الدهر- هو الزمان؛ اليوم، والليلة, أسابيع، الأشهر، السنون، العقود، هذا هو الدهر، وهذه الأزمنة مفعولَة؛ مفعول بها لا فاعلة، فهي لا تفعل شيئا وإنما هي مسخرة؛ يسخرها الله جل جلاله، وكلٌّ يعلم أن السنين لا تأتي بشيء، وإنما الذي يفعل هو الله جل وعلا في هذه الأزمنة، ولهذا صار سبّ هذه السنين سبًّا لمن تصرف فيها وهو الله جل جلاله.
و سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز، والتخلص منها واجب، واستعمالها مناف لكمال التوحيد الواجب، وهذا يحصل من الجهلة كثيرا، فإنه إذا حصل لهم في زمان شيئا لا يسرهم سبوا ذلك الزمان، ولعنوا ذلك اليوم أو لعنوا تلك السنة أو لعنوا ذلك النهار ونحو ذلك من الألفاظ الوبيلة، أو شتموا الزمان وهذا لا يتوجه إلى الزمن؛ لأن الزمن شيء لا يَفعل وإنما يُفعل فيه وهو أذية لله جل وعلا.
والسب في أصله التنقص أو الشتم، فيكون بتنقص الدهر، أو يكون بلعنه، أو بشتمه، أو بنسبة النقائص إليه، أو بنسبة الشر إليه، ونحو ذلك، وهذا كله من أنواع سبه، والله جل وعلا هو الذي يقلب الليل والنهار.
سب الدهر -- محرم وهو درجات، وأعلاه لعن الدهر؛ لأن توجه اللعن إلى الدهر أعظم أنواع المسبة وأعظم أنواع الإيذاء،------------------------------ وليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، ولا وصف اليوم بالسواد، ولا وصف الأشهر بالنحس ونحو ذلك، لأن هذا مقيّد وهذا جاء في القرآن في نحو قوله جل وعلا ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ﴾[فصلت:16]، (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) وصف الله جل وعلا الأيام بأنها نحسات، المقصود في أيام نحسات عليهم، وصف الأيام بالنحس؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم، ونحو ذلك قوله جل وعلا في سورة القمر ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾[القمر:19]، (يَوْمِ نَحْسٍ) أو يقول يوم أسود أو سنة سوداء، هذا ليس من سب الدهر لأن المقصود بهذا الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم.
وأما سبه- أن ينسب الفعل إليه فسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه، فهذا هو الذي يكون أذية لله جل وعلا.
(وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r، قال: «قال الّلهُ تعالى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَسُبّ الدّهْرَ. وَأَنَا الدّهْرُ»)، قوله هنا (وَأَنَا الدّهْرُ) لا يعني أن الدهر من أسماء الله جل وعلا؛ ولكنه رتبه على ما قبله فقال (يَسُبّ الدّهْرَ. وَأَنَا الدّهْرُ)؛ لأن حقيقة الأمر أن الدهر لا يملك شيئا ولا يفعل شيئا، فسَبُّ الدهرِ سَبٌّ لله؛ لأن الدهر يَفعل اللهُ جل وعلا فيه، فالزمان ظرف للأفعال وليس مستقلا، فلهذا لا يفعل ولا يحرم ولا يعفي ولا يكرم ولا يهلك وإنما الذي يفعل هذه الأشياء مالك الملك المتفرد بالملكوت وتدبير الأمر الذي يجير ولا يجار عليه.[مختصر من كفاية المستزيد]