في حوار أرجو أن يكون هادئا مع إخواني هنا في المجلس العلمي ، أود أن أستعرض قضية مهمة تتعلق بالمسلمين في الشرق والغرب ، ومن له رؤية أو رأي فليسدله لنا وللمسلمين حيال ما يحدث وما سيحدث جراء فوز ترامب !
أسدلت الولايات المتحدة الأمريكية صباح اليوم الأربعاء الستار عن أطول وأسوأ حملة انتخابية تشهدها البلاد ، حيث شهدت الكثير من الشتائم والسباب والفضائح والبذاءة ؛ ليتم الإعلان عن فوز المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" ذاك الرجل المعروف بالسمعة السيئة والفضائح التي لا تنتهي .
ويصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية - أكبر دولة إرهابية في العالم والتي تصدره لغيرها - خلفاً للديمقراطي باراك أوباما .
وبغض النظر عن أن فوز "ترامب" كان مخالفا لكل التوقعات التي تنبأت بهزيمته وفوز المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلنتون" ، وبعيدا عن بدهية عدم تأثر ثوابت سياسات الولايات المتحدة الأمريكية بشخص الرئيس الجديد للبلاد ؛ حيث إن تلك السياسات يشترك في رسمها بالإضافة للمؤسسات التشريعية والتنفيذية المعروفة كالبيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون ، جهات أخرى لا تظهر على الساحة الإعلامية كالشركات العملاقة واللوبيات الصهيونية وغيرها .
فإن فوز شخص عنصري بامتياز كـ "ترامب" كما ظهر ذلك من خلال خطاباته التي كان يتشدق بها والتي شابهت إلى حد كبير خطابات أعلام التطرف والعنصرية موسوليني وهتلر ، وزيد على ذلك أنه قذر بدرجة مقززة بعد أن زكمت رائحة فضائحه الجنسية أنوف العالم بأسره قبل أن تزكم أنوف الولايات المتحدة الأمريكية ، وجاهل بأبجديات السياسة باعتراف بعض أركان حزبه الذي رشحه لهذا المنصب الخطير ، والرجل يحمل في طياته الكثير من المعاني والدلالات يكفي ذكر أبرزها وأهمها في هذه العجالة .
أولى هذه المعاني والدلالات :
كشف حقيقة المزاج وشخصية الناخب الأمريكي ، وإظهار مدى العنجهية والعنصرية الفجة التي اختارها هذه المرة وفضلها على النفاق والتلون التي تميز به الديمقراطيون طوال فترتي حكم "أوباما" السابقة .
ومع التأكيد دائما على عدم وجود كبير فرق بين فوز مرشح جمهوري أو آخر ديمقراطي فيما يخص قضايا المسلمين من أهل السنة على وجه الخصوص ، حيث إن أحدهما يعادي المسلمين بعنف وبشكل علني وبأسلوب صفيق ووقح ، بينما يتبع الآخر أسلوب النفاق في عدائه ، ويفضل أسلوب الكيد للمسلمين بأسلوب ناعم ، فإن فوز "ترامب" صاحب التوجه العنيف يظهر مدى "الإرهاب" الذي ينطوي عليه هذا الاختيار ، والذي يوصف في أمريكا بأنه : ممارسة ديمقراطية !!
أما المعنى الثاني : فيتعلق بالدول الإسلامية السنية التي لا يزال بعضها يراهن على التعلق بالولايات المتحدة الأمريكية لحل الأزمات المتفاقمة في الدول العربية والإسلامية ، رغم وضوح تورطها الشديد - بله المخطط لها - في المشاركة في جميع تلك الأزمات ضد أهل السنة بالمقام الأول - وربما الوحيد - رغم وجود رئيس ديمقراطي "أوباما" في البيت الأبيض لمدة 8 سنوات خلت .
أما وقد فاز "ترامب" العنصري المتطرف العنيد المجاهر بعدائه للمسلمين ، والذي وعد ناخبيه أثناء حملته الانتخابية بطرد مليوني مهاجر مسلم خلال 100 يوم الأولى من رئاسته ، كما تعهد بمنع المسلمين من دخول بلاده ، ودعا إلى مراقبة المساجد في الولايات المتحدة ، والتفكير بعمق في إجراء دراسات أمنية بحق المسلمين القاطنين في البلاد في إطار مكافحة ما يسمى "الإرهاب" ، بل قد يطرد بعض الأمريكين المسلمين من البلاد ، وجاهر بخصومته للدول السنية ، ودعا إلى الهيمنة على النفط الموجود في بعض الدول العربية والإسلامية ، ناهيك عن مساعدته للأنظمة المستبدة ووقوفه بجانبهم.
بل نشرت واشنطن بوست مقالا عن أوضاع المسلمين، قائلة : إنها ربما تصبح أسوأ كثيرا بعد فوز ترامب.
ورصد المقال -الذي كتبه دانا ميلباند- العديد من الحالات التي تعرض فيها مسلمون ومسلمات لانتهاكات بدنية ولفظية من أنصار ترامب.
وأوضح أنه لا يمكن إلقاء اللوم في كل هذه الأحداث على ترامب، لكن صعوده تصادف مع تصاعد عدد الاعتداءات على المسلمين إلى أعلى معدلاتها "لأنه شجع على انفلات مشاعر الكراهية".
وأورد الكاتب أن ترامب عندما سئل عما قال عن إقامة نظام لتسجيل وتعقب المسلمين في الولايات المتحدة أجاب بأنه من المؤكد سينفذ ذلك، داعيا إلى إغلاق أميركا في وجوههم.
وذكر ميلباند أيضا أن ترامب قال في مقابلة تلفزيونية إن الإسلام يكره الغربيين، وأجاب لاحقا عندما سئل عما إذا كان هذا الحكم ينطبق على الـ1.6 مليار مسلم في العالم بقوله "أعني كثيرا منهم".
وتساءل الكاتب عما إذا كان الجمهوريون سيربطون أنفسهم بهذه الأفكار الغريبة التي يتبناها ترامب، أم سيرفضون أن تقال وتنفذ باسمهم؟
http://www.aljazeera.net/news/presstour/2016/5/4
كل هذا - وغيره - يعني أن الاستمرار في التعويل على أمريكا في حل أزماتنا المتفاقمة ، ومحاولة الاعتماد عليها لإنصافنا من القهر والظلم والبغي الواقع علينا في كل من سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وبورما ..... إلخ هو في الحقيقة ضرب من الخيال بل الخبل والعبث والجنون .
فانتصار ترامب في الانتخابات الأميركية ضربة للمتعلقين بأميركا تعلقا وثنيا وتنبيه لهم على الاعتماد على الذات والخروج من وهْم المظلة الأميركية .
وبالرغم من أن انتصار أي مرشح سواء كان من الجمهوريين أو الديمقراطيين ، فإن الأمر لن يختلف كثيرا ، فإن في اعتقادي أن أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية إنما هو بعوامل تتحكم بمقاليد وزمام أمور البلاد كالجونجرس وغيره من الصهاينة و... ، فمهما أتى رئيس فإنه سيأتي لينفذ الأجندة الأمريكية المعدة والمخطط لها سابقا .
لكن مع كل ذلك أيضا قد يختلف رئيس عن رئيس - ولو قليلا - فقد يأتي رئيس لينفذ المخطط فحسب ويتنفل بعض الشيء ، وهناك من ينفذ ويخطط معهم ويتنفل تنفلا مطلقا ، كل ذلك كراهية أكثر وأكثر للإسلام وأهله ، فتنفله ليس له حدود ، كما رأينا في القس بوش الابن وغيره.
أما ما يعنيه فوز ترامب أخيرا : فهو توقع المزيد من إرهاب أمريكا تجاه العالم الإسلامي وقضاياه العادلة ، فساكن البيت الأبيض الجديد لم يخف توجه الجنوني نحو مزيد من سياسة "الفوضى" في العالم عموما والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص ، والتي لن تكون أبدا "فوضى خلاقة" كما يزعم ساسة الولايات المتحدة الأمريكية .
لا أتحدث هنا فقط عن الفوضى الاقتصادية التي ظهرت آثارها فورا في الداخل الأمريكي قبل العالم الخارجي بمجرد ظهور رجحان فوز "ترامب" , حيث تراجع الدولار الأمريكي في التعاملات الآسيوية المبكرة ؛ وهبط الدولار بأكثر من 3% حتى الآن مقابل الين ، في حين خسر 1.8% أمام الفرنك السويسري، الذي يصنف أيضاً ضمن فئة الملاذات الآمنة، كما هوى الدولار بأكثر من 2% مقابل اليورو مسجلاً 1.12 ، ناهيك عن تسجيل أسواق المال العالمية تراجعاً حادا لنفس السبب .
وإنما الأهم من ذلك هو المزيد من فوضى الحرب المستعرة ضد المسلمين من أهل السنة في داخل أمريكا في المقام الأول , والذي بدأت توجساته تظهر على مسلمي أمريكا بعد فوز "ترامب" ، من خلال تعبير الكثير منهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن قلقهم من تداعياات ذلك عليهم ، ناهيك عن توقعات بتفاقم الحرب المستعرة في كل من العراق وسورية واليمن وليبيا و.... فقد أبدى ترامب تأييدا لبوتين الذي تمارس قواته العسكرية أبشع جرائم القتل ضد أطفال ونساء وشيوخ سوريا ، واعتبر أن طاغية الشام بشار ، يقاتل "داعش" و "الإرهاب" ، ما يعني دعما أمريكيا مكشوفا ومفضوحا هذه المرة لجرائم هؤلاء في سوريا .
هذا في الحقيقة غيض من فيض دلالات وآثار فوز شخصية مثل "ترامب" برئاسة بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، ما يفرض على ساسة الدول السنية الإسراع في توثيق المزيد من التحالفات لمواجهة موجة قد تكون غير مسبوقة من العنصرية والعنف والكراهية ضد المسلمين من أهل السنة في العالم .
اللهم أيقظ المسلمين من غفلاتهم وسباتهم .
لك الله يا أمتنا الحبيبة !!