قوله تعالى
﴿كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت أُكُلَها وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا وَفَجَّرنا خِلالَهُما نَهَرًا﴾ [الكهف: 33].
*قوله {كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت}:* آتَت: أعطت وأنتجت، وأثمرت.
ونظيرتها قوله تعالى (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ): فَآَتَتْ: أي فأعطت.
قال*ابن فارس في تهذيب اللغة: أي أعطت، والمعنى*أثمرت*مث لي ما يثمر غيرها من الجنان.
انتهى كلامه.
فمعنى قوله تعالى {آتَتْ*أُكُلَهَا }:*أثمرت*ثمرها.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى:* أثمرت* الجنتان إثمارا كثيرا حتى أشبهت المعطي من عنده.
*قوله {أُكُلَها}:* ثمرها. ومن معاني "الأُكل": الثمر.
قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والأُكْل: الرزق: وَمِنْه قيل للْمَيت: انْقَطع أُكْله.
والأُكْل: الحَظّ من الدُّنْيَا كَأَنَّهُ * يُؤْكَل.
والأُكْل:* الثَّمر.
وآكلت الشَّجَرَة: أطْعمتْ.
وَرجل ذُو أُكْل: أَي ذُو رَأْي وعَقْل وحَصَافة.
قال ابن منظور في لسان العرب: وفي الصِّحاحِ:*والأُ كْل*ثَمَرُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ. وكُلُّ * مَا* يُؤْكل، فَهُوَ أُكْل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: (أُكُلُها دائِمٌ).
قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ): فَآَتَتْ أُكُلَهَا: أي ثمرها.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.
قال الطبري في تفسيره: أضعف*ثمرها*ضعفين حين أصابها الوابل من المطر.
*قوله {وَلَم تَظلِم}:* أي ولم تنقص.
والمعنى: آتت أكلها كاملا تاما؛ من غير نقصان من ثمرها.
وأصل الظلم: النقصان. تقول: لا تظلمني في الوزن: يعني لا تنقص منه.
ونظيرتها قوله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا): وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا: أي لا ينقص من حسناتهم مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة؛ لا أدنى منها وأكثر؛ لأن الحساب عنده بمثاقيل الذر (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
ومنه ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا): قال يحيى بن سلام في التصاريف: يقول: فلا تنقص من ثواب عملها*شيئا.
انتهى.
فمعنى قوله تعالى (وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا): أي ولم*تنقص.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والنحاس في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، وغيرهم جمع.
زاد أبو عبيدة: ويقال: ظلمنى فلان حقى أي نقصنى.
قال الطبري في تفسيره: قوله: {ولم*تظلم*منه*شيئ ا} يقول:*ولم * تنقص *من الأكل شيئا، بل أتت ذلك تاما كاملا، ومنه*قولهم: ظلم فلان فلانا حقه: إذا بخسه ونقصه، كما قال الشاعر: [البحر الطويل]:
تظلمني ما لي كذا ولوى يدي*...*لوى يده الله الذي هو غالبه.
قال الألوسي في روح المعاني: ولم* تظلم *منه *أي لم* تنقص *من أكلها *شيئا *من النقص على خلاف ما يعهد في سائر البساتين فإن الثمار غالبا تكثر في عام وتقل في عام وكذا بعض الأشجار تأتي بالثمار في بعض الأعوام دون بعض.
*قوله {وَفَجَّرنا}:* أي شققنا.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن، وقاله الجلال المحلي في الجلالين.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ): يقول:*شققنا* الأرض فالتقى الماء.*
قاله السيوطي في الدر المنثور في التفسير.
ومنه (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ): وَفَجَّرْنَا فِيهَا: أي*شققنا*في الأرض.
قاله*الألوسي في روح المعاني.
*قوله {خِلالَهُما}:* أي* وسطهما، وبينهما.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن والفخر الرازي في التفسير الكبير، وغيرهم.
قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ): خِلَالِهِ: وسطه.
قاله البغوي في تفسيره.
ومنه (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا): خِلَالَهَا: وسطها.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.
ومنه (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ): خِلَالَكُمْ: وسطكم، وبينكم.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: قوله:*{خلالكم}*أي فيمابينكم.
وقال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغيرهم: {خِلَالَكُمْ}: وسطكم.
قال الواحدي في الوسيط: وخلال الشيء وسطه.
ومنه (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ): خِلَالَ الدِّيَار: وسط، وبين الديار.
قال السمعاني في تفسيره: وسط الديار.
قال أبو حيان في البحر المحيط: وسط*الديار*وما بينها.
*قوله {نَهَرًا}:* يجري بينهما؛ ليزيد بهاؤهما.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن.
..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.