67- (( صلَّوا خلفَ كلِّ بَرٍ وفاجرٍ ، وصلَّوا عَلى كُلِّ بَرٍ وفاجرٍ . وَجاهدوا مَعَ كُلِّ بَرٍ وفاجرٍ )) . (3)
____
(3) 67- ضعيف .
روي من حديث علي بن أبي طالب ، وأبي هريرة ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي الدرداء ، وواثلة ابن الأسقع ، - رضي الله عنهم - جميعاً .
أولاً : حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
أخرجه الدارقطني ( 2/ 57) ، ومن طريق ابن الجوزي في (( الواهيات )) ( 710) من طريق أبي إسحاق القنسريني ، ثنا فرات بن سليمان ، عن محمد بن علوان ، عن الحارث ، عن علي مرفوعاً : (( من أصل الدين الصلاة خلف كل بر وفاجر ، والجهاد مع كل أمير ، ولك أجرك والصلاة على كل من مات من أهل القبلة )) . قال ابن الجوزي : (( هذا حديث لا يصح )) . والحارث قال ابن المديني : كان كذاباً . وفرات بن سليمان ، قال ابن حبان : منكر الحديث جداً ؛ يأتي بما لا شك أنه معمول )) .
قلت : هكذا يكون الغلو !! والحارث لَيسَ بكذاب ، وإن كَانَ واهياً . وأما فرات بن سليمان ، كذا والصواب : سلمان ، بغير ياء ، فَقَدْ ترجمه ابن أبي حاتم في (( الجرح والتعديل )) ( 3/ 2/ 80) وحكى عن أبيه أنه قَالَ : (( لا بأس بهِ ، ومحله الصدق ، وصالح الحديث )) . وإنما قالَ ابن حبان مقالته هَذهِ في = = (( فرات بن سليم )) كما في (( المجروحين )) ( 2/ 207) ، فهذا من أوهام ابن الجوزي الناتجة عن تسرعه [ ولم ينتبه الزيلعي لذلك فتبعه كما في (( نصب الراية )) ( 2/ 28) ] ومما يدل على ذلك أنه ذكر في كتابه (( الضعفاء )) فرات بن سليم رقم ( 2696 ) ، دون (( فرات بن سلمان )) وذهل ابن الجوزي عن حال أبي إسحاق القنسريني فإنه مجهول كما قال الذهبي في (( الميزان )) ( 4/ 489) وكذا محمد بن علوان فإنه مجهول كما قال أبو حاتم ، على ما ذكره ولده في (( الجرح والتعديل )) ( 4/ 1/ 49) . فالسند ساقط .
ثانياً : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
وله عنه طريقان : الأول : مكحول ، عنهُ ، أخرجه أبو داود ( 2/ 304- 7/ 207 عون ) ، والدارقطني ( 2/ 57) ، والبيهقي ( 3/ 121) ، وابن الجوزي في (( الواهيات )) ( 1/ 418- 419) من طريق معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ حديث الباب . قالَ الدارقطني : (( مكحول لم يسمع من أبي هريرة ، ومن دونه ثقات )) . وقال البيهقي . (( إسناده صحيح ، إلا أن فيه إرسالا بين مكحول ، وأبي هريرة )) . وكذا أعله ابن الجوزي ، والمنذري ، وابن التركماني ، وغيرهم . غير أن ابن الجوزي انفرد عنهم بذكر علة أخرى ، هي عجيبة من الأعاجيب ، وهي قوله : (( ومعاوية بن صالح ، قال الرازي : لا يحتج به )) . قلت : أما معلوية بن صالح فإنه ثقة وله أفراد ، فلا يليق إعلال الحديث به ، أو كلما رأيت غمزا في الثقة سارعت بإحضاره ؟! وقدْ رد عليهِ ابن عبد الهادي هذه العلة . وله طريق آخر عن مكحول . أخرجه الدارقطني ( 2/56 ) ، وعنه ابن الجوزي ( 1/422 ) من طرق بقية ، سمعت الأشعث ، عن يزيد بن يزيد بن جابر ، عن مكحول ، عن أبي هريرة مرفوعاً : (( الصلاة واجبة عليكم مع كل أمير ، براً كانَ أو فاجراً ، وإن عمل بالكبائر ، والجهاد واجب عليكم مع كل أمير ، براً كانَ أو فاجراً ، وإن عمل بالكبائر ، والصلاة واجبة على كل مسلم يموت ، برا كانَ أو فاجراً ، وإن عمل بالكبائر )) . قال ابن الجوزي : (( أشعث مجروح ، وبقية لا يقوم على روايته ، وقال الدارقطني : مكحول لم يلق أبا هريرة )) .
الثاني : أبو صالح ، عنه - أخرجه الدارقطني ( 2/ 55) ، وعنه ابن الجوزي ( 1/ 421- 422) من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعاً : (( سيليكم بعدي ولاة ، فيليكم البر ببره ، والفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم وأطيعوا فيما وافق الحق ، وصلوا وراءهم ، فإن أحسنوا فلكم ولهم ، وإن أساءوا فلكم وعليهم )) . قال ابن الجوزي : (( عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال أبو حاتم الرازي : (( متروك الحديث )) ، وقال ابن حبان : (( لا يحل كتب حديثه )) أ . ه* . قلت : وذكره ابن عدي في (( الكامل )) ( 4/ 1501- 1502) ، وقال : (( ولعبد الله بن محمد بن عروة غير ما ذكرت من الحديث ، وأحاديثه عامتها مما لا يتابعه الثقات عليه ، ولم أجد من المتقدمين فيه كلاماً، ولم أجد بدأ من ذكره لما رأيت من أحاديثه أنها غير محفوظة ، لما شرطت في أول الكتاب )) . =
=قلت : فكأنه لم يقف على كلام أبي حاتم الرازي غير أن آخر الحديث قد صح من وجه آخر . أعني قوله : (( فإن أحسنوا فلكم ولهم ... الخ ) . فأخرجه أبو داود ( 580)، وابن ماجه ( 983 ) ، وأحمد ( )، والطيالسي ( 1004 ) ، وابن خزيمة ( 1513 ) ، وابن حبان ( ج 3/ رقم 2218) ، والطحاوي في ((المشكل )) ( 3/ 54) ، والحاكم ( 1/ 209، 213) ، والبيهقي ( 3/ 127) من طريق أبي علي الهمداني ، قال سمعت عقبة بن عامر مرفوعاً : (( من أمّ الناس فأصاب ، فالصلاة لهُ ولهم ، ومن انتقص من ذلكَ شيئاً ، فعليه ولا عليهم )) . وقال الحاكم : (( صحيح على شرط البخاري شيئاً . ومن اختلف في سند هذا الحديث ، وهل الذي رواه عن أبي علي هو عبد الرحمن بن حرملة ، أو حرملة بن عمران
[ وانظر (( التاريخ الكبير )) للبخاري ( 1/ 1/160 ) ] ؟! وليس ههنا موضع شرح ذلكَ . والحاصل أن الحديث صحيح . وأخرج البخاري ( 2/187 - فتح ) من حديث أبي هريرة مرفوعاً . (( يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )) . وأخرجه البيهقي (3/ 126- 127) وغيره . وهناك غير ما حديث في هذا الباب.
ثالثاً : حديث ابن مسعود ، - رضي الله عنه - .
أخرجه الدارقطني ( 2/ 57) وعن طريقه ابن الجوزي ( 1/ 419- 420) من طريق عمر بن صبح ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، والأسود ، عن ابن مسعود مرفوعاً : (( ثلاث من السنة : الصف خلف كل إمام ، لك صلاتك ، وعليه أثمة . والجهاد مع كل أمير ، لك جهادك ، وعليه شره . والصلاة على كل ميت من أهل القبلة ، وإن كان قاتل نفسه )) .
قلت : وسنده ضعيف جداً . وعمر بن صبح كذبه الأزدي ، وقال ابن حبان :((كان ممن يضع الحديث)) . وتركه الدارقطني وغيره .
رابعاً : حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما .
وله عنه طرق :
الأول : مجاهد ، عنه مرفوعاً : ((صلوا على من قال : لا إله إلا الله ، وصلوا وراء من قال :لا إله إلا الله)). أخرجه الدارقطني ( 2/ 56) ، والخطيب ( 6/ 309و 11/ 293) وابن الجوزي ( 1/ 420) من طريق محمد بن الفضل ، نا سالم الأفطس ، عن مجاهد .
قلت : وسنده واه جداً . محمد بن الفضل كذبه ابن معين ، واتهمه أحمد ، وتركه النسائي . وخالفه سويد بن عمرو ، فرواه عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر . فجعل شيخ سالم الأفطس :
(( سعيد بن جبير )) بدل (( مجاهد )) - أخرجه أبو نعيم في (( الحلية )) ( 10/ 320) من طريق نصر بن الحريش ، عن المشمعل بن ملحان ، عن سويد به . وسنده ضعيف . نصر ، ضعفه الدارقطني كما في
(( تاريخ بغداد )) ( 13/ 286) والمشمعل قال ابن معين : (( ما أرى به بأساً )) . ووثقه بن حبان . وضعفه الدارقطني . فطريق سويد أرجح من طريق محمد بن الفضل .
الثاني : عطاء بن أبي رباح ، عنهُ . أخرجه الدارقطني ( 2/56 ) ، وأبو نعيم في (( أخبار أصبهان ))
(2/317) ، وابن الجوزي ( 1/420 ) من طريق عثمان بن عبد الرحمن ، عن عطاء ، قالَ ابن الجوزي : (( وعثمان ، قالَ يحيى : ليس بشيء كانَ يكذب ، وقال البخاري والنسائي وأبو داود : ليس بشيء . وقال الدارقطني : متروك )) .
قلت : وله طريق آخر ، عن نافع ، عن ابن عمر ومداره على بعض الكذابين كوهب بن وهب ، وخالد بن إسماعيل .
خامساً : حديث أبي الدرداء ، - رضي الله عنه - .
أخرجه العقيلي في (( الضعفاء )) ( 3/ 90) ومن طريقه ابن الجوزي ( 1/ 423) من طريق
عبد الجبار بن الحجاج بن ميمون ، عن مكرم بن حكيم ، عن منير بن سيف ، عن أبي الدرداء مرفوعاً : .. صلوا خلف كل إمام ، وقاتلوا مع كل أمير )) . قال العقيلي : (( عبد الجبار ، عن مكرمة بن حكيم ، إسناده مجهول غير محفوظ ، وليس في هذا المتن إسناده ثابت )) .
قلت : وعبد الجبار هذا تركه الأزدي . ومكرم بن حكيم قالَ في (( الميزان )) : (( روى خبراً باطلاً ، قال الأزدي : ليس حديثه بشيء )) . ومنير بن سيف ، كذا وقع عند العقيلي ، والصواب: ((سيف ابن منير)) . قال في (( الميزان )) : (( سيف بن منير عن أبي الدرداء ، يجهل ، وضعفه الدارقطني لكونه أتى بأمر معضل عن أبي الدرداء مرفوعاً : لا تكفروا أهل ملتي وإن عملوا الكبائر . لكنه من رواية مكرم بن حكيم أحد الضعفاء عنه )) . فالسند ساقط لأنه مسلسل بالعلل .
سادساً : حديث واثلة بن الأسقع ، - رضي الله عنه - .
أخرجه الدارقطني ( 2/ 57) ، وابن الجوزي ( 1/ 422- 423) من طريق الحارث بن نبهان ، ثنا عتبة بن اليقظان ، عن أبي سعيد ، عن مكحول ، عن واثلة مرفوعاً . (( لا تكفروا أهل قبلتكم وإن عملوا الكبائر ، وصلوا مع كل إمام ، وجاهدوا مع كل أمير ، وصلوا على كل ميت )) . قال ابن الجوزي :
(( عتبة بن اليقظان قال علي بن الحسين بن الجنيد : لا يساوي شيئاً . وفيه الحارث بن بنهان . قال يحيى : ليس بشيء ، وقال النسائي : متروك . وقال ابن حبان : لا يحتج به . وأبو سعيد قال الدارقطني : مجهول)) أ . ه* . وقد أختلف على الحارث بن نبهان في إسناده كما في (( سنن الدارقطني )) .
وبالجملة فالحديث ضعيف جداً ولذا قال الدارقطني : (( ليس فيه شيء يثبت )) . وقال أحمد : (( ما سمعنا بهذا )) .
أما الصلاة خلف الفاسق فجائزة بالإجماع ، ولها قيود ذكرتها في (( بذل الإحسان )) . ( 772) فالحمد لله على التوفيق .
الكتاب : النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة
المؤلف : أبو إسحاق الحويني