(وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ)
البحر المحيط في التفسير (8 / 329):
وَيْ، عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ: اسْمُ فِعْلٍ مِثْلُ: صَهْ وَمَهْ، وَمَعْنَاهَا: أَعْجَبُ. قَالَ الْخَلِيلُ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ نَدِمُوا فَقَالُوا، مُتَنَدِّمِينَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ:
وَيْ، وَكُلُّ مَنْ نَدِمَ فَأَظْهَرَ نَدَامَتَهُ قَالَ: وَيْ. وَكَأَنَّ: هِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَنَّ، وَكُتِبَتْ مُتَّصِلَةً بِكَافِ التَّشْبِيهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
وَيْ كَأَنَّ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يح ... سب وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
وَالْبَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا: أَيْنَ ابْنُكَ؟
فَقَالَ: وَيْكَأَنَّهُ وَرَاءَ الْبَيْتِ، وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى وَيْ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ وَيْكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَافُ حَرْفَ خِطَابٍ، وَلَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ وَيْكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
وَلَقَدْ شَفَا نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا ... قِيلُ الْفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
قَالَ الْأَخْفَشُ: وَأَنَّ عِنْدَهُ مَفْتُوحٌ بِتَقْدِيرِ الْعِلْمِ، أَيْ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَا وَيْكَ الْمَضَرَّةَ لَا تَدُومُ ... وَلَا يُبْقِي عَلَى الْبُؤْسِ النَّعِيمُ
وَذَهَبُ الْكِسَائِيُّ وَيُونُسُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ أَصْلَهُ وَيْلَكَ، فَحُذِفَتِ اللَّامُ وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِالْإِضَافَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ قِيلَ: تَكُونُ الْكَافُ خَالِيَةً مِنْ مَعْنَى التَّشْبِيهِ، كَمَا قِيلَ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «1» . وَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي، فَالْمَعْنَى: أَعْجَبُ لِأَنَّ اللَّهَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ تَكُونُ وَيْلَكَ كَلِمَةَ تَحَزُّنٍ، وَالْمَعْنَى أَيْضًا: لِأَنَّ اللَّهَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ وَفِرْقَةٌ مَعَهُ: وَيْكَأَنَّ، حَرْفٌ وَاحِدٌ بِجُمْلَتِهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى: أَلَمْ تَرَ. وَبِمَعْنَى: أَلَمْ تَرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَيْكَ، فِي كلام العرب، كقوله الرَّجُلِ: أَمَا تَرَى إِلَى صُنْعِ اللَّهِ؟ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى وَيْكَ: رَحْمَةً لَكَ، بِلُغَةِ حِمْيَرَ.
وَلَمَّا صَدَرَ مِنْهُمْ تَمَنِّي حَالِ قَارُونَ، وَشَاهَدُوا الْخَسْفَ، كَانَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ حُبِّ الدُّنْيَا، وَدَاعِيًا إِلَى الرِّضَا بِقَدَرِ اللَّهِ، فَتَنَبَّهُوا لِخَطَئِهِمْ فَقَالُوا: وَيْ، ثُمَّ قَالُوا: كَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، لَا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، وَيُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، لَا لِهَوَانِهِ، بَلْ لِحِكْمَتِهِ وَقَضَائِهِ ابْتِلَاءً.