موسوعة شعراء العربية
المجلد السادس \ الجزء الثاني
شعراء العربية في الاندلس

بقلم د فالح الكيلاني
حازم بن محمد القرطاجني
هو أبو الحسن حازم بن محمد بن حازم القرطاجني
ولد ابو الحسن في مدينة (قرطاجنة ) شرقي الأندلس سنة \ 608 هجرية -1211 ميلادية ونسب اليها فقيل( حازم القرطاجني)

ونشأ في أسرة ذات علم ودين فكان أبوه فقيهًا عالمًا، تولى قضاء ( قرطاجنة) أكثر من أربعين عاما، وقد عني بتثقيف ولده فوجهه الوجهة الصحيحة إلى طلب العلم مبكرًا، فبعد حفظه القرآن الكريم، وتعلمه مبادئ القراءة والكتابة تردد على حلقات الدراسة في مدينته والمدن العواصم في الثقافة والادب في الاندلس مرسية وغرناطة، وإشبيلية، وغيرها من المدن التي نجت من غزو النصارى انذاك .
وتتلمذ على عدد كبير من العلماء لدراسة العلوم الشرعية واللغوية في النحو والبلاغة والبيان منهم ( العروضي ) و( الطرسوني) ولزم مجلس شيخ علماء العربية في وقته (أبي علي الشلوبيني) الذي توسم فيه الذكاء والنبوغ كانت فيه نزعة فلسفية فأوصاه بقراءة كتب ( ابن رشد ) ووجهه الى دراسة المنطق والشعر والخطابة فبرع فيها وفاق
ا قرانه .

عاش حازم في فترة شهدت سقوط عدد من كبريات المدن الأندلسية في أيدي النصارى، فقد سقطت قرطبة في سنة\633هجرية – 1237ميلادية ثم تبعتها بعد ذلك بقليل مدن أخرى مثل قرطاجنة ومرسية عام 640 هجرية -1243 فيذكر الشاعر مأساة الأندلس التي انفرط عقدها، وسقطت مدنها في أيدي الاعداء مدينة بعد أخرى، واستصرخ الناس لنجدة الأندلس واستعادتها, فيبكيها ويقول:
ولو سما خليفة الله لها
لافتلّها بالسيف منهم وافتدى

ففي ضمان سعده من فتحها
دين على طرف العوالي يقتضى

فقد أشادت ألسن الحال به
حي على استفتاحها حي على

نصيف من مُرْسية بمنزلٍ
ضفا به الدَّوحُ على ماءٍ صفا

نقطع دنيانا بوصل الأنس في
مغتبقٍ في روضه ومقتدى

وتتناجى بالمنى أنفسنا
حيث تداعى الطير منها وانتجى

وسيطر الخوف على المسلمين بعد سقوط المدن اعلاه فأخذوا يهاجرون إلى المغرب وكان حازم من بين من ترك الأندلس. فانتقل حازم القرطاجني الى المغرب واستقر في مدينة (مراكش)والتحق بركب (الرشيد) محمد بن عبد الواحد الخليفة الموحدي حيث كان بلاطه عامرا بالعلماء والادباء فبقي في مراكش .
فلم يستقر به المقام طويلا وذلك بسبب الاضطرابات السياسية التي كانت تعصف بها فانتقل الى ( تونس) حيث اتصل بسلطانها( ابي زكريا الحفصي) وكان (الحفصي) محبا للعلم ومقدرا لمكانة العلماء والادباء فكان يدعوهم الى التوجه الى دولته للإقامة فيها وفي كنفه فيحيطهم برعايته . فقدم إليه كثير من العلماء والشعراء . وبلغ من حب (أبي زكريا الحفصي) للأدباء والشعراء أن جعل لهم بيتًا يقيمون به موفرا لهم فيه كل وسائل الراحة . فعرف له فضله ومكانته وعلمه، فقربه منه وعينه كاتبًا في ديوانه .
ولما توفِّي (أبو زكريا الحفصي) وخلفه ابنه (أبو عبد الله محمد المستنصر) وكان على شاكلة أبيه في احترام العلماء والأدباء فوجد حازم القرطاجني في ظل حكمه كل عناية وتقدير . وكان( المستنصر ) يثق به وبذوقه الأدبي معتمدا على رأيه فكان يدفع إليه ببعض المؤلفات لتقدير مستواها الثقافي فيقرها . وقد مدحه في مقصورته المشهورة فقال فيه :
أجريت من عين ومن عين بها
نهرين قد عما البرايا والبرى

