روى البخاري في صحيحة (ح6442) عن ابن عباس عن عمر في خطبة جمعة أنه قال:" ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا فقالوا هذا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا يوعك فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة قال عمر وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد". ورواه مسلم في صحيحة (ح1691).

وفي زيادة عن ابن عباس كما في صحيح أبن حبان (ح419) : ".. فبينما نحن في منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا برجل ينادي من وراء الجدار : اخرج إلي يا ابن الخطاب ، فقلت إليك عني فإني مشغول ، قال : اخرج إلي فإنه قد حدث أمر ، إن الأنصار اجتمعوا فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون بينكم فيه حرب ، فقلت لأبي بكر : انطلق ..".

ورواه البخاري في صحيحة (ح3467) عن طريق عائشة :"واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله".

وبأختصار في نقاط :

- سبب إسراعهم بالبيعة حين خشوا أن يبايع الأنصار سعد بن عبادة وينتشر الأمر فيتعلق به بعض الناس فيكون خلاف ونزاع يترتب عليه مفاسد عظيمة، وكانت كما قال عمر : فلتة ، أي لم يُحضر لها فوقعت فجأة من غير تدبر أو مشورة من جميع من يستحق المشاورة .
وقد وقى الله شرها فلا يؤمن من وقوع الشر والاختلاف في مثل ذلك .

- والبيعة لا يشترط لها مبايعة كل الناس, وإنما مبايعة من تيسر إجتماعهم من الرؤساء ووجوه الناس .

- وكان أجتماع الأنصار له عذره، فالعرب لم تكن تعرف السيادة على قوم إلا لمن يكون منهم، فلم يبلغهم حكم الإمارة في الإسلام واختصاص ذلك بقريش، فكانوا يشعرون أنهم اولى وهم اهل الدار والفضل، وقريش غرباء أقبلوا من مكة ثم يريدون أن يستأثروا عليهم وينفردوا دونهم بالحكم .

- وقول أبو بكر :"قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين"؛ تواضعا منه ولجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل .
فالصحابة لم يجدوا أنفسهم أمام نص يلزمهم باختيار احدهم دون الآخر ولذلك اختاروا الشورى ، وبايعوا أبو بكر .

- وحين نطق قائل (قتلتم سعد بن عبادة), أي: أعرضتم عنه واحتسبتموه في عداد القتلى، قال عمر (قتل الله سعد بن عبادة) أي: إن الله تعالى هو الذي قدر خذلانه أو هو دعاء عليه لأن موقفه ربما أحدث فرقة في المسلمين وما كَانَ يصلح أن يتقدم أبا بكر .

بأختصار والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .