مسألة مهمة - يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله-وأما قوله تعالى : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) قال مجاهد : إلا مصانعة والتقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي ، فإن هذا نفاق ، ولكن أفعل ما أقدر عليه .
كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان
فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه ، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه ، مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه ، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه ، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله ، بل غايته [5] أن يكون كمؤمن [ آل ]فرعون - وامرأة فرعون - وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم ، ولا كان يكذب ، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، بل كان يكتم إيمانه .
وكتمان الدين شيء ، وإظهار الدين الباطل شيء آخر . فهذا لم يبحه الله قط إلا لمن أكره ، بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر . والله تعالى قد فرق بين المنافق والمكره .
والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين ، لا من جنس حال المكره الذي أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإن هذا الإكراه لا يكون عاما من جمهور بني آدم ، بل المسلم يكون أسيرا أو منفردافي بلاد الكفر ، ولا أحد يكرهه على كلمة الكفر ، ولا يقولها ، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار ليظنوه منهم ، وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، بل يكتم ما في قلبه .
وفرق بين الكذب وبين الكتمان . فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار ، كمؤمن آل فرعون . وأما الذي يتكلم بالكفر ، فلا يعذره إلا إذا أكره . والمنافق الكذاب لا يعذر بحال ، ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب . ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون دينه ، وهو مع هذا مؤمن عندهم يحبونه ويكرمونه ; لأن الإيمان الذي في قلبه يوجب أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح ، وإرادة الخير بهم ، وإن لم يكن موافقا لهم على دينهم ، كما كان يوسف الصديق يسير في أهل مصر وكانوا كفارا ، وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ، ومع هذا كان يعظم موسى ويقول : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) [ سورة غافر : 2 ] .
وأما الرافضي فلا يعاشر أحدا إلا استعمل معه النفاق ، فإن دينه الذي في قلبه دين فاسد ، يحمله على الكذب والخيانة ، وغش الناس ، وإرادة السوء بهم ، فهو لا يألوهم خبالا ، ولا يترك شرا يقدر عليه إلا فعله بهم ، وهو ممقوت عند من لا يعرفه ، وإن لم يعرف أنه رافضي تظهر على وجهه سيما النفاق وفي لحن القول ، ولهذا تجده ينافق ضعفاء الناس ومن لا حاجة به إليه ، لما في قلبه من النفاق الذي يضعف قلبه .
والمؤمن معه عزة الإيمان فإن العزة لله ولرسولهوللمؤمنين [منهاج السنة النبوية]