تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من سبّ الدهر فقد آذى الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي من سبّ الدهر فقد آذى الله

    الدهر- هو الزمان؛ اليوم، والليلة, أسابيع، الأشهر، السنون، العقود، هذا هو الدهر، وهذه الأزمنة مفعولَة؛ مفعول بها لا فاعلة، فهي لا تفعل شيئا وإنما هي مسخرة؛ يسخرها الله جل جلاله، وكلٌّ يعلم أن السنين لا تأتي بشيء، وإنما الذي يفعل هو الله جل وعلا في هذه الأزمنة، ولهذا صار سبّ هذه السنين سبًّا لمن تصرف فيها وهو الله جل جلاله.

    و سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز، والتخلص منها واجب، واستعمالها مناف لكمال التوحيد الواجب، وهذا يحصل من الجهلة كثيرا، فإنه إذا حصل لهم في زمان شيئا لا يسرهم سبوا ذلك الزمان، ولعنوا ذلك اليوم أو لعنوا تلك السنة أو لعنوا ذلك النهار ونحو ذلك من الألفاظ الوبيلة، أو شتموا الزمان وهذا لا يتوجه إلى الزمن؛ لأن الزمن شيء لا يَفعل وإنما يُفعل فيه وهو أذية لله جل وعلا.
    والسب في أصله التنقص أو الشتم، فيكون بتنقص الدهر، أو يكون بلعنه، أو بشتمه، أو بنسبة النقائص إليه، أو بنسبة الشر إليه، ونحو ذلك، وهذا كله من أنواع سبه، والله جل وعلا هو الذي يقلب الليل والنهار.

    سب الدهر -- محرم وهو درجات، وأعلاه لعن الدهر؛ لأن توجه اللعن إلى الدهر أعظم أنواع المسبة وأعظم أنواع الإيذاء،------------------------------ وليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، ولا وصف اليوم بالسواد، ولا وصف الأشهر بالنحس ونحو ذلك، لأن هذا مقيّد وهذا جاء في القرآن في نحو قوله جل وعلا ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ﴾[فصلت:16]، (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) وصف الله جل وعلا الأيام بأنها نحسات، المقصود في أيام نحسات عليهم، وصف الأيام بالنحس؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم، ونحو ذلك قوله جل وعلا في سورة القمر ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾[القمر:19]، (يَوْمِ نَحْسٍ) أو يقول يوم أسود أو سنة سوداء، هذا ليس من سب الدهر لأن المقصود بهذا الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم.
    وأما سبه- أن ينسب الفعل إليه فسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه، فهذا هو الذي يكون أذية لله جل وعلا.
    (وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r، قال: «قال الّلهُ تعالى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَسُبّ الدّهْرَ. وَأَنَا الدّهْرُ»)، قوله هنا (وَأَنَا الدّهْرُ) لا يعني أن الدهر من أسماء الله جل وعلا؛ ولكنه رتبه على ما قبله فقال (يَسُبّ الدّهْرَ. وَأَنَا الدّهْرُ)؛ لأن حقيقة الأمر أن الدهر لا يملك شيئا ولا يفعل شيئا، فسَبُّ الدهرِ سَبٌّ لله؛ لأن الدهر يَفعل اللهُ جل وعلا فيه، فالزمان ظرف للأفعال وليس مستقلا، فلهذا لا يفعل ولا يحرم ولا يعفي ولا يكرم ولا يهلك وإنما الذي يفعل هذه الأشياء مالك الملك المتفرد بالملكوت وتدبير الأمر الذي يجير ولا يجار عليه.[مختصر من كفاية المستزيد]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    النهي عن سب الريح- الريح مخلوق من مخلوقات الله مسخر، وهي واحدة الرياح، يجريها الله جل وعلا كما يشاء، وهي لا تملك شيئا، كالدهر لا يملك شيئا ولا يدبر أمرا، فسب الريح كسب الدهر، يرجع في الحقيقة إلى أذية الله جل وعلا؛ لأن الله هو الذي يصرِّف الريح كيف يشاء، يأتي بالريح بأمر مكروه فيذكِّر العباد بالتوبة والإنابة، ويذكر العباد بأمر قدرته عليهم وأنه لا غنى لهم عنه جل وعلا طرفة عين، ويأتي بالريح فيجعلها رياحا، فيسخرها جل وعلا لما فيه من مصلحة العباد، فالريح إذا لا تملك شيئا، فهذا الباب عقده لبيان تحريم سب الريح كما عقد ما قبله لبيان أنّ سب الدهر لا يجوز ومحرم لأنه أذية لله جل وعلا.
    سب الريح من جنس سب الدهر؛ لكن هذا يكثر وقوعه، فأفرده بكثرة وقوعه وللحاجة إلى التنبيه عليه.
    النهي عن سب الريح-النهي للتحريم، وسب الريح يكون بشتمها أو بلعنها، -وكما ذكرنا لكم في بابلاَ تَسُبّوا الدّهْرَ -ليس من سبها أن توصف بالشدة كقول الله جل وعلا ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6)- سَخَّرَهَاعليهم سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾[الحاقة:6-7]، (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) هذا وصفٌ لها ووصفها بالشدة أو وصفها بالأوصاف التي يكون فيها شر على من أتت عليه كقوله ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾[الذاريات:42] ليس هذا من المنهي عنه.
    قال(عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ t، أن رسول الله r قال: «لا تَسُبّوا الرّيحَ, فإِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: الّلهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ وَخَيْرِ ما فِيهَا وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ») هذا يدل على أن الريح يكون فيها أمر، ويكون عليها أمر ونهي، والله جل وعلا يرسل الرياح كيف يشاء، ويَصْرِفُها -أيضا- جل وعلا عمن يشاء، فهي مسخرة بأمره جل وعلا، والملائكة هي التي تصرِّف الريح بأمره جل وعلا،، قد يكون فيها خير وقد يكون فيها عذاب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (إِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا) («الّلهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ وَخَيْرِ ما فِيهَا وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ وَنَعْوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ وَشَرّ ما فِيهَا وَشَرّ ما أُمِرَتْ بِهِ» صححه الترمذي). فأرشدهم الى ما يقولونه-- وما يكرهون قد يكون من جهة صفة الريح، وقد يكون من جهة لون الريح -يعني صفتها من جهة السرعة أو الاتجاه-، وقد يكون من جهة لونها وقد يكون من جهة أثرها، والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى شيئا في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج ورُئي ذلك في وجهه حتى تمطر السماء فيُسَرَّ عنه ويسر عليه الصلاة والسلام، قالت له عائشة: يا رسول الله لما ذاك قال: «ألم تسمعي لقول أولئك-أو كما قال عليه الصلاة والسلام- ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمُ(24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾[الأحقاف:24-25]».
    فإذن الخوف من الله جل جلاله إذا ظهرت هذه الحوادث أو التغييرات في السماء أو في الأرض واجب، والله جل وعلا يتعرّف إلى عباده بالرخاء كما أنه يتعرَّف إلى عباده بالشدة حتى يعرفوا ويعلموا ربوبيته وقهره وجبروته ويعلموا أيضا حلمه وتودده ورحمته لعباده.
    [مختصر بتصرف من كفاية المستزيد]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •