سئل أبناء شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب، والشيخ حمد بن ناصر، عن المشرك إذا قال لا إله إلا الله حال الحرب ؟
فأجابوا: هذا يحتاج إلى تفصيل، فإن كان المشرك لا يتلفظ بها في حال شركه وكفره، كحال المشركين الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا إذا قال: لا إله إلا الله، وجب الكف عنه، لأنها دليل على إسلامه وإقراره، لأن المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولونها، وإذا قالها أحدهم كانت دالة على إسلامه، وهذا معنى الأحاديث التي جاءت في الكف عمن قال: لا إله إلا الله، كحديث أبي هريرة المتفق عليه: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل "1، وكذلك حديث أسامة، لما قتل الرجل في الحرب بعدما قال: لا إله إلا الله، فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه، وقال: " أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ فقال يا رسول الله إنما قالها تعوذا "2، وفي رواية " إنما قالها خوفا من السلاح، فقال: أفلا شققت عن قلبه؟ " 3.
قال العلماء: وفي ذلك أنزل الله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً } [سورة النساء آية : 94] الآية؛ فدلت الآية على أنه يجب الكف عن المشرك إذا أظهر الإسلام، ولو ظن أنه إنما قال ذلك خوفا من السيف؛ فإن تبين بعد ذلك أنه إنما أظهر الإسلام تعوذا، قتل، ولهذا قال تعالى:{ فَتَبَيَّنُوا} والتبين هو: التثبت، والتأني، حتى يتبين حقيقة الأمر.
وأما إذا كان المشرك يتلفظ بلا إله إلا الله، في حال كفره وردته، ويفعل من الأفعال ما يوجب كفره وأخذ ماله، فهذا يقتل ويباح دمه وماله، كما قال الصديق رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه لما ارتدت العرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم طائفة يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلون، ولكنهم منعوا الزكاة.
فقال عمر لأبي بكر: "كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".

فقال أبو بكر رضي الله عنه: "فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق ".
فقاتلهم أبو بكر وسائر الصحابة، مع كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلون.
وأجمع العلماء من أهل المذاهب على كفر من جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالصلاة والصيام والحج وغير ذلك، وإن كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وذلك لأن الدين لا يجوز التفريق فيه، بأن يؤمن الإنسان ببعض ويكفر ببعض، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} [سورة النساء آية : 150-151].
وقال تعالى:{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال آية :
39] قال العلماء: كل طائفة امتنعت عن شريعة من شرائع الإسلام، تقاتل حتى يكون الدين كله لله؛ وهذا مجمع عليه بين العلماء من أهل المذاهب، والله أعلم.[الدرر السنية -الجزء التاسع-الجزء الثانى من كتاب الجهاد]