يقول القاضي عياض-رحمه الله-
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ قِرَاءَةً مِنْهُ عَلَيَّ بِلَفْظِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْأَكْفَانِيُّ أخبرنَا عبد الْعَزِيز ابْن مُحَمَّدٍ الْكَتَّانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عِصْمَةَ نُوحُ بْنُ نَصْرٍ الْفَرْغَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْمُظَفَّرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جِبْرِيلَ بْنِ مَتٍّ الْخَزْرَجِيُّ وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى الْبُخَارِيَّ يَقُولَانِ سَمِعْنَا أَبَا ذَرٍّ عَمَّارَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ التَّمِيمِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا المظفر مُحَمَّد ابْن أَحْمَدَ بْنِ حَامِدِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ
لَمَّا عُزِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَلِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زيد الهمدانى عَن قَضَاء الرى وَرَدَ بُخَارَي لِتَجْدِيدِ مَوَدَّةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الْفَضْلِ الْبَلْعَمِيِّ فَنَزَلَ فِي جِوَارِنَا فَحَمَلَنِي مُعَلِّمِي أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْحَق ابْن إِبْرَاهِيم الختلى إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُحَدِّثَ هَذَا الصَّبِيَّ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ مَشَايِخِكَ
قَالَ مَالِي سَمَاعٌ
قَالَ فَكَيْفَ وَأَنْتَ فَقِيهٌ فَمَا هَذَا
قَالَ لِأَنِّي لَمَّا بَلَغْتُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ تَاقَتْ نَفْسِي إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ وَدِرَايَةِ الْأَخْبَارِ وَسَمَاعِهَا فَقَصَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ بِبُخَارَى صَاحِبَ التَّارِيخِ وَالْمَنْظُورَ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ وَأَعْلَمْتُهُ مُرَادِي وَسَأَلْتُهُ الْإِقْبَالَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ لَا تَدْخُلْ فِي أَمْرٍ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حُدُودِهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى مَقَادِيرِهِ
فَقُلْتُ لَهُ عَرِّفْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ حُدُودَ مَا قَصَدْتُكَ لَهُ وَمَقَادِيرَ مَا سَأَلْتُكَ عَنْهُ
فَقَالَ لِياعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا كَامِلًا فِي حَدِيثِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعًا مَعَ أَرْبَعٍ كَأَرْبَعٍ مِثْلِ أَرْبَعٍ فِي أَرْبَعٍ عِنْدَ أَرْبَعٍ بِأَرْبَعٍ عَلَى أَرْبَعٍ عَنْ أَرْبَعٍ لِأَرْبَعٍ
وَكُلُّ هَذِهِ الرُّبَاعِيَّات ُ لَا تَتِمُّ لَهُ إِلَّا بِأَرْبَعٍ مَعَ أَرْبَعٍ
فَإِذَا تَمَّتْ لَهُ كُلُّهَا هَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ وَابْتُلِيَ بِأَرْبَعٍ
فَإِذَا صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا بِأَرْبَعٍ وَأَثَابَهُ فِي الْآخِرَةِ بِأَرْبَعٍ.
قُلْتُ لَهُ فَسِّرْ لِي مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَحْوَالِ هَذِهِ الرُّبَاعِيَّات ِ مِنْ قَلْبٍ صَافٍ بِشَرْحٍ كَافٍ وَبَيَانٍ شَافٍ طَلَبًا لِلْأَجْرِ الْوَافِي
فَقَالَ نَعَمْ .
أَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى كِتْابتِهَا هِيَ أَخْبَارُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَائِعُهُ وَالصَّحَابَةِ وَمَقَادِيرُهُم ْ وَالتَّابِعِينَ وَأَحْوَالُهُمْ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ وَتَوَارِيخُهُم ْ مَعَ أَسْمَاءِ رِجَالِهِمْ وَكُنَاهُمْ وَأَمْكِنَتُهُم ْ وَأَزْمِنَتُهُم ْ كَالتَّحْمِيدِ مَعَ الْخُطَبِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الرُّسُلِ وَالْبِسْمِ مَعَ السُّوَرِ وَالتَّكْبِيرِمَعَ الصَّلَوَاتِ مِثْلِ الْمُسْنَدَاتِ وَالْمُرْسَلَات ِ وَالْمَوْقُوفَا تِ وَالْمَقْطُوعَا تِ فِي صِغَرِهِ وَفِي إِدْرَاكِهِ وَفِي كُهُولَتِهِ وَفِي شَبَابِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ وَعِنْدَ شُغْلِهِ وَعِنْدَ فَقْرِهِ وَعِنْدَ غِنَاهُ بِالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالْبُلْدَانِ وَالْبَرَارِي عَلَى الْأَحْجَارِ وَالْأَصْدَافِ وَالْجُلُودِ وَالْأَكْتَافِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُهُ نَقْلُهَا إِلَى الْأَوْرَاقِ عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ وَعَمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَعَنْ كِتَابِ أَبِيهِ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ بِخَطِّ أَبِيهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى طَالِبًا لِمَرْضَاتِهِ وَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ الْكِتَابَ مِنْهَا وَنَشَرُهَا بَيْنَ طَالِبِيهَا وَمُجْتَنِيهَا وَالتَّأْلِيفُ فِي إِحْيَاءِ ذِكْرِهِ بَعْدَهُ
ثُمَّ لَا تَتِمُّ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إِلَّا بِأَرْبَعٍ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ أَعْنِي مَعْرِفَةَ
الْكِتَابَةِ وَاللُّغَةِ وَالصَّرْفِ وَالنَّحْوِ مَعَ أَرْبَعٍ هِيَ مِنْ إِعْطَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْنِي الْقُدْرَةَ وَالصِّحَّةَ وَالْحِرْصَ وَالْحِفْظَ
فَإِذَا تَمَّتْ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ هَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ وَالْمَالُ وَالْمَوْطِنُ وَابْتُلِيَ بِأَرْبَعٍ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَمَلَامَةِ الْأَصْدِقَاءِ وَطَعْنِ الْجُهَلَاءِ وَحَسَدِ الْعُلَمَاءِ
فَإِذَا صَبَرَ عَلَى هَذِهِ الْمِحَنِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا بِأَرْبَعٍ بِعِزِ الْقَنَاعَةِ وَبِهَيْبَةِ النَّفْسِ وَلَذَّةِ الْعِلْمِ وَحَيَاةِ/حبرة الْأَبَدِ
وَأَثَابَهُ فِي الْآخِرَةِ بِأَرْبَعٍ بِالشَّفَاعَةِ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ إِخْوَانِهِ وَبِظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ وَبِسَقْيِ مَنْ أَرَادَ مِنْ حَوْضِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِجِوَارِ النَّبِيِّينَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ فِي الْجَنَّةِ
فَقَدْ أَعْلَمْتُكَ يَا بُنَيَّ مُجْمِلًا جَمِيعَ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ مِنْ مَشَايِخِي مُتَفَرِّقًا فِي هَذَا الْبَابِ مُجْمَعًا فَأَقْبِلِ الْآنَ عَلَى مَا قَصَدْتَنِي لَهُ أَوْ دَعْ.
قَالَ فَهَالَنِي قَوْلُهُ فَسَكَتُّ مُتَفَكِّرًا وَأَطْرَقْتُ نَادِمًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنِّي قَالَ
وَإِلَّا تُطِقِ احْتِمَالَ هَذِهِ الْمَشَاقِ كُلِّهَا فَعَلَيْكَ بِالْفِقْهِ الَّذِي يُمَكِّنُكَ تَعَلُّمُهُ وَأَنْتَ فِي بَيْتِكَ قَارٌّ سَاكِنٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى بُعْدِ الْأَسْفَارِ وَوَطْءِ الدِّيَارِ وَرُكُوبِ الْبِحَارِ وَهُوَ مَعَ ذَا ثَمَرَةُ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ ثَوَابُ الْفَقِيهِ بِدُونَ ثَوَابِ الْمُحَدِّثِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا عِزُّهُ بِأَقَلَّ مِنْ عِزِّ الْمُحَدِّثِ.
قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ نَقَضَ عَزْمِي فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَأَقْبَلْتُ عَلَى دِرَاسَةِ الْفِقْهِ وَتَعَلُّمِهِ إِلَى أَنْ صِرْتُ مُتَفَقِّهًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا أُمْلِيهِ عَلَى هَذَا الصَّبِيِّ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ
فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ الَّذِي لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِكَ خَيْرٌ لِلصَّبِيِّ مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ يَجِدُهُ عِنْدَ غَيْرِكَ.