السؤال:
هل يجوز الذهاب إلى ساحر من أجل حل السحر ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز حل السحر بالسحر ، وإنما يحل السحر بالقرآن الكريم والأدعية النبوية ، والأدوية المباحة .
أما السحر فهو كفر وردة وخروج عن الإسلام ، فلا يجوز فعله ، ولا الذهاب إلى الساحر طلباً للشفاء ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة وهي حل السحر ، فَقَالَ : (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) رواه أبو داود (3868) وصححه الألباني .
قال ابن القيم في "فتاوى إمام المفتين" (ص207، 208) :
" والنشرة حل السحر عن المسحور ، وهي نوعان : حل سحر بسحر مثله ، وهو الذي من عمل الشيطان ، فإن السحر من عمله ، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب ، فيبطل عمله عن المسحور .
والثاني : النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة ، فهذا جائز ، بل مستحب " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد" (2/70) :
"وهذا الحديث بيَّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حكم النشرة ، وأنها من عمل الشيطان ، وهذا يغني عن قوله إنها حرام ، بل هذا أشد من قوله إنها حرام ، لأن ربطها بعمل الشياطين يقتضي تقبيحها ، والتنفير عنها ، فهي محرمة " انتهى .
وبعد هذا النص الواضح البين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا قول لأحد ، كائناً من كان .
ولا يجوز أن ينصب الخلاف بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين رأي عالم أو فقيه ، قال ابن القيم رحمه الله :
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
وقد حكى بعض أهل العلم عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه يرى جواز حل السحر بالسحر للضرورة ، وكلام ابن المسيب رحمه الله ليس صريحا في جواز حل السحر بالسحر ، بل يحتمل أنه أراد حله بالطرق المباحة ، ومع ذلك فقد أجاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا بقوله في " القول المفيد " (2/73) : " ولكن على كل حال حتى ولو كان ابن المسيب ، ومن فوق ابن المسيب ممن ليس قوله حجة يرى أنه جائز ، فلا يلزم من ذلك أن يكون جائزاً في حكم الله حتى يعرض على الكتاب والسنة ، وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن النشرة ، فقال : ( هي من عمل الشيطان ) " انتهى .
وقد فهم بعضهم من تجويز الإمام أحمد للنشرة أنه أجاز حل السحر بالسحر ، وإنما كلامه رحمه الله في الرقية الشرعية المباحة .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" (419) : "وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة ، فإنه محمول على ذلك -أي النشرة بالرقية الشرعية- وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية ، وليس في كلامه ما يدل على ذلك ، بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال : قد رخص فيه بعض الناس . قيل : إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه ، فنفض يده وقال : لا أدري ما هذا ! قيل له : أفترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال : لا أدري ما هذا. وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف وهو الذي روى الحديث (أنها من عمل الشيطان) ، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان ، وحاشاه من ذلك" انتهى .
وقد صرح كثير من العلماء بتحريم حل السحر بالسحر ، وأن الضرورة لا تبيح ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير ، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال ، لأن ذلك محرم في كل حال ، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه ، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه ، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر ، والشيطان إذا عرف أن صاحبه مستخف بالعزائم لم يساعده ، وأيضا فإن المكره مضطر إلى التكلم له ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين :
أحدهما : أنه قد لا يؤثر أكثر مما يؤثر من يعالج بالعزائم ، فلا يؤثر ، بل يزيده شراً .
والثاني : أن في الحق ما يغني عن الباطل " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/61) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " قال بعض الحنابلة : يجوز الحل بسحر للضرورة 0 والقول الآخر أنه لا يحل ، وهذا الثاني هو الصحيح ....... والسحر حرام وكفر ، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة ! " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/165) 0
وقال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي : " التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة : أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين ، وآية الكرسي ، ونحو ذلك مما تجوز الرقية به فلا مانع من ذلك ، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يفهم معناه ، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع ، وهذا واضح ، وهو الصواب إن شاء الله تعالى كما ترى " انتهى من "أضواء البيان" (4/465) 0
وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم علاج السحر بالسحر عند الضرورة ؟
فأجاب : "لا يجوز علاج السحر بالسحر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) . والنشرة هي حل السحر بالسحر ؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم ، وهذا من الشرك الأكبر ؛ ولهذا أخبر الله سبحانه عن الملكين أنهما يقولان لمن يريد التعلم منهما ما نصه : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) البقرة/102 ، وقبلها قوله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمـَا أُنـزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِـلَ هَـارُوتَ وَمَـارُوتَ ) البقرة/102. ثم قال سبحانه : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُون َ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِـهِ أَنفُسَهُـمْ لـَوْ كَانُـوا يَعْلَمُـونَ *وَلَـوْ أَنَّهُـمْ آمَنُـوا وَاتَّقَـوْا لَمَثُوبَـةٌ مِـنْ عِنْـدِ اللَّهِ خَيْـرٌ لَـوْ كَانُـوا يَعْلَمُونَ ) البقرة/102،103.
وفي هاتين الآيتين تحذير من تعلم السحر وتعليمه من وجوه كثيرة ، منها : أنه من عمل الشيطان ، ومنها : أنّ تعلمه كفر ينافي الإيمان ، ومنها : أنه قد يحصل به التفريق بين المرء وزوجه ، وهذا من أعظم الظلم والفساد في الأرض ، ومنها : أنه لا يقع شيء من الضرر ولا غيره إلا بإذن الله ، والمراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري ، ومنها : أن هذا التعلم يضرهم ولا ينفعهم ، ومنها : أن من فعله ليس له عند الله من خلاق 0 والمعنى : ليس له حظ ولا نصيب من الخير 0 وهذا وعيد عظيم يوجب الحذر من تعلم السحر وتعليمه ، ومنها : ذمه سبحانه من تعاطي هذا السحر بقوله تعالى : ( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ) والمراد بالشراء هنا البيع 00 ومنها : إخباره سبحانه أن هذا العمل ينافي الإيمان والتقوى 0
وبهذه الوجوه يظهر لكل مسلم شدة تحريم تعلم السحر وتعليمه ، وكثرة ما فيه من الفساد والضرر ، وأنه مع هذا كفر بعد الإيمان ، وردة عن الإسلام ، نعوذ بالله من ذلك 0 فالواجب الحذر من ذلك ، وأن يكتفي المسلم بالعلاج الشرعي وبالأدوية المباحة بدلاً من العلاج بما حرمه الله عليه شرعاً ، والله ولي التوفيق " انتهى . "مجلة الدعوة" – تاريخ 10 / 11 / 1414 هـ 0
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم النشرة .
فأجاب : "حل السحر عن المسحور ( النشرة ) الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن تكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية والأدوية المباحة ، فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة ، بل ربما تكون مطلوبة لأنها مصلحة بلا مضرة 0
القسم الثاني : إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقض السحر بسحر مثله ؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم : فمن العلماء من أجازه للضرورة .
ومنهم من منعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) رواه أبو داود وإسناده جيد . وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرما ، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره والله سبحانه وتعالى يقول : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّى فإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعي إِذَا دَعَانِ ) ويقول الله تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ ) والله الموفق " "فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1/238،239) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن حكم حل السحر بسحر مثله ، فأجابت :
"لا يجوز ذلك ، والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) 0
وفي الأدوية الطبيعية ، والأدعية الشرعية ، ما فيه كفاية : ( فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ) ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي ، ونهى عن التداوي بالمحرم ، فقال صلى الله عليه وسلم : (تداووا ولا تتداووا بحرام ) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام ) " انتهى 0
"فتاوى مهمة لعموم الأمة" (106،107) 0
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله :
"لا يجوز حل السحر بسحر مثله ، وذلك بأن يطلب من الساحر نفسه أن يبطل عمله الذي هو السحر ، فإن في ذلك إقراراً له ، وإبقاء لعمله ، مع أن الواجب قتله متى عرف وتحقق أنه ساحر ، فإن حده ضربة بالسيف ، وكذا لا يجوز الذهاب إلى ساحر آخر لطلب حل ذلك السحر لما في ذلك من إبقائه وتقريره الذي هو كرضى بفعله " انتهى .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن حكم حل السحر بسحر مثله فأجاب:
"أما قضية حل السحر بسحر مثله فقد نص كثير من العلماء على أن ذلك لا يجوز ، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح ، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تداووا ولا تداووا بحرام ) 0
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) ، ومن أعظم المحرمات السحر فلا يجوز التداوي به ولا حل السحر به ، وإنما السحر يحل بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة ، هذا الذي يجوز حل السحر به " انتهى من "المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان" (2/132،133) .
https://islamqa.info/ar/92810