حكم منكر المهدي:
فقد بلغت أحاديث المهدي المنتظر حد التواتر كما ذكر ذلك أئمة الحديث، منهم: الحافظ ابن حجر العسقلاني والسخاوي والسفاريني في لوائح الأنوار والكتاني في نظم المتناثر من الحديث المتواتر، والحافظ الفقيه ابن حجر الهيتمي، والشوكاني.
قال الشوكاني في الفتح الرباني: الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثاً وثمانية وعشرون أثراً، ثم سردها مع الكلام عليها، ثم قال: وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع.
وللإمام الشوكاني رسالة في هذا سماها: "التوضيح في تواتر ما جاء في الأحاديث في المهدي والدجال والمسيح".
وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية بعد أن سرد بعض أحاديث المهدي فقال: وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف.. طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا مهدي إلا عيسى ابن مريم. وهذا حديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس مما يعتمد عليه.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي عمن أنكر المهدي الموعود به فأجاب: أن ذلك إن كان لإنكار السنة رأسا فهو كفر يقضى على قائله بسبب كفره وردته فيقتل، وإن لم يكن لإنكار السنة وإنما هو محض عناد لأئمة الإسلام فهو يقتضي التعزير البليغ، والإهانة بما يراه الحاكم لائقاً بعظيم هذه الجريمة، وقبح هذه الطريقة، وفساد هذه العقيدة، من حبس وضرب وصفع وغيرها من الزواجر عن هذه القبائح ويرجعه إلى الحق راغماً على أنفه، ويرده إلى اعتقاده ما ورد به الشرع ردعاً عن كفره. انتهى.
فإن من أنكر المتواتر بعد العلم به من غير تأول، يكون كافراً، كما قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة: والحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة, إلا بإنكار متواتر من الشريعة عن صاحبها, فإنه حينئذ يكون مكذبا للشرع. اهـ.
وذكر شيخ الإسلام في المجموع 12/497 قريبا من هذا حيث يقول عن الواجبات المتواترة، والمحرمات المتواترة: والجاحد لها كافر بالاتفاق. اهـ. وقال إسحاق بن راهويه: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته، ثم رده بغير تقية، فهو كافر.
وقال السيوطي: من أنكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، كفر وخرج عن دائرة الإسلام. اهـ.
ولكنه لا بد في تكفير المعين من إقامة الحجة عليه، وإزالة شبهته كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتُبيَّن له المحجة. ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. اهـ.
وفي شأن تواتر أحاديث المهدي، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: أما إنكار المهدي المنتظر بالكلية كما زعم ذلك بعض المتأخرين فهو قول باطل; لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا، قد تواترت تواترا معنويا وكثرت جدا، واستفاضت، كما صرح بذلك جماعة من العلماء, منهم أبو الحسن الآبري السجستاني من علماء القرن الرابع, والعلامة السفاريني، والعلامة الشوكاني وغيرهم, وهو كالإجماع من أهل العلم. انتهى.
والله أعلم.
منقول من إسلام ويب