قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍۢ لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًۭا مُّتَصَدِّعًۭا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَمْثَٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

وقال المولى عز وجل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةًۭ ۚ
هذه قلوب الكافرين والمنافقين قاسية كالحجارة والحديد أو أشد قسوة.

وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ
هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كانت عينه تجري كالنهر

وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ ۚ
هؤلاء هم الصالحون

وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۗ
هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يصرع عند سماع الآية خوفا من عذاب الله

وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، (البقرة، 74).
هذا تحذير لي ولك، فقد حال بيننا وبين البكاء عند سماع القرآن أعمال كثيرة، قال تعالى: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ}، (المطففين، 14).

قد أصابنا داء عضال إنه قسوة القلوب.

قسوة القلوب


قال تعالى: {فَوَيْلٌۭ لِّلْقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ}، (الزمر، 22)،
وقال الحق تبارك وتعالى: {فَوَيْلٌۭ لِّلْمُصَلِّينَ {٤} ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {٥}}، (الماعون)،
فمن أخطر الأمراض التي تصيب المؤمنين مرض قسوة القلوب، وكثرة السهو في الصلاة، والذي يجد من ذلك شيء، وكلنا ذاك الرجل، عليه أن يدرك نفسه، قبل فوات الأوان،

قبل أن يعض: {عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًۭا}، (الفرقان، 27)،
وقبل أن: {تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يَٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولَا۠}، (الأحزاب، 66)،
وقبل أن: {يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى}، (الفجر، 24).

ولا يزال الرجل في خير من دينه حتى يرفع عنه الخشوع، فعن أبي الدرداء وشداد بن أوس رضي الله عنهما قالا: ((أوَّلُ ما يُرْفَعُ مِنَ الناسِ الخشوعُ))، صححه الألباني في أكثر من موضع، ولعوف بن مالك رضي الله عنه حديثا مثله.

ولقد عالج القرآن هذا الداء بطرق شتى وبين أسبابه الكثيرة واستأصل شأفته.

وأسباب قسوة القلوب سببان أساسيان، وأسباب كثيرة فرعية،

العلاج:


بداية {ٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، (الحديد، 17).
فبالصدقة يقوم قلبك من سباته وتدب فيه روح من الله، وذلك أنه في سورة الحديد في الآية التي قبل هذه قال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌۭ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ}، (الحديد، 16)، فظهر بهذا أن قسوة القلب قد تصل بي وبك إلى حد بعيد فيموت قلبي وأنا لا أشعر، ثم بين المولى سبحانه وتعالى في الآية التي بعدها أهم سبب لحياة القلوب، فقال: {إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِين َ وَٱلْمُصَّدِّقَ ٰتِ وَأَقْرَضُوا۟ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًۭا يُضَٰعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌۭ كَرِيمٌۭ}، (الحديد، 18).

فالشح داء عظيم يسبب قسوة القلوب، قال تعالى: {...وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} (الحشر، 9)، (التغابن، 16). والتعلق بالمال والبنون والدنيا والشهوات وإيثار ذلك من الشح، ويحول ذلك التعلق والإيثار بين المرء وقلبه، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَٰتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (مريم، 59)، وقال: {وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌۭ}، وقال: {وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ}.

والشح والإيمان يتدافعان في قلب المؤمن فإيهما غلب فقد ملك القلب، فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم)).

فإذا أحسست بأثر الصدقة عليك وعلى صلاتك، فأعلم أن التوقف عن الصدقة قد يميت القلب مرة أخرى، ولا تدري فقد يحال بينك وبين قلبك، قال تعالى: {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ}، (البقرة، 20)، وقال: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، (الإنفال، 24).

فلا تتوقف عن الصدقة فإن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل، وهذا المعنى واضح في قصة البقرة، فإن موسى عليه السلام أمر قومه الذين أصيبوا بالشح وكان الشح سببا في تباطؤهم وتكاسلهم عن طاعة الله، أمرهم بالصدقة فقال اذبحوا بقرة، فلما ذبحوها، أمرهم الله بضرب الميت ببعض الصدقة (البقرة)، فأحيى الله قلوبهم الميتة، ثم قال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ..} (البقرة، 74).

وقد أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالصدقة اليومية فقال عن أبي هريرة في صحيح البخاري: ((كلُ سُلامَى من الناسِ عليه صدقةٌ ، كلُ يومٍ تطلُعُ فيه الشمسُ)).

حتى أنه بالصدقة ينصر الله دينه، قال تعالى: {..وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌۭ شَدِيدٌۭ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌۭ}، فالصدقة من نصرة الله بالغيب، وهذا واضح من سياق السورة، فهذه دعوة من الله وبيان أن بالصدقة ينصر الله عباده، يقول صلى الله عليه وسلم: ((هل تُنصرونَ وتُرزقون إلَّا بضعفائكم))، صحيح البخاري.

فإن قال قائل إنني فقير ولا أجد ما أتصدق به،
نقول إن العبرة بأن يملأ الله قلبك رحمة، ففي سورة الماعون وغيرها من السور عبادات كثيرة تشرب قلبك الرحمة والرأفة مع الاحتساب لوجه الله وحده، مثل:

1- ملازمة اليتيم، وعدم نهره.
2- الحض على طعام المسكين.
3- منح الماعون للمحتاجين.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه:
1- إعانة الرجل لأخية صدقة.
2- الكلمة الطيبة صدقة.
3- من دل على طريق فهو له صدقة.
4- إعانة الملهوف صدقة.
5- الإمساك عن الشر صدقة.
6- أمر بمعروف صدقة.
7- نهي عن منكر صدقة.
8- من أكل من غرسك فهو لك صدقة.
9- ترفع اللقمة لفم امرأتك صدقة.
10- نفقتك على عيالك صدقة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يجزئ عن الصدقة: ((يجزئُ أحدَكم من ذلِك رَكعتا الضُّحى))، صحيح أبي داود.

وجماع ذلك واضح في سورة البقرة، قال تعالى: {وَٱسْتَعِينُوا بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ {٤٥} ... ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتِىَ}.

فذكر نعمة الله تزيل الشح من القلب.

فالصدقة من ذكر نعمة الله، ومن ذلك التحدث بنعم الله في المجامع {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى، 11)، والبدء عند الدعاء بالحمد وتعداد نعمه، من الأمن والأمان والعافية والتوبة والإسلام والإيمان والإحسان والقرآن والهداية والمال والأهل والبنين وغير ذلك من النعم التي لا تحصى. كل ذلك يملأ قلبك رحمة، وقال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةًۭ لِّلْعَٰلَمِينَ }، فعليك بحب كل المؤمنين ورحمة الضعفاء منهم وخاصة النساء، وعليك برحمة الشجر والدواب، وعليك بالإشفاق على المرضى من ضعيفي الإيمان والمشركين والكافرين والمنافقين، فإننا وإن كنا نكرههم ونبغضهم في الله، لكن علينا أن نعاملهم معاملة الطبيب الذي يعالج عدوه ويشفق عليه من المرض ومن النار، فتأس برسولك الكريم في رحمته للعالمين.

فإن قال قائل: إنه قد تصدق كثيرا ولا يحس بالخشوع في الصلاة، نقول أن على قلبك غلاف حال بين قلبك والذكر، إنه صدأ القلوب، إنه الران.

ونكمل حديثنا عن أسباب الران على القلوب وعلاجها في مرة قادمة إن شاء الله.