كيف تكون محققا للمخطوطات ؟
أصول تحقيق المخطوطات
محمد السيد علي بلاسي
تدور كلمة "التحقيق" في اللغة حول: إحكام الشيء وصحته والتيقن، والتثبت. ففي مقاييس اللغة: يقال: ثوب محقق إذا كان محكم النسج قال:
تسربل جلد وجه أبيك إنا * * * كفيناك لمحققة الرقاقا
ويقال: حققت الأمر وأحققته: أي كنت على يقين فيه(1).
وفي اللسان: وحقه يحقه وأحقه كلاهما أثبته، وصار عنده حقاً لا شك فيه، وحق الأمر يحقه حقاً وأحقه. كان منه على يقين، تقول: حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه(2).
أما عن المدلول الاصطلاحي للتحقيق، فهو: "إخراج الكتاب على أسس صحيحة محكمة من التحقيق العلمي في عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبته إليه، وتحريره من التصحيف والتحريف، والخطأ، والنقص، والزيادة".
أو "إخراجه بصورة مطابقة لأصل المؤلف أو الأصل الصحيح الموثوق إذا فقدت نسخة المؤلف"(3).
فالتحقيق هو: "أن يؤدي الكتاب أداء صادقاً كما وضعه مؤلفه كماً وكيفاً بقدر الإمكان، فليس معنى تحقيق الكتاب أن نلتمس للأسلوب النازل أسلوباً هو أعلى منه، أو نحل كلمة صحيحة محل أخرى صحيحة بدعوى أن أولاهما أولى بمكانها، أو أجمل، أو أوفق، أو ينسب صاحب الكتاب نصاً من النصوص إلى قائل وهو مخطئ في هذه النسبة، فيبدل المحقق ذلك الخطأ، ويحل محله الصواب، أو أن يخطئ في عبارة خطأ نحوياً دقيقاً فيصحح خطأه في ذلك، أو أن يوجز عباراته إيجازاً مخلاً فيبسط المحقق عباراته بما يدفع الإخلال، أو أن يخطئ المؤلف في ذكر علم من الإعلام، فيأتي به المحقق على صوابه.. ليس تحقيق المتن تحسيناً، أو تصحيحاً، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ فإن متن الكتاب حكم على المؤلف وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حرمتها، كما أن ذلك الضرب من التصرف على حق المؤلف الذي له وحده حق التبديل والتغيير"(4).
فالتحقيق -إذن- أمر جليل يحتاج من الجهد والعناية إلى أكثر ما يحتاج إليه التأليف، حتى لقد قال الجاحظ -قديماً-: "ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفاً أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام"(5).
فالعلماء العرب قديماً -قد عرفوا التحقيق، لا سيما عند توثيق النصوص وخاصة النصوص الشرعية، فقد كان لهم مناهج يتبعونها عند ذلك.
يقول الدكتور شوقي ضيف مؤكداً هذه الحقيقة: "لقد كانوا يعرفون كل القواعد العلمية التي نتبعها في إخراج كتاب لا من حيث رموز المخطوطات فحسب، بل أيضاً من حيث اختيار أوثق النسخ لاستخلاص أدق صورة للنص، ولعل خير ما يمثل عملهم في هذا الجانب إخراج اليونيني حافظ دمشق المشهور في القرن السابع الهجري لصحيح البخاري(6).
كما كان للعلماء العرب مؤلفات تتصل بالمنهج العلمي عند التأليف والتحقيق، من ذلك(7):
1-مقدمة ابن الصلاح (أبو عمرو عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري، المتوفى سنة 643هـ)(8).
2-تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم: لابن جماعة (بدر الدين بن أبي إسحاق إبراهيم الكناني، المتوفى سنة 733هـ)(9).
3-التعريف بآداب التأليف: للسيوطي (جلال الدين عبدالرحمن، المتوفى سنة 911هـ)(10).
