المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله السني المصري
ولم ينكر
إنكار المنكر بالقلب يكون من وجهين:
الوجه الأول: محله ،
والثاني: صفته.
فأما محله : فهو فيما إذا عجز العبد المسلم عن إنكار المنكر بيده ولسانه مراعيا في ذلك شروط وضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأصل في ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" .
فهذا محله.
وأما صفته :
فهو أن يشعر المؤمن في قلبه، بكراهة هذا المنكر وبغضه له ، وأن يتمنى أن لو قدر على تغييره، وأن يناله حزن وهم لعدم قدرته على تغيير هذا المنكر، وهذا الأخير هو من أمارات صدق الإنكار بالقلب وينبغي أن ينضم إلى ذلك سؤال الله جل وعلا الإعانة على تغيير هذا البلاء وإزالته. نسأل الله جل وعلا ـ لنا ولجميع المؤمنين التخلق بهذا الخلق المبارك. . ومما ينبغي أن يشار إليه أنه إن كان الإنسان عاجزاً عن تغيير المنكر إلا أنه بوسعه مفارقة المكان الذي يعصى الله فيه، فيجب عليه مفارقته ولا يكتفي في هذه الحالة بإنكار القلب فقط.
وقد قال جل وعلا: ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)[الأنعام:68] وقال تعالى ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا )
قال الامام ابن باز
والقلب يكون يكره بقلبه، ويتغير وجهه، ويكره الشيء بقلبه، يعلم الله من قلبه أنه كره هذا الشيء، وأنكره، ما هو يوافق عليه، ويرضاه، ولو أنكره بلسانه، إذا أنكره بقلبه؛ يقوم، ولا يشهده، يقوم عنه، ولا يشهد المنكر.
****
فإنكار المنكر بالقلب معناه احتفاظ هذا القلب بإيجابيته تجاه المنكر .. إنه ينكره ويكرهه ولا يستسلم له، ولا يعتبره الوضع الشرعي الذي يخضع له ويعترف به .. وإنكار القلوب لوضع من الأوضاع قوة إيجابية لهدم هذا الوضع المنكر، ولإقامة الوضع (المعروف) في أول فرصة تسنح، وللتربص بالمنكر حتى تواتي هذه الفرصة .. وهذا كله عمل إيجابي في التغيير .. وهو على كل حال أضعف الإيمان.فلا أقل من أن يحتفظ المسلم بأضعف الإيمان، أما الاستسلام للمنكر لأنه واقع. ولأن له ضغطاً – قد يكون ساحقاً – فهو الخروج من آخر حلقة، والتخلي حتى عن أضعف الإيمان، هذا وإلا حقت على المجتمع اللعنة التي حقت على بني إسرائيل
*****
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود:
بحسب امرىء يرى منكراً لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره "
إن استعلاء القلب على الهزيمة الداخلية،
وبقاء قوة رفضه للباطل
مهما استطال وانتفش
وقوة ضبطه للسلوك
لهو جهاد القلب
وإنه لجهاد له أثره الواقع في حياة الناس
من كان في قلبه حياة وليس في مقدوره أن يغير المنكر بيده ولا بلسانه فعليه أن يكره هذا المنكر ويعلم الله من قلبه الصدق والعزيمة على تمني زوال هذا المنكر ولولا المانع لأزاله.
قيل لابن مسعود -رضي الله عنه-: من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً .
فالذي لا يأمر بالمعروف ولا ينكر المنكر بأدنى درجاته فهو ميت القلب.
وعندما تكلم يحيى بن معاذ الرازي يوماً في الجهاد وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قالت له امرأة:
هذا واجب وضع عنا
فقال:
هبي أنه وضع عنكن سلاح اليد واللسان فلم يوضع عنكن سلاح القلب
فقالت له صدقت جزاك الله خيراً .
فإن سلاح اللسان لا يسقط عن المرأة
فعليها أن تنكر على من تستطيع الإنكار عليه من أقاربها الرجال
وأما النساء فعليها الإنكار عليهن بصفة عامة.
ولهذا شواهد:
ورد عن عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- أنها رأت امرأة بين الصفا والمروة عليها خميصة من صلب –أي ثوب عليه خطوط متصالبة- فقالت عائشة: ((انزعي هذا من ثوبك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه في ثوب قضبه))
وأما بالنسبة للإنكار على الرجال:
فقد ورد أن عائشة –رضي الله عنها- رأت أخاها عبد الرحمن يسرع في الوضوء ليدرك الصلاة على سعد بن أبي وقاص. فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ويل للأعقاب من النار)).
ولا شك أن إنكار المرأة بقلبها على الرجال هو الغالب وعلى النساء في بعض الحالات بخلاف الرجل
فإن إنكاره في قلبه مقيد بظروف معينة
وهي عدم مقدرته على الإنكار باليد واللسان
فيجب على المسلم أن يعلم أنه لا يعذر بحال بترك الإنكار بقلبه عند عجزه عن الإنكار باليد واللسان.
وإذا كان قلبه لا يتحرك عند رؤيته للمنكر فعليه أن يعلم أن قلبه مريض ويحتاج إلى علاج.
وأما إذا علم صدق نيته بقلبه في بغضه للمنكر وتمني زواله
فإن الله سبحانه وتعالى يعطيه مثل أجر القادر عليه وعلى أسوأ الأحوال فإنه لا يأثم بتركه ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-
فأما حب القلب وبغضه وإرادته وكراهته فينبغي أن تكون كاملة جازمة لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان. وأما فعل البدن فهو بحسب قدرته ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل
إن الله بعث الرسل لإقامة أعظم معروف وهو التوحيد وتغيير أعظم منكر وهو الشرك،
المنكر لا تقره الشريعة بأي حال من الأحوال، فلابد من تغييره
ولكن تغييره على مراتب.
ولما كان الناس يختلفون في قدراتهم الجسمية والعقلية وغير ذلك.
فإن الشارع الحكيم رتب إنكار المنكر على حسب قدرة الشخص،
ولكن لا يعذر أحد من المكلفين بترك الإنكار مهما يكن من أمر.
فيجب عليه أن يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أقل الأحوال؛
لأن كل إنسان يستطيع ذلك ومن هو الذي لا يقدر على الإنكار بالقلب إلا رجل قد مرض قلبه وانتكس فهذا أمره أشد من قضية الإنكار بالقلب.
والأصل في هذا الحكم.
ما رواه الإمام مسلم بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))