تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الفرق بين الحِكمة والعلة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي الفرق بين الحِكمة والعلة

    قال الشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله: «وَكَانَ الْمُتَبَادِرُ أَنْ يُبْنَى كُلُّ حُكْمٍ عَلَى حِكْمَتِهِ، وَأَنْ يَرْتَبِطَ وُجُودُهُ بِوُجُودِهَا وَعَدَمُهُ بِعَدَمِهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْبَاعِثُ عَلَى تَشْرِيعِهِ وَالْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ، وَلَكِنْ رُئِيَ بِالِاسْتِقْرَا ءِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَشْرِيعِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ قَدْ تَكُونُ أَمْرًا خَفِيًّا غَيْرَ ظَاهِرٍ، فَلَا يُمْكِنُ التَّحَقُّقُ مِنْ وُجُودِهِ وَلَا مِنْ عَدَمِ وُجُودِهِ، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَا رَبْطُ وُجُودِهِ بِوُجُودِهِ وَعَدَمِهِ بِعَدَمِهِ.
    مِثْلَ: إِبَاحَةِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي حِكْمَتُهَا دَفْعُ الْحَرَجِ عَنِ النَّاسِ بِسَدِّ حَاجَاتِهِمْ، فَالْحَاجَةُ أَمْرٌ خَفِيٌّ، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.
    وَقَدْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ أَمْرًا تَقْدِيرِيًّا؛ أَيْ أَمْرًا غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، فَلَا يَنْضَبِطُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَا رَبْطُهُ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا.
    مِثَالُ هَذَا: إِبَاحَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمَرِيضِ؛ حِكْمَتُهَا دَفْعُ الْمَشَقَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ ، فَلَوْ بُنِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لَا يَنْضَبِطُ التَّكْلِيفُ وَلَا يَسْتَقِيمُ.
    وَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ أَوِ الْجَارِ؛ حِكْمَتُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ؛ وَهُوَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ؛ فَلِأَجْلِ خَفَاءِ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَعَدَمِ انْضِبَاطِهَا فِي بَعْضِهَا، لَزِمَ اعْتِبَارُ أَمْرٍ آخَرَ يَكُونُ ظَاهِرًا أَوْ مُنْضَبِطًا يُبْنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَيُرْبَطُ وُجُودُهُ بِوُجُودِهِ وَعَدَمُهُ بِعَدَمِهِ، وَيَكُونُ مُنَاسِبًا لِحِكْمَتِهِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لَهَا، وَأَنَّ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَقِّقَهَا.
    وَهَذَا الْأَمْرُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي بُنِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِحِكْمَتِهِ، وَلِأَنَّ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَقِّقَهَا، هُوَ الْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّين َ؛ فَالْفَرْقُ بَيْنَ حِكْمَةِ الْحُكْمِ وَعِلَّتِهِ هُوَ أَنَّ حِكْمَةَ الْحُكْمِ هِيَ الْبَاعِثُ عَلَى تَشْرِيعِهِ وَالْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ، وَهِيَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي قَصَدَ الشَّارِعُ بِتَشْرِيعِ الْحُكْمِ تَحْقِيقَهَا أَوْ تَكْمِيلَهَا، أَوِ الْمَفْسَدَةُ الَّتِي قَصَدَ الشَّارِعُ بِتَشْرِيعِ الْحُكْمِ دَفْعَهَا أَوْ تَقْلِيلَهَا.
    وَأَمَّا عِلَّةُ الْحُكْمِ فَهِيَ الْأَمْرُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي بُنِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَرُبِطَ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي بِنَائِهِ عَلَيِهِ وَرَبْطِهِ بِهِ أَنْ يُحَقِّقَ حِكْمَةَ تَشْرِيعِ الْحُكْمِ.
    فَقَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ حِكْمَتُهُ التَّخْفِيفُ وَدَفْعُ الْمَشَقَّةِ، وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، لَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ السَّفَرَ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ، وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ، وَفِي جَعْلِهِ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ مَظِنَّةُ تَحْقِيقِ حِكْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي السَّفَرِ أَنَّهُ تُوجَدُ فِيهِ بَعْضُ الْمَشَقَّاتِ.
    فَحِكْمَةُ قَصْرِ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ دَفْعُ الْمَشَقَّةِ عَنْهُ، وَعِلَّتُهُ السَّفَرُ.
    وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ أَوِ الْجِوَارِ حِكْمَتُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الشَّرِيكِ أَوِ الْجَارِ، وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، فَاعْتُبِرَتِ الشَّرِكَةُ أَوِ الْجِوَارُ مَنَاطَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ، وَفِي جَعْلِهِ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ مَظِنَّةُ تَحْقِيقِ حِكْمَتِهِ؛ إِذِ الشَّأْنُ أَنَّ الضَّرَرَ يَنَالُ الشَّرِيكَ أَوِ الْجَارَ.
    فَحِكْمَةُ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ، وَعِلَّتُهُ الشَّرِكَةُ أَوِ الْجِوَارُ.
    وَعَلَى هَذَا فَجَمِيعُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تُبْنَى عَلَى عِلَلِهَا؛ أَيْ تَرْتَبِطُ بِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا، لَا عَلَى حِكَمِهَا، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يُوجَدُ حَيْثُ تُوجَدُ عِلَّتِهِ وَلَوْ تَخَلَّفَتْ حِكْمَتُهُ، وَيَنْتَفِي حَيْثُ تَنْتَفِي عِلَّتُهُ وَلَوْ وُجِدَتْ حِكْمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ لِخَفَائِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَلِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا فِي بَعْضِهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَمَارَةً عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ أَوْ عَدَمِهِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ مِيزَانُ التَّكْلِيفِ وَالتَّعَامُلِ إِذَا رُبِطَتِ الْأَحْكَامُ بِهَا»اهـ([1]).


    ([1]) «علم أصول الفقه» (64- 66)، باختصار.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    نفع الله بك ، نقل نافع أبا يوسف .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    وفيكم بارك الله شيخنا الحبيب.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •