تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: حكم القياس في الرخص

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي حكم القياس في الرخص

    السؤال :
    ما حكم القياس على الرخص ، كمن يقيس رخصة الصلاة في البيت حال المطر ، بغيرها من الأمور التي من شأنها أن تسبب عائقاً للمرء أو إزعاجا ؟ ومن العلماء من قاس جواز تأخير الصلاة عند قدوم الطعام ، بغيرها من المسائل التي ينشغل فيها ذهن المرء ، فجعلوا انشغال الذهن سبباً موجباً لاتخاذ الرخصة وتأخير الصلاة . وماذا لو لم يتوفر الموجب للرخصة ، ولكن توفرت الحالة ؛ كأن تكون السماء ممطرة ، ولكن مع وجود المظلة أو السيارة بحيث يستطيع الوصول إلى المسجد دون أن يبتل ؟ هذا على اعتبار أن البلل هو سبب حيازة الرخصة . وقل مثل ذلك في السفر، فقد يتوفر للمرء السفر على الدرجة الأولى في ظروف مريحة جداً، فهل يجوز له القصر والجمع ؟ وإذا ما جاز ، قلنا فما باله لا يقصر من يعمل عملاً شاقاً ؟ أليس في حالة يصبح فيها أكثر احتياجاً إلى القصر من ذلك المسافر المرتاح على أريكته ؟


    الجواب :
    الحمد لله
    أولا:
    القياس على الرخص مختلف فيه عند علماء أصول الفقه ، وقد حكى الدكتور عبد الكريم النملة الخلاف في كتابه " المهذب في علم أصول الفقه المقارن" (4 / 1939) ورجح إثبات الرخص بالقياس وأجاب عن أدلة القائلين بالمنع فقال : " هل يجوز القياس في الرخص كقياس الثلج على المطر في جواز الجمع بين الصلاتين بجامع أن كلًّا منهما يتأذى منه المسلم ؟
    اختلف في ذلك على مذهبين:
    المذهب الأول: أنه يجوز إثبات الرخص بالقياس ، ولا مانع من ذلك ، إذا عرفنا العِلَّة وتحققنا منها. وهو مذهب جمهور العلماء ، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
    الدليل الأول: عموم الأدلة المثبتة لحجية القياس من الإجماع والكتاب والسُّنَّة والمعقول - كما سبق بيانه -؛ حيث إنها دلَّت على أن القياس يجري في جميع الأحكام الشرعية ، إذا عرفت العلَّة ، وتحققت في الفرع ، ووجدت جميع شروط القياس ، فإن تلك الأدلة لم تفرق بين حكم وحكم ، وبما أن الرخصة حكم من الأحكام الشرعية ، فإنها تدخل في هذا العموم.
    الدليل الثاني: أن الرخص تثبت بخبر الواحد ، فكذلك تثبت بالقياس ، ولا فرق ؛ بجامع: أن كلًّا منهما يفيد الظن ، ويجوز الخطأ والسهو في كل منهما.
    المذهب الثاني: لا يجوز إجراء القياس في الرخص. وهو مذهب الحنفية، وقول للإمام مالك، وقول للإمام الشافعي .
    أدلة هذا المذهب:
    الدليل الأول: أن الرخص مخالفة للدليل ، فالقول بجواز القياس عليها ، يؤدي ويفضي إلى كثرة مخالفة الدليل ، فوجب أن لا يجوز.
    جوابه: أن الدليل إنما يخالفه صاحب الشرع ، لمصلحة تزيد على مصلحة ذلك الدليل ؛ عملاً بالاستقراء ؛ وتقديمُ الأرجح : هو شأن صاحب الشرع، فإذا وجدنا تلك المصلحة التي خولف الدليل لأجلها في صورة أخرى ، وجب أن يخالف الدليل بها - أيضاً - عملاً برجحانها -
    فنحن حينئذٍ قد أكثرنا موافقة الدليل ، لا مخالفته.
    الدليل الثاني: أن الرخص منح من اللَّه - تعالى - وعطايا ؛ فلا يتعدى بها عن مواضعها؛ حيث إن في قياس غير المنصوص ، على المنصوص ، في الأحكامالاحتكام َ على المُعطي في غير محل إرادته ، وهذا لا يجوز، فينتج من ذلك: عدم جواز إثبات الرخص بالقياس.
    جوابه: أن مدار إجراء القياس : على إدراك العلَّة ، والمعنى من شرع الحكم .
    وكون الرخص تتصف باليسر والتخفيف : لا يمنع من إجراء القياس فيها ؛ فمتى أدركنا العلَّة التي من أجلها شرعت تلك الرخصة ، ووجدنا تلك العلَّة في شَيء آخر فإننا نعدي تلك الرخصة إلى ذلك الشيء؛ تكثيرا لمنح اللَّه ، وحفظا لحكمة الوصف من الضياع.
    وقال إمام الحرمين - في الجواب عن ذلك الدليل -: هذا هذيان ، فإن كل ما يتقلب فيه العباد من المنافع : فهي منح من اللَّه تعالى" انتهى.

