تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: ترجمة الأمير العالم المصنِّف صديق بن حسن خان القِنَّوجي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي ترجمة الأمير العالم المصنِّف صديق بن حسن خان القِنَّوجي

    ترجمة الأمير العالم المصنِّف
    صديق بن حسن خان القنوجي
    1248-1307
    توطئة في مصادر ترجمته:
    ترجم المؤلف لنفسه في عدد من كتبه، مثل أبجد العلوم، والتاج المكلل، والحطة، وإتحاف النبلاء، وحظيرة القدس، ورياض المرتاض، والمغنم البارد، والتقصار، والمقالة الفصيحة، وإبقاء المنن، والروض الخصيب.

    وأُفردت حوله كتبٌ ودراسات، منها ترجمته المطولة لابنه علي حسن في مآثر صديقي، وذيل سلسلة العسجد لابنه الآخر نور الحسن، وقطر الصيب في ترجمة الإمام أبي الطيب، وللعلامة سليمان بن سحمان: رجم أهل التحقيق والإيمان على مكفِّري صديق حسن خان[1]، وطبع في مطبعة الجوائب سنة 1298 كتاب: «قرة الأعيان ومسرة الأذهان في مآثر النواب السيد صديق حسن خان»، جُمعت فيه تقاريظ علماء العصر على مؤلفاته وكلامهم عنه.

    وكتب عنه العلامة محمد اجتباء الندوي ترجمة قيّمة، وهي من أجود ما رأيته كُتب عنه، وللدكتور محمد أختر خان رسالة جامعية في آرائه الاعتقادية، وللدكتور علي الأحمد رسالة جامعية في جهود المترجم في الدعوة والاحتساب، وأفردت ترجمته أيضًا الدكتورة رضية حامد، وكلها مطبوعة، والشيخ عبدالحميد الرحماني له سلسلة مقالات عنه نُشرت في مجلة الجامعة السلفية، وللشيخ الدكتور محيي الدين الألوائي مقال في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة (العدد 47-48).

    ومن الرسائل الجامعية عنه:
    صديق حسن خان القنوجي وجهوده في تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن، للباحث موفق عبدالرزاق الدليمي، رسالة ماجستير في جامعة بغداد، سنة 1993م، ومنهج صديق حسن خان في التفسير، للباحث أحمد بن محمد الحمادي، رسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود، سنة 1408هـ.

    ومن عيون مصادر ترجمته:
    جلاء العينين للألوسي (62)، والنفح المسكي لأحمد أبي الخير العطار (ق104)، وحلية البشر للبيطار (1/738)، ونزهة الخواطر (2/202)، وتراجم علماء أهل الحديث في الهند للنوشهروي (1/265)، و: استفدت من هؤلاء المؤلفين لعبد الوهاب بن عبدالستار الدهلوي (ص241)، ومن أعلام المسلمين ومشاهيرهم: المجموع من كتابات مجيزنا العلّامة أبي الحسن الندوي (163)، وجهود مخلصة لشيخنا عبدالرحمن الفريوائي (93 و96 و98)، ودبستان حديث لمجيزنا محمد إسحاق بهتي (259).

    ومنها: تاريخ نجد لصالح القاضي (77)، وفيض الملك الوهاب المتعالي (1/711 وبهامشه إحالات نادرة)، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة (2/1201)، وهدية العارفين (2/388)، والفكر السامي (2/361)، وفهرس الفهارس (2/1055)، والأعلام للزركلي (6/167)، والأعلام الشرقية (1/385)، ومشاهير علماء نجد وغيرهم (451)، ومعجم المؤلفين (3/358)، وتذكرة أولي النهى والعرفان لإبراهيم العبيد (1/283)، وأعلام الأدب العربي في الهند (83)، ومعجم المعاجم والمشيخات للشيخ يوسف المرعشلي (2/293).

    نَسَبُه:
    ساق المترجَم نسبه في لقطة العجلان (ص121-123 ط. الجوائب) مع فوائد عن آبائه[2]، فقال: إنه صِدّيق ابن السيد العلامة حسن، المعروف بسيد أولاد حسن، المتوفى بقنوج سنة 1253، وله من الفضائل العلمية والفواضل العملية والآيات والكرامات ما يغني شهره عن الذكر والضبط.

    ابن علي؛ الملقب بالنُّوّاب أولاد علي خان بهادر أنور جنك المتوفى بأرض حيدر آباد.

    ابن لطف الله بن عزيز الله بن لطف الله بن علي الأصغر بن كبير بن تاج الدين بن جلال الرابع بن راجو شهيد -صاحب السجادة ببلدة قَنّوج[3]- بن جلال الثالث البخاري بن أبي الفتح ركن الدين سجاد بن حامد الكبير بن ناصر الدين محمود.

    ابن السيد أبي عبدالله حسين[4] المعروف بمخدوم جهانيان جهان كشت المتوفى بأرض مُلْتان من إقليم السِّنْد المدفون بقرية أُج.

    ابن أحمد الكبير بن أبي عبدالله حسين الملقب بالسيد جلال أعظم البخاري[5] ابن علي مؤيد البخاري بن جعفر بن محمد البخاري بن محمود بن محمد[6] بن عبدالله بن علي الأشقر المختار بن جعفر الزكي بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

    نبذة عن الأسرة[7]:
    وكان أول من نزح من هذه الأسرة الحسينية العراق إلى بُخارى الجدّ محمد، وأقام بها هو وذريته، إلى أن انتقل حفيده محمد جلال أعظم إلى مُلتان سنة 652، وكان من مشاهير العلماء والدعاة هناك، وانتقل للدعوة إلى أُج، وتوفي بها سنة 695، وله ترجمة في نزهة الخواطر (1/109)، وبقي ابنُه أحمد وأولاده بها في الدعوة والإرشاد، وكان جدّ المترجَم مخدوم جهانيان (ولد سنة 708 وتوفي سنة 785) من علماء القرن الثامن المشاركين في العلوم، وروى الحديث، وتلقى عن عدد من المشايخ عدة مشايخ في الحرمين، والشام، وعدن، ترجمه العطار في معجمه.

    ثم انتقل الجدّ جلال الثالث إلى دهلي بدعوة من سلطانها محب العلم بهلول شاه المتوفى سنة 894، وأقطعه ضيعة كبيرة في قنّوج[8]، لتستقر الأسرة فيها، وكان جلال الرابع ترك الطريقة الصوفية المتوارثة، واتجه للعلم والدعوة والإصلاح، وله ترجمة في ترجمته بنزهة الخواطر.

    لكن قنّوج دخلت بعد ذلك تحت سيطرة ولاية أوده الشيعية، وصارت للشيعة جولة، فانحرف الجد علي أصغر إلى مذهبهم، وكذلك ابنه لطف الله، ومثله عزيز الله الذي انتقل إلى حيدر آباد، ثم صار لحفيده أولاد علي منزلة عالية في الإمارة، ولُقِّب بلقب الأمراء: أنور جنك مجاهد، وأُقطع إقطاعات كبيرة، منها بعض القرى بمحاصيلها، غلة إحداها خمسمائة ألف روبية سنويًّا، وقصر شامخ، ونحو ألف جندي تحت قيادته، وتوفي سنة 1218، وترك ابنًا وحيدًا، وهو من زوجته الأولى التي بقيت في قنوج، وطُلب ابنُه هذا -واسمه حسن- إلى حيدر آباد ليحل محل أبيه ويأخذ تركته العريضة، فرفض أن يأخذ من تركته شيئًا لكون والده شيعيًّا[9].

    وُلد الحسن هذا في قنّوج سنة 1200، وربّته أمُّه، وطلب العلم في بلده وفي لَكْنو، ثم ارتحل إلى دهلي، فأخذ عن أولاد الشاه ولي الله: عبدالعزيز، وعبدالقادر، ورفيع الدين، وهناك رفض الرفض واتجه للسنّة، وصحب الإمامين المجاهدين أحمد عرفان وإسماعيل الشهيد، وجاهد معهما، وكان من أكبر خلفائهما في نشر التوحيد والدعوة ورد البدع، وعاد إلى بلدته، وتزوج في بانس بريلي «نجب النساء بيكم» ابنة مفتيها الشيخ محمد عوض العثماني، وكان والد المترجم عالمًا زاهدًا ورعًا، له مؤلفات، وترجم له ابنُه في مواضع من كتبه، منها أبجد العلوم (ص26 و92)، وله ترجمة في حلية البشر (1/486) ونزهة الخواطر (7/102) وتوفي سنة 1253، وخلّف ابنيه أحمد -وكان عالمًا أديبًا سلفيًّا، انظر له أبجد العلوم، ونزهة الخواطر (7/27)-، والمترجَم، وثلاث بنات.

    الولادة والنشأة والطلب:
    وُلد المترجم في بلدة بانس بريلي شمالي الهند ضحى الأحد التاسع عشر من جمادى الأولى سنة 1248، في منزل جدِّه لأمه مفتي البلدة، ثم أتى به والده إلى وطنه قنوج، وبعد أن أتم خمس سنوات وطعن في السادسة توفي والده، فرجعت به أمه إلى بلدتها، وتربى في بيت جدِّه المذكور، واعتنت به أمُّه، وعيّنت له مدرسًا للقرآن، وقرأ الفارسية، ثم استفاد من أخيه أحمد حسن في العربية.

    وقال في إبقاء المنن عن العالم الرباني المجاهد ولاية علي الصادق فوري العظيم آبادي: إني لقيته في قنوج وحضرت تذكيره، فما رأيت أحداً أسرع تأثيراً منه. انتهى.

    واستفاد أيضا من العالم الصالح فضل الرحمن الكنج مراد آبادي، فقد كان يتردد إلى قنوج، ويزورهم في بيته، ويعطف عليه وعلى شقيه أحمد حسن، ويحبهما حبًّا جمًّا.

    ثم رحل إلى فرخ آباد، ثم كانفور، وقرأ على بعض علمائهما قراءة غير منتظمة، واستفاد فيهما من كبار أصحاب أحمد عرفان الشهيد، وكانوا يعطفون عليه لمكان أبيه.

    ومن كانفور رحل إلى دهلي سنة 1269، ونزل عند قاضيها بشير القنوجي، وقرأ عليه في العربية، ثم لازم مفتيها صدر الدين خان الدهلوي، وقرأ عليه في مختلِف الفنون، وقرأ عليه أربع أجزاء من صحيح البخاري، وسمع عليه باقيه، وكتب له الإجازة، ولازمه سنتين كاملتين، وتمثل فيه مقولة: لولا السنتان هلك النعمان، وأفاد يسيرًا من نذير حسين، ولقي عددًا من رجالات العلم والأدب والحكم، ومنهم آخر سلاطين المغول محمد سراج الدين بهادر جاه.

    وفي دهلي نسخ بعض لكتب، وألّف شرح الميزان بالعربية، وكان يدرّس بعض الطلبة حينًا.

    في معترك الحياة:
    رجع المترجم من دهلي إلى بلدته قنوج، وعمره 21 سنة، ومكث فيها أشهرًا، ثم انتقل منها إلى بهوبال، ووصل إلى وزيرها العالم السلفي جمال الدين، وتوسط له عند الملكة سكندر جهان بيكم، وقرّبته، وتعيّن في ديوانها الخاص كاتبًا، مع الوعظ والإرشاد كل جمعة في مسجد إبراهيم خان.

