النصيحة التعليمية التربوية .(50)
بِسْم الله الرحمن الرحيم
هذه أسئلة مهمة -سلمك الله-.
وكأني فهمت منها أنها متعلقة بشقين؛ لذلك سأتناول كل شق على حدة.
بالنسبة للشق الأول منها فقد تضمن ثلاثة أسئلة.
السؤال الأول: ما هو أنفع كتاب تنصح به لمعالجة أمراض القلوب؟
الجواب: هو (القرآن).
وأما ثاني الأسئلة: وما هو أنفع كتاب لتربية وتزكية طالب العلم ؟
فالجواب -أيضاً-: هو (القرآن).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والقرآن، شفاء لما في الصدور ومن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات, ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل , فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه, وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب , والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب , فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره ,فيبقى القلب محبا للرشاد ,مبغضا للغي, بعد أن كان مريدا للغي, مبغضا الرشاد.
فالقرآن، مزيل للأمراض ,الموجبة للإرادات الفاسدة ,حتى يصلح القلب فتصلح أراداته, ويعود إلى الفطرة التي فطر عليها, كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي, ويغذي القلب من الإيمان, والقرآن بما يزكيه, ويؤيده, كما يتغذى البدن بما ينميه ويقومه, فإن زكاة القلب مثل نماء البدن"(مجموع الفتاوى:10/95-96)
وقال ابن باز - رحمه الله -: " فان كتاب الله الكريم هو أعظم علاج وانفع علاج لأمراض القلوب ولأمراض الأعمال والمجتمع ، وهو – أيضاً – علاج عظيم لأمراض البدن – أيضاً – ولكن الله عز وجل أنزله لعلاج أمراض القلوب وعلاج أمراض المجتمع من الفساد ,حتى ترجع القلوب إلى صلاحها, و إلى طهارتها , و إلى إيمانها بالله ورسوله, و إلى بعدها عن كل ما حرم الله ورسوله, وحتى ترجع المجتمعات إلى طاعة الله ورسوله, والتعاون على البر والتقوى , وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
فبالإقبال على كتاب الله القرآن , وتدبر معانيه, والإكثار من تلاوته, والمذاكرة فيما دل عليه مع الإخوان والأحباب وأهل العلم في ذلك أعظم وسيلة لعلاج القلب ولطهارة القلب مما نزل به من شبهة , أو مرض شك, أو مرض شهوة, فهذا أعظم علاج, واكبر علاج, وقد عالج به النبي-صلى الله عليه وسلم-أمراض المجتمع في مكة وفي المدينة حتى هدى الله به من هدى ودخلوا في دين الله-عز وجل-
من شريط: (أمراض القلوب وعلاجها, لابن باز –رحمه الله-).
وهنا يأتي السؤال المهم: كيف نقوي الإيمان بالقرآن؟
والجواب: يكون ذلك باتباع هدي السلف في ذلك؛ فإنهم كانوا يقدمون (تعلم مجمل الإيمان) أولاً. ثم (يتعلمون القرآن) ثانياً.
فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا"(رواه ابن ماجه برقم: 61، وصححه الألباني).
والسر في تقديم (مجمل الإيمان) على (القرآن)؛ لأجل اقتلاع العقائد الفاسدة من القلب حتى يكون زاكياً يقبل (الحق) بلا معارض، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: " ولابدَّ مع ذلك أن يكون زكياً صافياً سليماً حتى يزكو فيهِ العلمُ ويثمر ثمراً طيباً , وإلا فلو قبلَ العلمَ وكان فيه كدرٌ وخبثٌ افسدَ ذلك العلم , وكان كالدغل في الزرعِ إن لم يمنع الحبَ مِنْ أنْ ينبت منعه من أن يزكو ويطيب , وهذا بين لأولي الأبصار" (مجموع الفتاوى: 9/315).
ويوضحُ هذا ما ذكرَهُ ابنُ القيمِ-رحمَهُ اللهُ- بقولِهِ:" قُبولُ المحلِ لما يوضعُ فيهِ مشروطٌ بتفريغِهِ من ضدِهِ, وهذا كما أنهُ في الذواتِ والأعيانِ فكذلك هو في الاعتقاداتِ والإراداتِ , فإذا كان القلبُ ممتلئاً بالباطلِ اعتقاداً ومحبةً لم يبقَ فيهِ لاعتقادِ الحقِ ومحبتِهِ موضعٌ.. وسرُّ ذلكَ : أنَّ إصغاءَ القلب ِكإصغاءِ الأذنِ,فإذا أصغى إلى غيرِ حديثِ اللهِ لم يبقَ فيهِ إصغاءٌ, ولا فهمٌ لحديثِهِ , كما إذا مالَ إلى غيرِ محبةِ اللهِ لم يبقَ فيهِ ميلٌ إلى محبتِهِ....."(الفوائد:ص/44,45).
إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة....... كالأرض أن سبخت لم يحيها المطر
تنبيه مهم: (ما أول ما يتعلم من القرآن)؟
أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ”إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع شرب الخمر، ولو نزل أول شيء: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا، وإنه أنزلت {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [سورة القمر، الآية: 46]، بمكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني جارية ألعب، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده".
فيستفاد من هذا الحديث: تقديم (المفصَّل) من سور القرآن في الحفظ والتعلم؛ لاشتماله على ذكر الجنة والنار.
وسور المفصَّل تبدأ من سورة (ق) أو سورة الحجرات على خلاف بين العلماء.
فإذا فهم العبد هذه الطريقة القرآنية الإيمانية السلفية وعمل بها مستعيناً بالله –تعالى- متوكلاً عليه؛ وفق وهدي إلى صراط مستقيم.
وأما بالنسبة للسؤال الثالث: ما هي أنفع كتب السنة في الآداب ؟
فالجواب: أنفع الكتب ما أشتملت على عمل اليوم والليلة من الأدعية والأذكار والآداب الثابتة بالسنن الصحيحة، ومنها:
1- الكلم الطيب لابن تيمية.
2- الوابل الصيب لابن القيم.
قال العلامة صديق حسن خان –رحمه الله-: " وظني أن من كان عنده تصنيف من تصانيف هذا الحبر العظيم الشأن (يقصد ابن القيم –رحمه الله-) الرفيع المكان أو تصنيف شيخه ... لكفى لسعادة دنياه وآخرته ولم يحتج بعد ذلك إلى تصنيف أحد من المتقدمين والمتأخرين في درك الحقائق الإيمانية –إن شاء الله –تعالى –" (أبجد العلوم: 3/143).
والله أعلى وأعلم وإسناد العلم إليه أسلم.
***