كل هذا وغيره يدل على أن أسلافنا الأفذاذ كان عندهم مناهج عند التأليف والتحقيق تكاد تقترب من مناهج المحدثين، إلا أنه مع هذا كله ومع بداية الاشتغال بالتحقيق في العصر الحديث لم يكن ثمة منهج معلوم يمكن أن يلتزم به المحققون، وإنما كان لكل منهم طريقته ومنهجه، على أنه قد استمدت بعض هذه الطرق من مناهج العلماء المسلمين في توثيق النصوص وخاصة النصوص الشرعية، كما استمد بعضها الآخر من مناهج المستشرقين في نشر التراث القديم. ومع مرور السنين بدأت الخبرات تتراكم وبدأ التفكير في تقنين هذه العملية ووضع الضوابط التي تحكمها(11).

صفات المحقق(12):
ينبغي لمن يتضلع بهذه المهمة الجليلة -وهي تحقيق المخطوطات- أن تتوفر فيه هذه الصفات:
1-الإحساس بقيمة التراث العلمي والفكري إحساساً ينبع من الإيمان العميق بدوره الفعال في بناء حضارة الأمة عن طريق إحياء تراثها.
2-الحب والتعلق بتراثنا المخطوط، ومعايشة، وتوثيق الصلة به على نطاق واسع قراءة ودراسة، وخبرة ودراية بأسراره ودقائقه وخصائصه، وأساليب تدوينه، ومناهج كتابته، وأنواع خطوطه.
3-الخبرة والتمرس بتحقيق المخطوطات، والدراسة الواسعة بأصول تحقيقها، ومعرفة أصولها، وما كتبت به من خطوط متنوعة، مشرقية ومغربية، وفارسية.. ويستتبع ذلك التمرس بنهج النساخ ومصطلحات القدماء في الكتابة، مثل علامات التضبيب، واللحق، والإحالة.. ولابد من معرفة اصطلاحات القدماء في الضبط بالشكل، وعلامات إهمال الحروف غير المعجمية، وما يسمى بالتعقيبة.
4-أن يكون المحقق على علم ودراية بموضوع الكتاب، فذلك أدعى إلى أن يكون العمل أكثر إتقاناً ودقة، مما لو تصدى له شخص آخر له جهة علمية أخرى.
5-الأمانة العلمية التي تقتضي تحرير النص وتصحيحه، والاجتهاد في إخراجه على الصورة التي تمت به على يد مؤلفه دون أي تصرف، وفق أصول التحقيق المعتمدة عند شيوخ هذا العلم وأساطينه.
6-الإلمام الواسع باللغة العربية وأساليبها ومفرداتها وسائر علومها؛ ما يذلل كثيراً من الصعاب التي قد تواجه المحقق في أساليب المخطوطة، ولغتها، حيث يجد من الحصيلة اللغوية ما يمكنه من تدقيق النظر، والوصول إلى الوجه الصحيح.
7-التذرع بالصبر والأناة؛ لأن المحقق كثيراً ما تواجهه مشكلات وصعوبات قد تتطلب وقفات طويلة ومتأنية للوصول إلى علاجها الصحيح عن علم ويقين، وبعد طول بحث وتقص، بعيداً عن النظرة العجلى التي تأخذ بأقرب ما يتبادر إلى الذهن دون إعمال الفكر وتدقيق النظر وتقليب الأمر على جميع وجوهه المحتملة بغية الوصول إلى وجه الصواب.
8-سعة الاطلاع على كتب التراث ومصادره في مختلف جوانب البحث والمعرفة، ومعرفة مناهج المؤلفين، وتوجهاتهم العلمية، وطرق لبحث في مصنفاتهم حول شتى العلوم مما يساعد المحقق على تحرير وتوثيق نصوص الكتاب الذي يعمل على تحقيقه.

الجوانب الفنية لتحقيق المخطوط:
يمكن أن نجمل تلك الجوانب -وبإيجاز شديد- في ثلاثة مراحل أساسية هي(13):
المرحلة الأولى:
تجميع نسخ المخطوطات، والمقارنة بينها وتحديد منازل النسخ.
ولكي نتوصل إلى معرفة النسخ المختلفة للكتاب الواحد ينبغي الرجوع إلى فهارس المكتبات والأعمال الببليوجرافية التي تحصي تراثنا المخطوط وتحدد أماكنه في مكتبات العالم مثل كتابي: تاريخ الأدب العربي: لكارل بروكلمان، وتاريخ التراث العربي: لفؤاد سيزكين. والكتابان يسجلان المخطوطات العربية الموجودة في مكتبات العالم تحت أسماء مؤلفيها، فكل مؤلف تذكر مؤلفاته التي وصلتنا، وكل كتاب منها تذكر نسخة والمكتبات التي توجد بها.
"وليس معنى ذلك أن يعمل (المحقق) على جمع كل ما يوجد من نسخ المخطوطة إذا كانت نسخها كثيرة مثل بعض الكتب المشهورة التي قد تصل مخطوطات بعضها إلى أكثر من مئة نسخة، وفي مثل هذه الحالة على المحقق أن يجتهد قدر الطاقة في الاطلاع على هذه النسخ، وجمع المعلومات عنها من خلال الاطلاع الميداني والمصادر والفهارس التي تتحدث عنها وتصفها، لكي يتسنى له اختيار النسخ الموثقة والمعتمدة منها، ويكتفي في الغالب بثلاث إلى خمس نسخ بالصيغة المذكورة.
وإذا لم يجد الباحث بع التحري والتقصي الدقيق سوى نسخة وحيدة جيدة وصحيحة وكاملة وموثقة فلا ضير في العمل على تحقيقها غير أنها تحتاج منه إلى جهد كبير، ودراية واسعة، ويقظة ووعي في التقويم والتصحيح(14).
ويلحق بتجميع النسخ مسألة تجديد منازلها، فليست كل مخطوطات الكتاب الواحد سواء في أقدارها، ففيها الكامل والناقص، وفيها القديم والمتأخر، وفيها الواضح والغامض، وفيها الموثق بسماعاته وإجازاته ومقابلاته وغير الموثق. وإذا كانت أفضل النسخ هي أقدمها وأكملها وأوثقها، فإن هذه المواصفات قلما تجتمع في نسخة واحدة، فقد تكون النسخة الأقدم ناقصة أ, متعذرة القراءة أو غير موثقة، وقد تكون النسخة الكاملة هي الأحدث، وقد توجد نسخ غير مؤرخة يصعب وضعها في مكانها الزمني بين النسخ الأخرى؛ وهنا تأتي أهمية دراسة الخط والرق وتواريخ التمليكات والسماعات والإجازات وتقصي الأشخاص الذين ورد ذكرهم في السماع أو الإجازة.
وقد وضع برجشتراسر تصويراً عند المفاضلة بين النسخ الخطية والمتفاوتة؛ إذ يقول: "إن أقدار النسخ الخطية لكتاب ما متفاوتة جداً، فمنها ما لا قيمة له أصلاً في تصحيح نص الكتاب، ومنها ما يعول عليه ويوثق به، ووظيفة الناقد أن يقدر قيمة كل نسخة من النسخ ويفاضل بينها وبين سائر نسخ الكتاب، متبعاً في ذلك قواعد منها:
أ-أن النسخ الكاملة أفضل من النسخ الناقصة.
ب-النسخ الواضحة أحسن من غير الواضحة.
ج-النسخ القديمة أفضل من الحديثة.
د-النسخ التي قوبلت بغيرها أحسن من التي لم تقابل(15).
على أن تحديد منازل النسخ يتمخض عنه: اختيار النسخة التي تتخذ أصلاً للتحقيق تقابل عليه النسخ الأخرى، كما ينتج عنه تحديد النسخ التي أخذت عن بعضها بحيث يمكن الاستغناء عن النسخ المتشابهة والاكتفاء بالأصل الذي أخذت عنه.

المرحلة الثانية:
مرحلة التحقيق بكل ما ينطوي تحته من تثبت من مؤلف الكتاب وعنوانه وتحرير لنصه، أما عنوان الكتاب واسم المؤلف فغالباً ما يذكران في المقدمة. وفي حالة فقد أجزاء من المقدمة أو طمس إحدى هاتين المعلومتين، أو جزء من أيهما كأن نعثر على عنوان الكتاب ولا نعثر على اسم المؤلف، أو نعثر على اسم الكتاب أو اسم المؤلف ناقصين، في مثل هذه الحالات يلزم الرجوع إلى الكتب الببلوجرافية التي تحصي أسماء المؤلفين(16).
