السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسَّلام على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أتمنَّى لكم من كلِّ قلبي مزيدًا من التقدُّم والازدهار في حياتكم العلميَّة والعمليَّة، وشكرًا جزيلاً للخدمات التي تقدِّمونها في هذا الموقع الراقي، أعانكم الله، وجعَلَها في ميزان حسناتكم.

أولاً: أنا فتاة مسلمة محجبة ملتزمة، ولكن كنت – وللأسف - لا أصلِّي، أو أصلي في بعض الأحيان، وأقطع الصلاة، وقبل عامٍ هداني الله، وأرشدني برحمته إلى الطريق الصحيح والسويِّ، وصرتُ ألتزم بصلاتي، ولا أقطعها أبدًا، وأصلِّي النوافل، وابتعدت عن كل ما هو محرَّم؛ من سماع الأغاني، ومشاهدة المسلسلات، ولكن للأسف عدتُ إلى كلِّ تصرفاتي المخزية؛ من سماع أغان، وللأسف لم أعد أصلِّي صلاتي في وقتها؛ إما أن أجمع الصلوات كلها وأصلِّيها، أو أتركها، وأقضيها فيما بعد، ويا ليتني أقضيها؛ فكل يوم أقول: إنني سأقضي صلاة أمس، ولا أفعل، حتى صرتُ أكتب الصلوات التي لم أقضِها في دفتر.
وكل هذا عندما أرجعنا (النت) إلى البيت في عطلة الصيف، فصرتُ أقضي معظم يومي أُبْحر فيها حتَّى إنني لا أستخدمها في أشياء نافعة إلا قليلاً؛ مثلاً كتَنْزيل دروس أو قرآن، بل أستخدمها للمشاركة في المنتديات، والله العظيم إنني أكره نفسي لهذا، ولم أعد أطيقها، مع أنني أحاول دائمًا سماع القرآن، وأدعو الله أن يعيدني إلى الطريق الصحيح، أرجوكم دلُّوني على أسرع طريقة للعودة إلى الطريق الصحيح الذي كنتُ أحسُّ فيه بكلِّ راحة وطُمَأنينة على عكس الآن، دائمًا أحسُّ بالضجر والملل.

أرجو أن تجيبوا عن أسئلتي في أقرب أجَل؛ لأنني - إن شاء الله - لن أستعمل النت لمدة 9 أشهر، أو قد لا أستعمله مطلقًا، أسألكم الدعاء لي أن يهديني الله وأتوب، ويغفر لي، وشكرًا جزيلاً.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أهلاً بكِ عزيزتي، وشكرًا لكِ على كلماتك اللَّطيفة، وأمنياتك الطيِّبة للألوكة.

كلنا نتمنَّى الهداية، وأن يجعَلَنا الله طائعين عابِدين لله، لا نضيع فَرْضًا، ولا نُهدر وقتًا، ولكنْ قليلٌ مِنَّا مَن يكون كذلك فعلاً، والأسباب كثيرة، وتتنوَّع ما بين نفسنا الأمَّارة بالسوء، ووساوس الشيطان، والملهيات والمشاغل التي تَشْغلنا عن الطاعات، وغالبًا حتى الفرائض.
هناك قاعدة فقهية تقول: "ما لا يُدْرَكُ كلُّه لا يُتْركُ جلُّه"، ومعناها: أنه إذا تعذَّر حصولُ الشيء كاملاً، وأمكن المُكلَّفَ فعْلُ بعضه، وجب عليه فعلُ المقدور عليه.
لقد قلتِ: إنَّكِ كنتِ لا تصلِّين، وإن صلَّيتِ تقطعي الصلاة، ثم اهتديتِ وحافظتِ على الصلاة والنوافل معها، وترَكْتِ سماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات، وابتعدتِ عن كلِّ ما هو محرَّم.
والآن عدتِ من جديد، وهذا ليس بغريب؛ لأنَّ الإنسان حين يترك أمرًا ما فجأة، وبدون قناعة داخليَّة قويَّة وأصيلة، تقوِّي وتدعم هذا التَّرك، سيعود إليه بسهولة.
وأنتِ تركتِها كلَّها مرَّة واحدة، ولم تَشْغلي الوقت الذي كان يضيع فيها؛ مما سهَّل عليك العودةَ إليها من جديد!
عزيزتي، ما تريدينه جميلٌ وصادق، ولكن لا تجعلي ترْكَكِ لهذه الأمور قسريًّا وجبريًّا؛ حتى لا يتكرَّر ما حصل معكِ؛ بل اجعليه عفويًّا وصادقًا، بالتأكيد أنكِ تتساءلين: كيف ذلك؟
سأخبرك: حين يكون القلبُ معتادًا على سماع ألحانٍ معيَّنة تمنحه الهدوء والسَّكينة حين يحتاج إليها، وأخرى تبعث فيه الحماس، وثالثة تبعث فيه القوَّة والإصرار... وهكذا، ثم يأتي فجأةً ويختفي كلُّ ذلك؛ فإنَّ القلب سيفتقده طبعًا، وسيشعر بالفراغ؛ لأنَّ ما كان يبعث فيه ما يحتاج إليه من قوَّة وحماسٍ وهدوء وسكينة اختَفى، ستقولين لي: لو استمعَ للقرآن فسيكفيه ويُغنيه عن غيره!
معك حقٌّ، ولكن هذا مجرَّد كلام، فالواقع يقول لنا العكس، فنحن نستمع للقرآن ونحفظه ونردِّدُه، ولكنه لا يترك علينا ذاك الإحساس الذي يعطينا إياه الغِناء!
لأننا لا نعي ما نسمع ونَقْرؤه من كلمات، نحن نردِّدُ بلا فَهْم، ونسمع بلا وعي؛ فالقرآن لا يتجاوز الآذانَ والأفواه، ولا يصل للقلوب.
هل سألتِ نفسك يومًا عن عدد حفَظةِ القرآن في عصرنا هذا؟ مئات؟ آلاف؟ عشرات الألوف؟ ربما أكثر من ذلك بكثير؛ ففي كلِّ بقعة في العالَمِ، وفي كل دولةٍ، تجدين دُور تحفيظ القرآن، يخرج منها الطالب والطالبة حافِظَين لكتاب الله.
أمَّا قديمًا، في بدايات الدولة الإسلاميَّة، فكان عدد حفظة القرآن قليلاً، ولكنهم كانوا لا يتجاوزون الآيات العشر حتَّى يُقِيموا حدودها، ويأتمروا بأوامرها، وينتهوا بنواهيها.
استيعابهم للقرآن، وفَهْمهم له، جعله نورًا يمشون به طوال حياتهم، وهذا ما ينقصنا الآن؛ فنحن وإنْ حَفِظنا بعضَ الآيات، إلاَّ أننا لا نفهم معانيها.
الآن عليكِ أن تبدئي شيئًا فشيئًا، ولا تستعجلي؛ حتَّى لا تنتَكِسي وتعودي، أهمُّ أمرٍ هو الصلاة، حافظي عليها، ولا تتركيها أبدًا؛ فهي ميزان حياتك، وأساسُ قَبُول عمَلِك، فكما قال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((العَهْد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمَن ترَكَها فقد كفر))؛ حديث صحيح، اقرئي في معاني أذكار الصلاة، وتدبَّريها، واستشعِريها أثناء قولك لها؛ فتدبُّرها واستيعابها يساعد على الخشوع وتعلُّق القلب بالله.
حافظي أيضًا على النوافل؛ لأنَّها تَجْبر النَّقص الحاصل في الصلاة، فإن شَعرْتِ بالفتور أو الملل ترَكْتِ النوافل، ولكنكِ لم تتركي الفرض، كما حصل معكِ من قبل.
أثناء اعتيادِك على الصلاة وتمسُّكِك بها، اجعلي لكِ وردًا من القرآن، حتى ولو صفحةً واحدة، تقرئينها كلَّ يوم مع تفسيرها؛ لأنَّ التفسير يعمِّقُ المعاني في القلب، ويجعل قراءتنا للقرآن مختلفة، ويزيد خشوعَكِ إن أنتِ قرأتِها في الصلاة.
ثم صلِّي الوتر، ركعةً واحدة قبل النوم؛ تَزِدْ من صِلَتك بالله، وتجعَلْ قلبك معلَّقًا ومؤمنًا بربِّه سبحانه، وكلما زادت الركعات، ازدادَ قلبك إيمانًا، وعَظُم قدْرُك عند الله، وكما قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - في الحديث الصحيح: ((أتاني جبريل،فقال: يامحمَّد، عشماشئتَ فإنكميِّت،وأحبِ بْمنشئتَ فإنكمفارقه،واعم لماشئتفإنكمَجْز يٌّبه،واعلمأنَّ شرفالمؤمن قيامهبالليل،وعِ زَّهاستغناؤهعنا لناس)).
وأذكار الصباح والمساء تحميكِ من شياطين الإنس والجنِّ، اقرئيها بتدبُّر وتأمُّل وتركيز، واقرئي تفسيرَها ومعانِيَها؛ لتستشعري عظيم نعمة الله علينا أنْ جعلَ لنا حصانةً من كلِّ الأذى الذي قد يصيبنا.
هكذا عزيزتي شيئًا فشيئًا يمتلئ قلبُكِ بالإيمان، وتصبح هذه الأفعال عفويَّة صادقة، وليست جبريَّة ظاهرة.
وأهمُّ أمرٍ هو أن تتعاهدي قلبك، وتُراقبي إيمانك تمامًا كما تراقبين وزنك، فالصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يتعاهدون الإيمان في قلوبهم؛ كي لا يقلَّ أو ينقص.
أمَّا (الإنترنت) فهو أمرٌ مفيد ومهم جدًّا، ومع الوقت - إن لم يكن الآن - ستكون الحياةُ بدونه مستحيلةً، والحلُّ لا يكون في الانقطاع عنه تمامًا؛ بل يكون في أن نتعلَّم كيف نستخدمه بعقلٍ وحكمة، نأخذ النافع المفيد، ونترك الضارَّ السيِّئ، فدرِّبي نفسك على دخول المواقع المفيدة كالألوكة وما شابَهَها، وامنعي نفسك عن كلِّ المواقع السيئة، ويمكنك استخدامُ برنامج المراقبة الوالديَّة الموجود في الجهاز أو ما شابَهه؛ ليكون مانعًا وحاميًا لكِ من الوقوع في الخطأ.

أسأل الله أن يهديك ويَرزُقَك الرشاد والصلاح.
وتابعينا بأخبارك دائمًا.




http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz4OTE8AYZM