الذم نصيب"(41).
    ومَن تأمل هذه الجمل من كلام شيخ الإسلام أبي العباس، رحمه الله تعالى، وجد أنَّ فيها تفسيرًا لما جاءَ في كلامه من رجاء المثوبة والأجر العظيم للذين يتخذون المولد عيدًا ويعظِّمونه. وكيف تُرجى المثوبة والأجر العظيم للذين لم يحقِّقوا شهادة أن محمدًا رسول الله وكان عملُهم مخالفًا لهَدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، هذا بعيد جدًا والله أعلم(42).
    وأنبِّه هنا إلى أن دِينَ الاسلام يقوم على أصليْن عظيميْن:
    الأول: أن يكونَ العملُ خالِصًا لله تعالى.
    الثاني: موافقة الشرع بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم .
    قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف: 110].
    يقول ابنُ قيِّم الجوزيَّة -رحمه الله -: "هذا هو العمل المقبول، الذي لا يَقبلُ اللهُ من الأعمال سواه، وهو أن يكون موافقًا لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، مُرادًا به وجهُ الله"(43).

    ويقول ابنُ كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [هود: 7]: "وقوله: {لِيَبْلُوكُمْ} أي: ليختبركم {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} ولم يقل: أكثر عملاً بل {أَحْسَنُ عَمَلا}، ولا يكون العمل حسنًا حتى يكون خالصا لله عز وجل، على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمتى فقد العمل واحدا من هذيْن الشرطين بطل وحبط"(44).
    وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(45).
    وقال شيخ الاسلام ابْن تَيْمِيَّةَ – رحمه الله - :"وَدِينُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الدِّينِ"(46).

    وهذان الشرطان هما عِماد الاعتصام بالكتاب وعليهما مدار الاستمساك بالعُروة الوُثقى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان: 22].
    يقول شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها، هو مِن فعل المكذِّبين للرُّسل، بل هو جِماعُ كلِّ كُفرٍ ؛ فإن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وبيَّن أن المتبعين لما أنزل هم أهل الهُدى والفلاح، والمعرِضين عن ذلك هم أهل الشقاء والضلال"(47).
    والحمدُ لله ربِّ العالمين.

    ---------------
    (1) انظر: شرح القواعد الفقهية، أحمد بن الشيخ محمد الزرقا، ص 147، دار القلم – دمشق، طـ الثانية (1409هـ - 1989م)..
    (2) رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابْن تَيْمِيَّةَ (ص: 8)، طـ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد- الرياض (1403 هـ - 1983 م).
    (3) الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب الحنبلي (ص: 8)، الناشر: دار عمار، عمان، طـ الثانية (1409 هـ - 1988م).
    (4) أخرجه ابنُ عبد البر في "جامع بيان العلم" (2 / 946، 947)، طـ دار ابن الجوزي- السعودية (الأولى، 1414 هـ - 1994 م)، وذكره القرطبي في تفسيره (1/60)، ورَوَى نحوه أبو نعيم في "الحلية" (1/305) من قول ابنِ عمر رضي الله عنهما، ويُعزى أيضًا إلى الحسن البصري كما هو في "الشريعة" للآجُرِّيِّ (4/ 1685) و(5/ 2494)، طـ دار الوطن – الرياض (الثانية، 1420 هـ - 1999 م).
    (5) مجموع الفتاوى (35/ 123).
    (6) انظر حكاية هذه الأقوال ودراستها في كتاب: "المسائل التي حُكي فيها رجوع الصحابة " تأليف د. خالد البابطين.
    (7) مجموع الفتاوى (24/ 172).
    (8) متفق عليه: أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) ، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيهِ أمرُنا فَهُوَ رَدٌّ». قال النووي في شرح صحيح مسلم 12/16 (1718): "وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَ اتِ".
    (9) أخرجه أحمد (17144) و(17145) طـ الرسالة، وأبو داود (4607)، وابن ماجه (43)، والترمذي (2676). وصححه شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند والألباني في السلسلة الصحيحة (2735).
    (10) انظر: رسالة "حكم الاحتفال بالمولد النبوي" للشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.
    (11) وصفهم شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (35/ 127) بأنهم "مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَمِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ ...وَمِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى أَوْ بِصِحَّةِ النَّسَبِ فَقَدْ شَهِدَ لَهُمْ بِمَا لَا يَعْلَمُ". وقال أيضًا (35/ 131): "بَلْ مَا ظَهَرَ عَنْهُمْ مِنْ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ وَمُعَادَاةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ نَسَبِهِمْ الْفَاطِمِيِّ؛ فَإِنَّ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَقَارِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَائِمَيْنِ بِالْخِلَافَةِ فِي أُمَّتِهِ لَا تَكُونُ مُعَادَاتُهُ لِدِينِهِ كَمُعَادَاةِ هَؤُلَاءِ".
    (12) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (2/ 436)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
    (13) متفق عليه: أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) ، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيهِ أمرُنا فَهُوَ رَدٌّ». قال النووي في شرح صحيح مسلم 12/16 (1718): "وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَ اتِ".
    (14) المدخل (2/ 2)، دار التراث.
    (15) الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 23)، طـ دار الهدى- القاهرة (الأولى، 1398 – 1978).
    (16) تنبيه الغافلين (ص: 331).
    (17) أخرجه مسلم (1144) ، والنسائي في "الكبرى" (2751) و (2755) ، وابن خزيمة (1176) ، وابن حبان (3612) و (3613).
    (18) رواه البخاري (5892)، ومسلم (259).
    (19) اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق العقل (2/ 112) بتصرُّف يسير.
    (20) صحيح البخاري (3456).
    (21) صحيح البخاري (3445).
    (22) انظر: "الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي" للشيخ حمود التويجري (ص: 87)، بتصرُّف يسير.
    (23) الاعتصام للشاطبي (1/ 367)، دار ابن عفان- السعودية ، الطبعة: الأولى (1412هـ - 1992م)، بتحقيق: سليم بن عيد الهلالي.
    (24) حقيقة البدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي (2/ 7-11) بتصرف، مكتبة الرشد- الرياض.
    (25) صحيح مسلم (1718).
    (26) الاعتصام للشاطبي، تحقيق الهلالي (1/ 41).
    (27) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/123، 124)، بتحقيق: ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب- بيروت، الطبعة: السابعة، 1419هـ - 1999م.
    (28) مجموع الفتاوى (25/ 298).
    (29) أي: يوم غدير خم.
    (30) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 123).
    (31) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 124).
    (32) السابق (2/ 126).
    (33) السابق (2/ 290).
    (34) يراجع كلام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، في ملحق رسالة "حكم المولد والرد على من أجازه".
    (35) اقتضاء الصراط المستقيم (2/128).
    (36) السابق (2/ 251).
    (37) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (9/ 211)، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر.
    (38) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 82).
    (39) السابق نفسه (2/82).
    (40) السابق (2/ 84).
    (41) السابق (2/ 84).
    (42) ينظر: الرد القـوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي للشيخ حمود بن عبدالله التويجري (ص: 225 و226)، مطبوع ضمن مجموعة رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، دار العاصمة-السعودية.
    (43) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 82)، طـ دار الكتب العلمية – بيروت.
    (44) تفسير ابن كثير، دار طيبة (4/ 308).
    (45) متفق عليه: أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)..
    (46) مجموع الفتاوى (1/ 189).
    (47) درء تعارض العقل والنقل (5/ 204)، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، طـ الثانية (1411 هـ - 1991 م)، بتحقيق: د. محمد رشاد سالم.

    <span style="font-family:traditional arabic;"><font size="5"><span style="color: rgb(0, 0, 255);">https://dorar.net/article/1459
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    السؤال
    [CENTER]لقد قرأت في صفحاتكم تحريم المولد والشيخ ابن تيمية أجاز عمل المولد في كتابه المسمى : اقتضاء الصراط المستقيم في ص 297 فقال: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
    فلم أفتيتم بتحريمه؟ الأصل في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى عن اتباع النبي : وعظموه. فالمولد من تعظيم النبي؟



