متى تكون طاعة أحد من الخلق كفرا مخرجا من الملة؟-----------طاعة المخلوق استكبارا عن طاعة الله، أو طاعته في تحريم الحلال وتحليل الحرام اعتقادا، يعد من الكفر الأكبر المخرج من الملة والعياذ بالله.

وأما طاعته في المعاصي بمعنى متابعته عليها مع اعتقاد حرمتها فلا تخرج من الملة، بل هي بحسبها، فتكون كبيرة في الكبائر، وصغيرة في الصغائر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى):من استكبر عن بعض عبادة الله سامعًا مطيعًا في ذلك لغيره، لم يحقق قول: لا إله إلا اللّه، في هذا المقام. وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم اللّه وتحريم ما أحل اللّه يكونون على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين اللّه فيتبعوهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم اللّه، وتحريم ما أحل اللّه، اتباعًا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل،فهذا كفر، وقد جعله اللّه ورسوله شركًا وإن لم يكونوا ي
يصلون لهم ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله اللّه ورسوله مشركًا مثل هؤلاء.

والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتًا، لكنهم أطاعوهم في معصية اللّه، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب اهـ.[اسلام ويب]
-------------------------------------------------------- ويقول الشيخ صالح ال الشيخ -



هذا الباب من مقتضيات التوحيد ولوازم تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن شهادة أن لا إله إلا الله تقتضيوتستلزم أن يكون العبد مطيعا لله جل وعلا فيما أحل وفيما حرم؛ محلا للحلال ومحرما للحرام، لا يتحاكم إلا إليه جل وعلا، ولا يُحَكِّم في الدين إلا شرع الله جل وعلا والعلماء وظيفتهم تبيين معاني ما أنزل الله جل وعلا على رسوله، وليست وظيفة العلماء التي أذن لهم بها في الشرع أنهم يحللون ما يشاءون أو يحرمون؛ بل وظيفتهم الاجتهاد في فقه النصوص وأن يبينوا ما أحل الله وما حرم الله جل وعلا، فهم أدوات ووسائل لفهم نصوص الكتاب والسنة، ولذلك طاعتهم تبع لطاعة الله ورسوله، يطاعون فيما فيه طاعة لله جل وعلا ولرسوله، وما كان في الأمور الاجتهادية فيطاعون؛ لأنهم هم أفقه بالنصوص من غيرهم، فتكون طاعة العلماء والأمراء من جهة الطاعة التبعية لله ولرسوله.
أما الطاعة الاستقلالية فليست إلا لله جل وعلا حتى طاعة النبي عليه الصلاة والسلام إنما هي تبع لطاعة الله جل وعلا، فإن الله هو الذي أذن بطاعته وهو الذي أمر بطاعة رسوله وهذا معنى الشهادة له بأنه رسول الله، قال جل وعلا ﴿مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾[النساء:80]، وقال جل وعلا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾[النساء:64] فإذن الطاعة الاستقلالية هذه من العبادة، وهي نوع من أنواع العبادة، فيجب إفراد الله جل وعلا بها، وغير الله جل وعلا فإنما يطاع؛ لأن الله جل وعلا أذن بطاعته، ويطاع فيما أذن الله به في طاعته، فالمخلوق لا يطاع في معصية الله؛ لأن الله لم يأذن أن يطاع مخلوق في معصية الخالق جل وعلا، وإنما يطاع فيما أطاع الله جل وعلا فيه على النحو الذي يأتي.
إذن هذا الباب عقده الشيخ ليبين أن الطاعة من أنواع العبادة؛ بل إن الطاعة في التحليل وفي التحريم هذه هي معنى اتخاذ الأرباب حيث قال الله جل وعلا (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) وما سيأتي من بيان حديث عدي بن حاتم .
(العلماء والأمراء) هم أولو الأمر لقوله جل وعلا ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[النساء:59]، قال العلماء أولو الأمر يشمل من له الأمر في حياة الناس في دينهم وهم العلماء وفي دنياهم وهم الأمراء, وقد قال هنا جل وعلا (وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولم يكرر فعل الطاعة، قال ابن القيم وغيره: دل هذا على أن طاعة أولي الأمر ليست استقلالا وإنما يطاعون في طاعة الله ورسوله فإذا أمروا بمعصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والأمور الاجتهادية التي ليس فيها نص من الكتاب والسنة فإنهم يطاعون في ذلك لما أذن الله به في ذلك ولما في ذلك من المصالح المرعية في الشرع، إذن من أطاع العلماء والأمراء هنا ذكر هذا الباب لأجل أن الطاعة نوع من أنواع العبادة، وهذه العبادة يجب أن يُفرد الله جل وعلا بها، فمن أطاع غير الله على هذا النحو الذي ذكره الشيخ فقد أشرك الشرك الأكبر بالله جل وعلا، قال (من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحلّ الله) يعني في تحريم الذي أحل الله؛ فيكون هناك حلال في الشرع فيحرمونه يحرمه العالم أو يحرمه الأمير فيطيعه الناس وهم يعلمون أنه حلال؛ لكن يطيعونه في التحريم، والحلال يعني الذي أحله الله، أحل الله أكل الخبز فيقولون الخبز حرام عليكم دينا، فلا تأكلوا الخبز تدينا، ويحرمونه لأجل ذلك، فهذا طاعة لهم في تحريم ما أحل الله, قال (أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا)، (أو تحليل ما حرم الله) يعني أحلوا ما يُعلم أن الله حرمه حرم الله الخمر فأحله العلماء أو أحله الأمراء، فمن أطاع عالما أو أميرا في اعتقاد أنّ الخمر حلال وهو يعلم أنها حرام وأن الله حرمها فقد اتخذه ربا من دون الله جل وعلا.
إذن هنا في هذا الباب حكم، وهناك شرط:
فالحكم قوله في آخره (فقد اتخذهم أربابا) فهو جزاء الشرط.
والشرط قوله (من أطاع العلماء والأمراء).
وضابط هذا الشرط ما بينهما وهو قوله (في تحريم ما أحل الله, أو تحليل ما حرمه) وهذا يستفاد منه -يعني من اللفظ- أنهم عالمون بما أحل فحرموا طاعة عالمون بما حرم فأحلوه طاعة لأولئك.
وقوله في آخره (فقد اتخذهم أربابا) ذلك لأجل آية سورة براءة قال (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)وحديث عدي بن حاتم في ذلك.--------ويقول--

وطاعة الأحبار في التحليل والتحريم على درجتين:
الدرجة الأولى: أن يطيع العلماء أو الأمراء في تبديل الدين؛ يعني في جعل الحرام حلالا وفي جعل الحلال حراما، فيطيعهم في تبديل الدين وهو يعلم أن الحرام قد حرمه الله؛ ولكن أطاعهم تعظيما لهم، فحلّل ما أحلوه طاعة لهم وتعظيما وهو يعلم أنه حرام، حلل يعني اعتقد أنه حلال وأمضى أنه حلال وهو حرام في نفسه، أو حرّم تبعا لتحريمهم وهم يعلم أن ما حرموه من الحلال أنه غلط وأن الحلال حلال؛ ولكنه حرم تبعا لتحريمهم، هذا يكون قد أطاع العلماء أو الأمراء في تبديل أصل الدين، فهذا هو الذي اتخذهم أربابا، وهو الكفر الأكبر والشرك الأكبر بالله جل وعلا، وهذا هو الذي صرف عبادة الطاعة إلى غير الله، ولهذا قال الشيخ سليمان رحمه الله في شرحه لكتاب التوحيد قال:الطاعة هنا في هذا الباب المراد بها طاعة خاصة وهي الطاعة في تحليل الحرام أو تحريم الحلال. وهذا ظاهر.
الدرجة الثانية: أن يطيع الحبْرَ أو يطيع الأمير أو يطيع الرهبان في تحريم الحلال أو في تحليل الحرام من جهة العمل، أطاع، وهو يعلم أنه عاصى بذلك ومعترف بالمعصية؛ لكن اتبعهم عملا وقلبه لم يجعل الحلال حراما، وقلبه لم يجعل طاعة أولئك في قلبهم الحلال حراما متعينا أو سائغا؛ ولكن أطاعهم حبا له في المعصية أو حبا له في مجاراتهم؛ ولكن في داخله الحلال هو الحلال والحرام هو الحرام فما بدَّل الدين، قال شيخ الإسلام رحمه الله: هذا له حكم أمثاله من أهل الذنوب.
وهاتان الدرجتان هما من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه الآية، هذا وأمثاله له حكم أمثاله من أهل الذنوب والعصيان؛ لأنه ما حرّم الحلال ولا أحلّ الحرام وإنما فعل الحرام من جهة العصيان، وجعل الحلال حراما من جهة العصيان لا من جهة تبديل أصل الدين.[كفاية المستزيد]