من المعلوم لدى طالب العلم أن الدارقطني من كبار حفاظ الحديث وجهابذته ، وشهد له القاصي والدني ، والصور الدالة على حفظه وعلمه لا تحصى ، ويكفي في الدلالة على مكانته وعلمه وحفظه كتابه " العلل " وغيره ، لكني أحببت - هنا - أن أنقل هذه الصورة للتذكير فحسب .

قال الحافظ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" 1 / 339 - 341:
فرع : اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه ، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني .
وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق الضبعي يقول : حضرت ، ولا يقول : حدثنا ، ولا أخبرنا .
وجوَّزه موسى بن هارون الحافظ .
وكان ابن المبارك ينسخ وهو يُقرأ عليه .

وقال أبو حاتم - ( قلت - أبو مالك المديني - هو الرازي وليس البستي كما وهم الشيخ شاكر رحمه الله ، وانظر مقدمة الجرح ( 367 ) ، والكفاية للخطيب البغدادي - ) : كتبت حديث عارم وهو يقرأ ، وكتبت عند عمرو بن مرزوق ، وهو يقرأ .
وحضر الدارقطني وهو شاب ، فجلس إسماعيل الصفار وهو يملي، والدارقطني ينسخ جزءا ، فقال له بعض الحاضرين : لا يصح سماعك وأنت تنسخ ! فقال : فهمي للإملاء بخلاف فهمك ، فقال له: كم أملى الشيخ حديثا إلى الآن؟ فقال الدارقطني : ثمانية عشر حديثا ، ثم سردها كلها عن ظهر قلب - بأسانيدها ومتونها - فتعجب الناس فيه . والله أعلم.
( وفي الأصل - مقدمة ابن الصلاح - : فَعُدَّتِ الْأَحَادِيثُ فَوُجِدَتْ كَمَا قَالَ . ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ( أي الدارقطني ) : الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْهَا عَنْ فُلَانٍ ، عَنْ فُلَانٍ ، وَمَتْنُهُ كَذَا . وَالْحَدِيثُ الثَّانِي ، عَنْ فُلَانٍ ، عَنْ فُلَانٍ ، وَمَتْنُهُ كَذَا ، وَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ أَسَانِيدَ الْأَحَادِيثِ ، وَمُتُونَهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْإِمْلَاءِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهُ )
وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزّي -تغمده الله برحمته- يكتب في مجلس السماع وينعُس في بعض الأحيان ، ويرد على القارئ ردا جيدا بينا واضحا ؛ بحيث يتعجب القارئ من نفسه ؛ أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ ، والشيخ ناعس وهو أنبه منه! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. اهــ