    وفي أوائل سنة 1273 حصل خلاف علمي بينه وبين أحد العلماء من ذوي النفوذ، فتسبب بعزله عن عمله، فرجع إلى بلدته قنوج، والتقى بوالدته، وكان قد سُرق متاعه أثناء عودته، فمكث قليلا ثم ذهب إلى كانفور باحثًا عن عمل، وسرعان ما نشبت الثورة الكبرى ضد الإنكليز، فتحول مع أسرته إلى بلكرام، وعاشوا عيشة صعبة، لكنه استغل الوقت والفراغ، فحفظ القرآن الكريم هناك سنة 1274، وعاد أواخرها إلى قنوج، وتنقل في مدة قصيرة منها إلى مرزابور، ثم بهوبال ثانية، ثم طونك، ومنها ذهب ليستقر في بهوبال من جديد، حيث طُلب لتأليف تاريخ لها.

    وهناك زوّجه الوزير جمال الدين ابنته الصغرى ذكية بيكم، وكانت أيّمًا، وذلك سنة 1277، وهي أم أولاده، وسعد معها، وكان يثني عليها، واستقر بذلك في إمارة بهوبال.

    ظهر للملكة جد المترجم واجتهاده، وترقى لمنصب رفيع، وتحسنت أحواله، فاستقدم أمه وأخواته، وتوفيت والدته سنة 1285، وتبعتها شقيقتاه الكبرى والوسطى بعد ستة أشهر، وكذلك توفيت الملكة سكندر بيكم تلك السنة، وتولت بعدها ابنتها شاه جهان بيكم.

    رحلة الحج:
    حج المترجم سنة 1285 عبر البحر من بومبي، وأفرد أخبار رحلته في خاتمة كتابه الماتع: «رحلة الصدّيق إلى البيت العتيق»، ومن أخباره تلك الرحلة أنه نسخ في الباخرة ذهابًا كتاب الصارم المنكي لابن عبدالهادي، وقال: «ولم أضيّع زمن ركوبي البحر عبثًا»، ومر بعدن ثم الحُديدة، ونزل في دار شيخه القاضي حسين بن مُحْسِن الأنصاري، وأخيه زين العابدين، وأثنى على إكرامهما له، وقال: «وأقمتُ هنا اثني عشر يومًا، أراجع كتب الحديث، وأكتبها بيدي ما أستطيع، ولم أذهب إلى المساجد إلا للصلوات الخمس، لكثرة اشتغالي بطلب العلم». وذكر أنه أهدى نسخًا من كتابه الحطة في ذكر الصحاح الستة لعلماء الحُديدة والمَرواعة وبيت الفقيه، وكلهم استحسنوه، وقال له الشيخ علي بن عبدالله شارح البخاري: وجود مثلكم في هذا الزمان من نعم الله تعالى لو كانوا يعقلون.

    واستعار رسائل الأمير الصنعاني، فطالعها وانتسخ جملة منها، واشترى عددًا من الكتب، مثل اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية، ونيل الأوطار، وفتح القدير، وإرشاد الفحول، ثلاثتها للشوكاني، ومما اشتراه: فتح الباري لابن حجر، بخط ابن علان الصديقي، اشتراه بستمائة دينار ذهبي، وهي النسخة التي طَبَع عليها الكتاب بعدئذ على نفقته.

    وانطلق من الحُديدة بحرًا إلى جُدَّة، ووصل مكة أواخر ذي القعدة، واعتمر، واستغل الوقت بتحصيل بعض الكتب والفوائد، حتى قال: «ومن غاية الشغف بعلوم السنّة لم أترك كتابة العلم بعَرَفة ومِنى في أيام إقامتها، لكن في غير أوقات المناسك». ويقول: «وكثيرًا ما كنتُ أمر على باب السلام مبتغيًا كتب العلم، وأقول في نفسي: ادخلوها بسلام»! وذكر جملة من الكتب النفيسة التي اشتراها، وقال إنه نسخ بعض الرسائل المختصرة والمطولة بيده، ومما نسخه هناك: السياسة الشرعية لابن تيمية، ومما استنسخه له: الرد الوافر لابن ناصر الدين.

    ثم غادر إلى المدينة في صفر، واشترى منها المدخل لابن الحاج، ورجع إلى مكة معتمرًا، ومنها غادر عبر جدة إلى بلاده، ونسخ وهو على البحر سنن الدارمي من نسخة نفيسة استعارها من المرزا أمير بك صهر مجيزه الشيخ المحدّث يعقوب الدهلوي، وكانت عليه تعليقات للشاه ولي الله الدهلوي، وطبع الكتاب بعد ذلك على منسوخته.

    واستغرقت رحلته ثمانية أشهر، كانت مثالًا لاستغلال الوقت وتحصيل العلم وكتبه.

    في بهوبال مرة أخرى:
    رجع المترجم إليها بما غنم من كتب وفوائد، ونظرًا لخدماته الجليلة وأعماله البارزة عيّنته الملكة المحسنة المصلحة شاه جهان بيكم ناظرًا للمعارف في الأمارة، فقام بالأمر أحسن قيام، وتمكن من إنشاء المدارس والمعاهد الشرعية والمكتبات، ومن أجل أعماله: تحصيل الكتب والمخطوطات النادرة وجلبها، وعيّن لذلك مجموعة من العلماء والكتبيين في الحرمين واليمن ومصر والأستانة، وأجرى لهم الرواتب، ومن أشهرهم: أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي، وحسين بن محسن الأنصاري، ومحمد بن حميد المكي مفتي الحنابلة، والقاضي طلا البيشاوري، وأحمد أبو الخير العطار، ومحمد بن أحمد الأهدل، ومحمد بن عبدالكريم المِدْراسي، ومحمد بن عبدالله الزَّوّاك، وغيرهم.

    وبقي في النظارة سنة واحدة، ثم رقّته الملكة إلى رئاسة الديوان، فعمل بجدٍّ وإخلاص، وكان زوجها الأمير نظير الدولة باقي محمد خان قد توفي قبل مدة يسيرة، ونُصحت بالزواج للمساعدة في إدارة أمور الدولة، وبعد استشارة بعض مخلصيها قررت أن تتزوج بالمترجم، وكتبت في كتابها تاج الإقبال عن سبب زواجها منه بما ملخصُّه أنه خدم الإمارة سبع عشرة سنة، ثبتت فيها كفاءته وإخلاصه وسرعة إنجازه للأمور، مع نبوغه في العلم، وشرف نسبه وأسرته، وأنه لم يُتهم منذ ورد الإمارة بما يشينه كالموظفين الآخرين، مع تقدير والدتها الملكة السابقة له.

    وهكذا تم الزواج، وأقيمت مراسم العرس الرسمي في 17 صفر 1288، وعيّنته معتمد المهام تلك السنة، وأعطته إقطاعًا يغل له خمسين ألف روبية سنويا، وأقر الحكام الإنجليز منصبه آنذاك.

    وكان المترجم يصرح أنه لم يَسْعَ لهذا الأمر، ولم يكن له حيلة فيه، وأن الملكة هي بادرته بالأمر، وكان يثني على علمها وذكائها وإحسانها.

    وذكر أيضًا في إبقاء المنن أنها أرادت أن تنصبه أميرًا مستقلا للأمارة، وأصدرت بعض الإجراءات، ولكنه استطاع بصعوبة أن يمنعها من ذلك.

    في سدة الحكم:
    كان من حسنات زواج المترجم من الملكة: إطلاق يده في الإصلاحات، وتمكينه من نشر العلم ونفع الناس، وباشر الحكم في شؤون كثيرة نيابة عن زوجه.

    وبمجرد تمكن المترجم جلب كبار العلماء إلى بهوبال، ونصبهم في المصالح العلمية والعملية، وإدارة الشؤون الدينية، مثل الفتيا، والقضاء، والتدريس، والحسبة، وأكرمهم، فولي رئاسة القضاء الشيخ زين العابدين بن مُحْسِن اليماني، وبعد وفاته تولاها العلامة محمد بن عبدالعزيز الجعفري المَجْلي شَهْري، وجلب للتدريس والإفتاء المحدّث الكبير حسين بن مُحْسِن الأنصاري اليماني، ومنهم سلامة الله الجَيراجْفُوري.

    ولا ننسى أيضًا جهود الوزير الأول جمال الدين المنشي، فقد حاول مع محدّث وقته نذير حسين أن يأتي، فاعتذر، وكذلك حاول المترجم مع شيخه محمد بشير القنوجي.

    ولم يقتصر على المدارس الشرعية، بل فتح مدارس عصرية، وأخرى صناعية، ومنح الرواتب والجوائز للطلبة، فكان من يحفظ صحيح البخاري يأخذ ألف روبية، ومن يحفظ بلوغ المرام يأخذ مائة روبية.

    وأنشأ مكتبات عامة كبيرة غنية بالنوادر، وأنشأ مطابع للكتب، وفرَّغ بعض العلماء ليدرّسوا ويؤلّفوا حتى في خارج بهوبال، ومنهم: أبو المكارم محمد علي المَوِّي، ومحمد سعيد البنارسي، ومحمد بن أحمد الطونكي، كما ذكر في نزهة الخواطر.

    وبذلك ازدهرت بهوبال، وصارت كعبة لطلبة العلم، وراجت فيها سوقه، ورحل إليها الطلبة من أنحاء الهند ومن خارجها، وانتشر العلم والعمل بالسنّة في البلاد، حتى وصفها شيخنا العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه شخصيات وكتب (ص77) بأنها صارت مدرسة للحديث تضاهي شيراز واليمن، وأن مسجدها «موتى مسجد» كان مثل الأزهر[10].

    ومن أعماله مع الملكة: توزيع الأراضي على الفلاحين، ورفع كثير من الضرائب، وتنظيم جباية الزكاة على الوجه الشرعي، وإقامة المحاكم الشرعية، وإنشاء إدارة للحسبة، وتحريم الربا والرشوة والمسكرات التي كان فاشيةً من قبل، حتى كانت من قبل تتعاطى في مساجد بهوبال!

    وانتشر الرخاء ورسا العدل كما قال المؤرخون، وسارت الركبان بالثناء على المترجم وعلى الملكة وأعمالهما.

    وفي ذلك العهد كان من حسنات المترجم الخالدة نشر الكتب العظيمة، وبذل أموالًا جزيلة لأجل ذلك[11]، ومن ذلك طباعة فتح الباري لابن حجر في بولاق بمصر[12]، وتفسير ابن كثير، نشره مع كتابه فتح البيان، وكلفه عشرين ألف روبية، ونيل الأوطار للشوطاني طبعه بمصر، وكلّفه خمسة وعشرين ألف روبية.

    وكان يوزع هذه الكتب مجانًا على أهل العلم والمكتبات العامة، وله وكلاء في الهند وخارجها (الحرمين، وتركيا، ومصر، واليمن، والمغرب العربي) لأجل التوزيع، وانتفع بها العلماء من ذلك الوقت المبكر، إضافة إلى كتبه وكتب عدد من معاصريه وغيرهم مما كان يطبع.

    وهذا كلام المترجَم عن نفسه في كتبه سلسلة العسجد الذي ألفه سنة 1292، وبقي جهده مستمرا بعدها بوقت، فقال ما معرّبُه: «والحمدُ للهِ على أنه الغنيُّ المطلقُ: أعانني أنا العبدَ الضعيفَ بأنواعٍ من اليسرِ والأموالِ بألطافِهِ وعناياتِهِ المتنوعةِ، حتى صرفتُ مبلغًا هائلًا في جمعِ كتبِ الحديثِ وتأليفِها، ونشرِ هذا العلمِ الشريفِ بتدوينِ الكتبِ والرسائلِ، وطبعتُ في مدةٍ قليلةٍ نحوَ خمسةَ آلافِ كتابٍ ما بين المختصرِ والمطوّلِ من مؤلَّفاتي، ووزعتُها على طلبةِ العلمِ وأهلِ هذا الفنِّ، وما زال الاشتياقُ إلى نشرِ أحكامِ السنةِ المطهرةِ في ذِهْني، ولم أرضَ بأيِّ تقصيرٍ قدرَ الإمكانِ في تدوينِ السنةِ وتفاسيرِ الكتابِ، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاءُ، وأرجو من اللهِ تعالى أن يجعلَ هذه المؤلفاتِ سببًا لنفعِ عبادِهِ المخلصين بحُكْمِ ﴿ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ﴾ [آل عمران: 195]، ويجعلَ ترويجَ هذه الكتبِ سببَ نجاتي، وفوزي بالدرجاتِ وحسنِ الخاتمةِ، إنه قريبٌ مجيبٌ».