    وبناء على هذا ؛ فإذا عرفت العلة من مشروعية الرخصة ، وتحققنا من وجود هذه العلة في النوع : فحينئذ يصح القياس .
    وهذا القياس لا يمكن أن ينطبق على قصر الصلاة ، لأن العلة في قصر الصلاة هي السفر ، وليست هي المشقة ، فالمسافر يقصر الصلاة ، سواء وَجَد مشقة أم لم يجد ، وغير المسافر (المقيم) لا يقصر الصلاة ، ولو وجدت المشقة .

    ولذلك نص العلماء على أنه لا يصح القياس على الرخصة التي لا توجد علتها في غير ما شرعت فيه ، (كرخص السفر) ؛ فإن علة السفر لا توجد في الإقامة ، وكذلك لا يصح القياس إذا لم نعرف علة الرخصة .
    جاء في " البحر المحيط في أصول الفقه " (7 / 75):
    " وَقَالَ إلْكِيَا: إنَّمَا نَمْنَعُ الْقِيَاسَ عَلَى الرُّخَصِ إذَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى حَاجَاتٍ خَاصَّةٍ ، لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ ؛ فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ الْجَامِعِ ، كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ يُعْتَبَرُ بِالْمُسَافِرِ فِي رُخَصِ السَّفَرِ ؛ إذْ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ تَخْصِيصِ الشَّرْعِ ...
    وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلرُّخْصَةِ مَعْنًى : فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا ، وَبَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ : فَيُقَاسُ.
    وَيَنْزِلُ الْخِلَافُ عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ.
    وَرَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا: فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا : فَلَا. فَحَصَلَ مَذَاهِبُ" انتهى.
    وينظر ـ للفائدة ـ مذهب إمام الحرمين في ذلك : "البحر المحيط" (7/79) .

    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " الرخصة في السفر رخصة عامة في الوقت الحاضر، وقبله ، وفيما يأتي أيضاً ؛ لأن الذي شرعها ، وهو علام الغيوب : يعلم كل شيء سبحانه وتعالى ، ويعلم أحوال العباد في وقت التشريع ، وهكذا في الأوقات المستقبلة في مثل وقتنا هذا، الله يعلم كل شيء -سبحانه وتعالى- ولو كان التشريع يختلف ؛ لقال إذا تيسرت الأسفار، أو جاءت مراكب مريحة ، فلا تقصروا ولا تجمعوا، ما قال هذا، لا قاله الرب –سبحانه-، ولا قاله الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قال العلماء: إنما قصرت الصلاة في السفر، لأنه مظنة للتعب ومشقة ، والمظنة يستوي وجودها وعدم وجودها ما دام للمظنة ، فالسفر مظنة المشقة ، ولكن ليس وجودها شرطاً، فإذا كان السفر مريحاً على إبلٍ مريحة وعلى أوقات مريحة، فالقصر مشروع، وهكذا الآن في السيارات والطائرات والقطارات والمركبات الفضائية : كلها طريق واحد، يشرع القصر ويشرع الجمع للمسافر ، ولو كان في غاية الراحة ؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين شرع ذلك لم يقيد، والله في كتابه العزيز لم يقيد بالمشقة، فعلم بذلك أن المسافر يقصر، ويجمع ويفطر، وإن كان سفره مريحاً في السيارة أو في الطائرة أو في غير ذلك ، والحمد لله على كل حال " انتهى من موقع الشيخ على هذا الرابط:
    http://www.binbaz.org.sa/node/19440

    ثانيا :
    أما تأخير الصلاة إذا أحضر الطعام ، فليست العلة هي حضور الطعام ، ولكن العلة هي انشغال الذهن ، وذهاب الخشوع أو قلته ، ولذلك صح أن يقاس على حضور الطعام كل ما يشغل ذهن المصلي ويقلل خشوعه .
    قال النووي رحمه الله في شرحه لحديث ( لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ ) . رواه مسلم (560) . قال:
    "فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث : كَرَاهَة الصَّلَاة بِحَضْرَةِ الطَّعَام الَّذِي يُرِيد أَكْله ، لِمَا فِيهِ مِنْ اِشْتِغَال الْقَلْب بِهِ ، وَذَهَاب كَمَالِ الْخُشُوع ، وَكَرَاهَتهَا مَعَ مُدَافَعَة الْأَخْبَثِينَ وَهُمَا : الْبَوْل وَالْغَائِط ، وَيَلْحَق بِهَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ يَشْغَل الْقَلْب وَيُذْهِب كَمَال الْخُشُوع .
    ، وَهَذِهِ الْكَرَاهَة إِذَا صَلَّى كَذَلِكَ وَفِي الْوَقْت سَعَة ، فَإِذَا ضَاقَ بِحَيْثُ لَوْ أَكَلَ أَوْ تَطَهَّرَ خَرَجَ وَقْت الصَّلَاة : صَلَّى عَلَى حَاله ، مُحَافَظَة عَلَى حُرْمَة الْوَقْت ، وَلَا يَجُوز تَأْخِيرهَا" انتهى .
    وقال العز بن عبد السلام رحمه الله في "قواعد الأحكام"(1/38) : "وكذلك تؤخر الصلاة بكل ما يشوش الخشوع ، كإفراط الظمأ والجوع " انتهى .

    وأما التخلف عن صلاة الجماعة من أجل المطر ، فليست العلة هي المطر ، ولكن العلة هي المشقة الحاصلة بسبب السعي إلى الصلاة في المطر ، ولذلك اشترط العلماء في المطر أن يبل الثياب ، لأن هذا هو الذي تحصل به المشقة .
    قال البهوتي في " كشاف القناع "(4/12) :
    "يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ : خَائِفٌ مِنْ ضَرَرٍ فِي مَالِهِ ، أَوْ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا ، أَوْ أَطْلَقَ الْمَاءَ عَلَى زَرْعِهِ ، أَوْ بُسْتَانِهِ ، يَخَافُ إنْ تَرَكَهُ فَسَدَ ، أَوْ كَانَ مُسْتَحْفَظًا عَلَى شَيْءٍ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ إنْ ذَهَبَ وَتَرَكَهُ ، كَنَاطُورِ (حارس) بُسْتَانٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ اللَّاحِقَةَ بِذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ بَلِّ الثِّيَابِ بِالْمَطَرِ ، الَّذِي هُوَ عُذْرٌ بِالِاتِّفَاقِ " انتهى .

    ومثل المطر : ما قد يحصل به التأذي في مثل تلك الحال ؛ كشدة الريح ، أو شدة البرد ، أو الوحل .
    قال البهوتي في "الروض المربع" (2/362) وهو يذكر أعذار التخلف عن صلاة الجماعة : "أو : حصل له أذى بمطر ووحل ، وكذا ثلج وجليد وبرد ، وبريح باردة شديدة في ليلة مظلمة" انتهى .
    وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/317) :
    "فإذا خافَ الأذى بمطرٍ أو وَحْلٍ، أي: إذا كانت السَّماءُ تمطرُ، وإذا خَرَجَ للجُمُعةِ أو الجماعةِ تأذَّى بالمطرِ : فهو معذورٌ.
    والأذيَّة بالمطرِ : أن يتأذَّى في بَلِّ ثيابه ، أو ببرودة الجَوِّ، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذِّي بوَحْلٍ .
    وكان النَّاسُ في الأول يعانون مِن الوحلِ ؛ لأن الأسواقَ طين ، فيحصُلُ فيها الوَحْلُ والزَّلَقُ، فيتعبُ الإِنسانُ في الحضور إلى المسجدِ، فإذا حصلَ هذا فهو معذورٌ .
    وأما في وقتنا الحاضرِ : فإن الوَحْلَ لا يحصُل به تأذٍّ ، لأنَّ الأسواقَ مزفَّتة ، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجدَ في بعض المواضع المنخفضة مطراً متجمِّعاً، وهذا لا يتأذَّى به الإِنسانُ ، لا بثيابه ولا بقدميه، فالعُذرُ في مثل هذه الحال إنما يكون بنزولِ المطرِ ، فإذا توقَّفَ المطرُ : فلا عُذر، لكن في بعض القُرى التي لم تُزفَّت يكون العُذرُ موجوداً" انتهى .

    والحاصل : أن ما عرفت علته من الرخص ، وتحققت تلك العلة في الفرع : صح فيه القياس ، وما لم تعلم علته ، أو كانت علته قاصرة لا توجد في غير ما شرعت فيه : لم يصح فيه القياس حينئذ .
    والله أعلم .
    https://islamqa.info/ar/239103



  2. #2

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي الكريم

    هذا الموضوع مهمّ جدّا في الأصول والفروع، ولا أدري لماذا لم يشارك فيه علماء المجلس ونبهاء الطلبة!
    [أما تأخير الصلاة إذا أحضر الطعام ، فليست العلة هي حضور الطعام ، ولكن العلة هي انشغال الذهن... ولذلك صح أن يقاس على حضور الطعام كل ما يشغل ذهن المصلي ويقلل خشوعه]
    إذا سلّمنا هذا التعليل، وأن العلة غير المنصوص عليه في الأخبار:
    (لا صلاة بحضرة الطعام)
    (إذا وضع العشاء)
    (إذا قدّم العشاء)
    (إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء)

    لزم على تقديري محذورات أصولية وهي كالآتي باستعجال:
    الأول:
    أن هذا من باب الاستنباط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، وهو غير جائز باتفاق الأصوليين.
    بيانه: إذا جعلنا انشغال الذهن علة الحكم، لزم عدم اعتبار خصوص حضور الطعام الذي درات عليه ألفاظ النصوص، فيدور الحكم على الانشغال الذهني، سواء حضر الطعام أو لم يحضر!
    فظهر أن البحث: من استنباط المعاني التي تعود على النصوص بالإبطال.
    الثاني:
    القاعدة الأصولية تقول: "إن محلّ النص إذا اشتمل على وصف يمكن اعتباره لم يجز إلغاؤه"
    ولا شك أن في حضور الطعام زيادة تشوّف وانشغال لا توجد عند عدم الحضور فلا يجوز إلغاء وصف الحضور مع إمكان اعتباره.
    الثالث:
    أن القول بجواز التخلّف أو وجوبه عن صلاة الجماعة التي أقيمت لها بانشغال الذهن المجرّد عن حضور الطعام يجرّ طرده حكما بديعا لم يعهد مثله في عهد الرسول والصحابة الكرام فيدلّ خروج أثره عن النظير في الماضين على عدم اعتباره وجعله مناطا للحكم.
    ومثل هذا ممنوع عند الأصوليين كما بيّنه الجويني في البرهان في فقرة (1256).

    ملاحظة:

    ألا نسنتغني عن القياس على حضور الطعام، إذا علمنا أن العلة انشغال الذهن؛ إذ يكون حضور الطعام وغيره مظنّات للوصف؟

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وفيك بارك الله أخي .
    كتبت هذا في بعض المواطن في المجلس هنا ، فلعل فيه فائدة تتعلق بالمسألة :
    روى الشيخان : إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء . وقوله : لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان .
    الحديث يتكلم عن الصلاة بحضرة الطعام والمدافعة معا في شطريه ، والعلة واحدة ، وهي أن يصلي المصلي وهو يشغله أمر ما تتوق نفسه إليه ، فالذي وضع الطعام أمامه إن ذهب وصلى ونفسه تتوق إلى الطعام وهو جائع ، أو ربما غير جائع ، لأن وضع الطعام أمامه مظنة الجوع غالبا لدى هذا الشخص ، وكذا عند مدافعة الأخبثين ، فإن صلى وهو يدافعه ذلك ، انشغل عن الصلاة بالأمر الذي يدور بخلده .
    والحاصل : أن العلة واحدة ، وإذا اتحدت العلة في شيء كان الحكم واحدا ، إلا إذا دل دليل على غير ذلك ، والحديث بشطريه ، الأول ينص على الجائع ـ غالبا ، وربما يكون غير جائع ـ عند حضرة الطعام ، والثاني عند المدافعة . والله أعلم .
    قال الحافظ ابن حجر في الفتح 2 / 160 : قوله : فابدؤوا بالعشاء . حمل الجمهور هذا الأمر على الندب ثم اختلفوا فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وعليه يدل فعل بن عمر الآتي وأفرط بن حزم فقال تبطل الصلاة ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك وعند أصحابه تفصيل قالوا يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة قوله عن عقيل في رواية الإسماعيلي حدثني عقيل وعنده أيضا عن بن شهاب أخبرني أنس ... ثم قال : ... فلو وضع عشاء غيره لم يدخل في ذلك ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى لو كان جائعا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ ، ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن عائشة لا صلاة بحضرة طعام. الحديث، وقول أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته .اهــ
    فائدة : قال ابن الجوزي : " ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله ، وليس كذلك ، وإنما هو صيانة لحق الحق ، ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة " . الفتح 1 / 190 .

  4. #4

    افتراضي

    أحسن الله إليكم
    لم اطلع على الموضع المشار إليه في المجلس حبذا لو تكرّمتم برابطه.
    - القاعدة في الأصول:أن الوصف الذي هو معتبر في الحكم إن انضبط بنفسه لا يُعدل عنه إلى غيره كتعليل تحريم الخمر بالسكر، وتعليل قطع اليد بالسرقة، وتعليل وجوب الجلد بالزنا وبالقذف، وتعليل المحرميّة بالرضاع، ونحو ذلك، من الأوصاف المنضبطة بنفسها.
    - وإن لم يكن الوصف منضبطا بنفسه أُقيمت المظنّة مقام الوصف فيعلّق الحكم بها لا بالوصف كما يناط حكم القصر والفطر بالسفر لا بالمشقة، وكما يناط الأحكام بالتقاء الختانين لا بالإنزال، وكما تعلّق الأحكام بالبلوغ لا بالعقل الذي هو مناط التكليف.
    - ومن شرط المظنة أن يُظن عندها الوصف المطلوب، فلو قُطِع بانتفاء الوصف مع قيام المظنّة فالراجح أن لا يترتّب على المظنة حكم.
    - لكن إذا أقيمت المظنّة مقام الوصف أعرض الشارع عن اعتبار الوصف في نفسه. ولذلك لو حصلت المشقّة بدون سفرٍ لم يُعلَّق على المشقة رُخص السفر من القصر والإفطار.
    - وإذا أتينا إلى مسألة تأخير الصلاة لأجل الحضور أو المدافعة فهو من باب تعليق الحكم بالمظنّة لا بالوصف.
    - فلنفرض: أن انشغال الذهن هو الوصف لكنّه غير منضبط فأقام الشارع حضورَ الطعام والمدافعة مقامَ الوصف، والقاعدة في الأصول: أنه إذا أقيمت المظنة مقام الوصف أُعرض عنه كالسفر والمشقة.
    - وإذا كان الأمر كذلك فالحكم مدار على "حضور الطعام والمدافعة" اللذين هما مظنّة "الانشغال" لكنه مُعرَض عنه لعدم انضباطه في نفسه وقيام المظنّة (الحضور والمدافعة) مقام الانشغال.
    فالحكم معلّق بحضور الطعام والمدافعة.
    واختلاف بعضهم في أوصاف الطعام كاختلافهم في مقادير السفر، وكذلك الحكم في المدافعة إلخ.
    هذا ما تقتضيه القواعد الأصلية حسب علمي وأبحاث العلماء في مثل هذه المسائل.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •