ذكرتُ النووي اختصاراً وإلا فعدم التلازم بين استحباب الفعل وكراهة الترك يقول به جم غفير من الفقهاء...
أولاً أقوال النووي:
1- تنشيف أعضاء الوضوء
قال: ((وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاء أَصْحَابنَا فِي تَنْشِيف الْأَعْضَاء فِي الْوُضُوء وَالْغُسْل عَلَى خَمْسَة أَوْجُه : أَشْهَرهَا : أَنَّ الْمُسْتَحَبّ تَرْكُهُ ، وَلَا يُقَال : فِعْلُهُ مَكْرُوه . وَالثَّانِي أَنَّهُ مَكْرُوه)).
2-في حكم النكاح لمن وجد مؤنته ولم تتق إليه نفسه
قال: ((وَقِسْم يَجِد الْمُؤَن وَلَا تَتُوق فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور أَصْحَابنَا : أَنَّ تَرْكَ النِّكَاح لِهَذَا وَالتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَل ، وَلَا يُقَال : النِّكَاح مَكْرُوه ؛ بَلْ تَرْكه أَفْضَل))
3- في الستر المندوب..
قال: ((هَذَا السَّتْر مَنْدُوب ، فَلَوْ رَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَان وَنَحْوه لَمْ يَأْثَم بِالْإِجْمَاعِ ، لَكِنْ هَذَا خِلَاف الْأَوْلَى ، وَقَدْ يَكُون فِي بَعْض صُوَره مَا هُوَ مَكْرُوه)).
فتأمل ..جعل الستر مندوباً ..ثم جعل بعض صور ترك الستر مكروهاً ولم يجعل ترك المندوب مطلقاً مكروهاً..
4- قال في روضة الطالبين: ((فلو ذبح الإبل ونحر البقر والغنم حل ولكن ترك المستحب وفي كراهته قولان المشهور لا يكره)).
ثانيأ أقوال غيره:
5- قال ابن دقيق في الإحكام: ((وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الَّذِي يَظْهَر أَنَّ التَّحِيَّة بِغَيْرِ لَفْظ السَّلَام مِنْ بَاب تَرْك الْمُسْتَحَبّ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ إِلَّا إِنْ قَصَدَ بِهِ الْعُدُول عَنْ السَّلَام إِلَى مَا هُوَ أَظْهَر فِي التَّعْظِيم مِنْ أَجْل أَكَابِر أَهْل الدُّنْيَا)).
6- وقال المازري: ((وَلَا يَلْزَم مِنْ تَرْك الْمُسْتَحَبّ الْكَرَاهَة ، بَلْ يَكُون خِلَاف الْأَوْلَى)).
7- قال الكشميري: ((ترك المستحب لا يكون مكروهاً إلا بدليل خاص)).
8- قال ابن نجيم: ((وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ)).
أما مسك الختام فيقول إمام الحرمين في نهاية المطلب :فرقوا بينهما بإن ما ورد فيه نهى مقصود يقال فيه :مكروه ، وما لا فهو خلاف الأولى ، ولا يقال مكروه
وقال :والمراد بالنهى المقصود أن يكون مصرحاً به كقوله :لا تفعلوا كذا ، أو نهيتكم عن كذا ، بخلاف ما إذا أمر بمستحب فإن تركه لا يكون مكروهاً.......اهـ
وذهب بعض العلماء إلا أن ترك المستحب خلاف الأولى ثم قالوا بإن خلاف الأولى من أقسام المكروه فترك المستحب مكروه،لكنه أقل رتبة من الكراهة المعروفة..
قال ابن نجيم: ((فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ كَرَاهَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا مَرْجِعُهُ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ خِلَافُ الْأَوْلَى)).
وجزم الزركشي في البحر بأن خلاف الأولى قسم من المكروه.
وليس المقصود من كل ذلك تحرير الصواب في تلك المسألة ،وإنما لإثبات أن هناك من أهل العلم من يُثبت الفرق وعدم الملازمة بقطع النظر عن تصحيح قوله أو تصحيح قول من يعود بخلاف الأولى إلى معنى الكراهة أو تصحيح قول ثالث...