    ويتصل بهذا ما قاله في سلسلة العسجد معرَّبًا: «وجميعُ هذه الكتبِ والأسفارِ التي ذُكِرتْ أسماؤها ووُجدتْ في المكتبةِ وقتَ كتابةِ هذه المقالةِ: قد فرغتُ عن قراءتِها ودراستِها بدِقَّةٍ إلا ما شاء اللهُ تعالى، والكتبُ التي وقعتْ عليها أنظاري من كلِّ فنٍّ وعلمٍ ولسانٍ ولغةٍ أكثرُ من أن تعدَّ، وما صُنِّف أو طبع كتابٌ في هذا البلدِ أو وُجِدَ في بلدٍ من العربِ والعجمِ إلا قمتُ بمطالعتِهِ وإن لم أحتفظْ به عندي، من جهةِ أنّ العلمَ بالشيءٍ أحسنُ من الجهلِ به، ولا أرضى بشيءٍ غيرِ الصحائفِ الدينيةِ؛ ولهذا ما زال المجيءُ بكتبِ علمِ الحديثِ والتفسيرِ وما يتعلَّقُ بهما جاريًا، والبحثُ عن مؤلفاتِ أئمةِ السلفِ باقيًا، ويُصرفُ في اشترائِها مبلغٌ هائلٌ؛ وَيَخلق ما لا تعلمون». وساق أسامي نحو ستمائة كتاب من الأمات وغيرها!

    وقد قال المترجم في كتابه الوصايا: إنني قرأتُ جميع ما وجدته، ولم أتركه حتى أنهيته، وبذلك تجمعت في ذهني وذاكرتي معلومات كثيرة وعلوم متنوعة.

    مواجهة المحن والمكائد:
    كما أن للحكم حسناته فقد كانت له سيئاته، وأهمها إشعال صدور الحسدة والمنافسين والمخالفين ضده، وتفويق أسهمهم إليه، ومنهم بعض أسرة الملكة، بما فيهم ابنتُها ولية العهد سلطان جهان بيكم، وصرَّحت بذلك في مذكراتها.

    بدأت الدسائس والافتراءات والمكائد تُحاك ضد المترجم، وتُرفع الشكايات عليه، وجرت محاولة اغتياله مع الملكة، بحيث دُسَّ في طعامهما السم، ونجاهما الله منه بعد أن أُصيبا إصابة شُفيا منها، وكانت أسرة الملكة قد أطعموها عن طريق بعض نساء القصر أدوية للعقم كيلا تُنجب ولدًا، وينقتل الحكم من أسرتها إلى أسرة المترجم، وغير ذلك.

    وأُلِّفت ضده ردود[13]، وجاهر بعض الأشقياء بتكفيره وتضليله، وهو ثابت على موقفه من عدم الالتفات إليهم، وعدم كتابة الردود، بل صرَّح عن بعض من انتصر له في الردود العلمية أن ذلك لم يكن من أمره ولا علمه.

    وتكلم المترجم متألمًا عن مكائد الأعداء والحساد له، في خاتمة التاج المكلل، وفي سلسلة العسجد، وأبدى عظيم تعلقه بالخالق سبحانه.

    وزيادةً على المحن الداخلية لم يكن الإنجليز -المسيطرين على الهند- ليتركوا هذا المصلح مدة طويلة، وكانت شكاوى ومكائد الأعداء تحالفت مع المستعمر الصليبي ضده، وأوصلوا إليه تهمًا أبرزها أنه يدعو للجهاد ضد الإنجليز، وينشر الوهابية، وأنه فرض الحجاب على الملكة، وغير ذلك! ولا ينقضي العجب أن تكون تلك الشكاوى صادرة من مسلمين إلى محتلين صليبيين! فرفع وكيل الحكومة الإنجليزية مستر ديلي هذه التهم لحاكم الهند العام، فصدرت الأوامر سنة 1302 بمصادرة ألقاب المترجم وامتيازاته، ثم انتزاع كافة سلطاته في شعبان 1303، بل مُنع من الإقامة في قصر الملكة ثمانية أشهر! وقاسى الشدائد، وتعرض للإهانة، وانقلب عليه أصحاب المصالح، وشمت به أعداؤه، وهو صابر محتسب، لم يتذلل لأعدائه أو يستعطفهم، بل لجأ لمولاه، وأكمل نهجه من الانصراف للتأليف وطباعة الكتب.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    أُحِبُّ لقاء الله:
    عاش المترجم أواخر سنواته مظلومًا مضطهدًا، وأُصيب سنة 1307 بمرض الاستسقاء، ويقول عبدالحي الحسني في نزهة الخواطر: «اشتد به المرض، وأعياه العلاج، واعتراه الذهول والإغماء، وكانت أنامله تتحرك كأنه مشغول بالكتابة، ولما كان سلخ جمادى الآخرة في سنة سبع وثلاثمائة وألف أفاق قليلًا، فسأل صاحبَه الشيخ ذا الفقار أحمد المالوي عن كتابة مقالات الإحسان -وهو تأليفه الأخير الذي ترجم فيه فتوح الغيب لسيدنا عبدالقادر الجيلي- هل صدر من المطبعة؟ فقال: إنه على وشك الصدور، ولعله يصل في يوم وليلة، فحمد الله على ذلك، وقال: إنه آخر يوم من الشهر، وهو آخر كتاب من مؤلفاتنا! فلما كان نصف الليل فاضت على لسانه كلمة: أُحِبُّ لقاء الله. قالها مرة أو مرتين، وطلب الماء، واحتُضر، وفاضت نفسه، وكان ذلك في ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثمائة وألف، وله من العمر تسع وخمسون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام».


    وفور وفاة المترجم أصدر الإنجليز أوامرهم بإعادة الاعتبار والألقاب له! وأن يشيّع ويُدفن بما يليق من المراسم الملكية! وكأني بهم في مكرهم ودهائهم أرادوا إرضاء زوجه الملكة في أمرٍ لا يضرهم شيئا!


    ولكن كان المترجم رحمه الله قد أوصى أن يُدفن على طريقة السنّة، ونُفِّذت وصيته، وشُيِّعت جنازته في جمع حاشد، وكانت أكبر جنازة في تاريخ بهوبال، وصلي عليه ثلاث مرات، وكما قال الإمام أحمد رحمه الله: قولوا لأهل البِدَع بيننا وبينكم الجنائز.


    فكانت جموع الناس أكبر لطمة لأعدائه، حيث يعرف الناس من كان ذا صلاح وإصلاح حقيقيين في بلدهم، ومن لم يكن كذلك.


    وقال محمد اجتباء الندوي في ترجمته (ص154): «وكانت وفاته وفاة عالم كبير محدّث جليل، مؤلف عبقري، محيي الكتاب والسنة، داعية عظيم، إداري محنك، حاكم عادل، محب للخير، والصبر والإحسان، وحريص على الرفاهية والزدهار، والرخاء للإنسانية والبشرية جمعاء، فلم تكن وفاته خسارة لفرد دون فرد، وجماعة دون جماعة، وفئة دون فئة، بل كانت خسارة الأمة الإسلامية كلها.
    فما كان قيسٌ هُلْكُه هُلكُ واحدٍ
    ولكنه بنيانُ قوم تهدَّما

    رحم الله روحه الطاهرة، وأمطر عليه شآبيب رحمته ورضوانه، وأدخله فسيح جنانه».

    قلت: ورثاه عدد من الشعراء، منهم الأديب محمد بن حسين بن محسن الانصاري بقصيدة عصماء، مطلعها:
    حُكمُ الإله جرى في سالفِ القَدَرِ
    يا نفسُ فادَّرِعي للخَطْبِ واصطبري

    وآخرها:
    والحمدُ لله والتاريخُ بشَّرنا
    طوبى له طيبة الجنات بالأَثَرِ

    وأرَّخ وفاته بقوله في قصيدة أخرى:
    إن من مُحْكَمِ الكتاب لتاريخا
    أتانا قد فاز فوزًا عظيما

    الذرية:
    خلّف المترجم ولدين وابنة من زوجته الأولى ذكية بيكم ابنه جمال الدين المنشي، والولدان هما أبو الخير نور الحسن الطيب (1288-1355) وأبو النصر علي حسن الطاهر (1289-كان حيا سنة 1354)، وكلاهما من أهل العلم والأدب، ولهما مؤلفات، ومن ذريتهما الآن عددٌ من أهل العلم والفضل في بهوبال وكراتشي.

    ثناء العلماء عليه:
    تقدم في مصادر ترجمته أنه طبع في مطبعة الجوائب سنة 1298 كتاب: «قرة الأعيان ومسرة الأذهان في مآثر النواب السيد صديق حسن خان»، جَمَع فيه تقاريظ علماء العصر على مؤلفاته وكلامهم عنه، وفيه من علماء الأتراك، ودمشق، ولبنان، والأزهر، والقدس، والجزائر، واليمن، ومكة، والمدينة، ناهيك عن علماء الهند، ولم يُكتب اسم مؤلف الكتاب، لكن الذي كتب خاتمته وصرَّح بتصحيحه هو الشيخ يوسف النَّبْهاني، وله كلمة ضافية آخره[14]، وذكر فيها أن الكتاب طُبع على ذمة ملتزمه مدير الجوائب سليم فارس الشدياق، فمن الظاهر أنه جَمَعَه وعمله بتكليفه.

    فممن نُقل ثناؤه عليه هناك: نقيب الأشراف في دمشق المفتي محمود الحمزاوي، وعبدالغني الغُنيمي، وعبدالغني الرافعي مفتي طرابلس، وحسين منقارة، وإبراهيم بن عبدالغفار الدسوقي الأزهري، ومحمد صالح تقي الدين نقيب الأشراف بالقدس، ويوسف أفندي مفتي القدس، وزين العابدين بن محسن، ومحمد بن عبدالله بن حميد مفتي الحنابلة بمكة، ومحمد بن أحمد بن عبدالباري، وسليمان بن محد الأهدل مفتي زبيد، ومحمد بن عبدالله الزوّاك مفتي بلدة الزيدية، ويوسف بن مبارك العريشي، ومحمد الكتبي الحنفي المدرس بالمسجد الحرام، وأمين بن حسن الحلواني، ويحيى بن محمد مفتي الحُديدة، وحسين بن محسن الأنصاري، وحسن التاجي المدني إمام وخطيب المسجد النبوي، فليراجع الكتاب من أراد، وهو مرفوع على الشابكة (الإنترنت).

    وقال الشيخ حمد بن عَتيق النجدي (ت1301) في مطلع رسالته إلى المترجم[15]:
    إلى الإمام المعظم، والشريف المقدم محمد، الملقب: صديق، زاده الله من التحقيق؛ وأجاره في ماله من عذاب الحريق، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: وصل إلينا التفسير، فرأينا أمرا عجيبا، ما كنا نظن أن الزمان يسمح بمثله، في عصرنا وما قرب منه، لما في التفاسير التي تصل إلينا من التحريف، والخروج عن طريقة الاستقامة، وحمل كتاب الله على غير مراد الله، وركوب التعاسيف في حمله على المذاهب الباطلة، وجعله آلة لذلك.


    فلما نظرنا في ذلك التفسير، تبين لنا حسن قصد منشئه، وسلامة عقيدته، وبعده عن تعمد مذهب غير ما عليه السلف الكرام، فعلمنا أن ذلك من قبيل قوله: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ﴾، والحمد لله رب العالمين.. الخ.


    وقال العلامة عبدالحي اللَّكْنَوي (ت1304) -رغم ما كان منه من ردود على المترجم- في تذكرة الراشد (ص4 الحجرية): الفاضل الكامل، زينة المجالس والمحافل، زبدة المآنس والأماثل، ذي التصنيفات الشهيرة، والترصيفات الكبيرة، النواب السيد صديق حسن القنوجي ثم البهوبالي، بلّغه الله إلى كواعب الأماني الغوالي، ولا حرمه الله عن أبكار الغوالي، وحفظه الله عن غياهب الأيام والليالي، ولا ابتلاه الله بالجمع بين الحصى واللآلي.

    وقال النعمان الآلوسي (ت1317) في جلاء العينين (62): شيخنا الإمام الكبير، السيد العلامة الأمير، البدر المنير، البحر الحبر في التفسير والحديث والفقه والأصول والتاريخ والأدب والشعر والكتابة والتصوف والحكمة والفلسفة وغيرها: أبو الطيب صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي، حماه الله تعالى وعافاه، وعن الشرور وقاه، وهو الذي نطقت ألسن الخلائق بثنائه، وأذعنت الأعداء لفضله وفرط ذكائه.

    وقال في ثبته (ق11/أ): الأمير والفهامة الشهير، مفسر القرآن، وفريد عصره في هذا الزمان.

    وقال في طليعة استفتاء وجهه للمترجَم: ما يقول مولانا الأمير، السيد النحرير، النوّاب المفسر الشهير، مقتدى الأعاظم، ومن لا تأخذه في الله لومة لائم، متّع الله سبحانه المسلمين بطول بقائه، وقمع به البدع، وأناله في الدارين مناه، في حكم الرابطة المستعملة عند أصحاب الطريقة النقشبنديّة.. الخ. (نقله في التاج المكلل).

    وقال عن مصنفاته: ويا له من تحقيق وبيان، وقد سارت بها الركبان من بلدان إلى بلدان، إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف استدل ورجح، ويحق له الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه، وما رأيت أسرع انتزاعًا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضارًا للسنّة المطهرة وعزوها منه.

    هذا؛ ومع ما هو عليه من الكرم والجود، والشجاعة، وجمع الفؤاد، والبراعة، والفراغ من ملاذ النفس، ومن خالطه وعرفه ينسبني إلى التقصير فيه، ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه!

    وهو أبيض، ربعة من القوم، قليل الشيب لهذا العهد، شعره إلى شحمة أذنيه، فصيح، سريع القراءة، سريع الكتابة، سريع الحفظ والمطالعة، لا يبالي في الله لومة لائم من أهل الابتداع، ولا تمنعه صولة صائل في تحرير الحق الحقيق بالاتباع، ولا يناظر أحدًا من الناس، ولا يخاطبهم بشيء من الرد، لكونهم مكابرين لا مناظرين، ولا جاهلين ولا عالمين، وليس له خصوم إلا بعض المقلدة وأهل البدعة المقصرين عن بلوغ رتبته في الدنيا، وقد ترجم له في كتبته الشريفة بما يغني عن الإطالة في هذا المقام، وترجم له غيره من علماء الدنيا شرقًا وغربًا، يمينًا وشمالا أيضًا، فلا ضرورة لنا ولا حاجة بنا إلى تمام الكلام على هذا المرام[16].

    وقال العلامة محمد بشير السَّهْسَواني (ت1324) في صيانة الإنسان (473): السيد العلامة مولانا السيد صديق حسن سلمه الله تعالى. وقال أيضا (203): الإمام العلامة.

    وقال شيخ المترجم حسين بن مُحْسِن الأنصاري اليماني (ت1327) في منسوخته من الرد الوافر (انظر المطبوع ص301): السيد الأجل، والعالم المبجل، شريف النسب والحسب، وسنيّ الرفعة والرتب، الجامع للشرفين من الطرفين، مولانا صدّيق حسن.

    وقرّظ له عددا من كتبه، وأثنى عليه فيها ثناء عاطرًا، ومنها تقريظه للبلغة في أصول اللغة، والإفادة اللغوية.

    وقال أحمد أبو الخير العطار في معجمه (ق104): الشيخ العلامة الكبير، والمسند الفهامة الشهير، ذو التآليف الكثيرة، والمصنفات الشهيرة.

    وقال العلامة شمس الحق العظيم آبادي في غاية المقصود (1/69) ضمن ترجمته لشيخه حسين بن محسن الأنصاري: ومن أكمل درجاته أن السيد العلّامة المحدّث المفسّر الناسك التقي صديق بن حسن القنوجي نزيل البوفال من تلامذته.

    ولما عدَّد العظيم آبادي في عون المعبود (11/396) المجددين في الإسلام ذكر في القرن الثالث عشر شيخاه نذير حسين وحسين الأنصاري ومدحهما، ثم قال: والعلامة الأجل، المحدِّث الفاضل الأكمل، جامع العلوم الغزيرة، ذو التصانيف الكثيرة، النواب صديق الحسن خان البوفالي القنوجي، تغمده الله بغفرانه، وأدخله بحبوحة جنانه، هذا هو ظني في هؤلاء الأكابر الثلاثة أنهم من المجددين على رأس المائة الثالثة عشر، والله تعالى أعلم، وعلمه أتم.

    ووصفه علامة الشام جمال الدين القاسمي في قواعد التحديث (45): بالإمام الأثري. ووصفه في تفسيره (2/132) بالعلامة. وقال في إجازته لحامد التقي (انظر ترجمة العجمي الحافلة للقاسمي ص308): الإمام الشهير محيي السنّة وكُتُبها. وقال في إجازته لعبد الجليل الدرّا (في المصدر السابق ص312): الإمام الطائر الصيت في الآفاق.

    وقال علامة تونس محمد المَكِّي بن عَزُّوز في عمدة الأثبات (ق337): العلامة محيي الدين وعاضد السنة، ملك العلماء، وعالم الملوك.

    وقال بيرم في رحلته -كما في الفكر السامي (2/361)-: هذا العالم الملك من نوادر هذا العصر، فإنه مع اشتغاله بمهام السياسة -التي تقلدها بالنيابة عن زوجته سلطانة تلك المملكة- قد تبحر في الفنون العلمية، سيما الشرعية وآلتها، وفصاحتُه في نسج تآليفه يحمده عليها أهل اللغة العربية، وعلى الخصوص في هذا الزمن الذي كادت أن تتلاشى فيه اللغة والعلوم من الأمة الإسلامية.

    وقال عنه علامة العراق محمود شكري الآلوسي في غاية الأماني (2/94): ذلك الإمام الهمام، بل ملك العلماء الأعلام.. والنواب رحمه الله لم يكن له حاجة لمعاونة أحد ولا خدمته، وفضله أشهر من أن ينبه عليه.. والنواب رحمه الله كان من المحدِّثين، فكان يتبع ما صح لديه من الحديث، كما هو شأن أهل الحديث والأثر وأتباع سيد البشر، ومثله كثيرون في البلاد الهندية قبل عصره وبعده.

    وقال مؤرخ الهند عبدالحي الحسني في نزهة الخواطر (202): علّامة الزمان، وترجمان الحديث والقرآن، محيي العلوم العربية، وبدر الأقطار الهندية، السيد الشريف.. صاحب المصنفات الشهيرة، والمؤلفات الكثيرة.

    وقال عنه تلميذه محدّث نجد سعد بن حمد بن عَتيق في إجازته للعَنْقَري (ص75 بتحقيقي): ومنهم العلامة الفاضل: صديق حسن القنوجي، صاحب التفسير والمصنفات المعروفة في علوم الإسلام، فقد كتب لي الإجازة بقلمه الشريف وخطابه المنيف.

    وقال عنه عالم عُنيزة صالح القاضي في تاريخه (77): العالم المفسر المحدّث الأمير... له مؤلفات مفيدة في فنون عديدة.

    وقال الشيخ عبدالهادي المِدْراسي في هادي المسترشدين (ص160): العلامة الفهامة، العالم الفاضل الجهبذ الكامل.

    وقال العلامة محمد رشيد رضا في مجلة المنار (14/471):..وناهيك بسلفها الصالح السيد صديق حسن خان صاحب المصنفات الشهيرة التي هي من دعائم إحياء العلم والدين، رحمه الله تعالى.

    ووصفه أيضًا (18/235) بالمصلح العظيم.

    ووصفه (22/343) بصاحب النهضة العلمية الدينية الاستقلالية الحديثة في الهند.

    وقال أيضًا: ولا يوجد في الشعوب الإسلامية على كثرتها واختلاف أجناسها، من وفّى الحديث قسطه من العناية في هذا العصر مثل إخواننا مسلمي الهند، أولئك الذين وُجد بينهم حُفَّاظ للسنة، ودارسون لها على نحو ما كانت تدرس في القرن الثالث حرية في الفهم ونظر في الأسانيد، كما طبعوا كثيرًا من كتبها النفيسة التي كادت تذهب بها يد الإهمال، وتقضي عليها غِيَرُ الزمان، وإن أساس تلك النهضة في البلاد الهندية أفذاذ أجلاء تمخضت بهم العصور الحديثة، وانتهجوا في تحصيل العلوم نهج السلف، فنبه شأنهم، وعلا أمرهم، وذاع صيتهم، وتكونت جمعيات سلكت سبيلهم وعملت على نشر مبادئهم، فكان لها ذلك الأثر الصالح، والسبق الواضح، ومن أشهر هؤلاء الأعلام ولي الله الدهلوي صاحب التصانيف في اللغتين العربية والفارسية، وأشهرها كتاب حجة الله البالغة، والسيد حسن صديق خان ملك بهوبال صاحب التصانيف الكثيرة أيضًا، وقد سبق ذكرهما في هذه الرسالة، ومن حسنات الثاني طبع فتح الباري في شرح البخاري للحافظ ابن حجر، ونيل الأوطار للإمام الشوكاني، وتفسير الحافظ ابن كثير مع تفسيره فتح البيان، طبعت هذه الكتب على نفقته في المطبعة الأميرية بمصر، فكانت من أنجح وسائل إحياء السنة.

    وقال في مجلة المنار (12/55): أمير العلماء وعالم الأمراء.

    وعدّه (32/2) من المجددين للإسلام في الهند.

    وله كلام كثير في الثناء عليه.

    وقال العلامة محمد كُرْدْ عَلي في مجلة المقتبس (43): كان هذا الملك أعلم الملوك المتأخرين، بل أشبه بأبي الفداء صاحب حماه في جمعه حكم الناس إلى معالجة التأليف، وهو بلا نزاع نابغة العجم والعرب في فهم أسرار الكتاب والسنة.

    وقال عنه الشيخ محمد بن حسين الفقيه الجُدّي (ت1355) في الكشف المبدي (68 و109): الإمام المجتهد المطلق. وقال (ص231): الإمام المحدِّث. وقال عنه (ص128): العلامة المحقق، خاتمة المحدِّثين، ومجدِّد القرن الثالث عشر.

    وقال الشيخ محمد منير آغا الدمشقي في نموذج من الأعمال الخيرية (ص388): رحمه الله وجعل الجنة مثواه، وكم له من أيادٍ بيضاء في خدمة العلم والعلماء، وإن جحد فضله الحاسدون وضعفاء العقول المتصنعون.

    وقال (ص395): للإمام العلامة محيي آثار السلف الصالح، ذي الأيادي البيضاء والنِّعَم العظيمة على العلماء. وقال (469) متكلمًا عن الهند: فإنها كانت منبع العلوم الدينية، ومجمع العلماء النقاد المشهورين، والمحدّثين المحققين، زمن الملك صديق حسن القوجي، صاحب الأيادي البيضاء، والمؤلفات العظيمة، ولم تزل دار نشر وطبعٍ لكتب السنّة الصحيحة، وغيرها من المؤلفات العظيمة النافعة.

    وعدَّه علّامة البوسنة محمد بن محمد الخانْجي الأزهري الحنفي الأثري أحد المجددين على رأس القرن الرابع عشر، ذكره في جزء الكلام على حديث المجدِّدين (ق22/ب).

    ووصفه الشيخ فوزان السابق في البيان والإشهار (ص257): بالإمام العالم العلامة. ووصفه في (ص171): بإمام زمانه.

    وقال العلامة محمد بن الحسن الحَجْوي المغربي في الفكر السامي (2/361): عمدة المسندين، وخَديم سنة سيد المرسلين، عنده غيرة فيها، له تآليف طبعت أسماءها مع ترجمته الواسعة ومآثره العلمية المتكاثرة في مفتتح "نيل الأوطار" للشوكاني، وقد خدم السنة النبوية خدمة تذكر له فتشكر في القرن الثالث عشر، وطبع الكثير من تواليفه، وكان من جلة الأمراء المصلحين... وعلى كل حال، فهو من مفاخر الأمة في القرن الماضي.

    وقال علامة المغرب عبدالحي الكَتّاني في فهرس الفهارس (2/1057): وبالجملة فهو من كبار من لهم اليد الطولى في إحياء كثير من كتب الحديث وعلومه بالهند وغيره، جزاه الله خيرًا، وقد عدَّ صاحب "عون الودود على سنن أبي داود " المترجم له أحد المجددين على رأس المائة الرابعة عشرة.

    وقال عنه فيه (1/362): الأمير المحدّث الأثري.

    وعدّه علامة الجزائر محمد البشير الإبراهيمي من كبار العلماء، كما في مجموع آثاره[17] (4/38).

    وقال العلامة مسعود الندوي في كتابه: محمد بن عبدالوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه (175): العالم السلفي المشهور في بلادنا.

    وقال الزِّرِكْلي في الأعلام (6/167): من رجال النهضة الإسلامية المجددين.

    ووصفه عبيدالله الرحماني في مرعاة المفاتيح (8/240) بالعلامة الشيخ.

    وقال العلامة محمد بهجة الأثري العراقي في مجلة لغة العرب (5/344): الإمام المصلح الكبير، وناشر ألوية العلم.

    وقال العلامة حماد الأنصاري (كما في المجموع في ترجمته 2/743): صدِّيق حسن خان من العلماء الكبار، وهو الذي أدخل العقيدة السلفية والحديث إلى الهند.

    ووصفه الإمام المحدّث الألباني في عدد من كتبه بالعلّامة، ومنها في صفة الصلاة (176)، ووصفه بالمحقق في كتاب صلاة التراويح (84).

    ووصفته اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة ابن باز في السعودية في فتاويها (3/534) بالعلامة.

    ووصفه العلامة بكر أبوزيد في طبقات النسابين (ص191) بالعلّامة السلفي.

    وقال عالم قطر عبدالله بن إبراهيم الأنصاري في مقدمته لتفسير فتح البيان: هو السيد الإمام، والعلامة الهُمام، صدر العلماء الأعلام، المُسندين في الهند، وعمدة الكرام المحدّثين المعتمدين، محيي السنة، وقامع البدعة، الحَبْر في التفسير والحديث والأصول، الذي انتشرت بوجوده علوم السنة والآثار، وصنف في ذلك الأسفار الكبار، المحدث المفسر الأصولي، أبو الطيب صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القِنّوجي الهندي، الذي شهد بكماله الداني والقاصي.

    وقال فيها إنه كان: كريمًا جوادًا شجاعا، جمع إلى الإيمان والتقوى الفراغ من ملاذ النفس وهوى الشيطان، فصيح اللسان، سريع الكتابة، سريع الحفظ والمطالعة، إذا ذكرت مسألة من مسائل الخلاف استدل ورجح، وهذا يدل على سعة ثقافته ورجحان عقله، ادعى الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه، كان إذا استدل ما رأيت أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً للسنة المطهرة وعزوها منه، لا تمنعه صولة صائل في تحرير الحق والعمل به.

    وقال: صار رأساً في المعقول والمنقول، وإمامًا في علمي الفروع والأصول، وجدّ واجتهد في إتقان القرآن والسنة وتدوين علومهما، ينصر السنة ويروج مصنفاتها، ويؤلف مؤلفاته الشريفة الممتعة النافعة باللسان العربي ولغة الفرس والهند، ويبذل المال الكثير في إذاعتها بالطبع والتقسيم.

    قال الإمام الآلوسي: إن الحنابلة بأجمعهم معظّمون للشيخ صديق خان ولعقيدته قابلون، ولكلامه سامعون.

    وقال علامة الهند أبو الحسن الندوي: وقد قام صديق خان شخصيًّا بما لا تقوم به مجامع علمية في أكثر الأحيان؛ لكثرة المؤلفات وضخامة الإنتاج.

    وحدثنا شيخنا سماحة الشيخ عبدالله العَقيل رحمه الله فقال في محاضرته بعنوان قصتي في طلب العلم: الشيخ صديق حسن معروفٌ، من كبار علماء الهند، وله المصنفات العديدة في فنون العلم.

    ووصفه في مواضع من فتاويه المطبوعة بالإمام.

    وقال شيخنا زهير الشاويش في تعليقه على الرد الوافر (301): من رجال النهضة المجددين، والعالم العامل الذي نشر لكثير من كتب السلف.

    وقال شيخنا عبدالرحمن الفَريوائي في بحث باسم تقريب السنة النبوية لناطقي اللغة الأردية والهندية في شبه القارة الهندية (نُشر ضمن أبحاث ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية): كان للعلامة صديق حسن القنوجي والمحدث نذير حسين الدهلوي وأصحابهما وتلاميذهما نصيب الأسد في تقريب السنة المشرفة لسكان شبه القارة الهندية، إضافة إلى ما لهم من مشاركة فعالة في شرح كتب الحديث باللغة العربية كما هو مبسوط في أكثر من كتاب مؤلف في تراجم علماء شبه القارة الهندية.

    والاستقصاء يطول، وفيما تقدم غنية، وكما ترى أثنى عليه الأكابر من عدة بلدان.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    مؤلفاته:
    عُرف المترجم بأنه من المكثرين في التأليف، وجاوزت مؤلفاته مائتي كتاب من الكتب الكبار والصغار في مختلف الفنون، باللغات الثلاث: العربية، والأوردية، والفارسية، ونصيب العربية 56 كتابًا، واستوعب الجميع العلامة محمد اجتباء الندوي في ترجمته، وكتب عنها دراسة نقدية تحليلية قيمة.

    والناظر في سيرة الرجل يجد أنه ألف مؤلفات كثيرة قبل توليه الملك، بل بدأ التأليف وعمره نحو عشرين سنة، ويجد جليًّا أنه كان ضنينًا بوقته، سريع النسخ والكتابة، صاحب عزيمة وهمة عظيمتين، فبقي يؤلف نحو ثلث قرن، ومن نظر لنشاطه في النسخ وقت رحلة حجه، ومدة تأليفه لبعض كتبه: رأى عجبًا من البركة وحفظ الوقت، وهذا أمرٌ قد يستنكره أرباب الكسل وضعف العزيمة والهمة.

    وكان -كما تقدمت الإشارة- على طريقة جملة من العلماء المتأخرين، كثير النقل والتلخيص والتهذيب، ومن الواضح أن هدفه كان نشر العلوم والمعارف في زمن ندرة الكتب وصعوبة الاطلاع على المصادر.

    وهذا موجز لبعض أهم كتبه وأشهرها بالعربية[18]:
    1- فتح البيان في مقاصد القرآن:
    طبع في 8 مجلدات، وعلى حاشيته تفسير ابن كثير، طُبع سنة 1290 بمصر، قال محمد رشيد رضا في تفسيره (12/179): أودعه تفسير أستاذه القاضي الشوكاني المسمى بفتح القدير وزاد عليه، فكان ما أورده عنه مغنيًا عن أصله. وقال عبدالوهاب الدهلوي: وهو من أحسن التفاسير وأنفعها، لخّص فيه تفسير الشوكاني، وزاد عليه أشياء مهمة ومفيدة جدًّا. وقال محمد منير آغا الدمشقي في نموذج من الأعمال الخيرية (396): وهذا التفسير خير من تفسير الشوكاني وأفيد، لأن مؤلفه أخذ زبدة ما تفسير الشوكاني وزاد عليه أشياء كثيرة، فكان أجمع وأوسع وأكثر فائدة، والله أعلم.

    2- الدين الخالص:
    قال الدهلوي: وهو أحسن كتاب في بيان التوحيد الخالص والدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة وترك التقليد، طبع في بهوبال، ثم تكرر طبعه في الدول العربية.

    1- أبجد العلوم:
    قال الدهلوي: كتاب مفيد جمع فيه كل ما يتعلق بالعلوم والفنون كلها، وذكر أهم المؤلفات في كل علم، وفي آخر الكتاب تراجم للعلماء المشهورين. طُبع في بهوبال بين سنتي 1290 و1296، ثم جُدد طبعه مرارًا في الدول العربية، ومنها في وزارة الثقافة السورية.

    2- التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخروالأول:
    قال الدهلوي: في تراجم بعض العلماء وخصوصًا علماء الحديث، انتخبهم من وفيات الأعيان لابن خلكان والبدر الطالع للشوكاني. طُبع في بهوبال، ثم تكرر طبعه في الدول العربية.

    3- عون الباري شرح تجريد البخاري للزبيدي:
    قال الدهلوي: مفيد للغاية. وقال شيخنا العلامة الكتبي عبدالكريم الخضير في بعض دروسه حول المقارنة بين شروح الكتب الستة: هذا شرح نفيس وجيّد، ويستفيد منه طالب العلم الذي لا يحتاج إلى ما في البخاري من تكرار وأسانيد. وقال: إنه أنفس من فتح المبدي للشرقاوي، وإنه مأخوذ في مجمله من شرح القسطلاني، ويمتاز بنقده في بعض المسائل العقدية. طُبع بهامش نيل الأوطار في بولاق سنة 1297، وفي بهوبال سنة 1299.

    4- السراج الوهاج شرح مختصر مسلم بن الحجاج للمنذري:
    قال الدهلوي: شرح مفيد للغاية. وقال شيخنا عبدالكريم الخضير: هو شرح جيّد نفيس، فيه مباحث لا توجد في شروح مسلم. طُبع في الهند سنة 1302.

    5- فتح العلام شرح بلوغ المرام:
    قال الدهلوي: وهو مختصر سبل السلام، ببعض زيادات حسنة. طُبع في بولاق سنة 1302.

    6- الروضة الندية:
    قال الدهلوي: وهو تهذيب كتاب الدراري المضية للشوكاني مع زيادات مفيدة. طُبع في بولاق سنة 1297.

    7- حصول المأمول من علم الأصول:
    قال الدهلوي: كتاب مختصر مفيد في أصول الفقه، لخّصه من إرشاد الفحول للشوكاني مع زيادات مفيدة، وهذا الكتاب يصلح للتدريس في الدارس الدينية بدلا من كتب الأصول المعقدة. طُبع في مطبعة الجوائب في الأستانة سنة 1296.

    8- الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة:
    قال الدهلوي: ذكر فيها كل ما يتعلق بالكتب الستة ومؤلفيها من المعلومات والفوائد، طُبع في الهند سنة 1283.

    تلك عشرةٌ كاملة من أشهر مصنفاته العربية، ومن أراد الاستقصاء فليرجع غير مأمور للمصادر التي استوعبتها، وأشرتُ لبعضها.

    وبالإجمال فقد قال الدهلوي: وأما مؤلفاته فكلها مفيدة ومحققة.

    وقال العلامة بكر أبو زيد في حلية طالب العلم (76): «عليك بالكتب المنسوجة على طريقة الاستدلال، والتفقه في علل الأحكام، والغوص على أسرار المسائل، ومن أجلِّها كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتلميذه ابن قيِّم الجوزية رحمه الله تعالى. وعلى الجادة في ذلك من قبلُ ومن بعد كتبُ: ..» فذكر جماعة من الأئمة، ثم ذكر منهم: «العلامة صديق حسن خان القنوجي (م1307) رحمه الله تعالى».

    وسبق جملة من الثناء على مؤلفاته ضمن ثناء العلماء عليه.

    رد شبهات وافتراءات حول كتبه:
    أثار بعضهم -وغالبهم من أعداء المترجم- التشكيك في مؤلفاته، وأنه كان ينتحل المصنفات ويحمل العلماء على التآليف باسمه، وتفاوتت التهم بتفاوت ديانة المتَّهِمين! وتبع ذلك من تبع دون تحقيق، أو عصبيةً محضة.

    وأقدم من وقفتُ عليه من هؤلاء هو الضابط الإنجليزي النصراني (!) إدوارد فنديك في اكتفاء القنوع (497)، فقال: أصله من عوام الناس إلا إنه توصل الى ملكة بهوبال في إقليم الدكان في الهند، وتزوج بها، وتسمى نائباً عنها. فعندما اغتنى بالمال جمع إليه العلماء، وأرسل فابتاع الكتب خط اليد من كل جهة، وجمع مكتبة كبيرة، وكلّف من حوله من العلماء بالتأليف، ثم أخذ مصنفاتهم ونسبها لنفسه، بل كان يختار الكتب القديمة التي لم تكن منها سوى النسخة الواحدة؛ ويغير العنوان ويبدله باسم آخر؛ ويضع على الصحيفة الأولى اسمه مع ألقاب الفخر.

    وتبعه مقتبسًا من تعبيره: الكوثريُّ في كتابه الإشفاق (ص76)، وردَّد ذلك بمَزيد تهويلٍ المقدِّمُ[19] لمصنَّف ابن أبي شيبة طبعة دار القبلة (1/29)، وزاد من عنده أن صديق خان لم يكن يَعرف ما في عشرات (!) الكتب المنسوبة إليه! وختم بأن التاريخ يفضح ولا يرحم.

    قلت: وهذه دعوى باطلة من وجوه:
    أولها: أنها في أصلها صدرت من ضابط إنجليزي صليبي، وهو عدوٍّ كافر! فكيف تُقبل دعواه؟! ومن تبعه معروف بالتعصب الشديد، وقلة الإنصاف، وعدائه لكل من انتسب لمذهب السلف.

    ثانيها: ثبوت كتابة المترجم لجملة من التصانيف وطباعتها قبل تاريخ تزوجه من أميرة بهوبال وتوليه الحكم، فقد بدء التأليف وعمره نحو عشرين سنة فقط، وقبل ذلك لم يكن من عوام الناس كما كذب عليه فنديك، لا في علمه، ولا مكانته، ولا شرفه.

    ثالثها: عدم وجود أي دليل مادي صحيح صريح يؤيد الدعوى، فهل وُجد مخطوط واحد لمؤلَّف ثبتت سرقته كما هو بعينه؟ أو دليل قطعي من إرغام العلماء على التأليف باسمه؟ بل إن مما يكذّب هذه الفرية: ثبوتُ تكليف النواب صديق خان لعددٍ من العلماء بالتأليف والترجمة، وإكرامهم بالجرايات، ثم تكفله بطبع أعمالهم، مع نسبة هذه المؤلفات لأصحابها، ومن ذلك تراجم الكتب السبعة بالأُردية، كما ذكر أصحابها في مقدماتها، ويُنظر في هذا بحث الشيخ رفيق أحمد بن إقبال أحمد السلفي بعنوان «صحيح الإمام البخاري تراجمه وشروحه باللغة الأردية»، والمقدَّم إلى ندوة ترجمة السنّة والسيرة[20].

    رابعها: عدم ذكر التهمة من جماعة ممن كان بينه وبين المترجم جفوة وردود من أهل العلم، مثل عبدالحي اللكنوي، وأحمد العطار، والثاني كان قريبًا منه جدًّا في قصره ومكتبته، وانحرف عنه بعد وفاته، بل بالعكس: أثبت الاثنان له أنه صاحب التصانيف الشهيرة، وصرَّح العطار -وهو شاهد عيان- فقال في معجمه (ص108): بورك له في التصنيف، ورزقه الله غاية السرعة في الكتابة، بحيث لم تر عيني كاتبًا أسرع منه قط.

    خامسها: رد أهل المعرفة والإنصاف والاختصاص لهذه الدعوى، ومن أجودهم العلامة محمد اجتباء الندوي في فصل كامل ضمن كتابه عن المترجم.

    وقال العلامة عبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس (2/1057): «وما لبعض المسيحيين في كتاب له اسمه "اكتفاء القنوع بما هو مطبوع" من أن المترجم كان عاميًّا؛ وتزوج بملكة بوهبال؛ فعندما اعتز بالمال جمع إليه العلماء؛ وأرسل يبتاع الكتب بخط اليد؛ وكلف العلماء بوضع المؤلفات؛ ثم نسبها لنفسه؛ بل كان يختار الكتب القديمة العديمة الوجود وينسبها لنفسه... الخ: فكلامُ أعدائه فيه، والا فالتآليف تآليفُه، ونَفَسُه فيها متّحد، نعم وقعت له فيها غلطات وتقدمات ألف في الرد عليه لأجلها عصريه أبو الحسنات عبدالحي اللكنوي كتابه تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد، وإبراز الغي الواقع في شفاء العي، وكل منهما لا يخلو تصنيفه ورده وجوابه من فوائد، جزاهما الله خيرًا».

    وقال علامة العراق محمود شكري الآلوسي في غاية الأماني (2/94): والنواب رحمه الله لم يكن له حاجة لمعاونة أحد ولا خدمته، وفضله أشهر من أن ينبَّه عليه.

    وسئل شيخنا العلامة المطلع عبدالكريم الخضير في درس شرح زاد المستقنع:
    صدّيق يا شيخ قلتم: إنه من أهل التحقيق، طيب ما يقال عنه: إنه كان ينقل الكتب سيما حق الصنعاني والشوكاني بالصفحات بعشرات الصفحات ويطبعها باسمه، مدى صحة هذا؟

    فقال شيخنا: لا شك أن صديق حسن خان مكثر من التأليف، ووُجد باسمه مؤلفات كثيرة مئات، وظرفه قد يساعده من الناحية المادية، وقد يقول قائل: إنه بالنسبة للوقت وضيقه لأنه ملك، نعم، قد يوجه إليه بعض الاتهام، وقد وُجِّه أنه يأخذ المؤلف من كتب الشوكاني فيقدم فيه ويؤخر ويزيد وينقص شيئاً يسيراً وينسبه إلى نفسه، يعني من قارن بين الروضة الندية مع الدراري المضيئة للشوكاني وجده أدخل الدراري كلها في الكتاب، وزاد عليه من حجة الله البالغة شيء، ومن غيره أشياء، على كل حال الرجل اتُّهم، والأصل أن ما يدعيه الإنسان صحيح ما لم يثبت خلافه، وهو في الأصل رجل ثقة، ومعروف بالعلم والإتباع، وقابله العلماء الذين ذهبوا من هذه البلاد، وأخذوا عنه وأجازهم، ونصر مذهب أهل السنة هناك، ونشر كتبهم، وطبع كتب العلماء المحققين، وكتبه لا تخلو من فوائد وزوائد على ما ادُّعي أنه نقلها برمتها[21]، كونه زاد على الدراري المضيئة أشياء، قد يخوِّل له نسبة الكتاب إليه، لا سيما وأن الأشياء التي أضافها على الدراري كثيرة في الروضة الندية، تفسيره أيضاً فيه إضافات كثيرة جدًّا على ما في تفسير الشوكاني، نعم هناك تشابه كبير، وهو معجب أيما إعجاب بالشوكاني، معجب به، ولو قيل: إنه احتوى جميع كتبه في مؤلفاته لما بعد، وعلى كل حال مثل هذا لا ينفي كونه من أهل العلم، وأنه من المؤلفين. انتهى.

    تنبيهات على أمورٍ وقعت في ترجمته:
    جاء في كتاب الأزهر في ألف عام (1/212) ضمن الكلام على أعلام خريجيه من الغرباء: «ومنهم السيد صديق حسن خان أمير بهوبال السابق، وقد تخرج في الأزهر، وكان منتسبًا لرواق البخارية، ثم عاد إلى إمارته فأصلح شؤونها، وأقام فيها مجالس العلم، حتى توفي في سنة 1329بعد أن رفع شأن بلاده». انتهى، وأعاد معناه بزيادات وتصويب تاريخ الوفاة في (2/401).

    قلت: لا أعرف لهذا أصلًا! وفيه أغلاطٌ واضحة تبين حال الباقي.

    • استشكل بعض العلماء ما كرره المترجم في بعض مؤلفاته: قال شيخنا وبركتنا الإمام الشوكاني. لأنه لم يدركه، والصحيح أن العبارة هذه للتجوز والتعظيم والتشريف، لأن المجمل يرد للمفصل، فله مواضع يصرح فيها بشيخ مشايخنا، وأنه يروي عنه بالواسطة، والتاريخ في ذلك ظاهر، ومن التخريج اللطيف ما قاله شيخنا عالم اليمن محمد بن إسماعيل العَمْراني في لقاء بمجلة البيان (العدد 159): صدِّيق حسن خان يقول في مؤلفاته: «قال شيخي الشوكاني» وليس بشيخه وإنما شيخ شيخه، أو شيخه بمطالعة مؤلفاته؛ لأن الشوكاني توفي سنة 1250هـ في صنعاء، وصدِّيق خان إذ ذاك كان طفلاً عند وفاة الشوكاني؛ حيث ولد في 1246هـ؛ ولكن بواسطة عبدالحق الهندي أو غيره، أو بواسطة بيت الحازمي، وهم سادة وعلماء في (صَبْيا)، وكانوا يدرسون في صنعاء، ويشترون مؤلفات الشوكاني، وينقلونها إلى (صبيا)، ثم جاءت رسل صدِّيق حسن واشتروا له الكتب بواسطة بيت الحازمي، وبواسطة القاضي محسن السبيعي أحد علماء (صبيا).

    • وذكر فضيلة الشيخ المكرم يوسف المَرْعَشْلي في كتابه معجم المعاجم والمشيخات (2/294) الاتصال إلى صديق خان من طريق حسين بن محسن الأنصاري عنه، ولا أعرف أن الأنصاري يروي عن المترجم، والمعروف العكس، وهنا يناسب ذكر من روى المترجم عنهم:

    شيوخه في الرواية:
    يروي المترجم عامة عن عدد من المشايخ، وهم:
    1- المفتي محمد صدر الدين الدهلوي (ت1285): درس عليه العلوم، وأخذ عنه صحيح البخاري قراءة وسماعًا لجميعه، وصرَّح بإجازته العامة.

    2- زين العابدين بن مُحْسِن الأنصاري (ت1297): قرأ عليه صحيح مسلم، وسنن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدراري المضية، كلها كاملات، وأجاز له عامة.

    3- محمد يعقوب بن محمد أفضل الدهلوي (ت1282): أجاز له عامة مكاتبة سنة 1281.

    4- حسين بن مُحْسِن الأنصاري (ت1327): قراءة عليه البخاري، والموطأ، وسنن أبي داود، والشمائل، والأوائل السنبلية، ومسلسلات ابن عقيلة، كلها كاملات، وأجاز له عامة.

    5- عبدالحق بن فضل الله المحمدي (ت1286): أجاز له عامة، وهو أعلى شيوخه إسنادًا.

    هؤلاء من ذكرهم في ثبته سلسلة العسجد المطبوع سنة 1293، وبعد طبعه أخذ الإجازة أيضًا من:
    6- يحيى بن محمد بن أحمد الحازمي قاضي عدن، في ذي الحجة سنة 1295.

    النعمان الآلوسي (ت1317)، أجاز له باستدعاء بعض أصحابه سنة 1296، وتدبجا، ذكرهما والخمسة قبلهم في أبجد العلوم المؤلَّف سنة 1296، ولا أدري إن كان استجد له بعدها رواية أم لا[22].
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    [1] كتبه نثرًا ونظمًا في الرد على بعض أهل الأحساء الذين اعترضوا على كتب المترجم، وعارضهم من أهلها عالمُها السلفي الشيخ عيسى بن عكاس، انظر: مشاهير علماء نجد (ص277).
    [2] وزدتُ أشياء من ترجمة تلميذه أبي الخير العطار في الحاشية، ويوجد عنده خلافٌ يسير في أسماء عمود النسب، فقدَّمتُ ما ذكره المؤلف عن نفسه.
    [3] هي مدينة تاريخية قديمة شمالي الهند، وكانت من أشهر مراكز المُلك فيها، ولها ذكرٌ كثير في التواريخ، ولكنها تضاءلت في العصور المتاخرة.
    وأما ضبطُها: فقيَّده في معجم البلدان (4/409) بفتح القاف، وتشديد ثانيه، وآخره جيم. ومثله في مراصد الإطلاع (3/1129).
    ولكن ورد في رحلة ابن بطوطة (4/16) أنها بكسر القاف، وفتح النون، ونقله القلقشندي في صبح الأعشى (5/73) عن كتاب تقويم البلدان كذلك، وقال في القاموس المحيط (203): كسِنَّوْر. وعليه اعتمد المترجَم في الحطة (256) ولقطة العجلان (64) وغيرهما.
    قلت: نُطق الهنود لها اليوم هو قَنُّوج مثل ضبط معجم البلدان، هكذا سمعتُه منهم، وسألتُ بعض علماء المنطقة القريبة منها فأجاب بذلك، وهذا الضبط الذي اعتمده الزركلي في الأعلام (5/204)، وقال: هو الضبط المعروف عند علماء الهند اليوم. وذكر نحوه مصطفى جواد في مقال بمجلة العرب (7/813).
    [4] وهو الجلال الثاني.
    [5] وهو الجلال الأول الملقب بالورد الأحمر، وقال العطار: «وهو أول من سكن بأرض بخارى من أجداده وإليه تنسب ذريته، ويقال لهم: البخاريون، مع أنهم قد انتقلوا من بخارى إلى أرض مُلْتان أولًا، ثم إلى الهند وإلى كجرات وغيرها من البلاد».
    قلت: هكذا ذكر هنا أنه أول من سكن بخارى، والصواب ما ذكره العطار بعدُ: أن الجلال الاول هو أول من انتقل من بُخارى وتديَّر البنجاب من أرض الهند.
    [6] في معجم العطار ونزهة الخواطر (1/109): أحمد.
    [7] غالب ما في هذه النبذة وما بعدها ملخص من ترجمة صديق خان للعلامة محمد اجتباء الندوي، سوى ما أشرتُ له.
    [8] قال المترجَم في لقطة العجلان (ص106) عن قَنّوج: «وكانت هذه البلدة هي موطن آبائنا منذ ثلاثمائة سنة تقريبًا حتى خرجتُ منها منذ أعوام ثم لم نعد، ونزلنا ببلدة بهوبال، وبها نعيش هذه الأيام».
    [9] قلت: سبحان من لا يضيع عنده شيء، فتأمل كيف ترك الرجل هذه الدنيا العريضة تديُّنًا لله، فعوض الله أضعافها لولده بعد حين، بعد يُتم وضيق حال ومعاناة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه.
    والتاريخ مليء بالشواهد التي يكون فيها العوض إن لم يظهر في عاجل الحياة ففي الذرية، والله لا يضيع أجر المحسنين، فنسأله من فضله العظيم وبركاته التامة في ديننا ودنيانا وأهلنا وذرياتنا.
    [10] وقال في تقديمه لكتاب صديق حسن خان من تأليف محمد اجتباء الندوي: ومن مآثره وحسناته [يعني صديق خان] أنه كان السبب في انتقال العلامة الشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليماني الانتقال الأخير الدائم، وإقامته في بهوفال، وهو الذي انتهت إليه رئاسة تدريس الحديث الشريف، وانتشرت إجازته في الهند في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وتخرج عليه أئمة تدريس الحديث وكبار أساتذته في شبه القارة الهندية، وبوجود العلامة الأمير على منصة الرئاسة والإمارة، وطلوع السهيل اليماني في جواره وحماه: أصبحت بهوفال محط رحال العلماء، ومنتجع رواد الحديث، وكانت لعلم الحديث نهضة وانتفاضة لا نظير لها حتى في البلاد العربية، وفي مراكز هذا العلم القديمة، ونشطت حركة التأليف والتدريس والشرح في طول الهند وعرضها، وكان للسنة وحَمَلتها والدعاة إليها جولة وصولة، وكان لأهل البدع ضعف واختفاء في ربوع هذه الإمارة الإسلامية التي مَلَك زمام الأمور فيها مدة من الزمن، وكانت له فيها الكلمة المسموعة والأعلام المرفوعة. انتهى.
    [11] تأمل في المبالغ التي ستُذكر، وهي مبالغ ضخمة آنذاك، وتذكر أنه كان يطبعها على نفقته الخاصة كما قال مترجموه، وأن غلته من إقطاع الملكة هو خمسين ألف روبية سنويًا، فكتاب فتح الباري فقط كلّفه غلة إقطاعٍ لسنة كاملة!
    [12] قلت: قال السيد أحمد صقر في مقدمة لفتح الباري (انظر كتاب مقدماته ص280): «ولعل آخر ما أختم به هذا المدخل الموجز إلى فتح الباري أن أذكر بالخير صاحب الفضل الأول في نشره، وهو العالم المجاهد الهندي محمد صديق خان (1248-1307هـ) فقد أنفق على طبعه في مطبعة بولاق سنة 1300هـ، وجئنا نحن بعد تسع وثمانين سنة فكان قُصارانا أن نصوِّر طبعته! تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه، وتقبّل عنه أحسن ما عمل».
    [13] بعض هذه الردود ردودٌ علمية من علماء مثل عبدالحي اللكنوي، وبعضها الآخر يكفي معرفة عناوينها لتصور مقدار كاتبها وديانته، مثل: العروج بالفروج، والأُس بالكـ..! كما أخبرني بذلك بعض علماء الهند!
    ولتصور الإرهاب الفكري والإرجاف الذي مارسه خصوم المترجم؛ وخصوم فكره السلفي آنذاك: أنقل نصّين من كلام العلماء النائين عنه، ولكم القياس لمعرفة حال القريبين؛ وخصومُهم زيادة على ذلك: الدولة والمستعمر الصليبي!
    فقال علامة الشام الجمال القاسمي؛ كما الرسائل المتبادلة (ص127): ولقد طورد السيد عبدالله السنوسي من فاس من نحو خمسة عشر عاماً لميله لذلك [أي المشرب السلفي]، ومدافعته عن السيد صديق حسن، وكان حضر وقتئذ، وحكى لنا غرائب، والله يهدي من يشاء ويختص برحمته من يشاء.
    وقال العلامة محمد المكي بن عَزّوز في رسالة منه لعبد العزيز الرشيد الكويتي، نشرها في مجلة الكويت (10 العدد الأول): وأيضًا لا نعرف في بلادنا المغربية إلا التقليد الأعمى، فقد كنا نعد الفتوى بحديث البخاري ومسلم ضلالًا، وكما شدد علينا شيوخنا في ذلك، شدَّدْنا على تلاميذنا هناك، فالتاجر كما اشترى يبيع ويزيد المكسب، فمن ذلك أني عند سفري إلى المشرق استعار مني ابن أختي الخضر ابن الحسين الذي لقيتموه في المدينة (نيل الأوطار) للشوكاني، فما تركتُه حتى أقسم لي بالله أنه لا يتبعه فيما يقول! ومن ذلك أني وجدت في عام 1300 كتاب (الروضة الندية) للسيد صديق حسن خان يباع عند كُتبي في مكسرة، اسمه الشيخ الأخضر السنوسي العقبي، فنهرته وزجرته، وقلت له: حرام عليك تبيع الروضة الندية! فصار يعتذر بمَسْكَنة؛ كأنه فعل خيانة! أما تصانيف ابن تيمية وابن القيم فوالله ما نظرتُ فيها سطرًا لنُفرة قلوبنا منها! ومن جهل شيئاً عاداه!
    لكن في العاجز رائحة استعداد وشوق للدليل، فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت؛ لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب: فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفتُ سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالَع، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم، ويلحق بها كتب السَّفّاريني، وجلاء العينين للسيد نعمان، وآثار إبراهيم الوزير، ونحوهم، ومنذ عرفت الحقائق استرذلتُ الحكم بلا دليل، والحمد لله، وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا.
    * قلت: فهذان مثالان ناطقان لصنائع جملة من خصوم المترجم، وفي المقابل أذكر مثالا معاكسًا لموقف المترجم مع أبرز خصومه في الردود العلمية، وهو العلامة أبو الحسنات عبدالحي اللكنوي، فقال الحسني في ترجمته بنزهة الخواطر (8/253): وكذلك جرت بينه وبين السيد صديق حسن الحسيني القنوجي فيما ضبط السيد في اتحاف النبلاء وغيره من وفيات الأعلام نقلًا عن كشف الظنون وغيره، وانجرت إلى ما تأباه الفطرة السليمة، ومع ذلك لما توفي الشيخ عبدالحي المترجم له تأسف بموته تأسفاً شديداً، وما أكل الطعام في تلك الليلة، وصلى عليه صلاة الغيبة، نظراً إلى سعة إطلاعه في العلوم والمسائل.
    وقال شيخنا عبدالفتاح أبو غدة في مقدمة تحقيقه للرفع والتكميل (هامش ص31): لقيتُ في رحلتي إلى الهند وباكستان في العام الماضي سنة 1382 حفيد صديق حسن خان: الشيخ رشيد الحسن حفظه الله تعالى ونفع به، فحدّثني أن السيد أمر بإغلاق بلدة بهوبال التي هو ملكُها ثلاثة أيام حزنًا على الشيخ أبي الحسنات! وقال: اليوم مات ذوق العلم! وما كان بيننا من منافسات إنما كان للوقوف على المزيد من العلم والتحقيق.
    [14] ومما قال فيها ضمن ثنائه الطويل على المؤلِّف (ص157): «وأما المَلِكُ نفسُه فأُقْسِمُ بمَن مَلَّكَه من المعارف والبلاد ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدهْ، ومن أَلْزَمَ قلبي بحبِّه وسائرَ جوارحي بشُكرهِ وحَمْدِهْ: إنه لَلسيِّد العَلّامة الذي عجزتْ دون بلوغ مناقبه نوابغُ الفصحاء، واعترفتْ بانفراده في الفنون على تشعُّبِها أفاضلُ العلماء، والملك العادل الذي خضعت دون عتبته رقاب الملوك والأمراء، واستوتْ في أحكامه الأكابر والأصاغر والأغنياء والفقراء، وماذا أقول في ملكٍ عادل؟ عالمٍ عامل؟ نشر العمران في بلاده، وبثَّ المعارف في أغواره وأنجاده، ثم لم تقنع فضائله بذلك حتى انتشرت في جميع بلاد الإسلام، فازدحم الناس على مناهلها العذبة؛ والمنهلُ العذبُ كثيرُ الزحام، وهو لعَمْري فريدُ الزمان في هذا الشان، ونادرةُ نوعِ الإنسان في جمع المُلْكِ والعِرْفان، إذ لم نسمع قبله بمَلِكٍ جمع بين الرياستين الملكية والعلميَّهْ، وقام بحقوقهما معًا فلم يُلهِه تحقيقُ العلوم عن النظر في حال المُلْكِ والرعيَّهْ، وهو مع ذلك له نفسٌ اكتست من حلل الكرم والمجد بكل حلة حسناء، ونَسَبٌ تحسِبُ العُلا بحُلاهُ * قَلَّدَتْها نُجومَها الجَوْزاء، فلله درّه من هُمام أدرك الشرف الأعلى بجدّه واجتهاده، ولم يكتف بالشرف الموروث عن آبائه الكرام وأجداده».. الخ مديحه، وهو عالٍ في صفحات.
    تنبيه: هذا كلام النبهاني عن المؤلف لما كان في سدّة المُلْك، مع كون المؤلف قد صرَّح بأفكاره في مؤلفاته المطبوعة قبلُ، مثل «خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان» المطبوع بالجوائب، ولكن بعد عزله ثم وفاته بدَّل النبهاني موقفه منه، وشنَّع عليه وعلى كتبه! كما يظهر في كتابه شواهد الحق، فتأمَّل! ورد عليه في هذا العلامةُ محمود شكري الآلوسي في مواضع من غاية الأماني، والله المستعان.
    [15] وانظر تعليقات جيدة حولها في رسالة الشيخ الدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف المسماة: وقفات دعوية من سير علماء الدعوة النجدية.
    [16] قلت: وقد بادل المترجمُ النعمان التقدير والثناء، وتدبجا الإجازة، ومما قاله المترجم عن النعمان في التاج المكلل ضمن ترجمته: "حِبِّي في الله ربي، أظهر الغيب المبرأ عن كل شين وعيب.. وبرع، وساد، وألّف، وأفاد، حتى فاق - مع كونه شابّاً - الشيوخَ، وثبت له في كل علم أتم الرسوخ، وصنّف جملة صالحة من التصانيف، وحرر زبراً نافعة من التآليف.. وله نثر ونظم، يزري باللؤلؤ والنجم.. تفرد في الفحول بقوارع وعظه، وأذاب القلوب بزواجر لفظه".
    وقال في أبجد العلوم: الشيخ العلامة زينة أهل الاستقامة.
    [17] وفيه ذكر أنه لم يسلم من بعض آثار العجمة في كتاباته.
    وفي المقابل فإن عالم اللغة سعيد الأفغاني كان يحيل في على كتاب البلغة، كما في مقال بمجلة الرسالة (491)، ومرّ ضمن الثناءات عليه مدحه في عربيته.
    [18] مع الاستفادة أيضًا مما كتبه الشيخ عبدالوهاب بن عبدالجبار الدهلوي في مقالاته: «استفدت من هؤلاء المؤلفين»، ومعجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية، ومعجم المطبوعات لسركيس، وزيادات أخرى.
    [19] وللأسف فقد كان أحرى من غيره في إنصاف صدّيق، لأن عنده من العلم والديانة والفضل ما يرجى له ومنه الخير، ولأن عملَه على المصنَّف وغيره مجملُه إشرافٌ على جهود طلبةٍ وباحثين في مكتبٍ لتحقيق التراث، فليته اعتذر له بالمثل، على الأقل ذاك تهمتُه جمع «علماء» لأعماله! غفر الله للجميع، ورزقنا الإنصاف والستر والعافية، وسامحنا وإياه.
    [20] وأنقل مطولًا من كلامه لما فيه من الفوائد والحقائق الدامغة لتلك الدعوى، فقال: «وفي القرن الثالث عشر الهجري اتجه العلماء إلى التأليف والترجمة باللغة الأردية، وظهرت مكتبة إسلامية كبيرة ومنوعة، وكانت الريادة في هذا الباب لمحيي السنّة ومجدد العلوم الإسلامية في عصره الإمام النواب صديق حسن خان البوفالي (ت 1307هـ)، ففكّر في ترجمة الكتب الحديثية الستة (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن لأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه)، فكلَّف لهذا العمل الكبير العالمين الشقيقين: النواب بديع الزمان الحيدر آبادي، والنواب وحيد الزمان الحيدر آبادي، وقرر لكل منهما خمسين روبية هندية على هذا العمل، يقول النواب وحيد الزمان الحيدرآبادي في مقدمة ترجمة موطأ الإمام مالك:
    «بعد الحمد لله والصلاة على نبيه يقول العبد العاجز الفقير: إنه في سنة 1294هـ لما امتلأت الهند بالبدع والخرافات، وأعرض الناس عن الكتاب والسنة، هاجرتُ مع الأسرة من حيدر آباد إلى الحرمين الشريفين، فلما وصلتُ إلى مدينة بونا تلقيتُ من قبل الشقيق الشيخ بديع الزمان خطابًا من مدينة بوفال، مفاده أن قامع البدعة ومحيي السنَّة الأمير البوفالي النواب صديق حسن خان قد سُرّ من خبر هجرتنا من مدينة حيدر آباد، وكلَّفنا بترجمة الكتب الستة إلى اللغة الأردية، وقرر المعاش خمسين روبية شهريا، وسَرَّنا هذا الخبر السارّ، فشكرنا الله الجبار الغفار، وزيادة على هذا قد نقوم بهذه الخدمة في أرض الحرمين الشريفين، فظننا هذا تصديق قوله تعالى:"وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً" ولله الحمد على أننا قد وصلنا مكة المكرمة مع الأهل والعيال و سكننا هناك، ولأن الأخ المكرم (بديع الزمان) كان قد بدأ بترجمة جامع الترمذي: قمتُ أنا بترجمة موطأ الإمام مالك، لأن الكتابين مختصر وسهل، وسوف ينتهي هذا العمل في سنة 1295هـ إن شاء الله».
    وسمى النواب بديع الزمان ترجمة سنن الترمذي بـ «جائزة الشعوذي بترجمة جامع الترمذي»، وطبعت أول مرة بالمطبع المرتضوي بدهلي في سنة 1296هـ.
    وفي نفس المدة تمت ترجمة جامع الترمذي، وكان بودِّ النواب وحيد الزمان بعد الفراغ من الموطأ أن يبدأ بترجمة صحيح البخاري، ولكنه نظرًا إلى عدم توفر المراجع والمصادر لشرح أحاديث هذا الكتاب لم يتجرأ لهذا العمل، وبدأ بترجمة سنن أبي داود، وأكملها وسماها «الهدي المحمود بترجمة سنن أبي داود»، وطبع الكتاب في عام 1301هـ بالمطبع الصديقي بلاهور.
    يقول النواب وحيد الزمان في مقدمة هذه الترجمة: « قد انتهينا من ترجمة الموطأ وسنن الترمذي في سنة 1296هـ، وكان بودنا أن نقوم بترجمة صحيح البخاري، وهذا كان بود النواب البوفالي أيضًا، ولكن لم نتجرأ على ترجمة صحيح البخاري لعدم توفر المراجع الضرورية لها؛ فبدأنا بترجمة سنن أبي داود، وانتهينا منها في 24 من شهر ربيع الآخر سنة 1297هـ».
    وبعد الفراغ من هذا العمل بدأ الشيخ بترجمة سنن النسائي باسم «روض الربى من ترجمة المجتبى» وأكملها في مجلدين ضخمين، وطبع الكتاب لأول مرة في سنة 1302هـ بالمطبع الصديقي بلاهور، وهكذا تمت تراجم أربع كتب من دواوين السنة إلى اللغة الأردية: موطأ الإمام مالك، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وانتشرت بين الناس، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    وبعد الفراغ من ترجمة السنن الأربعة كان بود النواب وحيد الزمان -رحمه الله- أن يبدأ بترجمة صحيح البخاري، وفي نفس الوقت قد شرع النواب البوفالي في طباعة فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر بالقاهرة، فانتظر النواب الحيدرآبادي صدور فتح الباري لكي يتوفر له أهم مرجع لهذا العمل، ولذا بدأ بترجمة صحيح مسلم، وأكملها في سنة 1305هـ، وسماها بالمعلم بترجمة صحيح مسلم، وطبعت في سنة 1306هـ بالمطبع الصديقي بلاهور.
    [21] هذا الملمح لعله غاب عن بعض من اتهم المترجم بسرقة كتب علماء اليمن، مثل الأستاذ البحاثة عبدالله الحبشي اليمني في مقدمة النفس اليماني وغيره، لكن تنبه له غيرُه ممن تكلم عن مؤلفات المترجم، مثل عبدالوهاب الدهلوي، ومحمد منير آغا، ومحمد رشيد رضا، وشيخنا الخضير، وهم علماء وكتبيون.
    وأنبّه أن فعل المترجم من استيعاب ما في مصنفات بعض العلماء وتلخيصها وتهذيبها والزيادة عليها مسلك مطروق معروف عند جمع من العلماء، بعزو ودونه، والأمثلة كثيرة، وإلا فما اتُّهم به ينسحب على أولئك أيضًا!
    [22] وللتنبيه فقد ورد في ترجمة صديق خان في مسودة معجم أبي الخير العطار (خ) عدة أوهام، ومنها نفيه الإجازة العامة من القطب الدهلوي، ومحمد يعقوب، خلافًا لتصريح المترجم! وحَصَر شيوخه في الخمسة الأُوَل دون من لحقهم، وعلى كل حال فترجمته هناك فيها انحراف ظاهر وتحامل على شيخه المترجم، ولا سيما أواخرها، ويظهر لي فيها تأثره بالظروف التي انقلبت على المترجم هنالك بآخر حياته وبعد وفاته، على أن النسخة مسودة؛ ولعله غيّر فيها بعدُ، رحم الله الجميع.
    وكأنه لذلك لم يتبع الكتاني في فهرس الفهارس (2/1055) صاحبه العطار في نفي روايته العامة عن الدهلويَّيْن، رغم وقوفه على كلامه في معجمه المذكور، واعتمد كلام المترجم عن نفسه في سلسلة العسجد، بيد أنه أيضًا حصر مشيخته في الخمسة الأُوَل، فكأنه ما وقف على كلامه المتأخر في أبجد العلوم.
    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/57749/#ixzz4yNZAqcZT
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    جزاكم الله خيرًا شيخنا.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وجزاكم مثله أبا يوسف.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •