تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: حلقات متجدده من كتاب موسى كل عصر - للكاتب - محمد نجاتي سليمان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    9

    افتراضي حلقات متجدده من كتاب موسى كل عصر - للكاتب - محمد نجاتي سليمان

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اليكم ملخص عام لكتابي الجديد #موسى_كل_عصر ثى يتبعه سلسلة من الحلقات المتجددة عبارة عن فصول من الكتاب

    بداية #موسى_كل_عصر

    هو أول كتاب يتناول حياة نبي الله موسى بصورة عصرية مشوقة في ضوء مجريات الأحداث في #مصر والوطن العربي. كتاب موسى كل عصر هو جزء من سلسلة الصراع بين الحق والباطل،
    يتناول فيه الكاتب قصة كفاح نبي الله موسى في مصر من أجل الحصول على الحرية لبني إسرائيل والخروج بهم بعيداً عن بطش فرعون، بطريقة قصصية تسلسلية تميل إلى الجانب الروائي، مضاف فيها بعض الجوانب التربوية مع اسقاط واضح على أرض الواقع.
    سيُبحر بك الكتاب وبأسلوب مثير ومشوق في أعماق القصة، وستشاهد بعينك الأحداث كأنك تعيشها هناك .. وفي طيات أحداث الفصل الأول من القصة ستجد الإجابة على هذه الأسئلة ..

    - من هم الهكسوس وما سر قوتهم ؟
    - وما حكاية تلك الرؤيا العجيبة التي رآها ملكهم فكانت سبباً لخروج سيدنا يوسف من السجن وبرأته من التهم الملفقة ضده ؟
    - ولماذا أحب المصريون يوسف وكرهوا إخوته بعد موته ؟
    - وما اسم هذا الفرعون الذي قتّل أبناءهم واستحى نساءهم ؟
    - ولماذا استسلم بنو إسرائيل أمام هذا العدوان الغاشم عليهم ؟
    - وكيف تجرأ الفرعون أن يفعل ذلك كله، ومن هم أبرز معاونيه ؟


    &&&&&&

    أما أحداث الفصل الثاني من الكتاب فستعيش فيها مع تلك الأم البسيطة التي هي من عوام بني إسرائيل عندما ترى رؤيا، أنها ستلد طفلاً حياته - فور ولادته - محفوفة بالمخاطر والأزمات، وما عليها سوى أن تلقيه في اليم عندما تشعر عليه بالخوف!
    لتتعرف على التدابير الأمنية التي ستتخذها هذه الأم العظيمة للمحافظة على ولدها ؟
    كما ستعرف قصة أخته الفدائية صاحبة الحس الأمني العالي ؟
    وما هو دور آسية زوجة فرعون في تلك الأحداث ؟
    ومن هم شيعة موسى الذين كان يلتقي بهم سراً في المدينة ؟
    ولماذا اختار موسى مدّين دون بقية البلدان للهروب إليها ؟
    ولماذا قرر موسى العودة إلى مصر بعد سنوات من الغياب ؟


    &&&&&&&&&&


    أما في الفصل الثالث من الكتاب سنغوص سويا في أعماق القصة لنعرف ..
    - لماذا لم يسعى فرعون لقتل موسى فور علمه بوصوله إلى مصر، وقَبِلَ باستقباله في القصر ؟
    - كيف استطاع موسى أن يبهر الملأ ببراعة أسلوبه، وقوة منطقه ؟
    - ما هي أحداث يوم الزينة، ولماذا اختار فرعون تلك القتلة الشنيعة لإنهاء حياة السحرة ؟
    - كيف تناولت الأذرع الإعلامية لفرعون أحداث مذبحة السحرة، وما هو رد فعل الجماهير التي شاهدت المذبحة ؟
    - ما هي القرارات الاستثنائية الجديدة التي أصدرها فرعون ضد كل من يؤمن بدين موسى نزولاً على رغبة الملأ ؟
    بالإضافة أن الكاتب سيأخذك في جولة حصرية داخل سجون فرعون، لتشاهد خلالها كيف كان يعذب المعارضين.


    &&&&&&&&&&&&&&&

    أما في الفصل الرابع من الكتاب
    سنتابع حكاية المرأة التي أصّر فرعون أن يُشرف على تعذيبها بنفسه ؟ ونعرف سر رائحتها الجميلة التي تعطر الجنة حتى الان ؟
    ثم نشاهد كيف عذب فرعون آسية ؟ وكيف ساءت حالته النفسية بعدما قتلها بيده ؟.
    ثم نعرف حكاية مستشار فرعون الذي أنقذ موسى عليه السلام من محاولة اغتيال كان فرعون يُدبر لها !
    ثم نستمع إلى اعترافات الفتاة التي سعت لتشويه سمعة سيدنا موسى وادعت أنها على علاقة به ؟!
    ثم ندخل سوياً قصر قارون ونشاهد كيف كان يعيش ببزخ؟ ونتعرف على سر انتكاسته وارتداده عن الاسلام حتى أصبح من أشد المعادين لموسى؟!

    &&&&&&&&&&&&&&

    وفي الختام وبالقرب من شاطئ الفصل الأخير من القصة والذي سيبدأ فيه نبي الله موسى مرحلة جديدة من صراعه مع فرعون، وهي مرحلة الإنذارات السبعة سنتعرف على بعض الأسرار ..
    - سر إصرار فرعون على العناد والكفر رغم كل يراه من معجزات خارقة !
    - سر الإشاعة التي ترددت عن إعلان تنحي فرعون عن قراره بحظر خروج بني إسرائيل من مصر وإيمانه المفاجئ بدعوة موسى عليه السلام !
    - سر تمسك جموع من الشعب المصري بفرعون رغم كل ما حل عليهم من بلايا ونقم بسبب عناده وطغيانه !
    - وسنرى كيف كوّن موسى وهارون عليهما السلام هرماً تنظيماً لقيادة شعب بني إسرائيل، استعداداً للحظة الخروج من مصر !


    مؤلف الكتاب
    محمد نجاتي سليمان
    وقد أشرف على الكتاب وراجعه
    فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي
    وفضيلة الدكتور وصفي عاشور أبوزيد




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    9

    افتراضي

    تقديم وتزكية للكتاب بقلم العالم الجليل الشيخ أحمد المحلاوي
    إمام وخطيب مسجد القائد إبراهيم بالأسكندرية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله مالك الملك ، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، والصلاة والسلام على سيد الخلق وإمام الأنبياء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
    فعندما ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله، تحقق فيهم وعيد الله جل في علاه، فاحتل الاستعمار الغاشم بلادهم، فنشر فيهم الانحلال، واستبدهم وسرق أقواتهم، لكن الشعوب شرعت تكافحه، وتقتل جنده، وتنزل به الخسائر الفادحة، فابتكر لهم حيلة شيطانية، يستبقى بها احتلال البلاد، ويتجنب الخسائر التي تنزل به؛ فاختار المستعمر من أهل البلاد جنداً له، رباهم على عينه(1)، وجعلهم مفتونين بثقافته يحتقرون شعوبهم، ويتنكرون لدينهم وثقافتهم، ومزق البلاد إلى دويلات.
    ومبدأ المستعمر معروف "فرق تسد" أشار إليه القرآن الكريم في قصة فرعون بقوله تعالى:﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾ القصص:4
    فجعل على رأس كل دويلة فريقاً من هؤلاء العملاء، فكانوا على شعوبهم أشد قسوة، وللبلاد أكثر نهباً واستغلالا وفساداً.
    والله تعالى ينهي المسلم عن الخضوع لغير الله، والاحتكام لغير شريعته، وفى الوقت ذاته ينذر الظالمين بسوء المنقلب، وللكتاب والسنة سبح طويل في هذه المعاني؛ واقتداءً بهذين المصدرين جاءت المؤلفات والمصنفات ومن بين هذه (القصة في القرآن الكريم) فهي أقوى تأثيراً لأنها حقائق ووقائع فالقصة في القرأن الكريم أو السنة النبوية، تكشف لك النفس البشرية على حقيقتها وتوضح لك مساربها والتواءاتها، ومداخل الشيطان إليها.
    وبين يدي القارئ كتاب ( موسى كل عصر ) للأستاذ/ محمد نجاتي سليمان، وهو كتاب يصب في هذا الإطار، وإني لأرجو للمؤلف من الله تعالى دوام التوفيق، ولكتابه دوام النفع به، كما أرجو لمن يقرؤه أن يخرج بحصيلة ممتازة يقف فيها إلى جوار الحق، دافعاً للباطل حتى يتحقق وعد الله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ الأنبياء:18.
    ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، وصلً الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين والحمد لله رب العالمين.
    أحمد المحلاوي


    (1) قلت: صدق شيخنا المحلاوي – حفظه الله – فقد قال أحد قادة اليهود عن الشعوب العربية "سنولى عليهم سفلة قومهم حتى يأتي اليوم الذي تستقبل فيه الشعوب العربية جيش الدفاع الإسرائيلي بالورود والرياحين".

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    9

    افتراضي

    تقديم بقلم الكاتب والباحث الإسلامي د/ وصفي عاشور أبوزيد
    عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فإن الواقع الذي تحياه الأمة العربية والإسلامية والعالم كله، وبخاصة بعد الربيع العربي ومآلاته ومقتضياته يحتم علينا أن نُهْرع إلى القرآن الكريم وسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وإذا كان استلهامهما واستهداؤهما واجباً في كل وقت فهو في وقتنا أوجب وألزم، فلا حياة للأمة المسلمة بل الإنسانية جمعاء بدون اتخاذ هذا القرآن والسنة أنيسين وسميرين على مر الأيام والليالي.
    فهذا القرآن العظيم هو الروح الذي به حياة كل مخلوق: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ الشورى:52، فلا حياة للأمة بلا قرآن، كما لا حياة للجسد بلا روح؛ فالقرآن الكريم هو الكتاب الخالد لهذه الأمة، ودستورها الشامل، وحاديها الهادي، وقائدها الأمين، كما أنه الكتاب الخالد للدعوة الإسلامية، ودليلها في الحركة في كل حين، وله أهمية كبيرة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة؛ فهو يعالج بناء هذا الإنسان نفسه، بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره، ويشرع من التشريعات ما يحفظ كيان الأسرة؛ تظللها السكينة وتحفها المودة والرحمة، كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام الطاقات الكامنة في المجتمع، ويؤسس للدولة القوية المهيبة المستقلة، وينشد الأمة القوية المتماسكة الشاهدة على العالمين.
    وفي هذا السياق يأتي هذا الكتاب الذي أقدمه للقراء؛ حيث يتحدث عن قصة من أهم قصص القرآن الكريم، وهي قصة موسى مع فرعون؛ فهي مناسبة لعصرنا – وكل قصص القرآن مناسب ومعجز ونحتاج إليه – حيث تبين القصة طبيعة الاستبداد وتصرفاته ومنطقه وعاقبته، وهي عاقبة مطردة لم تتخلف في التاريخ عن طاغية أو ظالم أو مستبد، وليس ما وقع لبعض حكام العرب منا ببعيد.
    ومؤلف هذا الكتاب من شباب الدعاة الواعدين الذين اهتموا بالدعوة، وبواقع الأمة، ومعالجة مشكلاتها، هو الأخ الأستاذ محمد نجاتي سليمان الذي أراد أن يستلهم من القرآن العظيم ما يكون نبراسا للأمة ووميضا يبرق للعاملين بما يتناسب مع أحداث العصر وحاجات المرحلة.
    وقد بذل جهدا طيبا نافعا في كتابة هذه القصة، وفي ترتيب أحداثها من خلال القرآن الكريم، بل تناول الأحداث التي وقعت قبل ميلاد موسى عليه السلام، ثم قام بجمع الآيات القرآنية التي أوردت القصة ورتبها ترتيبًا زمنيًّا؛ ابتداء من: ولادته وإرضاعه عليه السلام، ومرورا بتربيته في قصر فرعون، وقتل موسى للمصري، والهروب إلي مدين، وقصة زواجه، والعودة إلى مصر، وتلقي الرسالة من الله، ولقاء موسى بفرعون، ومناظرته مع فرعون، وادعاء فرعون الألوهية، ومعجزة العصا واليد، وتمادي فرعون في الكفر وإيذاء بني إسرائيل، والتدبير لاغتيال موسى، وإنذارات الله لفرعون، حتى ختم القصة بخروج بني إسرائيل من مصر وغرق فرعون وملئه، واستنشاق الشعب نسيم الحرية؛ وقد كان موفقا غاية التوفيق في هذا الترتيب والتبويب.
    ومما يحمد للكتاب أنه اتخذ القرآن الكريم مصدرا رئيسا للتناول، وهذا يعطي للكتاب قيمة خاصة وصبغة خاصة، واستعان بأقوال المفسرين والعلماء حول توضيح ما ينقله من آيات كريمة، وكذلك عناوينه الشائقة التي كتبت بلغة معاصرة تتناسب مع ثقافة العصر ومصطلحاته وألفاظه.
    إنني أدعو السياسيين والحكام أن يتأملوا هذه القصة ليأخذوا منها العبر والعظات ويتدبروا عواقبها، وأدعوا الأدباء والقاصين أن يفيدوا من منهج القرآن الكريم في صياغة القصة، وفي رساليتها وإفادتها للمجتمع والأمة، وأدعو الدعاة أن يستنبطوا معانيها حتى تكون لهم زادا لتوعية الناس وتبصيرهم بطبائع الاستبداد ومصارع الطغاة، وأن يتأملوا في الكليات القرآنية والقواعد الربانية في الأمم والشعوب والظالمين والمفسدين، والسنن الإلهية التي لا تتخلف ولا تتبدل ولا تتغير .. داعيا الله تعالى بالتوفيق لأخينا الشاب النابه محمد نجاتي سليمان، وأن يجعل عمله محلا للقبول الأعلى، ويجري به النفع للدعاة وللأمة، والحمد لله رب العالمين.


    الفقير إلى عفو الله
    وصفي عاشور أبو زيد

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    9

    افتراضي

    مقدمة المؤلف ..

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل لـه ، ومن يضلل فلا هادي لـه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
    إن قصة صراع الحق مع الباطل؛ هي من أطول القصص على الإطلاق، فهي قصة متنوعة الفصول، متجددة الأحداث، أبطالها كثر سواء في الخير أم في الشر، وأول مشهد فيها هو مشهد تلقي الملائكة الأمر بالسجود لآدم ، ليقعوا بعد هذا الأمر الرباني سجوداً لآدم إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين بحجة أنه خير وأفضل منه، ومن يومها نشب الصراع وبدأت الملحمة، وتأسس حزبان لا ثالثَ لهما؛ حزبُ الله، وحزبُ الشيطان ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ سورة البقرة :36.
    حزبان على ساحة الحياة
    1- حزب الله
    وهو حزب له غاية ومنهج وأهداف ووسائل:
    فغايته رضوان الله والجنة، ومنهاجه شرائع الله الهادية وختامها القرآن الكريم دستور الأمة، وأهدافه تحقيق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة، ووسائله تتعدد وتختلف بحسب الزمان والمكان، فشريعة القرآن تمتاز بالثبات في الأصول، والمرونة في المستجدات والفروع، فتتناسب مع الزمان والمكان والأشخاص.
    2- حزب الشيطان
    وهو حزب له غاية ومنهج وأهداف ووسائل هو الآخر:
    فغايته الهوى وتحقيق كل ما تشتهيه النفس، والتمتع الكامل بالشهوات، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ سورة محمد:12
    ومنهاجه البعد عن طريق الله المستقيم، وأهدافه التمتع بزينة الحياة الدنيا، وإشباع شهوات النفس ورغباتها، ووسائله متعددة وغير شريفة فالغاية عنده تبرر الوسيلة، فلا حدود ولا قيود، المهم تزيين الباطل، وتزييف الحقائق.
    لينطلق من يومها آدم عليه السلام بحزبه وكوادره ومؤسساته، والشيطان بحزبه وكوادره ومؤسساته نحو البشرية يتصارعان عليها، لتبدأ قصة لن تنتهي إلى يوم القيامة وهي قصة صراع الحق والباطل.
    قصة الكتاب
    بهذه المعاني وبهذا التصور خرجتُ من رمضان 1433هــ- 2012 م ونفسي تتوق إلى أن أبدأ سلسلة من الخطب المنبرية عن قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون بوصفها قصة من أبرز قصص صراع الحق مع الباطل وربطها بواقعنا المعاصر؛ فإن كان نموذج فرعون يَتكرَّر عبر الزمان والمكان، فإنَّ الساحة الإنسانية لا تعدم نموذج موسى - عليه السلام - في صورة مصلحين وسياسيين وعُلَماء دِّين يواجهون كل فرعون في كل العصور.
    فبدأت بالبحث عما كُتب في هذا الموضوع، وذهبت إلى المكتبات لشراء مجموعة من الكتب التي كتبت عن هذه القصة العظيمة، ولكني وللأسف الشديد لم أعثر على كتاب للقصة في هذا التوقيت، بل وجدتها ضمن كتب تحكي قصص الأنبياء ككل، فساءني أن تكون في القرآن قصة بهذا الحجم ولا يفرد لها كتاب كامل يتناول بعضاً من أبعادها التربوية والحركية، إلى جانب أنها في ذاتها قصة من أحسن القصص.
    فأشار على بعض المقربين أن أبدأ في كتابة كتاب جديد يجمع اللآلئ والدرر المتناثرة في بطون كتب التفاسير، وكتب قصص الأنبياء، والمقالات التربوية والسياسية ومحاضرات الدعاة والعلماء عن قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون؛ لأجمعها للأمة الإسلامية في كتاب واحد فتتعرف على قصة كفاح هذا النبي العظيم، فلو كان لهذه القصة كبير أهمية في حياة المؤمنين بصفة عامة، فأهميتها تتضاعف في زماننا بصفة خاصة؛ لقلة الوعي وانتشار الجهل بين المسلمين.
    وفي الوقت الذي تنعم فيه شعوب الغرب بديمقراطية تخلصوا بها من حكم الطغاة منذ قرنين وأكثر، وبينما يتهيأ العالم الثالث لاستقبال رياح الديمقراطية، فإن بعض دول المسلمين التي تزعم أنها تتمسك بالقرآن، لا تزال شعوبها تئن تحت وطأة حكم الطغاة الذين جلبوا لها العار والفقر والتخلف، وباتوا بين فرعون قائم وفرعون قادم، بسبب البعد عن منهج القرآن الرشيد الذي يدعوهم إلى تملك حريتهم والتمسك بها، والأخذ على يد الظالمين والفاسدين والكافرين.
    فتحمست للفكرة ورجوت من الله أن يفتح عليّ فتحاً عظيماً في هذا الكتاب، ليكون سبباً في تربية ووعي جيل النصر الذي سيقود الأمة لتحرير المسجد الأقصى من قبضة اليهود.
    مرحلة جمع القصة
    وبدأت في مرحلة البحث عن القصة في القرآن الكريم ووجدتها ذكرت على النحو التالي:
    ذكر الله نبيه موسى عليه السلام في القرآن مائةٍ وستٍ وثلاثين مرة في أربع وثلاثين سورة؛ وقد كان لسورة الأعراف النصيب الأكبر من هذا العدد، فقد ذكر كليم الله موسى فيها إحدى وعشرين مرة، ثم تلتها سورة القصص بثماني عشرة مرة، ثم سورة طه بسبعِ عشرة مرة، ثم سورة البقرة بثلاثِ عشرة مرة، ثم سورتا يونس والشعراء بثماني مراتٍ لكلٍ منهما، ثم سورة غافر بخمسِ مرات.
    وتشترك سور النساء والمائدة والأنعام وإبراهيم والنمل وهود والإسراء بنصيب واحد وهو ثلاث مرات لكل منها، ومرتان في كل من سور الكهف والمؤمنون والأحزاب والصافات والأحقاف، ومرةٍ واحدةٍ في كلٍ من سور آل عمران ومريم والأنبياء والحج والفرقان والعنكبوت والسجدة وفصلت والشورى والزخرف والذاريات والنجم والصف والنازعات والأعلى.
    أما فرعون فقد ورد ذكره في القرآن أربعٌ وسبعين مرة، في سبعٍ وستين آية، موزعين على سبعٍ وعشرين سورة؛ وكانت أكثر السور ذكرًا له سورتى الأعراف وغافر، حيث ذُكِرَ في كل منهما تِسع مرات، ثم تلتهما سورة القصص بثماني مرات، ثم سورة يونس والشعراء بست مرات في كل منهما، ثم سورة طه بخمس مرات، ثم سورتا الأنفال وهود بثلاث مرات في كل منهما، وتشترك سور البقرة والإسراء والزخرف والدخان والتحريم والمزمل بذكره مرتين في كل منها، بينما ذكر مرة واحدة في كل من سور آل عمران وإبراهيم والمؤمنون والنمل والعنكبوت و"ص" و"ق"والذاريات والقمر والحاقة والنازعات والبروج والفجر.
    مرحلة جمع التفاسير
    ثم اطلعت على تفسير هذا الكم الهائل من آيات هذه القصة في معظم كتب التفاسير تقريباً (1)، نقلت تقريباً كل ما كتباه عن القصة في ثنايا الكتاب – بالنص أو بالمعنى - فاقتضى التنويه.
    كما استمعت إلي محاضرات عدد كبير من الدعاة، وقرأت بعض ما كتبه الكتّاب الكبار من مقالات عن قصة موسى وجبروت فرعون، ثم جمعت هذا الكمّ الهائل من التفسير والمقالات والمحاضرات، ونظمته ونسقته على هيئة قصة روائية متوالية الأحداث بأسلوب مثير ومشوق، وأضفت لها جانباً تربوياً، مع ربطٍ حركىٍ واسقاطٍ على الواقع، لأقدمها لكم بين دفتي هذا الكتاب.
    وختاماً ..
    أرجو منك أيها القارئ العزيز- من باب إثراء هذا العمل ومشاركتي في الثواب - إذا وجدت خطأً أو عيباً، أو إسهاباً لا طائل من ورائه بعد انتهائك من القراءة، أن تنصحني بمحوه أو تعديله، ولتعتبر أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب مكتوبة بقلم رصاص احتراماً لممحاة نقدك، فالنقد منك يبني ولايهدم، والخطأ منا شهادة ناطقة على أن الكمال لله وحده، وأن العصمة - فقط - لأنبيائه ورسله، وليكن بيننا تعارف، وتواصل مستمر عبر التواصل الهاتفي على رقم 01091500080(002)، أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي(1)
    وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه، وأن يفتح به قلوباً غفلت عن آياته، وأن يبصر به أعيناً عميت عن أنواره، والله ولي التوفيق ..
    وباسم الله نبدأ في كتابة هذا العمل : 6 ذو القعدة 1433 الموافق السبت 22 سبتمبر 2012










    ________________________
    (1) اطلعت على قرابة 50 كتاب تفسير قديم ومعاصر أثناء إعدادي لهذه الدراسة، وقد أعانني برنامج المكتبة الشاملة على عمل مقارنة تفسير لكل آية من آيات القصة مما أعطاني ثراء في الطرح، لذا أقدم للقائمين على موقع المكتبة الشاملة www.shamela.ws ، وكذلك موقع www.mosshaf.com الشكر لما قدموه من خدمة لكتاب الله عز وجل، وتيسير الاطلاع على تفسير آياته.

    (2) للتواصل عبر تويتر: https://twitter.com/AlDa3eeyaa وللتواصل عبر فيس بوك: https://www.facebook.com/Nagati.MN

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    9

    افتراضي

    قصة البداية ...
    قبل ثلاثة آلاف عام من الميلاد قامت الدولة المصرية القديمة بتوحيد القطرين، ثم ازدهرت ونمت فترة من الزمان، ثم انهارت، ولم يحدث وقت انهيارها أن استولى على مصر أي عدو خارجي، لأن في ذلك الوقت السحيق لم تكن قوة تجرؤ على استغلال الضعف الداخلي في مصر.
    وما لبثت مصر أن عادت مرة أخرى للاتحاد والقوة في عصر الدولة الوسطى (عصر الرخاء الإقتصادي)، إلا أن الانهيار لحقها مجدداً ولكن في هذه المرة طال انهيارها بسبب ضعف الحكام من ناحية، والتنازع المستمر على السلطة من ناحية أخرى؛ فضعفت قوة الدولة وانمحت هيبتها، وحينئذ ظهرت قوى خارجية استغلت ذلك الضعف فسيطرت على مصر خصوصاً في منطقة الدلتا ..
    - فمن يكون هؤلاء وما سر قوتهم ؟
    - وما حكاية تلك الرؤيا العجيبة التي رآها ملكهم فكانت سبباً لخروج يوسف من السجن وتبرأته من التهم الملفقة ضده ؟
    - ولماذا أحب المصريون يوسف وكرهوا إخوته بعد موته ؟
    - وما اسم هذا الفرعون الذي قتّل أبناءهم واستحى نساءهم ؟
    - ولماذا استسلم بنو إسرائيل أمام هذا العدوان الغاشم عليهم ؟
    - وكيف تجرأ فرعون أن يفعل ذلك كله، ومن هم أبرز معاونيه ؟
    كل هذا وأكثر سنعرفه بمشيئة الله من خلال أحداث الفصل الأول من هذا الكتاب.

    من هم الهكسوس ؟
    ضعفت الدولة المصرية في آواخر أعوام حكم الدولة الوسطى، وازدادت ضعفاً مع بداية عصر الاضمحلال الثاني(1)، فظهرت قوى خارجية استغلت ذلك الضعف وسيطرت على مصر خصوصاً منطقة الدلتا، وكان الرعاة الهكسوس هم تلك القوة الوافدة من الشرق لاحتلال مصر.
    الهكسوس كما أطلق عليهم المؤرخ المصري "مانيتون" لا ينتمون إلى جنس واحد، بل هم مجموعة من قبائل وشعوب آسيوية تحركت من آسيا في تجمعات عشوائية غير منتظمة، وقد أطلق عليهم بعض المؤرخين اسم (الآريين أو الهندوآريين)، وعرفوا في مصر باسم "حقا خاسوت" التى حُرِفت إلى الهكسوس، وقد سماهم المصريون «الهكسوس» كراهية لهم، إذ يقال: إن معنى الكلمة في اللغة المصرية القديمة: «الخنازير» أو «رعاة الخنازير» وقد تدفقوا إلى مصر في عصر الأسرة الثالثة عشر في ظل الضعف السياسى وعدم مراقبة الحدود، ودخلوا مصر كهجرات شعوبية في دفعات متتابعة واستقروا على الحدود الشرقية للبلاد.

    " ولقد ساعد تفوق الهكسوس العسكرى واستخدامهم لبعض الأسلحة التى لم يعرفها المصريون مثل الأقواس المركبة، والفؤوس الخارقة، والسيوف المنحنية، والعربات الحربية التى يجرها الحصان والتى لم تكن استخدمت في المعارك من قبل في حسم المعركة لصالحهم من الجولة الأولى".(2)
    وبعد حرب طاحنة لم يستطع المصريون مقاومتها حُرّقت خلالها المدن، ودُمرت المعابد، وسُبيت النساء وقتل الأطفال وفرضت الضرائب؛ استقر الهكسوس في الدلتا في منطقة "أورايس" التى تقع في منطقة شرق الدلتا (بين الزقازيق وقناة السويس)، وجعلوها عاصمة لهم(1).
    وقد اختار الهكسوس هذا المكان، ليكونوا قريبين من فلسطين ليفروا إليها في حالة وجود أى خطر عليهم لو عاد المقاتلين المصريين الذين فروا منهم إلى مصر العليا (جنوب مصر) في طيبة وبلاد النوبة( الأقصر وأسوان حالياً).
    وكوّن الهكسوس منهم أُسراً حاكمة؛ امتد حكمها في مصر لعشرات السنين من الأسرة الثالثة عشر إلى الأسرة السابعة عشر، كما حاولوا خلال هذه الفترة أن يتقربوا من المصريين ويتعايشوا معهم فتسموا بأسماءهم وتلقبوا بألقابهم، ولبسوا ملابسهم، وتحدثوا بلغتهم حتى تمصروا.
    دخول يوسف عليه السلام إلى مصر
    وخلال هذه الفترة من الزمان، دخل سيدنا يوسف إلى مصر، بعدما ألقاه إخوته في البئر – ليخلو لهم وجه أبيهم – وعثرت عليه إحدى القوافل التجارية أثناء مرورها في الصحراء، وباعوه عبداً لعزيز مصر، فرباه وأكرم مثواه حتى أصبح شاباً قوياً فتياً، فراودته زوجته عن نفسه، فأبى يوسف واستعصم بالله، فلما يئست منه رمته في السجن، ولبث فيه بضع سنين.
    رؤيا الملك
    في ليلة من الليالي رأى حاكم مصر رؤيا عجيبة، ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الملأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾. سورة يوسف: 43
    فعرضها على كهنة المعابد، إذ يمثلون السلطة الدينية، فعجزوا عن تأويلها له واكتفوا بقولهم ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ﴾. سورة يوسف 44
    ولما خاب أمل الملك في ملئِهِ؛ رشح له الساقي "يوسف الصديق" ليأخذ منه تعبير الرؤيا، لما له من تأويل دقيق في مجال الرؤى والأحلام لمسه منه عندما صاحبه في السجن؛ فأرسله الملكُ إليه ليسأله عن تأويل الرؤيا، ثم عاد الساقي بتفسير الرؤيا وعرضها على الملك؛ فأدرك الملك أن تعبير رؤياه ليس مجرد كلام يقال، بل هو خطة متكاملة للمستقبل تستلزم استعداداً كاملاً، وتوفيراً من إنتاج المحاصيل في سبع سنوات من الرخاء ليستعين بها المصريون ومن حولهم في سبع سنوات أخرى من المجاعة.
    فقرر الملك الاستعانة بـ "الخبير الاقتصادي" يوسف عليه السلام في هذه السنوات وأرسل رسولا خاصاً من لدنه إليه في السجن ليخرجه ويبلغه بمنصبه القيادي الجديد، وذلك تكريم خاص ليوسف عليه السلام لا يحلم به سجين في تلك العصور ولا في غيرها؛ ولكن يوسف أصر ألا يخرج من السجن إلا وصفحته نقية من تلك التهمة الكاذبة التي ألصقت به ظلما وزوراً، وطالب الملك بإعادة التحقيق في قضيته.
    إعادة التحقيق في قضية يوسف
    وأدى ذلك الموقف من يوسف إلى تصعيد جديد أثار اهتمام الملك وإعجابه بيوسف أكثر وأكثر، ولا ريب أن الساقي قد حدّث الملك عن قصة يوسف وظلم امرأة العزيز له، فقام الملك بنفسه بالتحقيق في ملابسات هذا الحادث الذي مضى عليه سنوات؛ واستدعى النسوة ليحقق معهن بنفسه؛ واعترفت امرأة العزيز أمام الملكِ وملئه أنها المذنبة وأن يوسف بريء من التهمة المنسوبة إليه؛ فعلم يوسف بنتائج التحقيق الذي كان سبباً في تأكيد براءته، فقبل الخروج من السجن إلى قصر الملك، ودار بينهما الحديث الذي كان الملك يتوق إليه وهو القائل عن يوسف: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾.يوسف: 54
    وبعد ذلك الحديث ازداد الملك قناعةً بيوسف وإعجاباً بشخصيته، فأحله المقام السامي في بلاطه، وحينئذ طلب يوسف بنفسه أن يكون مشرفا على خزائن المملكة المصرية لأن لديه الخبرة الاقتصادية التي تمكنه من الإشراف عليها خلال السنوات الحاسمة القادمة.

    دخول بني إسرائيل إلى مصر
    وبعدما أصبح يوسف عزيز مصر حدثت المجاعة التي تنبأ بها، وجاء إخوته إلى مصر يطلبون الغوث، وكانت مصر لا ترد سائلاً؛ فأغاثهم يوسف واستضافهم عنده وحدثوه عن وضعهم في فلسطين - وهم لا يعرفونه - فطلب منهم أن يأتوا المرة القادمة ومعهم أخوهم بحجة أن يتأكد من صدق كلامهم.
    وبعد نقاش طويل بينهم وبين أبيهم يعقوب عليه السلام أخذوه معهم في زيارتهم الثانية لمصر.
    وحين عرّف يوسف نفسه لإخوته وعفا عن جرمهم في حقه، طلب منهم أن يذهبوا ويأتوا بكل بني إسرائيل ليعيشوا مع يوسف في مصر.
    وذهب أخوته إلى فلسطين مرة أخرى، وجاءوا بأهلهم أجمعين، ولما اقترب موعد وصولهم عند حدود مصر الشرقية، خرج في استقبالهم يوسف عليه السلام بنفسه، ودخلوا معه إلى مصر آمنين ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إليه أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ﴾ يوسف: 99
    وكانت هذه بداية استقرار بني إسرائيل بمصر في منطقة اسمها أرض جاسان(1)، وكانوا وقتها قرابة المائة بين رجل وامرأة وشيخ وطفل، وعاشوا في مصر وتناسل أبناء يعقوب الاثنا عشر وصاروا اثنتي عشر قبيلة؛ وحظوا بعناية ورعاية منقطعة النظير، ومارسوا دينهم كما يحلوا لهم في ظل حرية كفلها الهكسوس لهم.
    وفي ظل هذه الفترة التي حكم الهكسوس فيها مصر، والتي لم تخلُ من مقاومة أو انتفاضات شعبية؛ استطاع المصريون الذين كانوا قد انسحبوا إلى مناطق متعددة تجميع قواهم مرة أخرى والهجوم على الهكسوس وطردهم من مصر إلى بلاد الشام، على يد القائد العسكري الشاب "أحمس" الذي تولى قيادة الجيش المصري وهو دون العشرين من عمره، ليواصل نضال أبيه "سقنن رع" وأخيه "كامس" اللذين قتلا في معاركهم ضد الهكسوس والتي استمرت لسنوات.

    إجلاء الهكسوس خارج مصر
    "استطاع الشاب أحمس في فترة وجيزة سحق الهكسوس حتى جعلهم يفرون خارج مصر، ثم لاحقهم وحاصرهم في "شاروحين" آخر قلاع الهكسوس الحصينة في فلسطين ومن بعدها لم تقم للهكسوس قائمة"(2).
    عاد أحمس قائد جيش مصر وبطل عملية التحرير إلى وطنه بعد أن حرره من المعتدين، واستقبله شعب مصر استقبالاً حافلاً، إذ كان هذا النصر الحاسم إيذاناً بميلاد عصر جديد في مصر، وهو عصر الدولة الحديثة التي سعت وبكل قوة إلى توسيع حدودها وبسط نفوذها في المنطقة كلها.
    فأصبحت مصر أول وأكبر وأقوى إمبراطورية في العالم - آنذاك – فامتد سلطانها من "الأناضول" شمالاً إلى"القرن الأفريقي" جنوباً، ومن "الصحراء الليبية" غرباً إلى "الفرات" شرقاً.
    " وسمي عصر الدولة الحديثة بعصر المجد الحربي، وعصر الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فقد كانت "طيبة" تتدفق عليها خيرات أفريقيا وآسيا وجزر البحر المتوسط، ويفد إليها كل عام رسل من جميع البلاد التي تحت سلطانها"(1).

    تأسيس الأسرة الـ 19
    تولى الحكم "رمسيس الأول" مؤسس الأسرة الــ19 والذي كان قائداً للجيش في عصر "حورمحب" وقد حكم مصر أقل من عامين وذلك بسبب تقدمه في العمر وقت اعتلائه العرش؛ وبعد وفاته تولى ابنه "سيتي الأول" حكم البلاد وكان رجلاً في منتصف العمر، تميز عهده بالحملات الحربية في شمال مصر، وقد حكمها لمدة عشرين عاماً.
    وفور تولي "سيتي الأول" حُكم مصر عمل على توريث ابنه "رمسيس الثاني" حُكم البلاد فأشركه معه في إدارة شئون البلاد، وكلفه بالاشراف على بناء العاصمة الجديدة "بررعمسيس"(1)، وإدارة شئون الدولة الداخلية رغم صغر سنه !
    بينما تفرغ "سيتي الأول" لحروبه الخارجية بالشام لاستعادة ممالك مصر الضائعة نظراً لضعف حكام مصر في أواخر الأسرة الـ 18 وعدم اهتمامهم بتلك الممالك.
    ثم توفى "سيتي الاول" وخلفه ابنه "رمسيس الثاني" في الحكم وقد ساعدته عدة عوامل على أن تفرض شهرته في التاريخ منها :

    1- مشاركته لوالده في الحكم فاكتسب خبرة سياسية وحربية.
    2- ولي الحكم شاباً يملؤه الحماس وتحدوه آمال واسعة.
    3- طول مدة حكمه المنفرده التي بلغت 67 عاماً.
    4- ورث عن أبيه دولة قوية ذات ثراء عريض.
    5- وجد من رجاله المدنيين والعسكريين تأييداً لكل أعماله.
    6- تصديه "للحيثيين" في معركة قادش رغم أنهم أضخم قوة عسكرية في عصره.
    7- كان شغوفاً بتخليد ذكراه وتمجيد نفسه، ولذلك بنى عدداً كبيراً من المعابد والقصور والمسلات والتماثيل أكثر من أي حاكم آخر سبقه.
    8- في عهده تكونت لمصر عاصمة جديدة سميت باسمه (بروعمسسو) أو (برعمسيس) أي دار رمسيس وأصبحت واحدة من أهم العواصم في الشرق الأدنى القديم.
    بنو إسرائيل والتغيير السياسي
    قضى المصريون على حكم الهكسوس وأقاموا الإمبراطورية المصرية التي بلغت اوج قوتها في عصر "الرعامسة" الذين حولوا مصر إلى نظام الحكم العسكرى المركزى والذي تتجمع سلطاته كلها في يد الفرعون ليكون هو القائد الأعلى للعسكر، والقائد الأعلى للجند - الشرطة- ، والقائد الأعلى للقضاة، ولكل شيء في مصر؛ فتأسست عبادة الفرعون المتأله.
    وقد كان يؤرق – الفراعنة الحكام- أن بني اسرائيل لم تتأصل فيهم عبادة الفرعون لكونهم ذرية الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف - عليهم السلام- الذين توارثوا الوصية بأنه لا اله الا الله ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ سورة البقرة: 132.
    هذه الوصية التي لا تعني – بالنسبة لفراعنة كل عصر – إلا التمرد على النظام، والثورة على كل فرعون يحكم بهواه؛ فإن ربوبية الله للعالمين التي هي رسالة النبيين ومشروع المصلحين تعني- أول ما تعني- إبطال شرعية كل حكم يزاول السلطان على الناس بغير شريعة الله وأمره، وإعلان تحرير الإنسان من الخضوع والطاعة والتبعية والعبودية لغير الله؛ كما تعني تحرير الإنسان من شرع البشر، ومن هوى البشر، ومن تقاليد البشر، ومن حكم البشر للبشر؛ إلى حكم الله وحده(1).
    ولأن سلطة الفرعون تعتمد أساساً على التسليم المطلق له، وسلطانه القائم على ثقافة العبيد؛ فإن أى شك دينى فيه – حول أنه ليس إلهاً له حق التشريع – ينذر بظهور التمرد عليه، لذا كان يؤرقه أن توجد في مملكته قلوب لا تقدس غير الله جل وعلا.
    إضافة إلى هذا فقد استغل حكام مصر كره المصريين لبني إسرائيل الذي تزايد - بعد موت يوسف - لأن بني إسرائيل لم يقفوا على الأقل موقف الحياد من احتلال الهكسوس لمصر كما فعل جدهم يوسف؛ بل صاروا بعد موته حلفاء للهكسوس أعداء الفراعنة وتعاون بعضهم مع الهكسوس على ظلم المصريين(1).
    ولأنهم لم يكونوا مقاتلين محترفين – كالهكسوس– لم يستطيعوا التعاون العسكري معهم في مواجهة المقاومات الشعبية المصرية والثورات التحررية ضدهم، كما لم تكن لهم ديار في بلاد أخرى فيفروا إليها كما فعل الهكسوس، ولم يكونوا أيضاً أصحاب أرض في مصر فيثبتوا، فبقوا في مصر ينتظرون مصيرهم مع الحكم الفرعوني الجديد.
    وبما أن الهكسوس هربوا دون أن يتمكن الفراعنة من استعبادهم والانتقام منهم والتنكيل بهم على ما فعلوه بهم طوال فترة حكمهم لمصر؛ صب الفراعنة جام غضبهم على بني إسرائيل فنكلوا بهم واستعبدوهم وأذاقوهم سوء العذاب، فأُخذ منهم المظلوم مع الظالم، والجاني مع المجنى عليه دون تحقيق أو توثيق، بحجة تعاونهم مع الهكسوس وإن كان هذا ليس هو السبب الرئيسي كما بينا، ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ البقرة:49.
    وظل بنو إسرائيل - على مدار سنوات متتالية – يتجرعون كأس الظلم بسبب وبغير سبب، حتى حكم مصر فرعون موسى، فتضاعفت عليهم البلايا والمحن، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ولسان حالهم يقول له:
    الظلم قبلك كان كمّاً مهملاً .. واليوم صار على يديك منظماً !!

    من هو فرعون موسى ؟
    بداية يجب التأكيد على أن المنهج القرآني المعتاد في القصص، هو عدم تحديد الأشخاص بأسمائهم؛ وذلك للتأكيد على جانب العبرة والعظة، فتتحول الحادثة التاريخية المحددة بالأسماء والزمان والمكان إلى قضية عامة قابلة للاستشهاد في كل مصرٍ وعصر، وبذلك يتحول الشخص في القصة القرآنية من اسم إلى رمز؛ فالمستبدّين والطّغاة عبر التّاريخ شركاء في الغيّ والفساد، إلّا أنّ ما يفرّقهم هو الزّمان والمكان، والتّفاوت في استعمال معاول البطش والتهديم، وما فرعون الذي ذكره القرآن الكريم إلّا رمزٌ من رموزهم، ولونٌ من ألوانهم، ويمثّل حال كثيرٍ منهم.
    وقد توارثَت الأجيال عبر التاريخ كلمة فرعون، وأصبح لها معنى خاصٌّ يعي الجميع مدلوله وما تَحتويه هذه الكلمة بمجرَّد نُطقِها من صفات العلوِّ والكبر والعظمة والبطش وتقديس وعبادة الذات، وإذلال الناس، والقضاء على المخالفين والمصلحين؛ إما بالقتل أو السجن او الإبعاد والتشريد كل هذه الصفات المظلمة تَرتسم في الذهن مباشرة عندما يُذكر هذا الاسم البغيض: "فرعون".
    وفرعون قصة موسى ليس اسماً لإنسان بعينه، وإنما لقب يطلق سياسياً على كل من حكم مصر – في ذلك الزمان- من أبناء شعبها، كما يطلق الآن على حاكمها لقب "رئيس"، ومن قبل لقب "ملك"، وكما أطلق في سابق العصر والزمان على كلِّ مَن ملَك الفُرس: كسرى، برغم أن من تسمى بذلك هو ملك من ملوكهم، ثم جرت العادة بعد ذلك على تسمية كل ملكٍ فارسي بكسرى، وكما تسمى ملوك الروم بقيصر، وملوك الحبشة بالنجاشي، وهكذا ..
    والإجابة على سؤال من هو فرعون موسى عليه السلام قد حيرت المفسرين والمؤرخين معاً، ولا نبالغ إذا قلنا أن هناك المئات من الأبحاث والكتب والمقالات على مر العصور قد تناولت هذه القضية وقد تعددت إشارات الاتهام لأكثر من فرعون، غير أن أكثر الأصابع كانت تتجه نحو "رمسيس الثاني" لتتهمه بأنه فرعون موسى الذي ذبّح الذكور واستحيا النساء واستضعف الشعب، وأذاقهم الويلات.

    _______________________
    (1) في أواخر عهد الأسرة السابعة ولي العرش ملوك ضعاف، وانقسمت البلاد إلى أقاليم مستقلة، فانتشرت الفوضى في البلاد لاسيما في فترة (الأسرات 7 -10) (2280ق.م _2050ق.م) ثم بدأت مصر عهد الاضمحلال الثاني ( الأسرات 13 – 17) ( 1778 ق. م – 1570 ق. م ) بسقوط بقايا الدولة الوسطى نهائياً وغزو الهكسوس لمصر. انظر كتاب الدراسات الاجتماعية/ الصف الأول الإعدادي، أو موسوعة ويكيبيديا.

    (2) منقول بتصرف من كتاب تاريخ وحضارة مصر القديمة، د. سمير أديب، مكتبة الإسكندرية ص143.

    (1) وآثار تلك المرحلة لا زالت باقية بشرق الدلتا قي أماكن متفرقة مثل بلبيس، وتل المسخوطة، وتل بسطة، وتل الصحابة، وتل اليهودية.

    (1) هذا بحسب ما ورد في التوراة "سفر التكوين" وهذه الأرض في شرق دلتا مصر بالقرب من "صفط الحنة" في محافظة الشرقية.

    (2) منقول بتصرف من كتاب موسوعة مصر القديمة – سليم حسن – الجزء الرابع صفحة 149.

    (1) منقول من بحث بعنوان "من هو فرعون موسى" محمد عبدالرازق جويلي.

    (1) أنقاض هذه المدينة موجودة حتى الآن بقرية (قنتير - مركز فاقوس محافظة الشرقية) ، واستمرت عاصمة لمصر طوال حكم الأسرتين الـ19 والـ20 قبل أن تنتقل إلى "صان الحجر" (مركز الحسينية – التابع لمحافظة الشرقية) في عهد الأسرة الـ21 ثم "تل بسطا" في عهد الأسرة الـ22، وكلها لا تبعد عن بعضها سوى بضعة كيلو مترات قليلة، وما زالت قرية قنتير تحظى باهتمام كبير من اليهود وزيارات مستمرة لها، فقد تحولت البلدة من منطقة تنقيب للآثار إلى مطمع لليهود في مصر عقب خروج شواهد تُثبت أن قرية قنتير هي مهد سيدنا موسى عليه السلام، وبحر فاقوس هو اليم الذي أٌلقى فيه سيدنا موسى لهذا أطلق عليه "بحر مويس"، فضلا عن العثور على شواهد أثرية تؤكد وجود قصر فرعون بمنطقة قنتير، ما دفع اليهود إلى التمسك بالمنطقة وقالت عنها إسرائيل إنها أرض أجدادنا وهناك مخاوف من أهالي هذه القرية من سيطرة إسرائيل عليها وتحويلها لمزار يهودي يشبه "مولد أبو حصيرة" الموجود في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة.

    (1) تلك المفاهيم الغائبة عن مجتمعاتنا الآن؛ استقاها رجل عربي- بفطرته وسليقته- حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقال: «هذا أمر تكرهه الملوك!»؛ بل وقال له رجل آخر من العرب: «إذن تحاربك العرب والعجم».

    (1) ذكرت بعض الدراسات التاريخية أنهم حاولوا الثورة وإثارة الفوضى والاضطراب أثناء مطاردة أحمس لفلول الهكسوس خارج البلاد" انظر كتاب حقيقة بني إسرائيل في مصر – عادل حسين – ص8.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    9

    افتراضي

    قصة تشريح مومياء رمسيس الثاني
    اشتهر عن فرنسا أنها من أكثر الدول اهتماماً بالآثار والتراث, وعندما تسلم الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل (فرانسوا ميتران) زمام الحكم في البلاد عام 1981م طلبت فرنسا من دولة (مصر) في نهاية الثمانينات استضافة مومياء (رمسيس الثاني) إلى فرنسا لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية ومعالجة ..
    وافق الرئيس الراحل أنور السادات على الطلب، وتم نقل مومياء رمسيس الثاني إلى فرنسا.. وهناك وعلى أرض المطار اصطف الرئيس الفرنسي منحنياً هو ووزراؤه وكبار المسؤولين عند سلم الطائرة ليستقبلوا فرعون مصر استقبال الملوك وكأنه مازال حيا..!
    وعندما انتهت مراسم الاستقبال الملكي لفرعون مصر على أرض فرنسا .. حمُلت مومياؤه بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله وتم نقله إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي, ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح دراسة تلك المومياء واكتشاف أسرارها.
    وكان رئيس الجراحين والمسؤول الأول عن دراسة هذه المومياء الفرعونية هو البروفيسور (موريس بوكاي)؛ وما أدراك من هو موريس بوكاي ؟!
    إنه شامة فرنسا ورمزها الوضاء..
    فلقد ولد من أبوين فرنسيين, وترعرع كما ترعرع أهله في الديانة النصرانية, ولما أنهى تعليمه الثانوي انخرط طالباً في كلية الطب في جامعة فرنسا, فكان من الأوائل حتى نال شهادة الطب, وارتقى به الحال حتى أصبح أشهر وأمهر جراح عرفته فرنسا الحديثة، لذا عُين رئيساً للمجموعة التي عالجة مومياء رمسيس الثاني.
    كان المعالجون مهتمين في ترميم المومياء, بينما كان اهتمام (موريس بوكاي) مختلفاً للغاية, فقد كان يحاول أن يكتشف كيف مات رمسيس الثاني ؟! فجثة رمسيس الثاني لم تكن كباقي جثث الفراعين التي تم تحنيطها من قبل، فوضعية الموت عنده غريبة جدا، فلقد فوجيء المكتشفون عندما قاموا بفك أربطة التحنيط بيده اليسرى تقفز فجأة للأمام!
    أي أن من قاموا بتحنيطه أجبروا يديه على الانضمام لصدره كباقي الفراعين الذين ماتوا من قبل!! فأخذ البروفوسور يحلل الجثة لعله يجد حلًا لذلك اللغز، وفي ساعة متأخرة من الليل ظهرت النتائج النهائية للبروفيسور موريس: لقد كانت هناك بقايا للملح معلقةً في جسد الفرعون، وتبين أيضا مع صورة بأشعة إكس أن عظام فرعون قد انكسرت من دون أن يتمزق الجلد المحيط بها!
    فاستنتج البروفسور الفرنسي من ذلك أن الفرعون قد مات غرقًا، وأن سبب انكسار عظامه دون تمزق اللحم كان بسبب الضغط الرهيب الذي سببته المياه في أعماق البحر السحيقة، ولكن الغريب أن جثة فرعون رغم سقوطها في قاع البحر العميق يبدو عليها أنها طفت بشكل غريب على سطح البحر بسرعة ليتم تحنيطها فورًا قبل تحلل الجثة! واستطاع بوكاي أيضًا تفسير الوضعية الغريبة ليد رمسيس اليسرى، فلقد وضح بوكاي أن فرعون كان يمسك لجام فرسه أو السيف بيده اليمنى، ودرعه باليد اليسرى، وأنه في وقت الغرق رأى شيئًا غريبًا أدى لتشنج أعصابه بشكل فظيع ساعة الموت، ونتيجة لشدة المفاجأة وبلوغ حالاته العصبية لذروتها ودفعه الماء بدرعه فقد تشنجت يده اليسرى وتيبست على هذا الوضع، فاستحالت عودتها بعد ذلك لمكانها! وهذه الحالة تشبه تمامًا حالة تيبس يد الضحية وإمساكها بشيء من القاتل كملابسه مثلًا، ولكن سؤالًا أخيرًا بقي يحير البروفسور موريس بوكاي، وهو: كيف بقيت هذه الجثة أكثر سلامة من غيرها رغم أنها استُخرجت من البحر الذي من المفروض أن يعمل أكثر على سرعة تحلل الجثة؟!!
    فأعد البروفيسور الفرنسي موريس بوكاي تقريرًا نهائيا لكي يعلن للعالم ما كان يعتقد أنه اكتشاف جديد، وقرر أن يعقد مؤتمرًا صحفياً له ..
    حتى همس أحد معاونيه في أذنه قائلاً: لا تتعجل مسيو بوكاي فإن المسلمين يتحدثون عن غرق هذه المومياء بالفعل !فقرآنهم الذي يؤمنون به يروي قصة عن غرقه وعن سلامة جثته بعد الغرق..! فازداد ذهولاً وأخذ يتساءل.. كيف يكون هذا وهذه المومياء لم تكتشف أصلاً إلا في عام 1898 ميلادية أي قبل مائتي عام تقريبا , بينما قرآنهم موجود قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام؟!
    وكيف يستقيم في العقل هذا, والبشرية جمعاء - وليس العرب فقط - لم يكونوا يعلمون شيئا عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جثث فراعنتهم إلا قبل عقود قليلة من الزمان فقط؟
    جلس (موريس بوكاي) ليلته محدقاً بجثمان فرعون , يفكر بإمعان عما همس به صاحبه له من أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجثة بعد الغرق .. بينما كتابهم المقدس (إنجيل متى ولوقا) يتحدث عن غرق فرعون أثناء مطاردته لسيدنا موسى عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جثمانه البتة .. وأخذ يقول في نفسه :
    هل يعقل أن يكون هذا المحنط أمامي هو فرعون مصر الذي كان يطارد موسى؟!
    وهل يعقل أن يعرف محمدهم هذا قبل أكثر من ألف عام وأنا للتو أعرفه ؟!
    لم يستطع (موريس) أن ينام , وطلب أن يأتوا له بالتوراة, فأخذ يقرأ في (سفر الخروج) من التوراة قوله "فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر، ولم يبق منهم أحد! ".
    وبقي موريس بوكاي حائرًا، فحتى الكتاب المقدس الذي يزعم علماء النصارى أن محمدًا قد سرق منه قصص الأنبياء السابقين لم يتحدث عن قريب أو بعيد عن نجاة هذه الجثة وبقائها سليمة! فمن أين أتى هذا البدوي بهذه الحقيقة العلمية وهو في أعماق الصحراء؟!حتى الإنجيل لم يتحدث عن نجاة هذه الجثة وبقائها سليمة بعد أن تمت معالجة جثمان فرعون وترميمه !!
    أعادت فرنسا لمصر المومياء بتابوت زجاجي فاخر يليق بمقام فرعون! ولكن ..(موريس) لم يهنأ له قرار ولم يهدأ له بال, منذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون عن سلامة هذه الجثة!
    فحزم أمتعته وقرر أن يسافر إلى المملكة السعودية لحضور مؤتمر طبي يتواجد فيه جمع من علماء التشريح المسلمين..
    وهناك كان أول حديث تحدثه معهم فيه عما اكتشفه من نجاة جثة فرعون، فابتسم له عالم مسلم وأعطاه كتاب الترجمة الانجليزية للقرآن وقال له اقرأ هذا يا بروفيسور: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ يونس: 92 فما إن قرأ بوكاي هذه الكلمات القليلة حتى كاد أن يسقط من على قدميه، فصرخ بالحاضرين: "لقد آمنت برب هذا الكتاب، لقد آمنت بالرسول الذي جاء به! لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن"(1).
    القرآن يشير إلى اسم فرعون موسى
    سبق وأن أشرنا إلى أن لفظة فرعون ذكرت في القرآن 74 مرة في 67 آية في حين أن هناك شبه إجماع بين المؤرخين وعلماء الآثار، وعلماء المصريات؛ أن مدة حكم رمسيس الثاني منفرداً كانت 67 سنة وهي ثاني أطول مدة حكم لملك على مصر طوال تاريخها, حيث نجد أن الملك "بيبي الثاني" - أحد ملوك الأسرة السادسة - قد حكم مصر لمدة 84 سنة، مع ملاحظة أن الملوك في تلك الفترة (أقصد الأسرة السادسة) لم يكن يطلق عليها لفظ (فرعون)، لأن لقب فرعون "برعا" لم يتداول إلا في منتصف الأسرة الـ 18 طبقًا للوثائق الفرعونية المتواترة، وهو الأمر المتعارف عليه بين جميع علماء الحضارة المصرية القديمة في الخارج والداخل.
    لهذا نجد أن ذكر لفظ (فرعون) في 67 آية بالقرآن الكريم وليس أي رقم آخر يعد إشارة على أن فرعون موسى هو رمسيس الثاني؛ ولهذه الإشارات وغيرها كان رأيي – الذي يحتمل الخطأ - أن الفرعون الذي مات غريقاً بعد مطاردته لموسى وهارون وبني إسرائيل كعقاب أخير من الله هو رمسيس الثاني(1).
    مسرح الأحداث
    تدور أولى حلقات هذه القصة في مصر التي كانت تمثل الحضارة والرقي مقارنة بجيرانها في الأماكن الأخرى على الخريطة؛ وهذا ما أشار إليه القرآن على لسان يوسفu عندما قال لإخوته: ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ يوسف:100 فحياة الناس في أي مكان بعيداً عن مصر كانت لا تعدو عن كونها حياة بدوية قاحلة، في حين أن مصر كانت تعيش في أزهى عصور الحضارة والريادة.
    ففي الوقت الذي كان العالم يعيش في الكهوف وفى بقع أخرى يهيم البشر فيها على وجهوهم عرايا, كان المصريون القدماء يقيمون الدولة المركزية بنظم وتقاليد وأسس الدولة المدنية الحديثة, ويبنون الأهرامات كبناء معمارى رائع مدهش مازال حتى الآن يخبئ أسرار بنائه؛ ليظهر مدى التقدم المعمارى الهندسى الذي عاش فيه المصريون وقت كان الجيران يعيشون في خيام من شعر الإبل؛ بلد برع أهلها في الصناعة والزراعة وبنوا السدود والقناطر وشقوا الترع ونقبوا في الجبال والمناجم وتحت الأرض، حتى تبوح لهم الأرض بسرها وتخرج لهم كل خيراتها!
    برعوا في ميدان الطب والصيدلة براعة تكللت بسر التحنيط الذى لم يفلح العالم حتى الآن للوصول لسره .. كما تقدموا تقدما مدهشاً في علم الفلك والرياضيات أتاح لهم أن يظهروا تفوقهم ونبوغهم عندما حققوا توافق تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس لتأتى في يوم عيد ميلاده(1)!!

    لهذا كله تربعت مصر بجدارة على عرش التقدم والحضارة والرقي؛ واستخدم اسمها ليدلل على المكان المتحضر، لذا تجد سيدنا موسى عليه السلام يقول لقومه:﴿ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ البقرة:61 فكلمة"مصر" هنا لا تدل على"مصر" الوطن وإنما تعني المدينة المتحضرة في أي مكان؛ ونفهم ذلك أيضاً من قولهم عن عمر بن الخطاب أنه الذي "مصّر الأمصار" أي "أنشأ الأمصار" أو أنه بعث العمال أو الولاة على "الأمصار" -أي الولايات- ليجعلها مدناً ذات حضارة كمصر؛ فالعرب حين عرفوا النطق باللغة العربية استعاروا كلمة "مصر" لتدل على المدينة والحضارة؛ لنخرج بصورة ذهنية صافية مرسوم فيها الحضارة المصرية القديمة، بتقدمها ورقيها الذي كان ينعم فيه أهل مصر في هذا التوقيت.
    وقد كانت مصر آنذاك إحدى كُبريات الممالك القديمة, بدلالة قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ يوسف:54, وعلى لسان مؤمن آل فرعون: ﴿ يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ غافر:29, ووقول فرعون ﴿ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ الزخرف:51 وهذه إشارات أن نظام الحكم فيها كان "ملكي وراثي".


    (1) رجع "موريس بوكاي" إلى فرنسا بغير الوجه الذي ذهب به، وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمكتشفة حديثا مع القرآن الكريم، فكانت ثمرة هذه السنوات التي قضاها، أن خرج بتأليف كتاب (القرآن والكتاب المقدس والعلم) وهو من أعظم كتب القرن العشرين، فهذا الكتاب وقع كالزلزال في أوساط الكنيسة في روما، ومن أول طبعة له نفد من جميع المكتبات في أوروبا! ثم أعيدت طباعته بمئات الآلاف بعد أن ترجم من لغته الأصلية (الفرنسية) إلى العربية والإنكليزية والإندونيسية والتركية والألمانية، لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب، وليدخل من خلاله آلاف الناس في الإسلام، فسبحان من جعل جثة فرعون بعد مماته سببًا في إسلام الآلاف، كما جعلها عبرة لمن يحارب الإسلام والمسلمين في جميع العصور والأزمنة! (راجع كتاب مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ– جهاد الترباني – ج1/ ص254).

    (1) يوجد بحث رائع مكون من 6 فصول بعنوان "من هو فرعون موسى ؟"، للباحث المهندس/ محمد عبد الرازق جويلي، يمكنك الرجوع إليه على موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة إذا أردت الاستزادة من الأدلة، وإن كانت كلها إشارات ودلائل ظنية، ليست بقطعية الدلالة وليس في ذلك كبير أهمية، غير أن النفس تتطلَّع لما غاب عنها بشيء من الاهتمام.

    (1) تتعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني مرتان في العام هما يوم مولده 22 أكتوبر، ويوم تتويجه ملكاً في 22 فبراير، وبمجرد أن تتسلل أشعة الشمس يضاء هذا المكان العميق الذي يبعد عن المدخل الرئيسي لمعبد أبو سمبل بحوالي ستين مترًا؛ وهذه الظاهرة اكتشفت في عام 1874 م، حيث قامت المستكشفة «إميليا إدوارذ» والفريق المرافق لها برصد هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها (ألف ميل فوق النيل).المنشور عام 1899م.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    9

    افتراضي

    أساليب فرعون في إدارة مصر
    نشأ رمسيس الثاني في أسرة حاكمة لمصر، وقد ورث الحكم من بعد وفاة أبيه "سيتي الأول" وحكم مصر داخلياً وخارجياً وعمل على توطيد حكمه وتثبيته بخطة خماسية هي أساس عمل كل مستبد قال عنها القرآن:﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين ﴾ ]القصص : 4[.
    1- حكومة الفرد
    كان فرعون موسى يتميز بين الحكام المستبدين بصفته العسكرية، لذا وصفه رب العزة بالجندي فقال: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ البروج:18، وقد نصب نفسه – بقوة سلاحه - فوق كل سلطة من سلطات الدولة فهو يأمر وينهى والكل حوله خدم ينفذون أوامره التي لا يشوبها الخطأ أبداً؛ فجمع بذلك كل الصلاحيات والسلطات في قبضة يده؛ ففي يديه تتركز السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بالإضافة إلى السلطة الدينية، فالفرعون هو الرئيس الأعلى للدولة وقاضي قضاتها، وكاهنها الأعظم، وقائد جيوشها، ومُشَرِّعُ قوانينها.
    "وحكومة الفرد المطلق الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية، من أشدّ مراتب الاستبداد التي يُتعوَّذ منها "(1)، لذا تجد فرعون في حواره لا يطيق المعارضة أبداً ولا يتصور وجودها في دائرة حكمه، ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ غافر: 29، فهو "يريد جوًا يسوده الصمت الرهيب؛ لأنه يدري أن الأفواه لو نطقت فستفضح خبأه، وتكشف سره، وهنا الطامة الكبرى لذلك من خصائص الاستبداد السياسي في كل زمان ومكان كرهه الشديد لحرية النقد والتوجيه ..."(2) وهو إن كان قال للملأ مرة واحدة ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ الشعراء: 34
    فلا يعني ذلك أنه يقبل مبدأ المشورة أو أنه يحكم بالديمقراطية ويقبل الاختلاف في الرأي، بل قالها ليعطيهم الفرصة لكي يقولوا له ما يريد أن يسمعه منهم، ولذلك فإن آراءهم في النهاية هي نفس آرائه، فالظلمة يستعينون دومًا ببطانة تصفق ولا تحقق، تؤيد ولا تندد، قال الله حكاية عن حاشية فرعون: ﴿ وَقَالَ الملأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ الأعراف:127
    أما إذا اشتم رائحة معارضة لآرائه فإنه سرعان ما يعود إلى طبيعته الدكتاتورية؛ وقد حدث ذلك حينما قام واحد من الملأ يحاور فرعون محاولاً إثناءه عن قرار قتل موسى، فعندما قال الرجل:﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ اليوم ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾ غافر:28 قاطعه فرعون لينهى كلامه الذي لا يتوافق مع رأيه وهو يصرخ فيهم ويقول: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ غافر:29
    فأفصح عما في نفسه من غطرسة، ولسان حاله: من ليس معنا فهو عدونا، ومن خالفني فهو على باطل.
    وبذرة التفرعن والاستعلاء هذه موجودة في كل نفس، فإن واتتها الظروف أنبتت نبتها الخبيث
    ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ سورة العلق:7.


    2- سياسة فرق تسُد (أسياد وعبيد).
    كانت سياسة "فرق تَسُد" من أبرز سياسات فرعون في حكمه، فعمل على تمزيق نسيج الشعب وتفريقه وتأجيج صراعاته، والعبث بوحدته؛ فقسّم الشعب شيعاً وأحزاباً، ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ القصص:4، رغم أنهم أمة واحدة، من طينة واحدة.
    كما صنف الناس أصنافاً ورتبهم طبقات واستعان ببعضهم على البعض الآخر؛ وساعده في ذلك وجود طبقات من الأغنياء وطبقات من الفقراء، فاستمال الأغنياء وجعلهم أصحاب الحظوة والمكانة والمناصب الرفيعة ﴿ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ الأعراف: 114، وجعل بقية الشعب عبيداً يخدمون هؤلاء الأسياد؛ وثمن تلك الإمتيازات مزيد مزيد من التملُّق والنفاق أو الانبطاح والسكوت عن الظلم حتى لا تزول عنهم امتيازاتهم ويضمون إلى قوافل المستضعفين.
    ولقد كانت نكبة بني إسرائيل وما حل بهم من الذلة والصغار، بسبب انحلال الروابط القلبية فيما بينهم وتفكك عرى الوحدة الدينية، وتشتت كلمتهم، فقد كان كل واحد يعمل لنفسه ولنفسه فقط، وإن كان طعامه بلحم أخيه، يبتغي به الرضا والوجاهة والمنزلة عند الطاغية فرعون وشيعته.
    وهنا درس يجب أن نفهمه من شريعة القرآن العظيم في أن المساواة التامة والكاملة هى أساس المواطنة، وأن المواطنة تتحقق بمجرد العيش في وطن واحد، وأن التفرقة بين أبناء الوطن الواحد ضد شريعة الله الذي ذم فرعون لأنه مزق الشعب ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ ﴾ القصص :4 فهذه الطائفة المستضعفة هم من أهل مصر، وإن كان أجدادهم الذين قدموا إلى مصر - منذ زمن - ولدوا على غير أرضها؛ وعليه فإن الجنسية المصرية – طبقا للقرآن الكريم – يجب أن تكون حقاً لكل من عاش في أرض مصر سواء انتمى إليها بالجنس أو العرق أو الدين أو كان مختلفاً عن معظم أهلها، فالفيصل هو أن يعيش على أرض مصر، ويكون مُرحباً به من المصريين ليكون مصرياً.
    وهكذا يرفض رب العزة في تلك الأية الكريمة أى تفرقة بين البشر الذين يعيشون في مصر منذ مجيء أسرة يوسف عليه السلام لأن هذه التفرقة العنصرية أسست للاستبداد السياسى والدينى.
    وبهذا التفتيت الطبقي العنصري أمن فرعون على كرسيه من أي زحف جماهيري حاشد لانتزاعه من تحته؛ ونجحت سياسة "فرق تسد" التي ذمها القرآن الكريم، وعرفنا أنها فخ ينصبه كل حاكم مستبد ليحافظ به على كرسيه، ولكننا وللأسف إلى الآن لم نفهم الدرس فشتتنا العصبيات والعائلات والأفكار والأحزاب والمذاهب، وعدونا تتجمع ولاياته تحت علم واحد؛ وكأنه هو الذي نزل فيه قول ربنا:﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ آل عمران: 103
    3- إهدار الحقوق والحريات
    استضعف فرعون فصيل من الشعب؛ فسلب حريته وامتهن كرامته، عن طريق البطش والتهديد والوعيد والضرب بيد من حديد، على طريقة "ابطش بواحد تُرعب مئة" ﴿ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ﴾ سورة الأنفال: 57، ومن هنا كثر في قصة فرعون ذكر القتل وتقطيع الأطراف والسجن والذبح حتى للأطفال ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ سورة القصص:4، ﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ سورة إبراهيم:6وفي سورة الأعراف:141﴿ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ وعندما قال له قومه: ﴿ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ سورة الأعراف:127، فرسخ قاعدة من الخوف لا سقف لها، فهو بذلك يرسل رسالة ضمنية أنه قادر على الأسوأ فإن الأطفال والنساء لم ينجوا من قبضته الباطشة وتنكيله البغيض فما بالك بغيرهم.
    ولم يقتصر القتل والتعذيب على بني إسرائيل فحسب بل طال أبناء الشعب المصري الذي خالفوا دينه وشريعته، فعندما آمن السحرة، انطلق الوعيد والتهديد من فم فرعون قائلاً لهم ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّك ُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ سورة الأعراف:124، وفي سورة طه:71 قال ﴿ فَلَأُقَطِّعَنَ ّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَ ّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ﴾ مهدراً حرية الاعتقاد والفكر.
    كما بالغ في استضعاف بني إسرائيل مبالغة شديدة؛ فلو توقفت مع مصطلح "يستضعف" فالسين والتاء إذا جاءت في أول الفعل الماضى أفادت طلب الشىء(1)، فحين يقال: "استضعف" أى اتخذ من الوسائل ما يجعلهم ضِعافاً.
    وفي داخل كلمة "استضعف" تكثيف لسياسات اتبعها فرعون مع تلك الطائفة "المعارضة" من الإرهاب والقهر والتخويف وتلك هي سياسة كل فرعون مستبد إذ يلجأ إلى توقيع أقصى العقوبة مع المخالفين له ويجعلها علنية يشهدها الجميع لكي يرعبهم، لذا هدد السحرة بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم يعلقهم مصلوبين على جذور النخل ليجعلهم عبرة لغيرهم.
    ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّك ُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ الأعراف:142، وفي سورة طه:71، ﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَ ّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَ ّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾.
    إذن هو إستخدام القوة المفرطة لإحداث رعب داخل النفوس يجعل البشر يختارون الإستسلام والخنوع والرضا بالذل، وهو باختصار" قهر الرجال" الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" وأعوذ بك من قهر الرجال"(2).
    كما دبر من الوسائل ما جعل بها بني إسرائيل في أضعف مكانة، فأخذهم بالبأساء والضراء واستخدمهم في الأعمال الشاقة من بناء وحفر ونقل للحجارة، وكان يعطيهم أجراً زهيداً لا يكفي قوت أبنائهم، فيجعلهم يدورون في دوامة الحياة لا يخرجون منها ولو لمجرد التفكير في الخلاص مما هم فيه، والتطلع إلى واقع أفضل.
    "من لم يمت في السجن قهراً
    مات في صخب الزحام
    حتى الصغار تشردوا بين الأزقة
    يبحثون عن الطعام
    من لم يمت بالجوع منهم
    مات في بؤس الفطام(1)".
    4- تجفيف المنابع
    كان فرعون يخشى من تكتل أي معارضة ضده، وكان التكتل البشري لبني إسرائيل أكثر ما يقلقه؛ فأعدادهم في ازدياد مستمر، حتى أنه ذات ليلة – من كثرة تفكيره فيهم وخوفه منهم – رأى رؤيا فيها نار تخرج من بيوت وأكواخ بني إسرائيل تأتي إلى قصره لتحرقه؛ وبسبب هذه الرؤيا ابتدع نهجا شيطانياً، وفرض سياسةً عجيبةً ورهيبةً، تلك السياسةُ التي ينتهجها في عصرنا وكلاءُ إبليس من شياطين الإنسِ، لا لمواجهة التطرف كما يدَّعون، ولا للتصدي للإرهاب كما يُروِّجون، ولكن لمحاصرة الصحوة الإسلامية والسعي إلى إخماد جذوتِها ووأدِ نبتَتِها؛ ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ الصف:8، إنها سياسةُ تجفيف المنابعِ التي تتفاوت فيها وسائل البطش من عصر إلى عصر، ومن مستبدٍ لآخر، لكنهم يشتركون جميعاً في القتل والسجن واستباحة الأملاك والأعراض.
    أمر فرعون الأول زبانيتَه بالتربصِ لكلِّ ذاتِ حملٍ من بني إسرائيل، فلا تضعُ حملَها إلا والسِّكينُ الحادُّ في استقبالِ ولدِها، وقد كان الذبح علنياً أمام الناس، من باب المبالغة في استضعافهم وتعذيبهم نفسياً(2).
    ولجوء الطغاة إلى الذبح أو القتل أو حتى السجن سببه أنهم لا يعرفون ولاءً إلا للكرسي وكل ما وراء ذلك من - إهدار لحقوق وحريات - لا قيمة له، فالمنصب الرفيع هو حياتهم وهدفهم وكل ما يفعلونه إنما هو في الحقيقة يدور في فلك الحفاظ عليه، وكل شيء يهدد هذا فلا بد من إزالته وقطع دابره حتى لو قُتل نصف الشعب، - لا والله - بل حتى ولو قتل الشعب كله، وما فعله ملك أصحاب الأخدود ليس منكم ببعيد.
    5- هتك الأعراض
    عدّ الله استحياء النساء من الجرائم التي فعلها فرعون أثناء فترة حكمه، رغم أنه بمفهوم المخالفة لقوله ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ القصص:4 أنه كان يستحي نساءهم؛ لكن عندما يذكر الله استحياء فرعون للنساء فتلك إشارة إلى أن فرعون كان يتعمد إبقاء نساء بني إسرائيل أحياء لعلل منها:
    اذلالهن، وامتهانهن، وهتك أعراضهن، إذ كان لا يرعى لهن حرمة، ولا يُبقى لهن على حياء!.
    واضافة إلى هذا تركهن أحياء بعدما قتّل الذكور لئلا تجد النساء كفايتهن من الأزواج، فيطلبن قضاء إربهن بالزنا، فكلما قل الرجال وكثر النساء على هذه القاعدة، كثر الزنا وشاعت الفاحشة، وكلما شاعت الفاحشة واتسعت دائرة الزنا، وفشت الدعوة إليه والمغريات به، كلما ماتت صفات الرجولة وانحلت الأخلاق وذل الرجال، وضعفت الأمة عن كل عمل جدي صالح، واندفعت في تيار الفجور تبذل كل جهدها المادي والمعنوي لإشباع الشهوات الحيوانية.
    فإن لم تفلح هذه المحاولات عرّضهن لما يخدش حياءهن أو يجرحه، فتستدعي المرأة حياءها حين تُوَاجه بما تنكره الحرّة وتأباه العفيفة، فمن كانت جميلة اتُّخذت غصباً للمتعة، ومن كانت غير ذلك اتخذت للخدمة؛ لذا "لم يقل الحق تبارك وتعالى يذبحون أبناءكم ويستحيون "بناتكم" بدلا من قوله يستحيون نساءكم!، فهو يريد أن يلفتنا إلى أن الفكرة من هذا هو إبقاء عنصر الأنوثة يتمتع به آل فرعون؛ لذلك لم يقل بنات ولكنه قال نساء، أي أنهم يريدونهن للمتعة وذلك للتنكيل ببني إسرائيل، ولا يقتل رجولة الرجل إلا أنه يرى الفاحشة تصنع في نسائه"(1)، ولأن مفهوم ﴿ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ ﴾ واسع فضفاض؛ فمن الممكن أن يكون استبقاؤهنّ أحياء - أيضا - للضغط على الآباء والأبناء والأزواج والإخوة من خلال النسوة، فالمرأة نقطة ضعف لأهلها، وما يخشى الناس شيئاً قدر ما يخشون على أعراضهم أن تُنتهك، لذا يستجيبون لأي أمر مقابل حفظ أعراضهم.
    إنها فكرة شيطانية ابتدعها فرعون الأول وصار عليها الفراعنة من بعده، فسمعنا ورأينا من هُدِد باغتصاب بناته أو زوجته إن لم يسلم نفسه للجهات الأمنية أو أن يقر بما جاء في التحقيقات الملفقة أو يعترف في فيديوهات بما لم يفعله.
    أبرز معاوني فرعون على تنفيذ سياساته
    لقد وصف الله فرعون في القرأن الكريم قائلاً:﴿ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ القصص:4، لاحظ لم يأت التعبير القرآني بلفظ فاسد – وهو فاسد بلا مراء – ولكن جاء التعبير القرآني بلفظ (مفسد) وهذا من دقة اللفظ القرآني، لقد اختار هذا الطاغية منهجية الإفساد في الأرض لتكون دستور حكمه، فمثل هذه الشخصية المريضة بداء الفساد لا تستطيع أن تعيش في جو صحي أبداً، فلابد من إفساد البلاد، وإفساد العباد.
    إن دقة التعبير القرآني المبهر تغوص بك من بلاغة التركيب إلى بلاغة الدلالة اللفظية، فجملة ﴿مِنَ الْمُفْسِدِينَ تضيف لنا معنىً جديداً ألا وهو تمكن الفساد وتجذرة في أعماق هذا الطاغية؛ ولم أجد في كتاب الله فرداً واحداً وصفه الله بهذا الوصف، واتهمه بهذا الاتهام إلا فرعون؛ والفاسد إذا اعتلى منصباً في دولة، فإن الفساد يتجذر فيها، لأنه سيسلك مبدأ تطهير المؤسسات من المصلحين! فالإصلاح والإفساد، ضدان كالحق والباطل، لا يجتمعان حتى يتصارعا، وفرعون لا يريد صراعاً مع أحد، فانتقى كل من حوله على شاكلته، يفكرون كما يفكر، وينطقون بما يريد، فهو إمامهم وقائدهم وملهمهم، وقد رصد لنا القرآن بعض أسماء وصفات معاونيه؛ وهؤلاء هم حُماته، ومثبتي عرشه من الاهتزاز، وهم دوماً قلة ولكنهم يساعدون الطاغية على البقاء في مكانه ويسيطرون على البلد كلها ويجعلونها رهن إشارته، هؤلاء القلة ينتفع في كنفهم المئات يفسدونهم مثلما أفسدهم الطاغية، ثم هؤلاء المئات يتبعهم بضعة آلاف تابع يوكل إليهم مناصب الدولة؛ وما أطول سلسلة الأتباع بعد ذلك!
    فهم تماما كالبرك والمستنقعات، تتداعى عليها الهوامّ والحشرات، وتتوالد وتتكاثر في أعداد لا تعدّ ولا تحصى، فمن أراد التسلي بأن يتقصى هذه الشبكة لوسعه أن يرى لا أقول آلاف، ولا مئات الألاف بل يرى الملايين، ربطهم فرعون بحبل واحد يسوقهم به حيث شاء، وهم من باتوا يعرفون الآن بـ "الدولة العميقة" ورموزها على النحو الآتي:
    1- "الملأ" كبار رجال الدولة.
    إن من الثابت لدينا أن هناك طبقة كانت مميزة تحيط بفرعون، وتلعب دور البطانة الخاصة، تلك الطبقة التى عبر عنها القرآن بوصف الملأ...
    والملأ هم الموظفون "الملكِيون" – قادة المؤسسات الكبرى - في العاصمة والأقاليم الذين وصلوا إلى قمة النظام الإداري والعسكري والديني والإعلامي؛ وأهمّ ما يميز هذه الطبقة السيادية هو إخلاصهم الشديد لفرعون وتفانيهم في إرضائه وطاعتهم لأمره واتباعهم له، ويقال لهم: «ملأ»؛ لأنهم هم الذين يملؤون العيون، أي: لا ترى العيون غيرهم لكثرة ظهورهم على الفضائيات والصحف والمجلات، وترديد كلامهم بين الشعب، لذا كانت الرسالة موجهة إلى فرعون وملئه
    ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ الاعراف:103
    فلولا الملأ ما كان فرعون، ولكل فرعون ملأ يصنعونه، ولن يجد فيهم من يقول له: تَعقَّلْ؛ ولو وجد من يقول له ما تركهم في مناصبهم طرفة عين.
    ويعمل تحت إمرة الملأ– رجال الصف الثاني - قائمة لا تنتهي من المنتفعين وأصحاب المصالح الذين لا يبحثون إلا عن منفعتهم فقط ﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾ الأعراف:113
    وطبقة الملأ الفاسد متواجدة في كل زمان ومكان، انظر ماذا قالوا لسيدنا نوح عليه السلام ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ الأعراف:60.
    وفي قصة قوم هود عليه السلام ستراهم يصدون وهم مستكبرون ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ الأعراف:66.
    وستجدهم حاضرين بقوة في قصة صالح عليه السلام:﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ الأعراف:76.
    وهاهم ينهون الناس عن اتباع نبي الله شعيب عليه السلام:﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ الأعراف:90، وما فعلوه مع آخر الأنبياء محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ ص:8.
    ولما كان فرعون ليس كأي طاغية آخر، كان ملأوه أيضاً ليسوا كأي ملأ ! فقد أرسل إليهم موسى كما أرسل لفرعون سواء بسواء ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ المؤمنون:46، "وإنما جعل الإرسال إليهم دون بقية أمة القبط لأن دعوة موسى وأخيه إنما كانت خطاباً لفرعون وأهل دولته الذين بيدهم تصريف أمور الأمة لتحرير بني إسرائيل من استعبادهم إياهم"(1).
    لقد كانوا أسوأ بطانة لأسوأ حاكم عرفته البشرية، هم الذين صنعوا لفرعون بطانة من خليط واسع يضم سحرة وشعراء، وأغنياء وأغبياء على حدٍّ سواء؛ صنعوا هذه البطانة لـ "تهلّل وتزمّر" لفرعون، وتمدح وتمجّد فيه، حتى غرته نفسه وأخذ جنون العظمة منه مأخذاً، فنصب نفسه إلهاً للناس ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ القصص: 38، كما سَخروا في سبيل تلميع صورته الألسن والأقلام وجعلوا ذكره على كل لسان ﴿ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ لشعراء:44.
    كما عيّنوا له على رأس أولئك المؤلّهين له - فعلا أو قولاً - علماء الدّين وشيوخ المعابد، ممّن يبيعون دينهم بعرضٍ من الدّنيا قليل، أو ممّن أعماهم هواهم، وأضلّهم عنادهم فباعوا دينهم بدنيا غيرهم(2).
    كما كان ملأ فرعون أول من شنع بموسى عليه السلام فاتهموه بأنه ساحر ﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ الأعراف:109، وأنه جاء ينفذ مخطط الأعداء لأخراج أهل مصر من أرضهم ﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ﴾ الأعراف:110، فاستعْدَوا عليه فرعون
    ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ﴾ الأعراف:127، وهم أشاروا عليه بكيفية مواجهة دعوة موسى ﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ الأعراف: 112، ثم وصل بهم الأمر إلى حد الإقدام على تصفية موسى جسدياً !! ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ القصص: 20.
    ولا تعجب إن رأيت هناك تشابهاً بين أخلاق ملأ فرعون وأخلاق فرعون؛ فماذا يتوقع ممن عاش مع هذا المستكبر الذي وصفه ربه بقوله ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾؟! بالطبع أصابتهم العدوى ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ﴾ المؤمنون:46، وماذا يتوقع ممن عاشوا في كنف من يقول: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ النازعات: 24 ومن قال ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ القصص:38 ؟! بالطبع أصابتهم العدوى الكبر والغرور فقالوا: ﴿ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾(1)المؤمنون: 47.
    بل لا تعجب أيضاً إن رأيت هناك تشابهاً بين ملأ عصرنا وملأ سلفهم الغابر؛ فلكل عصر ملؤه، وملأ هذا العصر أكثر قوة، وأوسع انتشاراً وتغلغلاً، وأكثر نفوذاً وتحكماً، وما أمر حاشية السوء لفراعنة هذا العصر منا ببعيد ..
    فالدولة كلها مسخرة لأهواء وأطماع وشهوات ونزوات هذه الفئة، والفارق بينهم وبين الملأ الأول، أن السابقين كان إلاههم هو فرعون نفسه، أما اليوم فإلاههم هو المنصب والمال، وفرعون عصرنا ما هو إلا وسيلة للتقرب لهذا الإله !
    فإذا هلك فرعون العصر فلن يهلك معه ملؤه، لأنهم سيغيرون جلودهم وأقنعتهم، ويتحولون إلى أتباع الحاكم الجديد! وسيكونون أتباعه المخلصين، وسيهتفون حينها: مات الملك.. عاش الملك !
    ولا عجب، فقد أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء الذين عبدوا المنصب وعبدوا المال فقَال:((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ))(2)
    2- هامان "الإرادة السياسية".
    هامان كانت له سلطة حربية إلى جانب سلطته المدنية نفهم ذلك من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ القصص:8، فكما كان لفرعون جنوده، فقد كان لهامان جنوده أيضاً؛ وبوضوح أكثر فإن فرعون كان هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، بينما كان هامان هو القائد العام لها.
    أما عن سلطته المدنية فتتضح من تكليف فرعون له بأن يبني له صرحاً ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعلى أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾ غافر:36 وقوله أيضاً: ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعلى أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ القصص:38، فرتبته العسكرية تخِّول له القيام بالمشروعات المعمارية الهندسية، وهذا هو نظام الحكم في الدول العسكرية حتى الآن، إذ يقوم فيها الجيش بمعظم المهام، التي هي من الأساس خارج مهامه.
    إذاً "هامان" هو تجسيد للإرادة السياسية لفرعون، وذراعه الأيمن، كما أنه رمز للحكومات المستبدة الفاسدة التي تسخر كل ثروات الوطن ومقدراته لخدمة رغبات الفرعون، ولا علاقة لها بآمال الشعب وتطلعاته(1).
    3- قارون "طبقة الرأسمالية".
    وكان من أكبر معاوني فرعون على تنفيذ سياسته الظالمة الفاسدة، "طبقة الرأسمالية" من رجال أعمال، ومستثمرين كبار، وكان على رأسهم بالطبع قارون.
    ورد ذكر قارون في موضعين من القرآن مرتبطاً بفرعون وهامان، لنفهم أنه من كبار أتباع فرعون الذين كذبوا بموسي عليه السلام، رغم أن القرآن ذاته قد ذكر أنه من بني إسرائيل، بل وكان من أتباع موسى لفترة من الفترات !
    فقد قال الله عنه:﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ﴾ القصص:76، ولكنه "كَانَ" لنفهم أنه تمرد وانتكس، ورمى نفسه في أحضان نظام فرعون، وتقرب منهم شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى طبقة الملأ الفاسدة، بل وصار ثاني اثنين فيها، لذا جاء اسمه ملاصقاً أحياناً إلى اسم هامان
    ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ غافر:24، فقد استخدم أمواله في الصد عن سبيل الله، وعرقلة دعوة موسى، ونشر الفساد في المجتمع، وسنتعرض لهذه الأحداث بالتفصيل ضمن أحداث الكتاب إن شاء الله.
    إذاً "قارون" هو رمز لطبقة نسيت كافة الأخلاق وبغت على الناس بأموالها، وتسلطت عليهم بقربها من مركز الحكم، فكنزت الأموال وجمعتها بأعمال تبدو أنها شرعية.
    4- جنود فرعون "الدولة البوليسية".
    استطاع فرعون بدولته البوليسية أن يزرع الخوف والفزع في الشعب، ولقد تعجبت كثيراً من تسليط القرآن الضوء على جنود فرعون في كل تحركاته، وبعد تأمل ومدارسة وجدت أن المولى سبحانه وتعالى يلفت الأنظار إلى إحدى السنن الحضارية الخطيرة التي تؤثر في شخصية المجتمعات وتبني مفاهيمها، إذ لولا الجنود لما استطاع الظلمة أن يتجبروا في الأرض، وأن يبنوا عالمهم الدميم المزدحم بكل ما يحط من كرامة الإنسان ويحارب الرحمن.
    فالجنود هم الأذرع الطولى التي تقيم أركان الظلم وتبطش بالمعارضين؛ فسياسة الأنظمة الظالمة الفاسدة - طيلة العصور - في توطيد وترسيخ دعائمها تعتمد على العسكر لإرهاب المواطنين واستذلالهم؛ فقد كان التدخل العسكري في حل كل مشكلة من مشاكل الدولة؛ والسيطرة على أية معارضة قد تنشأ من فصيل داخل الشعب هو أبرز ما في نظام فرعون، مما أدى لانتفاش الجنود واستكبارهم على الشعب المسكين كاستكبار فرعون سواء بسواء فقد قال الله عنهم:
    ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إلينا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ القصص:39.
    ولقد كانت تحركات فرعون وهامان دائما بهذه الترسانة العسكرية لفرض الهيبة ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ القصص:8
    ولذلك فإن عسكر فرعون قد صحبوه إلى نهايتة ﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ طه: 79.
    5- آل فرعون "مؤسسات الدولة".
    سمى الله النظام الحاكم بجميع مؤسساته وسلطاته المتنوعة بـــ "آل فرعون" فقال: ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُ مْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ سورة الأنفال :54.
    لذا كان هذا النظام واضحًا لدى موسى - عليه السلام - عندما توجه بالدعاء، فلم تشغله شخصية فرعون وحده برغم مالها من مركزية بل دعى عليه وعلى جميع أفراد نظام حكمه وقادة مؤسسات دولته ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ يونس:88.
    ذلك أن فرعون لا يفعل كل الجرائم بيديه وإنما عبر مؤسسات دولته ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾ إبراهيم:6.
    ومؤسسات أي دولة ظالمة تُسبح بحمد قائدها، فترى أخطاؤه تخطيطاً لمستقبل الشعب، وعثراته دفعة للأمام، وهم مختارون بعناية فإن "الجهة المستبدة تكون مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الفرّاش وكنّاس الشوارع، ولايكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً؛ حتى يكون أسفلهم طبعاً أعلاهم وظيفة وقرباً، لأن الأسافل لايهمهم جلب محبة الناس وإنما غاية مسعاهم اكتساب ثقة المستبد"(1)، ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾. الفجر:11
    إذا فليعلم من يريد إصلاح أمر البلاد والعباد – موسى كل عصر - أن عليه مواجهة جنود فرعون، ودولة هامان، وأموال قارون، ومؤسسات الدولة متجذرة الفساد، فلا إصلاح إلابمواجهتهم ولامناص من المواجهة، لأن العداء بينهم وبين المصلحين أبدي مهما تغيرت الأحوال، ومهما تبدلت الأماكن ومهما ادعوا أنهم يريدون الخير للناس، سيظلوا هم أصل الباطل وأبواقه، كما عليه أن يعلم أنه لا بقاء لفساد، ولا بقاء لباطل مهما اجتمعت لنصرته الجيوش وساندته الكتب والنشرات.
    وتبدأ الملحمة
    وتبدأ ملحمة الصراع بين الحق والباطل، ورمز الباطل هنا فرعون الذي يدير به إبليس معركته الأزلية مع الحق مستخدماً منصبه وقوته ونفوذه؛ وواقع الحال الآن هو أن فرعون يفعل خمسة أشياء:
    1- ﴿ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ ويريد أن يستمر في علوه ومكانته.
    2- ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ حتى لا تقوى شوكتهم.
    3- ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ وهي بني إسرائيل.
    4- ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ حتى لا يولد النبي المنقذ.
    5- ﴿ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ حتى تفسد أخلاقهم وينحرفوا.
    وكل سلطات الدولة تخدم أهدافه الخمسة؛ فالسلطة التنفيذية هو رأسها، والسلطة الدينية هو ربها، والسلطة العسكرية هو قائدها، والمنتفعون هو وجهتهم، ولم يتخيل أحد أبداً أن هذا الطاغية سيزول ويهلك كغيره من الطغاة، فهذا الأمر لم يطرح أبداً للمناقشة ولم يسمح به حتى في الخيال...
    وفي هذا الجو الكابوسي الخانق... وبين ظلامات اليأس...
    ولما بدأ الوهن يدب في القلوب... واقتربت النفوس من هاوية القنوط...
    أتى نصر الله ليستنقذ الناس من هاوية الكفر...
    إنها سنة إلهية غفل عنها كثير من الناس، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ يوسف:110، وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ البقرة: 214، هذا النصر لم يكن لغير الله فيه فضل فموسى – الطفل الرضيع- سيكون خصماً في المعركة التي سيديرها الله عز وجل ليقضي به على فرعون وينهي به خطته، وسيفرض الله به إرادته الخماسية أيضاً فيقول:
    1- ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بالحق الذى معهم
    2- ﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾ بالثبات على الحق
    3- ﴿ وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ للعرش والملك
    4- ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ في كل مكان
    5- ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ(1) وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ فتكون نهايتهم على أيديهم.
    ولا زالت دوائر التشابه والتشابك تتداخل وتتلاقى في أحداث هذه القصة قديمًا وحديثًا ففرعون كان يخاف ويحذر من الطفل الذي سيخرج من بني إسرائيل ويزيل ملكه؛ ففعل ما فعل حتى يتجنب ذلك، فما أغنى عنه حذره، ولو نظرت الآن لوجدت أن كل فرعون حتى يومنا هذا ليس عنده كابوس مقلق سوى الشباب، لأن هذه الفئة هي الأمل، وعلى أكتافها سيكون التغيير، لذا قرروا أن يذبحوهم .. ولكن بسكين جديد لا يسيل دماً
    فلو كانوا قديماً يذبحونهم بالسكين، فاليوم يذبحونهم بإلاهاء التضليل ..
    فتحوا لهم كل سبيل للشر، وأوصدوا دونهم طرق الخير..
    كبَّلوا الدعاة إلى الله .. وأطلقوا السفلة والمجرمين، ينسفون كل فضيلة، ويغرسون كل رذيلة... وآلات الإفساد والإلهاء تدور ليل نهار، بلا كلل ولا ملل لتحقيق هذا الغرض ..
    ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ التوبة:32، وهكذا يعلن الله إرادته; ويتحدى فرعون وهامان وجنودهما، بأنه سيحققها رغم أنوفهم؛ لا بحرب عسكرية، ولا بإبادة جماعية؛ وإنما بطفل حملت أمه في نفس العام الذي رأى فيه فرعون الرؤيا، وسيولد في نفس العام الذي يقتل فيه الآلاف من الأطفال الذكور ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ يوسف:21
    وها نحن نرى القوتين مصطفتين أمام أعيننا وجها لوجه، قوة فرعون المنتفشة المنتفخة التي تبدو للناس قادرة على فعل أي شيء؛ وقوة الله الحقيقية الهائلة التي تتهاوى دونها القوى الهزيلة التي ترهب الناس !
    ويرسم بهذا المشهد مسرح القصة قبل أن يبدأ القرآن في عرضها، لتبقى والقلوب معلقة بأحداثها ومجرياتها من واقع الحال، وما ستنتهي إليه من وعود ربانية ستحدث في المآل, وكيف ستصل الأحداث إلى تلك النهاية التي أعلنها ربنا قبل البدء في أحداث القصة ؟.
    ومن ثم تنبض القصة بالحياة; وكأنها تُعرض لأول مرة ..
    تبدأ الأحداث بمشهد أم بسيطة من عوام بني إسرائيل ترى رؤيا، أنها ستلد طفلاً حياته - فور ولادته - محفوفة بالمخاطر والأزمات، وما عليها سوى أن تلقيه في اليم عندما تشعر عليه بالخوف!
    فما الذي سيحدث ؟
    وما هي التدابير الأمنية التي ستتخذها هذه الأم العظيمة للمحافظة على ولدها ؟
    وما قصة أخته الفدائية صاحبة الحس الأمني العالي ؟
    وما هو دور آسية زوجة فرعون في تلك الأحداث ؟
    ومن هم شيعة موسى الذين كان يلتقي بهم سراً في المدينة ؟
    ولماذا اختار موسى مدّين دون بقية البلدان للهروب إليها ؟
    ولماذا قرر موسى العودة إلى مصر بعد سنوات من الغياب ؟
    هذا ما سنتابعه عن قرب – إن شاء الله - في ضوء أحداث الفصل الثاني من هذا الكتاب.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •