[الإغراب في علامة الإعراب] > تعليقات على كتاب احصاء العلوم للفارابي : - بعد أن قسم الفارابي العلوم ، خص الأول منها بعلم اللسان ، ثم قسمه إلى أقسام ، منها الذي يهمنا و هو (علم قوانين الألفاظ المركبة) ، فقال :- " و علم قوانين الألفاظ عندما تتركب ضربان : أحدهما – يعطي قوانين أطراف الأسماء و الكلم عندما تركب أو ترتب . و الثاني – يعطي قوانين في أحوال التركيب و الترتيب نفسه ، كيف هي في ذلك اللسان ، و علم قوانين الأطراف المخصوص بعلم النحو ، فهو يعرّف أن الاطراف إنما تكون أولا للأسماء ، ثم الكلم ، و أن أطراف الأسماء منها ما يكون في اوائلها ، مثل ألف لام التعريف في العربية ، أو ما قام مقامها في سائر الألسنة ، و منها ما يكون في نهايتها و هي الأطراف الأخيرة ، و تللك هي التي تسمى حروف الإعراب . و أن الكلم ليس لها أطراف أول ، و إنما لها أطراف أخيرة . و الأطراف الأخيرة للأسماء و الكلم هي في العربية : مثل التنوينات الثلاث ، و الحركات الثلاث ، و الجزم ، و شيء أخر إن كان يستعمل في اللسان العربي طرفا ، و يعرف أن من الألفاظ ما لا ينصرف من الأطراف كلها ، بل إنما هو مبني على طرف واحد فقط في جميع الأحوال التي ينصرف غيره من الألفاظ ، و منها ما لا ينصرف في بعضها دون بعض ، و منها ما ينصرف جميعها ؛ و يحصي الأطراف كلها و يميز أطراف الأسماء من أطراف الكلم ، و يحصي جميع الأحوال التي ينصرف فيها الكلم . ثم يعرف في أي حال تلحق كل واحد أي طرف ، فيأتي أولا على أخصها حال حال من أحوال الأسماء الموجودة المنصرفة التي يلحقها في كل حال طرف ما من أطراف الأسماء ، ثم يعطي مثل ذلك في الأسماء المثناة و المجموعة ثم يعطي مثل ذلك في الكلم الموجودة في المثناة و المجموعة ، إلى أن يستوعب الأحوال في التي يتبدل فيها على الكلم أطرافها التي حصلت لها ، ثم يعرف الأسماء التي تنصرف في بعض الأطراف ، و في أنها تنصرف ، و في أنها لا تنصرف ، ثم يعرف الأسماء التي كل واحد منها مبني على طرف واحد ، و أنه مبني على أي طرف . و أما الأدوات : فإن كانت عاداتهم أن تكون كل واحدة منها مبنية على طرف واحد ، أو كان بعضها على واحد فقط ، و بعضها ينصرف في شيء من الأطراف ، عرف كل ذلك . فإن كانت قد توجد لهم ألفاظ شك في أمرها هل هي أدوات أو أسماء أو كلم ، أو كان قيل فيها إن بعضها يشاكل الأسماء ، و بعضها يشاكل الكلم ، احتاج أن يعرف ما من هذه يجري مجرى الأسماء ، و في ماذا ينصرف من أطرافها و ما منها يجري مجرى الكلم ، و في ماذا ينصرف من أطرافها . و أما الضرب الذي يعطي قوانين التركيب نفسه فإنه يبين أولا كيف تتركب الألفاظ و تترتب في ذلك اللسان ، و على كم ضرب حتى تصير أقاويل . ثم يبين أيها هو التركيب و الترتيب الأفصح في ذلك اللسان . " نجد أن تصور الفارابي لعلم النحو أنه هو المختص بقوانين أطراف الألفاظ ، و هو يتضمن أن هذه الأطراف هي متغيرة الأوضاع تبعا للدلالة على المعنى المراد و ليست هي من أصل اللفظ ، و لذلك خص الاطراف بالأسماء و الكلم التي هي الأفعال ، و أن هذه الأطراف قد تكون في الأول و قد تكون في الأخر . فالأفعال لا تكون لها أطراف إلا في الأخر فقط ، أما الأسماء منها ما هو في الأول مثل ألف لام التعريف ، و منها ما كان في الأخر و هو الذي في نهايتها ، و يحتمل أن يكون هذا الطرف من ضمن ماهية الإسم أو يلحق أخر نهاية الإسم ، و هذه الأطراف الأخيرة هي حروف الإعراب . و بهذا يكون الإعراب جزء من النحو ، و خاص فقط بنهاية اللفظ (الاسم – الفعل) الداخل في تركيب لفظي ، يؤدي معنى يحسن السكوت عليه و هو ما يعرف الجملة . و ننوه أن الفارابي عند قوله عن الأطراف المخصوصة بعلم النحو قد استخدم حرف عطف (ثم) الذي يفيد الفاصل الزمنى ما بين المتعاطفين ، و هي من تأثير فكرة التطور و الوضع و الأصل ، فقال (أن الأطراف إنما تكون أولا للأسماء ، ثم الكلم) و معنى هذا أن الأطراف و ما تشير إليه من معاني كان أول وضعه للأسماء ثم بعد ذلك استعمل مع الأفعال للحاجة البيانية التي اقتضت ذلك أن يتصرف في الأفعال بهذه الأطراف . ثم التنويه الثاني أن الفارابي سمى الحركات المدية القصيرة التي تلحق أخر تصويت لأخر حرف ، سماها حروف الإعراب ، تنويها لأنها أصوات حروف المد المعروفة و لكنها أقصر و لذلك ناسبها التخصيص بحروف الإعراب . و أن الأطراف الأخيرة في الأسماء و الأفعال هي الحركات الثلاث و تضعيفها و الجزم . ثم انتقل إلى كيفية وضع القواعد من الاستقراء لأوضاع الأطراف عموما و ما يلحق منها الأسماء و ما يلحق منها الأفعال ، و ما يختص منها بحال دون حال من الأسماء و الأفعال ، ثم ما يكون منها مع التثنية و الجمع ، فيأتي على أخرها استقصاءا حتى يستوعبها في جميع حالاتها المختلفة التي تتبدل فيها تبعا للحال الموجودة فيها ، فهي عمليات ملاحظة و رصد و تدوين ، فيعرف أن هناك أسماء تنصرف و أسماء لا تنصرف ، و التي تنصرف في بعض الأطراف دون بعض ، و التي تلزم طرف واحد و أي طرف هو . ثم مثل ذلك على الأدوات ، و سيعرف أن هناك ألفاظ تتوسط الأفعال و الأسماء و الأدوات ، فيقرب لأحدها عن أحدها فيجب معرفة ذلك و ما ينصرف من أطرافها . فكان ينبغي للمنصف الذي يتصدى للتقعيد و التنظير للسان العرب أن يستقرأ كل كلام العرب و كل ما يصدق عليه كلمة و وصف عربي ، و أن يُعْمَل على رواة هذا الكلام النقد الخاص بسلسلة الرواة فيجب أن يكونوا من الحفاظ الصادقين الأثبات ، و أن لا يقبل أي قول لأي أحد جيئ بعد العرب الأقحاح إلا بهذا النقد و كلنا نعلم من يضع الشعر ليستشهد به على قاعدة نحوية ينتصر لها .