أما إذا فقدت المقدمة وفقد معها اسم الكتاب واسم مؤلفه فلا سبيل إلى التعرف على شخصيته إلا من خلال قراءة النص وتحديد موضوعه، والتمرس بأساليب المؤلفين وخصائصهم، والرجوع إلى الكتب الموسوعية أو كتب التخصص التي قد تكون نقلت نصوصاً عن هذا الكتاب وسمته أو ذكرت مؤلفه. وتلك كلها أمور تحتاج إلى خبرة واسعة بالتراث العربي وإحاطة شاملة بخصائص المؤلفين.
فإذا اطمأننا إلى عنوان الكتاب واسم مؤلفه، انتقلنا إلى النص نفسه، فإن كانت نسخة المؤلف هي التي ننشرها فلا مشكلة لأنها تجب كل نسخ الأخرى، أما إذا كنا أمام مجموعة من النسخ فيجب أن نرمز لكل منها برمز معين، وأن نتخذ أقدمها وأوثقها وأصحها أساساً لنشر، ونقابلها بالنسخ الأخرى ونثبت الخلافات بين النسخ في الحواشي.
ولكن تحقيق النص ليس مجرد مقابلة عدة نشخ على بعضها، ولا هو تصويب له أو تصحيح لأخطائه، وإنما هو محاولة للاقتراب من النص الذي تركه المؤلف وافتقدناه، ولهذا تجدر الإشارة إلى بعض المبادئ الأساسية التي ينبغي الالتفات إليها عند تحقيق النص وأهمها:
1-أن المحقق ليس من مهمته تقويم النص أو تصحيح المعلومات الواردة به.
2-أنه ليس من مهمته استكمال النقص الموجود في النص إلا إذا كان النص لا يستقيم دون إضافة، وفي هذه الحالة ينبغي أن توضع الإضافة بين معقوفتين.
أن تتخذ هوامش الصفحات في :
أ-إثبات الخلاف بين النسخ.
ب-تخريج النصوص، أي ردها إلى مصادرها، فإن كانت آية قرآنية ذكرت السورة التي وردت بها ورقمها فيها، وإن كان حديثاً ذكر المصدر الذي ورد به، وإن كان نصاً من كتاب رجع إليه في مصدره للتثبت منه وأثبت المصدر والصفحة التي نقل عنها.
ج-إثبات التعليقات والشروح، كالتعريف بالمواضيع والأشخاص المذكورين في النص، وتفسير العبارات الغامضة التي تحتاج إلى بسط ليتسنى فهم المراد منها.
د-التنبيه على الأخطاء العلمية التي وقعت في النص. أما الأخطاء الإملائية واللغوية فتصوب في موضعها ما لم تكن النسخ التي ننشرها هي أصل المؤلف. ففي هذه الحالة يستبقي الرسم الإملائي كما هو، ويستبقي الأخطاء اللغوية والنحوية كما هس لأنها جزء من تكوين المؤلف ودليل على ثقافته، ومع ذلك ينبغي التنبيه إلى الصواب في الحاشية.
هـ-ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض، بالإشارة إلى ما سبق أو ما سيأتي من الكتاب مما له علاقة بموضوع الحديث.

المرحلة الثالثة:
مرحلة الإخراج والنشر، وهي الصورة الأخيرة للكتاب المحقق وتشتمل على ما يلي:
أ-مقدمة التحقيق:
ويتناول فيها المحقق الأمور التالية(17):
1-ترجمة مؤلف المخطوطة.
2-التعريف بموضوع الكتاب وتحليل مادته، وبيان منهجه ومصادره.
3-التحقيق في عنوان الكتاب.
4-تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
5-وصف النسخ المعتمدة في التحقيق، ويقتضي ذلك ما يلي:
(أ)ذكر مصدر النسخة بلداً، وكتبة، أو شخصاً إذا كانت في حوزة أحد الأفراد، مع النص على الرقم الذي تحمله في مكان وجودها.
(ب)وصف الورقة الأولى بما فيها من عنوان الكتاب، واسم مؤلفه، وما حليت به من تمليكات وسماعات وقراءات، وما يوجد عليها من أختام.
(ج)عدد أوراق المخطوطات، ونوع الترقيم الموجودة، وإذا لم يوجد يتم التنبيه على ذلك، مع الإشارة إلى ما قد يوجد من خلط في ترتيب الأوراق إن وجد، ثم قياس الصفحة طولاً وعرضاً، وما تشتمل عليه من سطور.
(د)نوع الخط، وهل هو بقلم واحد أم مختلف، وهل ميزت العناوين بخط مغاير، ونوع المداد وألوانه، ونوع الورق، وجودة الخط من عدمها.
(هـ)أبرز الظواهر الإملائية المتبعة في الرسم الذي جرت عليه المخطوطة وموقف المحقق منه.
(و)المصطلحات الكتابية التي تظهر من خلال المخطوطة مثل: التعقيبات والإحالات، والرموز، والمختصرات، وعلامات السقط والتضبيب.
(ز)ما يوجد على النسخة من قراءات وسماع.
(ح)أسلوب النسخة في الضبط بالشكل من حيث الوجود، والتمام والصحة من عدمها.
(ط)بيان ما قد يعتور النسخة من تصحيفات وتحريفات، أو السلامة من ذلك، ومن حيث تمامها، أو نقصها، ووضوحها من عدمه.
(ي)بيان ما قد يطرأ على النسخة من عوادي الزمن: كالتآكل والخرم وآثار الأرضية والرطوبة.
(ك)النص على تاريخ النسخ إذا كان مصرحاً به في خاتمة النسخة، أو الاجتهاد في الوصول غليه من خلال الخبرة والدراية بالخطوط القديمة، وأنواعها، وتقدير أزمانها، وأنواع الورق، والزمن الذي يقدر له، مما يؤدي إلى زمن تقريبي لتاريخ النسخ وإذا ذكر الناسخ فلابد من التعرف عليه، والترجمة له، مما يزيد في أهمية المخطوطة وقيمتها.
(ل)وضع نماذج مصورة من المخطوطات المعتمدة في التحقيق بعد وصفها وتكون ممثلة لصفحة العنوان، وصفحة المقدمة والخاتمة وصور بعض السماعات والقراءات إن وجدت. فمثل هذه الصفحات -عادة- ما يذكر فيها اسم الكتاب واسم المؤلف والناسخ وتاريخ النسخ.
6-بيان منهج التحقيق: لابد للمحقق من الإفصاح في المقدمة عن المنهج الذي سار عليه في التحقيق، والمنهج الذي اتبعه في اختيار النسخ المعتمدة، والأسباب التي أدت إلى ذلك الاختيار والرمز الذي به غلى كل منها، وإذا كان الكتاب قد سبق تحقيقه أو نشره فينبغي ذكر الأسباب التي دعت إلى إعادة تحقيقه ونشره إلى جانب الحديث ن منهج المحقق في المقابلة وإثبات الفروق وفي التصحيح والتقويم، وفي التعليقات والتخرج والهوامش والفهارس.
ب-نص المخطوط:
وينبغي أن يكون معداً إعداداً جيداً من حيث تنظيم الفقرات وترقيم الحواشي واستخدام علامات الترقيم وضبط الألفاظ التي قد تلتبس على القارئ وخاصة أسماء الأشخاص والأماكن.
ج-الفهارس:
وينبغي أن يختم الكتاب بمجموعة من الكشافات الهجائية التي تحلل محتواه، وتيسر استخدامه. كأن يوضع فهرس للآيات القرآنية، وآخر للأحاديث، وثالث للأعلام، ورابع للغة(18). وخامس للشعر، وسادس للأمثال، وسابع لموضوعات وفيه يبرز أدق جزئيات المسائل التي اشتمل عليها الكتاب.
وعن ترتيب الفهارس بعد الآيات القرآنية والأحاديث، يرى الأستاذ عبدالسلام محمد هارون: "أن النهج يقتضي تقديم أهم الفهارس وأشدها مساساً بموضوع الكتاب، فإن كان الكتاب كتاب تراجم وتاريخ قدّم فيه فهرس الأعلام، أو كتاب أمثال قدم فهرس الأمثال، أو قبائل قدم فهرس القبائل، وهكذا.. ثم تساق بعده سائر الفهارس مرتبة حسب ترتيبها المألوف(19). ومن الله العون، وهو ولي التوفيق.

الهوامش
(1)انظر: مقاييس اللغة: لابن فارس، تحقيق الأستاذ عبدالسلام محمد هارون، 2/15،16،19،ط، عيسى البابي الحلبي سنة 1371هـ.
(2)لسان العرب: لابن منظور، مادة حقق)، ط، دار المعارف.
(3)تحقيق التراث: د. عبدالهادي الفضلي، ص36، الطبعة الأولى -مكتبة العلم بجدة، سنة 1402هـ.
(4)تحقيق النصوص ونشرها: للأستاذ عبدالسلام محمد هارون، ط6، ص46،47، ط4 -مكتبة الخانكي بالقارة، سنة 1397هـ.
(5)المرجع السابق، ص52،53 –بتصرف يسير-، راجع: الحيوان: لأبي عثمان الجاحظ، تحقيق الأستاذ عبدالسلام محمد هارون، 1/79،ط2 –مصطفى البابي الحلبي، سنة 1385هـ.
(6)البحث الأدبي: د. شوقي ضيف، ص185،186،ط6 –دار المعارف. ولمزيد من التفصيل حول تألق العلماء العرب القدامى في وضع قواعد وأسس التحقيق، راجع الكتب التالية:
-مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي: لفرانتزر وزنتال، ط. دار الثقافة ببيروت، سنة 1961م.
-منهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين: للدكتور رمضان عبدالتواب، ط الخانجي، سنة 1406هـ.
-تحقيق نصوص التراث في القديم والحديث: للدكتور الصادق عبدالرحمن الغرياني -ليبيا، سنة 1989م.
(7)راجع: منهج البحث الأدبي: د. علي جواد الطاهر، ص156، ط7، مطبعة الديواني ببغداد، سنة 1986م. تجد مزيداً من التفصيل.
(8)حققه محمد راغب الطباخ، ط1، المطبعة العلمية بحلب، سنة 1350هـ.
(9)طبع في حيد آباد الدكن، سنة 1353هـ.
(10)حققه الدكتور إبراهيم السامرائي ونشره في مجلة كلية الدراسات الإسلامية: العدد الثالث، بغداد 1970.
(11)المخطوط العربي: د. عبدالستار الحلوجي، ص275، -بتصرف يسير-، ط2- مكتبة مصباح بجدة، سنة 1409هـ.
(12)تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل: د. عبدالله ابن عبدالرحيم عسيلان، ص41-42، -بتصرف-، ط. مكتبة الملك فهد الوطنية، سنة 1415هـ.
(13)باختصار يسير عن: المخطوط العربي: ص276 وما بعدها. ولمزيد من التفصيل؛ راجع كتب تحقيق المخطوطات وأشهرها:
-أصول نقد النصوص ونشر الكتب: للمستشرق برجشتراسر، تقديم د. محمد البكري، ط دار الكتب، 1969م.
-تحقيق التراث العربي.. منهجه وتطوره: د. عبدالمجيد دياب، منشورات المركز العربي للصحافة –القاهرة 1983م.
-تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل: د. عبدالله ابن عبدالرحيم عسيلان، ط. مكتبة الملك فهد الوطنية، سنة 1415هـ.
-تحقيق النصوص ونشرها: للأستاذ عبدالسلام محمد هارون، ط4 –الخانجي بالقاهرة، سنة 1397هـ.
-فهرسة المخطوط العربي: ميري عبودي فتوحي، من منشورات دار الرشيد بغداد، سنة 1980م.
-في منهج تحقيق المخطوطات: مطاع الطرابيشي، ط دار الفكر بدمشق، سنة 1403هـ.
-قواعد تحقيق المخطوطات: صلاح الدين المنجد، ط3 -دار الكتاب.
-محاضرات في تحقيق النصوص: د. أحمد محمد الخراط، ط2، دار المنارة بجدة، 1409هـ.
-منهج تحقيق النصوص ونشرها: تأليف الدكتور فوزي حمودي القيسي والدكتور سامي مكي العاني، ط. مطبعة المعارف ببغداد، سنة 1975م.
-مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين: د. رمضان عبدالتواب، ط. الخانجي بالقاهرة1406هـ.
(14)تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل: ص121،122.
(15)أصول نقد النصوص ونشر الكتب: للمستشرق برجشتراسر، ص14، ط. دار الكتب بالقاهرة، سنة 1969م.
(16)مثل: الفهرست: لابن النديم، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم: لطاشكبري زاد، وهدية العارفين: للبغدادي، وكشف الظنون: لحاجي خليفة.
(17)لمزيد من التفصيل، راجع هذه الأمور في: تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج والأمثل: ص233 وما بعدها.
(18)وفيه ترتب المواد على حسب حروف الهجاء عند تحقيق المعاجم كما يفرد فهرس للألفاظ غير العربية وآخر لما فات المعاجم من الألفاظ.
(19)تحقيق النصوص ونشرها: ص98. وراجع: تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج والأمثل: ص245 وما بعدها، تجد مزيداً من التفصيل.
--------------------
[align=center]نظرات سريعة في فن التحقيق [/align]أسد مولوي
إختيار الكتاب وجمع نسخه
بعد أن استكمل المحقق عدته ، وخبر نفسه ـ وكل على نفسه بصيرة ـ فوجدها قادرة على اقتحام هذا الميدان... يجب عليه أن يؤدّي زكاة علمه ، ويخدم امته ، ويوفي بعض الدين إلى المكتبة الاسلامية المجيدة ، التي أمتعته ساعات طوال من عمره ، وفتحت له أبواب رياضها وصدور خزائنها ، وأطلعته على جواهرها وذخائرها.
إذا أراد هذا العامل في سبيل إحياء مجد امته ، أن يسلك في عداد صانعي هذه الثقافة العظيمة وميسريها لطلابها... وهو قد عد نفسه من الغير عليها المحبين لها الحانين عليها ، الرامين إلى رفعتها وإعلاء شأنها.
عليه ـ وقد وضع نفسه في هذا الموضع ـ أن يتنكب سبيل الهدامين العابثين من أعداء الامة الاسلامية أو من أبنائها العققة ، الذين شغلوا أنفسهم والامة معهم بأخبار المجان والملحدين ، وبكتبهم وتراثهم المليء بالسموم... الضار لهذه الامة في حاضرها ومستقبلها ، كما ضرها أعظم الضرر في ماضيها.
وعليه أن يتحرى في اختيار الكتاب الذي يريد أن يحييه ، أن يكون من الكتب التي تنفع الامة وتهديها في حاضرها ومستقبلها ، أو تحفظ عليها شخصيتها وأصالتها أو تكبت أعداءها والحاقدين عليها.
والامة المسلمة في حاضرها الراهن ـ وهي في بداية صحوتها ـ قد تكالبت قوى الكفر عليها ، وتجمع أعداء الانسانية ضدها ، وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم وعَددهم(32)وعُدده م.
الامة المسلمة محتاجة لجهود أبنائها ، فلا يحل لاي فرد منهم أن يضيع جهوده عبثا فيما لا طائل تحته ، فضلاً عن أن يكون ظهيرا لاعدائها يصنع لهم ما يعود علىأبناء ملته بالدمار والخسار ، ويعطل مسيرة امته نحو استعادة مكانتها التي أرادها لها الله... خير امة اخرجت للناس.
هذه المرحلة ـ مرحلة اختيارالكتاب المراد إحياؤه ـ أخطر مراحل التحقيق ـ فيما أرى ـ وأدقها ، تستدعي من المحقق المسلم النظر الفاحص ، ودقة الملاحظة ، والوجدان الحي ، والغيرة البالغة... لان ما ورثناه من الكتب منه ما كتبه المخلصون العارفون ، وهو درر خالدة كشجرة طيبة أصلها ثابت في دين هذه الامة ووجدانها... وفرعها في السماء متصل بالمبدأ الاعلى صاحب الجود والفيض والكرم... تؤتي أكلها كل حين في ماضي الامة وحاضرها ومستقبلها عطاء ربانيا لا ينقطع بإذن الله تعالى ، وأظهر أمثلة هذا النوع تراث أهل بيت الرحمة عليهم السلام وجدهم الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله.
ومما ورثناه ـ أيضا ـ ما كتبه المنحرفون والظالون وأعداء الاسلام ، ممن اجتالته شياطين الانس والجن ، وأمراض النفس ، ومتع الحياة الدنيئة.
ومما ورثناه ـ كذلك ـ هذا الركام الغث الفاسد المفسد من أدب عبيد السلاطين من الشعراء ، وشعرهم الذي قصروه على مدح الطاغوت والضحك على ذقنه ، واستولوا به على أموال الامة يتناهبونه بينهم.
انظر إلى الشاعر المتملق يقول وقد حدثت بمصر زلزلة :
بالحاكم العدل أضحى الدين معتليـاً * نجل الهدى وسليل السادة الصلحـا
ما زلزلت مصر من كيد يـراد بها * وإنما رقصت من عدلـه فـرحـا
انظر كيف يسقط الانسان ، وتداس الضمائر ، ويرقص على أشلاء المستضعفين !.. فالشاعر هنا لم يكتف بمدح طاغوته حتى صور الزلزلة المدمرة بصورة الرقص الخليع الذي اعتاده المترفون. ولم يلتفت إلى المستضعفين الذين هدمت دورهم على رؤوسهم وأصبحوا بلا مأوى ! ومن هذه البابة تجد مؤرخي السلاطين ووعاظ السلاطين وفقهاء(33)السلاطي ن... إلى آخر القائمة المشؤومة. هذا الركام الغثّ لطخة عار في تاريخنا الثقافي.. لا أظن المحقق المسلم ينحط إلى أن يشغل به نفسه ويضيع به عمره. وتراثنا طيب مبارك ، شمل مختلف حقول المعرفة ، ولم يقتصر على فرع من فروعها.
فكم هي الفائدة التي يسديها المحقق إلى اُمته حين يختار كتابا من طبنا القديم ، فيخرجه إلى الناس سليما مفسرا موضحة عبائره ! عقاقيره من إنتاج بلادنا... إن لم تنفع الجسم لم تضره ، لا كالادوية المجلوبة من مغرب شمس الفضيلة ، التي يصح فيها قول الشاعر :
............................ * وداوني بالتي كانت هي الداء
وفي تراثنا الطيب الكثير ، وأود أن يعلم أطباؤنا الفضلاء أن للمعاجم الطبية ـ التي تصف العقاقير وتذكر مقاديرها عند التركيب ـ ركنا كبيرا في مكتبتنا الاسلامية.
وما أظن مريض الطب الغربي الحالي أحسن حالا من مريض الرازي أو ابن سينا. وقد عادت الصين إلى الوخز بالابر ـ طبها القديم ـ تدرسه وتطبقه في المستشفيات. وقبلها الهند أدخلت طبها القديم مادة دراسية في جامعاتها ، ومادة تطبيقية في مستشفياتها. وقل مثل ذلك في علوم الفلاحة والبيطرة وغيرها. ونستغني بذلك عن استيراد فسائل النخيل من أمريكا إلى بلاد النخيل ! خلاصة الامر أن حسن الاختيار ـ بل الاجتهاد في الاختيار ـ هنا واجب عيني لا رخصة فيه.
* * *
وحين يقع اختيار المحقق على كتاب لم يحقق حسب القواعد المتعارفة ، أو كانت لديه زيادة تنقير وتدقيق فاتت المحقق الاول ، أو ظهرت من الكتاب نسخ (34)مخطوطة أصيلة تزيد الكتاب ثقة به واطمئنانا إليه واعتمادا عليه... حينذاك يبدأ سعي المحقق في تجميع النسخ ، وهي ـ في الوقت الحاضر ـ مصورات كلما ازدادت وضوحا في التصوير ازدادت شبها بأصلها ، وحلت محله في القراءة وتهيئة النسخة للعمل (1).
وهنا تظهر فائدة فهارس المخطوطات ، لمعرفة أماكن هذه النسخ والسعي في الحصول على مصوراتها.
ولا ننسى الاستعانة بذوي الخبرة في الهداية إلى مظانها وتقييمها ، وفي إعانتهم للمحقق في تحصيلها بما لهم من صلات مع أصحاب الكتب والقائمين عليها.
* * *
لمتابعة الموضوع
http://vb.tafsir.net/tafsir2196/#.Vm6z_ng