الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد ، فقد صار الأمن الشامل أعز مطلوب وأنفسه لدى شعوب العالم وحكامه سواء ، وزاده عزازة ونفاسة تشكل الفتن السالبة للسلام في كل مكان من الأرض ، وتعقدها وهيمنتها حتى صارت أشبه بالداء الذي لا يكاد الطبيب يكتشف دواءه ويستعمله لصده حتى يستمرئه ويتخذه غذاء جديدا يسرع نموه ويرفع خطورته درجات ، حتى قيل :
مَن لِي بِأَمْنٍ يَقِينِي صَوْلَةَ الْفِتَنِ
أَجْزِيهِ مِنْ حُرِّ مَالِي بَاهِضَ الثَّمَنِ
عَزَّ الدَّوَاءُ وَزَادَ الدَّاءَ سَيْطَرَةً
فُقْدَانُ رُشْدٍ وَبَذْرُ الْوَرْدِ فِي الدِّمَنِ
ولا يخفى أن موارد الأمن أصناف كثيرة ، وسبل بثه وإشاعته طرائق عديدة ، ومن حصرها في الحبس والتطويق ، وتشديد الرقابة على الأبدان لم يزل عاجزا عن صد الفتن والأخطار السالبة لأمان الأفراد والمجتمعات ، ولم تزل هذه الفتن تتلون وتتشكل على نحو يعجز التصور والخيال .
ومن تلك الموارد " الأمن الفكري " الكفيل بحسم مادة الخطر الأولى وهي في الذهن قبل أن تتقد ويغلي منها الدم والدماغ ؛ وتغشى الجوارح فتصير عنفا عارما وإرهابا مستطيرا .
ومن سبل إفشاء الأمن الفكري تحصين معتقد المسلم ، وكشف شبه المائلين عن منهاجه القويم، فإن أكثف حاجب عن إبصار الحق الجهل ، وهو شر باعث على الغلو والابتداع .
وكل شعائر الإسلام الفكرية والسلوكية منيفة جلية المعالم ، مصونة بمنهاج وسط يعصم المستمسك به من الاعتداء ومجاوزة حد الحق المرسوم .