وكفرت طاعته لمؤمن
طاعته لكافر فيما مضى

وانساب في قصر أبي فهر الذي
بكل قصر في الجمال قد زرى

قصر تراءى بين بحر سلسل
وسجسج من الظلام قد ضفا

بحيرة أعلى الإله قدرها
قد عذب الماء بها وقد رها

ومدحه ايضا فقال فيه :
بشرى ببيعةِ مولانا ابن مولانا
فكم أيادٍ بها الرحمن أولانا

خلافةُ الله صارتْ من إمامِ هُدَىً
إلى إمام هدىً بالعدل أحيانا

وعندما قُدِّرَ الوقتُ السعيدُ لها
جاءتْ على قَدَرٍ تلقاهُ لقيانا

كم قائلٍ قال لما أن تقلَّدها
قد قَلَّد المُلكَ داودٌ سليمانا

وقد أقام ارعيِ الخلق خالقُهُمْ
خليفةً قد أقامَ العدلَ ميزانا

كأنما الله قد أحيا خليفتَه
لنا بخيرِ إمام قد تولانا

فَقُلِّدَتْ عِقْدَ فخرٍ إذ غَدَتْ لكمُ
تاجاً يفوقُ من الأفلاكِ تيجانا

وأنجزَ الله وعداً من خلافته
لهم كما قد أتى في الذكر إتيانا

حباهُ ربك أوصافاً حباه بها
خلافةً ردَّت الأملاكَ عبدانا

استقر حازم القرطاجني في (تونس ) ولم يغادرها محاطًا بكل عناية وتقدير من حكام (الدولة الحفصية) موزعًا وقته بين العمل في الديوان وعقد حلقات العلم والادب والشعر لتلاميذه من طلبة علمه حتى وفاته .
تُوفِّي الشاعر حازم القرطاجني في ليلة السبت (24 من رمضان 684هجرية - 23 من نوفمبر 1285ميلادية .
حازم القرطاجني عالم واديب وشاعر مجيدً ، وصف بأنه خاتمة فحول شعراء الأندلس مع تقدمه في معرفة لسان العرب، وتعددت أغراض شعره فشملت المديح والغزل والوصف، والزهد والحنين إلى الأوطان وبكاء الديار والدعوة إلى تخليصها من ايدي الاعداء، واحتل المديح مكانًا واسعا في شعره وقد خص أبا زكريا الحفصي وابنه المستنصر بمدائح كثيرة. ومن شعر الحكمة والزهد هذه الابيات :

من قال حسبي من الورى بَشَرٌ
فحسبيَ الله حسبي الله

ربي عزيزٌ في ملكه صَمَدٌ
لا عزَّ إلاَّ لمن تولاه

لولاه لم توجد السَّماء ولا الأرضُ
ولا العالمون لولاه

كم آيةٍ للإله شاهدةٍ
بأنه لا إله إلاّه

وأهم قصائده مقصورته وهي قصيدة طويلة على روي الألف المقصورة، بلغت ابياتها ألف بيت وستة، وقدّم لها بمقدمة نثرية أثنى فيها على الخليفة المستنصر، ثم حدد ما اشتملت عليه مقصورته من فنون شعرية منها المديح والغزل والحكمة والوصف، وقد استهلها بالغزل فقال :
لله ما قد هجت يا يوم النَّوى
على فؤادي من تباريح الجوى

لقد جمعتَ الظلمَ والإِلامَ إذ
وَارَيتَ شَمسَ الحُسنِ في وَقتِ الضُّحى

فَخِلتُ يَومي إذ توارى نُورُها
قَبل انتهاءِ وقتِهِ قَد انتهى

وما تقضَّى عجبي من كونِها
غابَت وَعُمرُ اليومِ باقٍ ما انقضى

وكم رأَت عيني نَقيضَ ما رَأَت
مِن اطلاعِ نُورِها تحتَ الدُّجى

فيا لَها من آيةٍ مُبصِرَةٍ
أبصرَها طرفُ الرقيبِ فامترى

واعتورتهُ شُبهَةٌ فَضلَّ عَن
تحقيقِ ما أبصَرهُ وما اهتدى

وظَنَّ أنَّ الشَّمسَ قد عادَت لَهُ
وانجابَ جُنحُ اللَّيلِ عَنها وانجلَى

ترك لنا اثارا مهمة منها:
1- منهاج البلغاء وسراج الأدباء :وهو كتاب في النقد والبلاغة تناول فيه صناعة الشعر، وطريقة نظمه، وتعمق في بحث المعاني والمباني والأسلوب والبلاغة
2- كتاب قواعد النقد الأدبي والبلاغة عند العرب،
3- كتاب التجنيس و القوافي .
4- منظومة نحوية تعليمية
5- مقصورته الشعرية في الف بيت وستة ابيات .

واختم بحثي من شعره بهذه الابيات الرائعة :
أَد ِر الزجاجة فالنسيمُ مؤرج
والروض مرقوم البرود مدبَّج

والأَرض لابسة برودَ محاسنٍ
فكأنَّما هي كاعب تتبرَّج

والنّهى لمَّا ارتاح معطفه إلى
لقيا الرياح عُبابُهُ متموِّج

يمسي الأَصيلُ بِعسجديِّ شعاعِه
أَبداً يُوَشِّي صفحةً ويُدبِّج

وتروم أيدي الريح تسلب ما اكتسى
فتزيدُهُ حسناً بِما هيَ تنسُج

فارْتَحْ لشربك كأس راحٍ نَوْرُها
بل بدرها في مائِها يتوهَّج

واسكرْ بنَشوةِ لَحْظِ من أَحبَبْته
أو كأس خمرٍ من لماه تُمْزَج

واسمعْ إلى نغمات عُودٍ تطَّبي
قلبَ الخليِّ إلى الهوى وتُهَيِّج

بمٌّ وزيرٌ يُسعدانِ مثانياً
ومثالثاً طَبَقاتُها تتدرَّج

مَنْ لمْ يُهيِّج قلبَه هذا فما
للقلبِ منه محرّك ومهيّج

فأَجبْ فقد نادى بأَلْسن حاله
للأَمْنِ دهرٌ للهموم مفرِّج

طَرِبتْ جماداتٌ وأَفصحَ أَعْجمٌ
فرحاً وأَصبحَ منْ سرورٍ يَهْزج

أَفيفضُل الحيّ الجمادُ مسرَّةً
والحيُّ للسرَّاءِ منه أَحوج

ما العيشُ إلاّ ما نعِمتَ بها وما
عاطاك فيه الكأس ظبيٌ أدعج

ممَّنْ يروقُك منه رِدفٌ مُرْدَفٌ
عَبلٌ وخصرٌ ذو اختصارٍ مُدْمَج

فإذا نظرتَ لطُرَّةٍ ولغُرَّةٍ
ولصفحةٍ منه بدتْ تتأَجّج

أيقنتَ أن ثَلاثهُنَّ وما غُدا
من تحتها يَنْآدُ أو يتموَّج

ليلٌ على صبحٍ على بدرٍ على
غصنٍ تحمّله كثيبٌ رَجْرَج

كأس ومحبوب يظلّ بلحظه
فلب الخلِيِّ إلى الهوى يُسْتَدْرَج

يا صاحِ ما قلبي بصاحٍ عن هوى
شيئين بينهما المنى تُسْتَنْتَجُ

وبمهجتي الظبيُ الذي في أَضلعِي
قد ظلّ وهو يشُجُّها ويُؤَجِّجُ

ناديت حاديَ عيسه يوم النوى
والعيسُ تُحدى والمطايا تُحْدَج

قفْ أيُّها الحادي أُودِّعْ مهجةً
قَدْ حازها دونَ الجوانحِ هَوْدَجُ

لما تواقفنا وفي أحداجها
قمرٌ منيرٌ بالهلال متوَّج

ناديتهم قولوا لبدركُمُ الذي
بضيائه تسري الركاب وتُدْلج

يُحْيي العليلَ بلحظة أو لفظة
تُطفي غليلاً في الحشا يتأجَّج

قالوا نخاف يزيد قلبَك لاعجاً
فأجبتهم خلُّوا اللّواعجَ تَلْعَجُ

وبكيتُ واستبكيت حتَّى ظلَّ من
عبراتنا بحرٌ ببحرٍ يُمْرَجُ

وبقيتُ أفتحُ بعدهم بابَ المُنى
ما بيننا طوراً وطوراً أَرْتِجُ

وأَقول يا نفسي اصبري فعسى النوى
بصباحِ ليلٍ قربَها يتبَلَّجُ

فترَّقبِ السراءَ من دهرٍ دجا
فالدهرُ من ضدٍّ لضدّ يخرج

وترج فُرجة كلِّ همٍّ طارقٍ
فلكلِّ همٍّ في الزمان تفرُّجُ

امير البيـــــــــــ ــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــــــــ ـدروز

***************************