[إنّما المرءُ بأصغريْه قلبِه ولسانِه]
قال وديعُ فلسطين في كتابه (وديع فلسطين يتحدّث عن أعلام عصره ج1 ص 11 ) :
كانت هذه هي المرّة الأولى التي أرى فيها المازِني بشحمه ولحمه ودمه وعن قرب شديد، كنتُ قبل لقائه أحسبه على بسطة في الجسم، فإذا هو ضئيلُ البنية .
قال ربيع السملالي
-أديب مغربي معاصر-: سبحان الله كثيرٌ من العلماء والأدباء حين نقرأ لهم نرسم لهم في أذهاننا صورًا فخمة كفخامة العلم أو الأدب الذي يتمتّعون به.
وذكَرَ ابنُ خَلِّكان في ( وفيات الأعيان) في ترجمة الحريري صاحب ( المقامات ) : يُحكى أنّه كانَ دَميمًا قبيحَ المنظر، فجاء شخص غريبٌ يزوره ويأخذ عنه شيئًا، فلمّا رآه استزرى شكلَه، ففهم الحريري ذلكَ منه فلمّا التمسَ منه أن يمليَ عليه قال له : أكتُبْ :
ما أنتَ أوّل سارٍ غرّه قمــــــــرٌ ....ورائــدٍ أعجبته خضـرةُ الدِّمـــــــــ ــنِ
فاختَرْ لنفسِكَ غيري إنّني رجلٌ ....مثل المُعَيْدي فاسمعْ بي ولا ترني !

قال ربيع : وهذا يذّكرني بقول شيخ المعرّة :
خذي رأيي وحسبُكِ ذاكَ منّي ...على ما فيّ من عِوَجٍ وأمتِ
أمّا خضراء الدّمن فهي عبارة عن المنظر الحسن وراءه مخبر سوء ..وقد جاء في ذلك حديث ضعيف جدّا ( إيّاكم وخضراء الدّمن ) قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال :
( المرأة الحسناء في منبت السّوء) ! فالدّمن جمع دِمنة ، وهي القذر الذي تدمنه الإبل من أبوالها وأبعارها، فربّما نبت عليه نبات فجاء مخضرّا رائقًا ، وإن كان منبته فاسدًا .
والمعيدي تصغير رجل منسوب إِلى معدّ؛ يضرب مثلاً لمن خَبَرُه خير من مَرْآتِه .
!
قلت -القائل ربيع السملالي-: وبما أنّ الحديثَ ذو شجون يروقني أن أستحضر هنا قصّة الشّاعر الشّهير كُثيّر عزّة حين استأذن على عبد الملك بن مروان، فلمّا دخلَ عليه قال عبد الملك: لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: حيّهلا يا أميرَ المؤمنين إنّما المرء بأصغريْه قلبِه ولسانِه، إن نطقَ نطقَ ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان، وأنا الذي أقول:
وجرّبتُ الأمـــــــــــ ـــــــــــــــ ورَ وجرّبتني ...فقد أبدتْ عريكتي الأمورُ
وما تخفى الرّجالُ عليّ إنّــــــــــي ...بهم لأخو مثابته خبيرُ
ترى الرّجلَ النّحيفَ فتَزْدَريه ...وفي أثوابه أسد هصورُ
ويُعجبُك الطّرير إذا تراه ...فيُخلف ظنّك الرّجلُ الطّريرُ

قلتُ وقد قال حسّانُ بنُ ثابت رضي الله عنه ساخرًا :
لابأسَ بالقومِ من طول ومن عِظم ... جسم البِغَالِ وأحلامُ العصافير
وقصّة الجاحظ لا تخفى على من له اطّلاع على أخبار الأدباء ..فقد كان مُشوّهَ الخِلقَة دَميمَها، جاحظَ العينين قصيرَ القامة، تستبشعه الأنظارُ، ومع ذلك فإنّه أديب العربية الأوّل بدون منازع ..أديب اشتهر شهرة لا أظنّ أحدًا اشتُهر مثله، يعرفه الصّغيرُ والكبير، الرّجل والمرأة ...قال عنه الزِرِكْلي في الأعلام ( كبيرُ أئمة الأدب ) . وصدق كُثيّر : (إنّما المرءُ بأصغريْه قلبِه ولسانِه)..
وكذلك لا يكفي في الدلالة على عقل الرجلِ الاغترارُ بحسن مَلْبَسِه، وملاحة سَمْته، وتسريح لِحيته، ونظافة بزَّتِه؛ إذ كم من كَنِيفٍ أنيق ولكنه مكانٌ للقاذورات! وقد قال الأصمعي: رأيتُ بالبصرة شيخًا له منظرٌ حسَن، وعليه ثيابٌ فاخرة وحوله حاشية وهَرج، وعنده دخل وخرج، فأردتُ أن أختبرَ عقله، فسلمتُ عليه، وقلتُ له: ما كُنيةُ سيدنا؟ فقال: أبو عبد الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، قال الأصمعي: فضحكتُ منه، وعلمت قِلَّةَ عقله، وكثرة جهله، ولم يدفع ذلك عنه غزارة خرجه ودخله.
منقول عن ربيع السملالي