    الإجابــة
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
    فإن الثابت عن شيخ الإسلام ابن تيمية هو القول بأن: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع المحدثة التي لم يفعلها أحد من السلف الصالح، وقد نص على هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتبه. ومن ذلك ما قرره في مجموع الفتاوى 25/298 حيث قال: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها. انتهى.
    بل قد نص في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم نفسه على بدعيته، وذلك في معرض كلامه عن اتخاذ الأعياد المبتدعة حيث قال: وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع؛ وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا. انتهى.
    ولا تعارض بين قوله ببدعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجائه أن يثاب فاعله بحسن قصده؛ لأن نهج ابن تيمية الذي سار عليه هو رجاء الأجر والثواب للمسلم بحسن نيته وقصده في مثل هذه الأمور التي قد يلتبس فهم الحكم فيها على كثير من المسلمين بسبب الجهل أو التأويل، ويعرف هذا من اطلع على كتبه، فهاهو يقول في مجموع الفتاوى 12/494 في معرض كلامه عن التكفير: فمن كان قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً إما لأنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنىً آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها. انتهى.
    فهذا نهجه في التماس العذر لمن فعل من أهل الإسلام بدعة أو أمراً مكفرًا، لكن لديه شبهات ونوع تأويل قد حال بينه وبين معرفة الحق، فلا يقال حينئذ بأن ابن تيمية قد أقر هذه البدعة أو هذا الأمر الذي يؤدي إلى الكفر، ففرق بين هذا وذاك.
    ثم إن القول بأن الاحتفال بالمولد أصله تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم قول مردود؛ لأن أكثر الناس محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له هم صحابته رضوان الله عليهم ولم يفعلوا ذلك، بل كان تعظيمهم له باتباع سنته والاهتداء بهديه والوقوف عند شرعه.
    قال ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم وهو يتحدث عن الاحتفال بالمولد: فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضاً أو راحجاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. انتهى.
    فتبين بهذا أن الاحتفال بالمولد بدعة لا شك فيها، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يقل بجوازه، وما أحسن قول من قال:
    وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شرٍ في ابتداع من خلف
    وفي ختام: هذا الجواب ننبه الأخ السائل إلى أنه لا توجد آية في كتاب الله باللفظ الذي ذكره: "وعظموه" لكن وردت آيات تفيد هذا المعنى كقوله تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157]، ومعنى عزروه: عظموه ووقروه.
    والله أعلم.
    http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...d&amp;Id=28549

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2016
    المشاركات
    84

    افتراضي

    شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله فرق بين الفعل والنية للفاعل .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خطاب أسد الدين مشاهدة المشاركة
    شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله فرق بين الفعل والنية للفاعل .
    أحسنت، ونظائر التفريق بين الفعل والفاعل كثيرة.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    ( من كان له نيةٌ صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع )


    هل يوجد دليل شرعي على هذا ؟




  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    ( من كان له نيةٌ صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع )


    هل يوجد دليل شرعي على هذا ؟


    ربما يشمله حديث الأجر والأجرين.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    فلعله يدخل الخوارج في هذا ؟

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    فلعله يدخل الخوارج في هذا ؟
    ؟؟؟
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    ( من كان له نيةٌ صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع )

    ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )

    قال الطبري رحمه الله

    كلّ عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مرض ، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أيّ دين كانوا .

    قال البغوي رحمه الله

    الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا ونوالا، فنالوا هلاكا وبوارا ، كمن يشتري سلعة يرجو عليها ربحا فخسر وخاب سعيه

    ابن كثير رحمه الله

    هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم ، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء بل هي أعم من هذا; فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية ، وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها ، وأن عمله مقبول ، وهو مخطئ ، وعمله مردود

    الشنقيطي رحمه الله

    ما روي عن علي رضي الله عنه من أنهم أهل حروراء المعروفون بالحروريين معناه أنهم يكون فيهم من معنى الآية بقدر ما فعلوا، لأنهم يرتكبون أموراً شنيعة من الضلال، ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة

    قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي رحمه الله في "سننه" (210) :
    أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ، يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَإِذَا خَرَجَ ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا ، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً ، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟ ، قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ ، قَالَ : " أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ " ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: " مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ ، قَالَ: " فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ " ، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ " ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ "




  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    ( من كان له نيةٌ صالحة أثيب على نيته، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع )

    ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )

    قال الطبري رحمه الله

    كلّ عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مرض ، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أيّ دين كانوا .

    قال البغوي رحمه الله

    الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا ونوالا، فنالوا هلاكا وبوارا ، كمن يشتري سلعة يرجو عليها ربحا فخسر وخاب سعيه

    ابن كثير رحمه الله

    هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم ، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء بل هي أعم من هذا; فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية ، وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها ، وأن عمله مقبول ، وهو مخطئ ، وعمله مردود

    قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي رحمه الله في "سننه" (210) :
    أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ، يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَإِذَا خَرَجَ ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا ، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً ، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟ ، قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ ، قَالَ : " أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ " ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: " مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ ، قَالَ: " فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ " ، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ " ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ "

    جزاك الله خيرًا
    لكن أود أن أوضح كما لا يخفى عليكم الفارق بين البدع، فمنها المفسق ومنها المكفر، وكما لا يخفى عليكم أن من العلماء يحسن بعض المحدثات -وإن كنا لا نرى ذلك-، فكل هذه الضوابط قد تؤثر على الحكم والنقاش في هذه المسألة، لذا نعيد السؤال:
    هل يثاب المبتدع، على حسن قصده ونيته؟
    ويتفرع عليها: هل يثاب الكافر على أعمال البر؟
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    وربما يقال بالتفريق بين المبتدع في بدعة أصلية، وبين المبتدع في بدعة وصفية، مثال هذا: إذا كان أصل العبادة مشروع كالصيام؛ ولكنه صام في يوم لا يُسن فيه الصيام على أنه سنة؛ جهلًا منه أو تقليدًا، أو اجتهادًا، فهذا ربما يثاب على حسن نيته، والله أعلم.
    أما من ابتدع بدعة أصلية؛ فهذا لا يثاب بأي حال، والله أعلم.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  13. #13

    افتراضي

    المولد الذي تكلم عنه شيخ الإسلام يحتوي على أبواب خير، وأبواب شر
    فقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم، وذكر الله والفرح به، وإطعام الفقراء كلها من أبواب الخير
    والإشكال في تخصيص ذلك بيوم ولا دليل عليه
    وعلى هذا: فيثاب المجتهد الذي ظهر له جواز ذلك والمقلد المعذور: فيما فعله من أبواب الخير فقط
    هذا ما ظهر لي

    ويؤيد هذا قوله في اقتضاء الصراط المستقيم بعد ما نقل:
    (واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير؛ لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل خيرًا بالنسبة إلى [ما اشتمل عليه من أنواع المشروع، وشرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من] الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين، وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:
    أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا، في خاصتك وخاصة من يطيعك. وأَعْرِفِ المعروف وأَنْكِرِ المنكر.
    الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان، فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه.
    ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوِّضْ عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه، فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروهًا، فالتاركون أيضًا للسنن مذمومون، فإن:
    منها ما يكون واجبًا على الإطلاق.
    ومنها ما يكون واجبًا على التقييد...
    ومنها: ما يكره المداومة على تركه كراهة شديدة.
    ومنها: ما يكره تركه أو يجب فعله على الأئمة دون غيرهم وعامتها يجب تعليمها والحض عليها والدعاء إليها.
    وكثير من المنكرين لبدع العبادات والعادات: تجدهم مقصرين في فعل السنن من ذلك، أو الأمر به.
    ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العبادات المشتملة على نوع من الكراهة).

    وفي هذا النص عدة أمور تدل على فقه شيخ الإسلام، فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها:
    عدم الإنكار على فاعلي المولد، إذا كان ذاك مدعاة لهم إلى أن يشغلوا أوقاتهم بما هو أسوأ حالا من المولد (كمشاهدة الأفلام والمسلسلات الهادمة، أو الكرة التي لا تغني ولا تسمن من جوع).
    إيجاد بدائل الخير، ومشاريع الطاعات التي تصلح للعوام وغيرهم، لشغل أوقاتهم بها (ولا بد هنا من دراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا سيما الواجب العيني منها).

    ويظهر هذا أيضا جليا في قوله بعد هذا:
    (بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، فلا ينهى عن منكر، إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه، كما يؤمر بعبادة الله سبحانه، وينهى عن عبادة ما سواه؛ إذ رأس الأمر شهادة أن لا إله إلا الله، والنفوس خلقت لتعمل، لا لتترك، وإنما الترك مقصود لغيره، فإن لم يشتغل بعمل صالح، وإلا لم يترك العلم السيئ، أو الناقص، لكن لما كان من الأعمال السيئة ما يفسد عليها العمل الصالح، نهيت عنه حفظًا للعمل الصالح.
    فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس، ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار، أو نحو ذلك فقال: دعهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، أو كما قال. مع أن مذهبَه: أن زخرفةَ المصاحف مكروهةٌ، وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجويد الورق والخط، وليس مقصود أحمد هذا، إنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه أيضًا مفسدة كُرِهَ لأجلها. فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا بفساد لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور: من كتب الأسمار أو الأشعار، أو حكمة فارس والروم.
    فتفطن لحقيقة الدين، وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية، والمفاسد، بحيث تعرف ما مراتب المعروف، ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند الازدحام، فإن هذا حقيقة العلم بما جاءت به الرسل، فإن التمييز بين جنس المعروف، وجنس المنكر، أو جنس الدليل، وغير الدليل، يتيسر كثيرًا.
    فأما مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل، بحيث يقدم عند التزاحم أعرف المعروفين وينكر أنكر المنكرين، ويرجح أقوى الدليلين، فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين.
    فالمراتب ثلاث: أحدها: العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه.
    والثانية: العمل الصالح من بعض وجوهه، أو أكثرها إما لحسن القصد، أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع.
    والثالثة: ما ليس فيه صلاح أصلًا: إما لكونه تركا للعمل الصالح مطلقًا، أو لكونه عملًا فاسدًا محضًا)
    ثم بين النوع الثاني:
    (وأما المرتبة الثانية: فهي كثيرة جدًا في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة، ومن العامة أيضًا، وهؤلاء خير ممن لا يعمل عملًا صالحًا مشروعًا، ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم: كالكفر والكذب والخيانة، والجهل. ويندرج في هذا أنواع كثيرة.
    فمن تعبد ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة: كالوصال في الصيام، وترك جنس الشهوات ونحو ذلك، أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها: كأول ليلة من رجب، ونحو ذلك، قد يكون حاله خيرًا من حال البطال الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته. بل كثير من هؤلاء الذين ينكرون هذه الأشياء، زاهدون في جنس عبادة الله: من العلم النافع، والعمل الصالح، أو في أحدهما -لا يحبونها ولا يرغبون فيها، لكن لا يمكنهم ذلك في المشروع، فيصرفون قوتهم إلى هذه الأشياء، فهم بأحوالهم منكرون للمشروع وغير المشروع، وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع.
    ومع هذا: فالمؤمن يعرف المعروف، وينكر المنكر، ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض المنافقين له ظاهرًا في الأمر بذلك المعروف، والنهي عن ذلك المنكر، ولا مخالفة بعض علماء المؤمنين.
    فهذه الأمور وأمثالها مما ينبغي معرفتها، والعمل بها).

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله بن محمد مشاهدة المشاركة
    وعلى هذا: فيثاب المجتهد الذي ظهر له جواز ذلك والمقلد المعذور: فيما فعله من أبواب الخير فقط
    هذا ما ظهر لي
    أحسنت جزاك الله خيرًا، وهذا منصوص ومفهوم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  15. #15

    افتراضي

    تنبيه خارج عن موضوع (هل أجاز شيخ الإسلام الاحتفال بالمولد؟):
    ألا وهو: أنه حدث حَذفٌ في عبارة أبي شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث توهم أنه ينكر المولد، والصحيح غير ذلك، بل على العكس، فهو يستحسنه، وعبارته: (وَمن أحسن مَا ابتدع فِي زَمَاننَا من هَذَا الْقَبِيل مَا كَانَ يفعل بِمَدِينَة اربل جبرها الله تَعَالَى كل عَام فِي الْيَوْم الْمُوَافق ليَوْم مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّدقَات وَالْمَعْرُوف واظهار الزِّينَة وَالسُّرُور فان ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الإحسان الى الْفُقَرَاء: مشْعر بمحبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعظيمه وجلالته فِي قلب فَاعله وشكر الله تَعَالَى على مَا من بِهِ من ايجاد رَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى جَمِيع الْمُرْسلين).

  16. #16

    افتراضي

    عندي سؤال حول عبارة شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم:
    (... قلنا: لا ريب أن من فعلها متأولًا مجتهدًا أو مقلدًا كان له أجر على حسن قصده، وعلى عمله، من حيث ما فيه من المشروع، وكان ما فيه من المبتدع مغفورًا له، إذا كان في اجتهاده أو تقليده من المعذورين، وكذلك ما ذكر فيها من الفوائد كلها، إنما حصلت لما اشتملت عليه من المشروع في جنسه: كالصوم والذكر، والقراءة، والركوع، والسجود، وحسن القصد في عبادة الله وطاعته ودعائه، وما اشتملت عليه من المكروه، انتفى موجبه بعفو الله عنه لاجتهاد صاحبها أو تقليده، وهذا المعنى ثابت في كل ما يذكر في بعض البدع المكروهة من الفائدة)، ثم قال: (وأقول: إن إثمها قد يزول عن بعض الأشخاص لمعارض؛ لاجتهاد أو غيره، كما يزول إثم النبيذ والربا المختلف فيهما عن المجتهدين من السلف، ...) إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى.

    ماذا يقصد هنا بالاجتهاد، هل المسألة هنا خلافية فيعذر كل مجتهد أم لا؟
    فظاهر العبارة هنا أن المسألة خلافية، ارتأى فيها شيخ الإسلام هنا الكراهة (الشاملة للحرمة)، وقد يرتئي غيره الجواز، فهل هذا مراده؟

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله بن محمد مشاهدة المشاركة
    عندي سؤال حول عبارة شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم:ماذا يقصد هنا بالاجتهاد، هل المسألة هنا خلافية فيعذر كل مجتهد أم لا؟
    فظاهر العبارة هنا أن المسألة خلافية، ارتأى فيها شيخ الإسلام هنا الكراهة (الشاملة للحرمة)، وقد يرتئي غيره الجواز، فهل هذا مراده؟
    بارك الله فيك -كلام شيخ الاسلام بن تيمية فى الاقتضاء يوضح بعضه بعضا--يقول شيخ الاسلام-(...وذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص أوقاتٍ بصلاة أو بصيام، وأباح ذلك إذا لم يكن على وجه التخصيص، فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» ومثل هذا ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم» أي:يصوم عادته. فوجه الدلالة: أن الشارع قسم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:-
    * قسم شرع تخصيصه بالصيام: إما إيجابًا كرمضان، وإما استحبابًا كيوم عرفة وعاشوراء.
    * وقسم نهى عن صومه مطلقًا: كيوم العيدين.
    * وقسم إنما نهي عن تخصيصه: كيوم الجمعة وسرر شعبان، فهذا النوع إذا خُصص بالفعل نُهي عن ذلك، سواء قصد الصائم التخصيص أو لم يقصده، وسواء اعتقد الرجحان أو لم يعتقده.
    ومعلوم أن مفسدة هذا العمل لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره لكان إما أن ينهى عنه مطلقًا كيوم العيد، أو لا ينهى عنه كيوم عرفة وعاشوراء وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة، فظهر أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لا خصيصة له كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي كما في قوله: «خالفوا المشركين».
    فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم أو صلاة يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص
    ، فإذا كان يوم الجمعة يومًا فاضلًا يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره كان ذلك في مظنة أن يُتوهم أن صومه أفضل من غيره ويُعتقد أن قيام ليلته كالصيام في نهاره لها فضيلة على قيام غيرها من الليالي، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعًا لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص. وكذلك تلقي رمضان، قد يتوهم أن فيه فضلًا، لما فيه من الاحتياط للصوم، ولا فضل فيه في الشرع، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيه لذلك.

    وهذا المعنى موجود في مسألتنا، فإن الناس قد يخصون هذه المواسم لاعتقادهم فيها فضيلة، ومتى كان تخصيص الوقت بصوم أو بصلاة قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه نُهي عن التخصيص إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص، ثم هذا الاعتقاد يتبعه أحوال في القلب: من التعظيم، والإجلال، وتلك الأحوال أيضًا باطلة ليست من دين الله، فعلمت أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة وينازع الرسل ما جاءوا به عن الله، فكما أن إثبات الفضيلة الشرعية مقصود، فرفع الفضيلة غير الشرعية مقصود أيضًا.

    فإن قيل: هذا يعارضه أن هذه المواسم -مثلًا- فعلها قوم من أولي العلم والفضل الصديقين فمن دونهم، وفيها فوائد يجدها المؤمن في قلبه وغير قلبه: من طهارة قلبه ورقته، وزوال آصار الذنوب عنه، وإجابة دعائه ونحو ذلك، مع ما ينضم إلى ذلك من العمومات الدالة على فضل الصلاة والصيام، كقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى - عَبْدًا إِذَا صَلَّى} وقوله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة نور» ونحو ذلك.
    قلنا: لا ريب أن من فعلها متأولًا مجتهدًا أو مقلدًا كان له أجر على حسن قصده، وعلى عمله، من حيث ما فيه من المشروع،[مهم جدا يثاب على ما فيه من المشروع كتبه محمد عبد اللطيف] وكان ما فيه من المبتدع مغفورًا له إذا كان في اجتهاده أو تقليده من المعذورين، وكذلك ما ذكر فيها من الفوائد كلها إنما حصلت لما اشتملت عليه من المشروع في جنسه: كالصوم والذكر، والقراءة، والركوع، والسجود، وحسن القصد في عبادة الله وطاعته ودعائه. وما اشتملت عليه من المكروه انتفى موجَبه بعفو الله عنه لاجتهاد صاحبها أو تقليده،[مهم جدا] وهذا المعنى ثابت في كل ما يذكر في بعض البدع المكروهة من الفائدة، لكن هذا القدر لا يمنع كراهتها والنهي عنها والاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، لأن جميع المبتدعات لا بد أن تشتمل على شر راجح على ما فيها من الخير إذ لو كان خيرها راجحًا لما أهملتها الشريعة، فنحن نستدل بكونها بدعة على أن إثمها أكبر من نفعها، وذلك هو الموجب للنهي.[مهم جدا هذه قاعدة محكمة]
    وأقول: إن إثمها قد يزول عن بعض الأشخاص لمعارض؛ لاجتهاد أو غيره، كما يزول إثم النبيذ والربا المختلف فيهما عن المجتهدين من السلف، ثم مع ذلك يجب بيان حالها وأن لا يقتدى بمن استحلها وأن لا يقصر في طلب العلم المبين لحقيقتها.[هذا اجابة سؤالك اخى الكريم محمد بن عبدالله بن محمد] وهذا الدليل كاف في بيان أن هذه البدع مشتملة على مفاسد اعتقادية أو حالية مناقضة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وأما ما فيها من المنفعة فيعارضه ما فيها من مفاسد البدع الراجحة:
    منها-مع ما تقدم من المفسدة الاعتقادية والحالية- : أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن، حتى تجد كثيرًا من العامة يحافظ عليها ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس.
    ومنها: أن الخاصة والعامة تنقص -بسببها- عنايتهم بالفرائض والسنن ورغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب ويفعل فيها ما لا يفعله في الفرائض والسنن حتى كأنه يفعل هذه عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهذا عكس الدين، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة والرقة والطهارة والخشوع، وإجابة الدعوة، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك من الفوائد، وإن لم يفته هذا كله فلا بد أن يفوته كماله.
    ومنها: ما في ذلك من مصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا وجهالة أكثر الناس بدين المرسلين، وانتشاء زرع الجاهلية.
    ومنها: مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم، وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر، فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري -رحمه الله-: ‹ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه› ثم هذا مظنة لغيره فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه أو يكاد- وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. إلى غير ذلك من المفاسد التي لا يدركها إلا من استنارت بصيرته، وسلمت سريرته.) انتهى -رحم الله شيخ الاسلام-نعم لا يدركها إلا من استنارت بصيرته، وسلمت سريرته

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله-------وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع، مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضا، قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله.
    نعم: قد يكون متأولا في هذا الشرع فيغفر له لأجل تأويله، إذا كان مجتهدا الاجتهاد الذي يعفى فيه عن المخطئ ويثاب أيضا على اجتهاده، لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كما لا يجوز اتباع سائر من قال أو عمل قولا أو عملا قد علم الصواب في خلافه، وإن كان القائل أو الفاعل مأجورا أو معذورا، وقد قال سبحانه {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
    قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله ما عبدوهم قال: ما عبدوهم، ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم» .
    فمن أطاع أحدا في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب؛ فقد لحقه من هذا الذم نصيب، كما يلحق الآمر الناهي أيضا نصيب، ثم قد يكون كل منهما معفوا عنه لاجتهاده، ومثابا أيضا على-الاجتهاد فيتخلف عنه الذم لفوات شرطه أو لوجود مانعه، وإن كان المقتضي له قائما. ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه، أو من قصر في طلبه حتى لم يتبين له، أو عرض عن طلب معرفته لهوى، أو لكسل أو نحو ذلك.[اقتضاء الصراط المستقيم]

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    --

  20. #20

    افتراضي

    عندي سؤالان سأذكر الأول وأرجئ الآخر:
    كنت أظن أن قوله: (البدع المكروهة) تشمل المحرمة، لكن هنا شبّه هذه البدع بإفراد صيام يوم الجمعة المنهي عنه، وهو مكروه، لا مُحَرَّم.

    فهل يقصد أن هذه البدعَ مكروهةٌ بالمصطلح المعروف؟

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •