تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: ما جاء عن بعض أئمة الحنفية مما فيه نهي عن وسائل الشرك؛ كالبناء على القبور، وإسراجها، واتخاذها مساجد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي ما جاء عن بعض أئمة الحنفية مما فيه نهي عن وسائل الشرك؛ كالبناء على القبور، وإسراجها، واتخاذها مساجد

    قال العلَّامة تقي الدين البركوي الحنفي رحمه الله (981هـ) في «زيارة القبور الشرعية والشركية»:

    «وقد ذكر محمد بن إسحاق في «مغازيه»، من زيادات يونس بن بكير، عن أبي خلدة خالد بن دينار قال: حدثنا أبو العالية، قال: لما فتحنا «تُسْتَر» وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرًا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب ﭬ، فدعا كعبًا فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأته، فقرأته مثل ما أقرأ القرآن، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بَعْدُ، فقال مَن كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال عليه السلام، فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة، فقلت: ما كان تغيَّر منه شيء؟ قال: لا؛ إلا شعيرات مِن قفاه؛ إنَّ لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع، فقلت: ما كان يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حُبِسَت عنهم أبرزوا السرير، فيُمطرون، فقلت: فما صنعتم به؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة فلما كان الليل دفناه، وسويَّنا القبور كلها؛ لنُعَمِّيَه على الناس فلا ينبشوه.


    فانظر القصة، وما فعله المهاجرون والأنصار؛ كيف سَعَوْا في تعمية قبره؛ لئلَّا يُفتن الناس به، ولم يبرزوه للدعاء عنده والتبرك به، ولو ظفر به هؤلاء الخُلوف لحاربوا عليه بالسيوف، ولعبدوه من دون الله تعالى؛ فإنهم قد اتخذوا من القبور أوثانًا مَن لا يدانيه ولا يقاربه، وبنوا عليها الهياكل، وأقاموا لها سَدَنة، وجعلوها معابد أعظم من المساجد.

    فلو كان الدعاء والصلاة عند القبور فضيلة أو سُنَّة أو مباحًا، لنصب المهاجرون والأنصار هذا القبر علمًا لذلك، ودعوا عنده، وسَنُّوا ذلك لمن بعدهم، ولكنهم كانوا أعلم بالله ورسوله ﷺ ودينه من هؤلاء الخلوف الذين ضلوا عن الطريق المستقيم، وكذلك التابعون لهم بإحسان، راحوا على هذا السبيل، وقد كان عندهم من قبور أصحاب رسول الله ﷺ في الأمصار عدد كثير وهم متوافرون، فما منهم من استغاث عند قبر أحد، ولا دعاه، ولا دعا به، ولا استنصر به؛ فلو كان وقع شيء منها لنُقل؛ إذ من المعلوم أن مثل هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله.

    فحينئذ يتبين أن الدعاء عند القبور، والدعاء بأربابها لا يخلو: إما أن يكون أفضل منه في غير تلك البقعة، أو لا.


    فإن كان أفضل، كيف خفي علمًا وعملًا على الصحابة والتابعين وتابعيهم، فتكون القرون الثلاثة الفاضلة جاهلة بهذا الفضل العظيم، وتظفر به الخلوف علمًا وعملًا، ولا يجوز أن يعلموه ويزهدوا فيه مع حرصهم على كل خير؛ لا سيما إذا ظهر لهم حاجة فاضطروا إلى الدعاء؛ فإن المضطر يتشبث بكل سبب، وإن كان فيه كراهة ما؛ وهم كيف يكونون مضطرين في كثير من الدعاء ويعلمون فضل الدعاء عند القبور ثم لم يقصدوه هذا محال طبعًا وشرعًا؛ فتعيَّن القسم الآخر الذي هو أنه لا فضل للدعاء عند القبور، ولا هو مشروع، ولا مأذون فيه، بل هو مما شرعه عُبَّاد القبور، ولم يشرعه الله، ولم يُنزل به سلطانًا.


    وقد أنكر الصحابة ما هو دون هذا بكثير؛ كما روى غير واحد عن المعرور بن سويد أنه قال: صليت مع عمر بن الخطاب ﭬ في طريق مكة صلاة الصبح، فقرأ فيها: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾ [الفيل: 1]، و﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)﴾ [قريش: 1]، ثم رأى الناس يذهبون مذاهب، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد فيه صلى رسول الله ﷺ فهم يصلون فيه، فقال: إنما هلك مَن كان قبلكم بمثل هذا؛ كانوا يتَّبِعون آثار أنبيائهم، ويتخذونها كنائس وَبِيَعًا؛ فمَن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصلِّ، ومن لا، فليمض ولا يتعمدها.


    وكذلك لما بلغه أن الناس ينتابون الشجرة التي بايع تحتها رسول الله ﷺ أصحابه، أرسل فقطعها»اهـ.

    وقال العلَّامة البركوي رحمه الله أيضا: «فلما كان مبدأ عبادة الأصنام ومنشؤها من فتنة القبور، نهى رسول الله ﷺ أمته عن الافتتان بها بوجوه كثيرة:
    منها: أنه ﷺ نهى عن اتخاذها مساجد؛ كما ثبت في «صحيح مسلم»، عن جندب بن عبد الله البجلي ﭬ، أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، يَقُولُ: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».

    وفي «الصحيحين»، عن عائشة ڤ، أنه ﷺ قال في مرضه الذي لم يقم منه: «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»؛ يحذر ما صنعوا، قَالَتْ: لَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ؛ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.


    وقولها: «خُشِيَ»، بضم الخاء؛ تعليل لمنع إبراز قبره ﷺ؛ فإنهم اختلفوا بعد موته ﷺ في موضع دفنه، حتى سمعوا ما رُوِيَ عنه ﷺ: «أن الأنبياء يُدفنون حيث يموتون»؛ فلما كان هذا من خصائصهم دفنوه في حجرتها، خلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء؛ لئلا يصلي أحد على قبره، ويتخذوه مسجدًا، فإنه ﷺ نهى أمته عن اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته، ثم لعن من فعل ذلك من أهل الكتاب؛ تحذيرًا لهم أن يفعلوا ذلك.


    وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، والصلاة إليها؛ متابعة منهم للسُّنَّة الصحيحة الصريحة، ونَصَّ أصحابُ أحمد ومالك والشافعي بتحريم ذلك.

    وطائفة وإن أطلقت الكراهة لكن ينبغي أن تُحمل على كراهة التحريم؛ إحسانًا للظن بالعلماء، وأن لا يُظَنُّ بهم أن يُجَوِّزوا فعلَ ما تواتر عن رسول الله ﷺ لعن فاعله، والنهي عنه.


    ومنها: أنه ﷺ نهى عن إيقاد السُّرُج عليها؛ لِمَا روى الإمام أحمد وأهل «السنن»، عن ابن عباس ﭭ، أنه ﷺ لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِي نَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ.

    فكل ما لعن عليه رسول الله ﷺ فهو من الكبائر، وقد صرح الفقهاء بتحريمه؛: لو كان اتخاذ السرج عليها مباحًا لم يلعن مَن فعله؛ وقد لُعِن؛ لأن فيه تضييعًا للمال في غير فائدة، وإفراطًا في تعظيم القبور؛ تشبيهًا بتعظيم الأصنام؛ ولهذا قال العلماء: لا يجوز أن ينذر للقبور، لا شمع، ولا زيت، ولا غير ذلك، فإنه نذر معصية، لا يجوز الوفاء به بالاتفاق، ولا أن يُوْقَفَ عليها شيء؛ لأجل ذلك، فإن هذا الوقف لا يصح، ولا يحل إثباته وتنفيذه.
    ومنها: أنه ﷺ نهى عن تجصيصها، والبناء عليها؛ كما روى مسلم في «صحيحه»، عن جابر ﭬ، أنه ﷺ نهى عن تَجْصِيصِ الْقَبْرِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ.
    قيل هذا يحتمل وجهين:
    أحدهما: البناء عليه بالحجارة، وما يجري مجراها.
    والآخر: أن يُضْرَب عليه خِبَاءٌ ونحوه.
    وكلا الوجهين مَنهيٌّ عنه؛ لعدم الفائدة فيها، مع إضاعة المال، وبكونه من صنيع أهل الجاهلية.
    ومنها: أنه ﷺ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَهَا؛ كما روى مسلم في «صحيحه»، عن أبي مرثد الغنوي ﭬ، أنه ﷺ قال: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا».
    وقال أبو سعيد الخدري ﭬ: قال رسول الله ﷺ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ».
    والأحاديث في النهي عن ذلك والتغليظ فيه كثيرة؛ وذلك لأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها، وقد تقدم أن ابتداء عبادة الأصنام إنما كان من فتنة القبور؛ ولهذا لعن النبي ﷺ أهل الكتاب؛ لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد، وأن هؤلاء المردة كانوا يصلون في المواضع التي دُفِنَ فيها أنبياؤهم، إما ظنًّا منهم بأن السجود لقبورهم تعظيم لها؛ وهذا شرك جلي؛ ولهذا قال النبي ﷺ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَناً يُعْبَدُ».
    وإما ظنًّا منهم بأن التوجه إلى قبورهم حالة الصلاة أعظم موقعًا عند الله تعالى؛ لاشتماله على أمرين: عبادة الله تعالى، وتعظيم الأنبياء؛ وهذا شرك خفي.
    قال ابن القيم في «إغاثته»، نقلًا عن شيخه ابن تيمية: «وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيرًا من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك؛ فإن الشرك بقبر الرجل الذي يُعْتَقَدُ صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بشجر أو حجر؛ ولهذا نجد كثيرًا من الناس عند القبور يتضرعون، ويخشعون، ويخضعون، ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في مساجد الله تعالى، ولا في وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وكثير منهم يرجون من بركة الصلاة عندها ولديها مالا يرجون في المساجد؛ فلأجل هذه المفسدة حسم النبي ﷺ مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقًا، وإن لم يقصد الصلاة عندها، ووقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت استوائها؛ لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة للشمس فيها؛ فنهى أمته عن الصلاة، وإن لم يقصدوا ما قصده المشركون.
    وإذا قصد الرجل الصلاة عند المقبرة متبركًا بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله تعالى ولرسوله ﷺ، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى؛ فإنَّ العبادات مبناها على الاستنان والاتباع، لا على الهوى والابتداع؛ فإنَّ المسلمين أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين نبيهم أن الصلاة عند المقبرة منهي عنها».

    وفي هذا دليل على ضلال من زعم أن النهي عن الصلاة فيها مختص بالمقابر المنبوشة؛ لما فيها من النجاسة الحاصلة بالنبش؛ وهذا أبعد شيء من مقاصد الرسول ﷺ، بل هو باطل من عدة أوجه:


    أما أولًا: فلأن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة.


    أما ثانيًا: فلأن النبي ﷺ لعن اليهود والنصارى على اتخاذهم قبورَ أنبيائهم مساجد؛ ومعلوم قطعًا أن هذا ليس لأجل النجاسة الحاصلة بالنبش؛ لأن قبور أنبيائهم لا تنبش، ولو نبشت فهي من أطهر البقاع، ليس للنجاسة عليها طريق البتة؛ فإن الله تعالى حرَّم على الأرض أن تأكل أجسادهم، فهم في قبورهم طريون.


    وأما ثالثًا: فإنه ﷺ أخبر أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، ولو كان ذلك للنجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر أولى من ذكر القبور.


    وأما رابعًا: فلأنه ﷺ قرن في اللعنة بين متخذي المساجد عليها وموقدي السُّرُج لديها، فهما في اللعنة قرينان، وفي ارتكاب الكبيرة سيان.


    ومعلوم إن أيقاد السراج إنما لُعِنَ فاعله لكونه وسيلة إلى تعظيمها وجعلها أوثانًا يوفض إليها، وكذا اتخاذ المساجد عليها تعظيم لها وتعريض للفتنة بها؛ ولهذا قرن بينهما.


    وأما خامسًا: فلأنه ﷺ قال: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَناً يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».

    فَذِكْرُه ﷺ اشتداد غضب الله تعالى على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد عقيب: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَناً يُعْبَدُ»، تنبيه منه على سبب اللعن لهم وهو: توسلهم بذلك، إلى أن تصير قبورهم أوثانًا تُعْبَد.

    وأما سادسًا: فلأن فتنة الشرك بالصلاة فيها، ومشابهة عبادة الأوائل أكبر بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر؛ فإنه ﷺ قد نهى عن تلك المفسدة سدًّا لذريعة التشبه التي لا تكاد تخطر ببال المصلي، فكيف بهذه الذريعة التي كثيرًا ما تدعو صاحبها إلى الشرك بدعاء الموتى، وطلب الحوائج منهم، واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل من الصلاة في المساجد، وغير ذلك مما هو محادة ظاهرة لله تعالى ولرسوله ﷺ، فأين التعليل بنجاسة البقعة من هذه المفسدة؟!


    وبالجملة إن من له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وَفَهِمَ عن الرسول ﷺ مقاصده، جزم جزمًا لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه عليه الصلاة والسلام واللعن والنهي بالصيغة التي هي: «لا تفعلوا»، وصيغة: «إني أنهاكم»، ليس لأجل النجاسة الحاصلة بالنبش، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما نهى عنه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقَلَّ نصيبُه أو عُدِم من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فإنَّ هذا وأمثاله من النبي ﷺ صيانة لحمى التوحيد من أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريد له أن يعدل به سواه، فأبى أكثر الناس إلا عصيانًا لأمره، وارتكابًا لنهيه، وغرهم الشيطان بأنَّ هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين.


    ولعمر الله، من هذا الباب بعينه دخل عُبَّادُ يغوث، ويعوق، ونسرًا، وسائر عُبَّادِ الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة؛ فإنَّ هؤلاء جمعوا بين الغلو فيهم، والطعن في طريقتهم، فهدى الله تعالى أهل التوحيد حيث سلكوا طريقتهم وأنزلوهم منازلهم التي أنزلهم الله إيَّاها من العبودية، وسلبوا عنهم خصائص الربوبية، وهذا غاية تعظيمهم وإكرامهم، ونهاية طاعتهم ومتابعتهم»اهـ.


    وقال البركوي رحمه الله أيضا: «وأعظم الفتنة بهذه الأنصاب فتنة أصحاب القبور؛ وهي أصل فتنة عُبَّاد الأصنام؛ كما قال السلف من الصحابة والتابعين؛ فإن الشيطان ينصب لهم قبر رجل معظم يعظمه الناس، ثم يجعله وثنًا يُعْبَد من دون الله، ثم يوحي إلى أوليائه أن مَن نهى عن عبادته واتخذه عيدًا وجعله وثنًا، فقد تنقَّصَه وهضم حقَّه، فيسعى الجاهلون في قتله وعقوبته، ويكفرونه؛ وما ذنبه إلا أنه أمر بما أمر به الله تعالى ورسوله ﷺ، ونهى عما نهى الله ورسوله ﷺ»اهـ.

    وقال البركوي رحمه الله أيضا: «وأعظم الفتنة بهذه الأنصاب فتنة أصحاب القبور؛ وهي أصل فتنة عُبَّاد الأصنام؛ كما قال السلف من الصحابة والتابعين؛ فإن الشيطان ينصب لهم قبر رجل معظم يعظمه الناس، ثم يجعله وثنًا يُعْبَد من دون الله، ثم يوحي إلى أوليائه أن مَن نهى عن عبادته واتخذه عيدًا وجعله وثنًا، فقد تنقَّصَه وهضم حقَّه، فيسعى الجاهلون في قتله وعقوبته، ويكفرونه؛ وما ذنبه إلا أنه أمر بما أمر به الله تعالى ورسوله ﷺ، ونهى عما نهى الله ورسوله ﷺ»اهـ.

    وقال رحمه الله أيضا: «وقد آل الأمر بهؤلاء الضالين المضلين إلى أن شرعوا للقبور حجًّا، ووضعوا لها مناسك؛ حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتابًا، وسماه: «مناسك حج المشاهد»؛ مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول في دين عُبَّاد الأصنام، فانظر ما بين ما شرعه النبي ﷺ من النهي عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء، وما قصدوه من التباين، ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره:
    فمنها: تعظيمها الْمُوقِعُ في الافتتان بها.
    ومنها: تفضيلها على أحب البِقَاع إلى الله تعالى؛ فإنهم يقصدونها مع التعظيم، والاحترام، والخشوع، ورقة القلب، وغير ذلك، مما لا يفعلونه في المساجد، ولا يحصل لهم فيها نظيره ولا قريب منه؛ وذلك يقتضي عمارة المشاهد، وخراب المساجد؛ ودين الله الذي بُعِثَ فيه رسوله ضد ذلك؛ ولهذا كانت الرافضة من أبعد الناس عن العلم والدين؛ إذ عَمَّروا المشاهد، وخربوا المساجد.

    ومنها: اعتقاد أن بها يُكشَف البلاء، ويُنصَر على الأعداء، ويستنزل الغيث من السماء، إلى غير ذلك من الرجاء.


    ومنها: الشرك الأكبر الذي يُفْعَل عندها؛ فإنَّ الشرك لَمَّا كان أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأنكر المنكر، كان أبغض إلى الله تعالى وأكرهها له؛ ولذلك رتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب آخر سواه، وأخبر أنه لا يغفره، وأنَّ أهله نجس...


    ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عنهم في ثلاثة مواضع من كتابه أنهم ما قدروا الله حق قدره؛ أي: ما عرفوه حق معرفته، وكيف يعرفه حق معرفته مَن يجعل له عِدْلًا ونِدًّا، يحبه ويخافه ويرجوه ويذل له ويسويه برب العالمين.


    ومعلوم أنهم ما ساووا أوثانهم به تعالى في الذات، ولا في الصفات، ولا في الأفعال، ولا قالوا: إنها خَلَقت السموات والأرض، وأنها تحيي وتميت؛ وإنما ساووها به تعالى في محبتهم لها، وتعظيمهم لها، وعبادتهم إيَّاها؛ كما ترى على ذلك أهل الشرك ممن يُنسب إلى الإسلام.

    ومنها: الدخول في لعنة الله تعالى ورسوله باتخاذ المساجد عليها.
    ومنها: المشابهة بِعُبَّاد الأصنام بما يفعلونه عندها من العكوف عليها، والمجاورة عندها، وتعليق الستور عليها، واتخاذ السدنة لها، حتى إن عُبَّادَهَا يرجحون المجاورة عندها على المجاورة عند المسجد الحرام، ويرون سدانتها أفضل من خدمة المساجد.
    ومنها: النذر لها ولسدنتها.
    ومنها: المخالفة لله ولرسوله، والمناقضة لِمَا شرعه في دينه.
    ومنها: إماتة السنن، وإحياء البدع.
    ومنها: السفر مع التعب الأليم والإثم العظيم؛ فإن جمهور العلماء قالوا: السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول رب العالمين، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك قربة وطاعة فقد خالف السُّنَّة والإجماع، ولو سافر إليها بذلك الاعتقاد يحرم بإجماع المسلمين؛ فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة.
    ومعلوم أنَّ أحدًا لا يسافر إليها إلا لذلك.

    ومنها: إيذاء أصحابها؛ فإنهم يتأذون بما يُفْعَل عند قبورهم مما ذُكِرَ، ويكرهونه غاية الكراهية؛ كما أن المسيح يكره ما يفعله النصارى في حقه، وكذلك غيره من الأنبياء، والعلماء، والمشايخ، يؤذيهم ما يفعله أشباه النصارى في حقهم، وهم يتبرؤون منهم يوم القيامة؛ كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)﴾ [الفرقان: 17].


    وقال الله تعالى: ﴿يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: 116].


    ومنها: أن الذي شرعه النبي ﷺ عند زيادة القبور؛ إنما هو تذكر الآخرة، والاتعاظ، والاعتبار بحال الْمَزُورِ، والإحسان إليه بالدعاء له والترحم عليه، حتى يكون الزائر مُحسنًا إلى نفسه وإلى الميت؛ فقلب هؤلاء الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصود بالزيادة الشرك بالميت، ودعاءه، وسؤاله الحوائج، واستنزال البركات منه، ونحو ذلك، فصاروا مسيئين إلى أنفسهم وإلى الميت؛ فإنه ﷺ - لِسَدِّ ذريعة الشرك - نهى أصحابه في أوائل الإسلام عن زيارة القبور؛ لكونهم حديثي عهد بالكفر؛ ولَمَّا تمكن التوحيد في قلوبهم أذن لهم في زيارتها، وبَيَّنَ فائدتها، وعَلَّمَهم كيفيتها؛ تارة بقوله، وتارة بفعله، وذلك في الأحاديث الكثيرة»اهـ.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وقال العلامة ولي الله الدهلوي رحمه الله (1176هـ) في «حجة الله البالغة» (1/ 325):
    «قوله ﷺ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا»؛ أقول: كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها، ويتبركون بها؛ وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى، فَسَدَّ النبي ﷺ الفساد؛ لِئَلَّا يلتحق غيرُ الشعائر بالشعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله؛ والحق عندي أن القبر، ومحل عبادة ولي من أولياء الله، والطور، كل ذلك سواء في النهي. والله أعلم»اهـ.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وقال العلامة شهاب الدين الآلوسي رحمه الله (1270هـ):
    «وبالجملة، لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت به الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة، مُعَوِّلًا على الاستدلال بهذه الآية(1)؛ فإن ذلك في الغواية غاية، وفي قلة النهي نهاية، ولقد رأيت مَنْ يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين؛ مِنْ إشرافها، وبنائها بالجص، والآجُرِّ، وتعليق القناديل عليها، والصلاة إليها، والطواف بها، واستلامها، والاجتماع عندها، في أوقات مخصوصة، إلى غير ذلك، مُحْتَجًّا بهذه الآية الكريمة، وبما جاء في بعض روايات القصة مِنْ جعل المَلِك لهم في كل سنة عيدًا، وجَعْلِهِ إياهم في توابيت من ساج، ومُقِيسًا البعض على البعض؛ وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله ﷺ، وإبداع دِينٍ لم يأذن به الله عز وجل»اهـ(2).
    _____________
    (1) يقصد قولَه تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)﴾ [الكهف: 21].
    (2) «روح المعاني» (8/ 227، 228).

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وقال العلامة محمد بن يحي الكاندهلوي الحنفي رحمه الله (1334هـ) في «الكوكب الدري على جامع الترمذي» (1/ 316، 317):
    «وأما اتخاذ المساجد عليها، فلما فيه من التشبه باليهود في اتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم، ولِمَا فيه من تعظيم الميت، وشبه بعبدة الأصنام، لو كان القبر في جانب القبلة، وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يمينًا أو يسارًا، وإن كان خلف المصلى فهو أخف كراهة من كل ذلك؛ لكن لا يخلو من كراهة.
    وأما بعد ما طُمس القبر فلم يبق له علامة، ولا أثر، وكان تحت قدميه، أو كان بينه وبينه حائل، فلا كراهة حينئذ.
    وأما اتخاذ السرج عليها، فمع ما فيه من إسراف مالِه المنهي عنه بقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)﴾ [الإسراء: 26، 27]، تشبه باليهود؛ فإنهم كانوا يسرجون المصابيح على قبور كبرائهم، وتعظيمٌ للقبور، واشتغال بما لا يعنيه»اهـ.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •