بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: يظن الكثير أن علامة الحق أن يكون عليه الجمهور أو أن يكون مذهبا لأصحاب الكراسي والقصور أو أن يقول به كبير ومن تأمل قصة الخليل تبين له كل تزوير أتى به كل دعي وإن لقب بالعلامة والنحرير قال تعالى :قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُقِيلَ لَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ هَهُنَا فَتًى يَعْنُونَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدَعُوا الرَّأْيَ فَقَالَ سُفْيَانُ جَزَى اللَّهُ هَذَا مِنْ فَتًى خَيْرًا ثُمَّ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هدى) وجاء في تاريخ بغداد عن عبد الله بن مصعب قَالَ: كنت عند الرشيد فقال له بعض جلسائه في مُحَمَّد بن عبد الله المخزومي: هو حدث السن وليس مثله يلي القضاء، فقلت ولا يضيع فتى قريش في مجلس أنا فيه، فأقبلت عليهم وقلت لهم: فهل عاب الله تعالى أحدًا بالحداثة والله تعالى يقول: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ
، وأمير المؤمنين حديث السن، أفتعيبونه عَلَى ذلك؟ فقال الرشيد: صدق، وصوب قوله وأقر المخزومي على القضاء.
وهذ الخليل عليه السلام عرف الحق وهو شاب وغاب عن الشيوخ من قومه قال تعالى:يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّاقال القاسمي : قال المهايميّ:
أي وإن كان حق الأبن اتباع الأب في العرف، لكنه باطل. لأن الحق اتباع الصواب.
وقال عليه السلام : يَا سَارَةُ: لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ.فيا من غرته الكثرة أما لك في هذه القصة عبرة .
وقال تعالى :أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فالملك حمل هذا الطاغية على الكفر والمحاجة عن مذهبه الفاسد بالباطل وهذا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام يقطع هذا الظالم بسيف الحق وإن كان ملكا والخليل عليه السلام مستضعفا.
قال ابن القيم رحمه الله :مَا قَالَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَغَيْرُهُ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُ كُنَّا، وَلَا نَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُمْ وَفَّوْا بِهَذِهِ الْبَيْعَةِ، وَقَالُوا بِالْحَقِّ، وَصَدَعُوا بِهِ، وَلَمْ تَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَلَمْ يَكْتُمُوا شَيْئًا مِنْهُ مَخَافَةَ سَوْطٍ وَلَا عَصًا وَلَا أَمِيرٍ وَلَا وَالٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ مِنْ هَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ، فَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْكَرَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى الْحَجَّاجِ مَعَ سَطْوَتِهِ وَبَأْسِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا مِنْ إنْكَارِهِمْ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْوُلَاةِ إذَا خَرَجُوا عَنْ الْعَدْلِ لَمْ يَخَافُوا سَوْطَهُمْ وَلَا عُقُوبَتَهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، بَلْ كَانُوا يَتْرُكُوهُ كَثِيرًا مِنْ الْحَقِّ خَوْفًا مِنْ وُلَاةِ الظُّلْمِ وَأُمَرَاءِ الْجَوْرِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُوَفَّقَ هَؤُلَاءِ لِلصَّوَابِ وَيُحْرَمَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأخيرا إليكم هذا المثال الرائع نسأل الله أن يكون نورا لكل موحد نارا وصاعقة على كل مستكبر معاند جاء في هداية الحيارى :الرَّابِعُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَمَنْ دُونِهِ إِنَّمَا أَسْلَمُوا فِي وَقْتِ شِدَّةٍ مِنَ الْأَمْرِ وَقِلَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْفٍ وَحَاجَةٍ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ مُطْبِقُونَ عَلَى عَدَاوَتِهِمْ، وَالْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُون َ هُمْ أَهْلُ الشَّوْكَةِ وَالْعُدَّةِ وَالْحَلَقَةِ وَالسِّلَاحِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِذْ ذَاكَ قَدْ أَوَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَعْدَاؤُهُمْ يَطْلُبُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ بَذَلُوا الرَّغَائِبَ لِمَنْ جَاءَهُمْ بِهِمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ وَخَادِمُهُمْ وَاسْتَخْفُوا ثَلَاثًا فِي غَارٍ تَحْتَ الْأَرْضِ، ثُمَّ خَرَجُوا بَعْدَ ثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ إِلَى أَنْ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَالشَّوْكَةُ وَالْعَدَدُ وَالْعُدَّةُ فِيهَا لِلْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِين َ، فَأَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ حِينَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، لَمَّا رَأَى أَعْلَامَ النُّبُوَّةَ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهَا وَشَاهَدَهَا فِيهِ، وَتَرَكَ الْأَغْرَاضَ الَّتِي مَنَعَتِ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ وَالْجَاهِ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ شَهِدُوا لَهُ كُلُّهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَئِيسُهُمْ وَخَيْرُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ، فَعَلِمَ أَنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِهِ أَخْرَجُوهُ مِنْ تِلْكَ الرِّئَاسَةِ وَالسِّيَادَةِ، فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَدْخِلْنِي بَعْضَ بُيُوتِكَ وَسَلْهُمْ عَنِّي، فَفَعَلَ، وَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ سَيِّدُهُمْ وَرَئِيسُهُمْ وَعَالِمُهُمْ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وَذَكَّرَهُمْ وَأَوْقَفَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَابَلَهُمْ بِذَلِكَ، فَسَبُّوهُ وَقَدَحُوا فِيهِ وَأَنْكَرُوا رِئَاسَتَهُ وَسِيَادَتَهُ وَعِلْمَهُ.
فَلَوْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ مِمَّنْ يُؤْثِرُ عَرَضَ الدُّنْيَا وَالرِّئَاسَةِ لَفَعَلَ كَمَا فَعَلَهُ إِخْوَانُ الْقِرَدَةِ وَأُمَّةُ الْغَضَبِ وَالْقَوْمُ الْبُهْتُ، وَهَكَذَا شَأْنُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ.
وَأَمَّا الْمُتَخَلِّفُو نَ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ صَرَّحَ بِغَرَضِهِ لِخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ، وَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ عَظَّمُونَا وَرَأَّسُونَا وَمَلَّكُونَا فَلَوِ اتَّبَعْنَاهُ لَنَزَعُوا ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَّا، وَهَذَا قَدْ رَأَيْنَاهُ نَحْنُ فِي زَمَانِنَا وَشَاهَدْنَاهُ عِيَانًا. وَلَقَدْ نَاظَرْنَا بَعْضَ عُلَمَاءِ النَّصَارَى مُعْظَمَ يَوْمٍ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ بُهِتَ، فَقُلْتُ لَهُ وَأَنَا وَهُوَ خَالِيَانِ: مَا يَمْنَعُكَ الْآنَ مِنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ؟ فَقَالَ لِي: إِذَا قَدِمْتُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْحَمِيرِ - هَكَذَا لَفْظُهُ - فَرَشُوا الشِّقَاقَ تَحْتَ حَوَافِرِ دَابَّتِي، وَحَكَّمُونِي فِي أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَلَمْ يَعْصُونِي فِيمَا آمُرُهُمْ بِهِ، وَأَنَا لَا أَعْرِفُ صَنْعَةً، وَلَا أَحْفَظُ قُرْآنًا، وَلَا نَحْوًا وَلَا فِقْهًا، فَلَوْ أَسْلَمْتُ لَدُرْتُ فِي الْأَسْوَاقِ أَتَكَفَّفُ النَّاسَ، فَمَنِ الَّذِي يَطِيبُ نَفْسًا بِهَذَا؟! فَقُلْتُ: هَذَا لَا يَكُونُ، وَكَيْفَ تَظُنُّ بِاللَّهِ أَنَّكَ إِذَا أَسْلَمْتَ وَآثَرْتَ رِضَاهُ عَلَى هَوَاكَ يُخْزِيكَ وَيُحْوِجُكَ؟! وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ ذَلِكَ أَصَابَكَ فَمَا ظَفِرْتَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَمِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ، فِيهِ أَتَمُّ الْعَوَضَ عَمَّا فَاتَكَ، فَقَالَ: حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ، فَقَلَتْ: وَالْقَدَرُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِلْيَهُودِ عَلَى تَكْذِيبِ الْمَسِيحِ، وَحُجَّةً لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وَلَا سِيَّمَا أَنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِالْقَدْرِ، فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ؟! فَقَالَ: دَعْنَا الْآنَ مِنْ هَذَا، وَأَمْسَكَ.
وركب سروا والليل مرخ رواقه ... على كل مغبر الموارد قائم
حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها ... فصار سراهم في ظهور العزائم
أرتهم نجوم الليل ما يطلبونه ... على عاتق الشعرى وهام النعائم
فأموا حمى لا ينبغي لسواهم ... وما أخذتهم فيه لومة لائم