تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 97

الموضوع: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

  1. #61

    افتراضي

    الدرس الستون- السنة

    مدلول الخبر


    أولا: إذا قيل: زيدٌ قائمٌ، فالموضوع هو زيد والمحمول هو قائم والنسبة هي ثبوت القيام لزيد، وأما الحكم فهو الإذعان والجزم بثبوت النسبة أي الإذعان بثبوت القيام لزيد في الواقع.
    فإذا علم هذا فهل ما يفيده الخبر هو ثبوت القيام لزيد في الواقع أو هو الحكم بثبوت القيام له في الواقع ؟ قولان.
    فقيل: إن ما يفيده الخبر هو ثبوت القيام له في الواقع.

    وقيل: إن ما يفيده الخبر هو الحكم بثبوت القيام له في الواقع.
    فعلى القول الأول وضعت العرب لفظ الخبر ليدل على ثبوت الفعل في الواقع أي ليحكي عن كون زيد واقفا على قدميه في المثال، وعلى القول الثاني وضعت العرب لفظ الخبر ليدل على حكم المتكلم بثبوت الفعل في الواقع.
    فالقول الأول يجعل الخبر موضوعا لإفادة ما في الخارج فلذا يكون دليلا على الصدق دائما لأنه يفترض به أن يكشف الواقع بما هو، والقول الثاني يجعل الخبر موضوعا لإفادة ما في الذهن وهو حكم النفس بثبوت ما في الخارج فإن طابق الحكم ما في الخارج فهو صادق وإلا فهو كاذب فهو يحكي عن الحالة النفسية للمتكلم وأنه جازم بالوقوع أما كون زيد في الواقع قائما أو غير قائم فالخبر لم يوضع لذلك.
    ثانيا: مورد الصدق والكذب هو النسبة التي تضمنها الخبر فقط لا القيود التي يقيد بها المسند إليه.
    فإذا قيل: زيدٌ قائمٌ فالصدق والكذب يردان على النسبة التي هو ثبوت القيام لزيد.
    وإذا قيل: زيدُ بن عمرٍو قائمٌ، فالصدق والكذب منصب على ثبوت القيام لزيد فإذا كان قائما في الواقع فهو صادق وإلا فهو كاذب، فإذا كان زيد في الواقع هو ليس ابن عمرو مثلا ولكنه قائم فهذا الخبر صادق لأن صدق الخبر لا علاقة له بالقيود الفرعية، وذلك القيد قصد به تعريف زيد وتعيينه.
    ولهذا قال الإمام مالك وبعض الشافعية إن الشهاد بمثل: ( زيد بن عمرو أوكل فلانا ) هي شهادة بالوكالة فقط، دون بنوة زيد لعمرو.
    والمذهب عند الشافعية أن ذلك شهادة بالوكالة أصالة وبنوة زيد لعمرو ضمنا.
    والتحقيق أن هنالك نسبتين: نسبة مقصودة بالذات وهي النسبة الإسنادية ونسبة مقصودة بالتبع وهي النسبة التقييدية فإذا قيل: ( زيد بن عمرو أوكل فلانا ) فالنسبة الأصلية هي ثبوت الوكالة لزيد، والنسبة التبعية هي زيد هو ابنٌ لعمرو، والصدق والكذب إنما يرد على النسبة المقصودة بالذات، ولكن هذا لا يعني أن المتكلم غير جازم بالقيود والنسبة الفرعية.
    فيوجد إخباران: خبر أصلي مساق له الكلام وهو مورد الصدق والكذب موضوع له الخبر بالمطابقة، وخبر ثاني يؤخذ من القيود يدل عليه الخبر بالالتزام، والصدق والكذب لا يرد عليه، وكونه لا يرد عليه لا يعني إطلاقا عدم صحة الإخبار تلك القيود وهذا هو وجه مذهب الشافعية.

    ( شرح النص )

    ومدلولُ الخبرِ ثبوتُ النسبةِ لا الحكمُ بها، ومَورِدُ الصدقِ والكذبِ النسبةُ التي تضمَّنَها فقطْ كقيامِ زيدٍ في: قامَ زيدُ بنُ عمرٍو لا بنوتِه، فالشهادةُ بتوكيلِ فلانِ بنِ فلانٍ فلانًا شهادةٌ بالتوكيلِ فقطْ، والرَّاجِحُ بالنَّسَبِ ضِمْنًا وبالتوكيلِ أصلًا.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( ومدلولُ الخبرِ ) في الإثبات أي في القضية الموجبة ( ثبوتُ النسبةِ ) في الخارج كقيام زيد في قولنا: قامَ زيدٌ، وهذا ما رجحه السعد التفتازاني وردّ ما عداه. ( لا الحكمُ بها ) وقيل: هو الحكم بها ورجحه الأصل وفاقا للإمام الرازي، ويقاس بالخبر في الإثبات الخبر في النفي أي القضية السالبة، فيقال مدلوله انتفاء النسبة لا الحكم به ( ومَورِدُ الصدقِ والكذبِ ) في الخبر ( النسبةُ التي تضمَّنَها فقطْ ) أي دون غيرها ( كقيامِ زيدٍ في: قامَ زيدُ بنُ عمرٍو لا بنوتِه ) لعمرو أيضا، فمورد الصدق والكذب في الخبر المذكور النسبة، وهي قيام زيد لا بنوّته لعمرو فيه أيضا إذ لم يقصد به الاخبار بها، وعليه ( فالشهادةُ بتوكيلِ فلانِ بنِ فلانٍ فلانًا شهادةٌ بالتوكيلِ فقطْ ) أي دون نسب الموكل كما هو قولٌ مرجوح عندنا لبعض أصحابنا الشافعية وقال به الإمام مالك ( و ) لكن ( الرَّاجِحُ ) عندنا أنها شهادة ( بالنَّسَبِ ) للموكل (ضِمْنًا وبالتوكيلِ أصلًا ) لتضمن ثبوت التوكيل المقصود لثبوت نسب الموكل لغيبته عن مجلس الحكم، ولهذا استدل الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة بقوله: وقالت امرأة فرعون .. الآية على صحة أنكحة الكفار لأن الله جعلها امرأة له، فالقضية هي: امرأة فرعون قالت، النسبة الأصلية فيه هي صدور القول من المرأة، والنسبة الفرعية أن تلك المرأة هي زوجة لفرعون.




  2. #62

    افتراضي

    الدرس الحادي والستون- السنة

    أقسام الخبر


    بما أن الخبر يحتمل الصدق والكذب لذاته، وقد يقطع بصدقه أو كذبه لقرينة خارجية، قسّم الأصوليون الخبر إلى ثلاثة أقسام: مقطوع بكذبه، ومقطوع بصدقه، ومظنون صدقه.
    وللقطع بكذب الخبر طرق متعددة منها:
    1- الخبر المعلوم خلافه بالضرورة نحو: النقيضان يجتمعان أو يرتفعان.
    2- الخبر المعلوم خلافه بالاستدلال كقول بعض الفلاسفة:العالم قديم، فإنا قطعنا عن طريق الاستدلال بأن العالم حادث.
    3- كل خبر نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأوهم باطلا ولم يقبل التأويل فإنه إما موضوع عليه، أو أن ذلك الخبر قد نقص منه كلمة فأوهم الباطل.
    مثال الأول: ما روي أن الله خلق نفسه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
    ومثال الثاني: ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلّم قام فقال:أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد. قال ابن عمر: فوَهَلَ الناس في مقالته. أي غلطوا حيث لم يسمعوا لفظة اليوم فرووها بلا لفظة اليوم وذلك يوهم الباطل وهو قيام القيامة بعد مائة سنة. فالرواية بلا لفظة اليوم قد نقص منها ما أوهم الباطل.
    ولوضع الحديث أسباب عديدة ليس هذا محل تفصيلها ولكن نذكر منها:
    أ- نسيان الراوي لمرويه فيذكر غيره ظانا أنه مروِيُّه.
    ب- التنفير كوضع الزنادقة أحاديث باطلة تنفيرا للناس عن الإسلام أو تشكيكا فيه.
    ج- غلط الراوي بأن يسبق لسانه إلى شيء غلطا فيرويه الناس عنه.
    4- خبر مدعي النبوة من غير معجزة أو تصديق نبي له. لأن النبوة أمر مخالف للعادة، والعادة تقضي بكذب مدعيها بلا دليل قاطع. والكلام يتصور قبل العلم بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. أما بعد ذلك فلا يصدق ولو أتى بما يشبه المعجزة ويقطع بكذب خبره، كما قطعنا بكذب مسيلمة الكذاب وغيره ولم نطالبهم بالمعجزة، وكما يقطع المسلم بكذب غلام أحمد القادياني.
    5- ما لا أثر له في كتب الحديث كبعض الأحاديث التي تشتهر عند بعض الجهلة اليوم ولا أثر لها في كتب السنة النبوية.
    6- خبر نقل آحادا مع توفر الدواعي على نقله، والذي لو كان صحيحا لكان متواترا.
    كشخص ينقل أنه قد أطلق الرصاص يوم الجمعة على الخطيب وهو يخطب فوق منبره في المسجد الجامع، فوقع ميتا، فإن هذا الخبر لو كان صحيحا لنقله كل مَن صلى الجمعة في ذلك المسجد لغرابته وتوفر الدواعي على نقله فكونه لم ينقله إلا رجل واحد مع هذه القرائن التي حفت به دليل على أنه كذب قطعا.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ: الخبرُ إمَّا مقطوعٌ بكذِبِهِ قطعًا كالمعلومِ خِلافُهُ ضرورةً أو استدلالًا. وكلُّ خبرٍ أوهَمَ باطلًا ولم يقبلْ تأويلًا فموضوعٌ أَو نُقِصَ مِنهُ ما يزيلُ الوهْمَ. وسببُ وضعِهِ نسيانٌ أو تنفيرٌ أو غلَطٌ أو غيرُها. أو في الأصحِّ كخبرِ مُدَّعِي الرسالةِ بلا معجزةٍ وتصديقِ الصَّادقِ، وخبرٍ نُقِّبَ عنهُ ولمْ يوجدْ عندَ أهلِهِ، وما نُقِلَ آحادًا فيما تَتَوَفَّرُ الدواعي على نقلِهِ.
    ......................... ......................... ......................... .....................
    ( مسألةٌ: الخبرُ ) بالنظر لأمور خارجة عنه ( إمَّا مقطوعٌ بكذِبِهِ ) إما ( قطعًا ) أي اتفاقا ( كالمعلومِ خِلافُهُ ) إما ( ضرورةً ) نحو: النقيضان يجتمعان أو يرتفعان ( أو استدلالًا ) كقول الفلسفي: العالم قديم ( وكلُّ خبرٍ ) نقل عنه صلى الله عليه وسلّم ( أوهَمَ باطلًا ) أي أوقع الباطل في الوهم أي الذهن ( ولم يقبلْ تأويلًا فـ ) ـهو إما ( موضوعٌ ) أي مكذوب عليه صلى الله عليه وسلّم لعصمته كما روي أنه تعالى خلق نفسه فهو كذب لإيهامه باطلا وهو حدوثه سبحانه وقد دل العقل القاطع على أنه تعالى منزه عن الحدوث ( أَو نُقِصَ مِنهُ ) من جهة راويه ( ما يزيلُ الوهْمَ ) الحاصل بالنقصان منه كما في خبر الصحيحين عن ابن عمر قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلّم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد. قال ابن عمر: فوهَل الناس في مقالته. أي غلطوا في فهم المراد منها حيث لم يسمعوا لفظة اليوم، ويوافق هذا الخبر في إثبات لفظة اليوم خبر مسلم عن أبي سعيد لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم. وقوله منفوسة أي مولودة احترز به عن الملائكة ( وسببُ وضعِهِ ) أي الخبر ( نسيانٌ ) من الراوي لمرويه فيذكر غيره ظانا أنه مرويه ( أو تنفيرٌ ) كوضع الزنادقة أخبارا تخالف العقول تنفيرا للعقلاء عن شريعته المطهرة ( أو غلَطٌ ) من الراوي بأن يسبق لسانه إلى غير مرويه، أو يضع مكانه ما يظنّ أنه يؤدّي معناه أو يروي ما يظنه حديثا ( أو غيرُها ) كما في وضع بعضهم أخبارا في الترغيب في الطاعة والترهيب عن المعصية ( أو) مقطوع بكذبه ( في الأصحِّ كخبرِ مُدَّعِي الرسالةِ ) أي أنه رسول عن الله إلى الناس ( بلا معجزةٍ ) تبين صدقه ( و ) لا ( تصديقِ الصادقِ ) له أي النبي الذي جاء قبله؛ لأن الرسالة عن الله على خلاف العادة والعادة تقضي بكذب من يدّعي ما يخالفها بلا دليل، وقيل: لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه، وظاهر أن محله قبل نزول أنه صلى الله عليه وسلّم خاتم النبيين، أما بعده فيقطع بكذبه اتفاقا لقيام الدليل القاطع على أنه خاتم النبيين ( وخبرٍ نُقِّبَ ) بضم أوّله وتشديد ثانيه وكسره أي فتش ( عنهُ ) في كتب الحديث ( ولمْ يوجدْ عندَ أهلِهِ ) من الرواة لقضاء العادة بكذب ناقله، وقيل: لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله، وهذا بعد استقرار الأخبار، أما قبله كما في عصر الصحابة فلأحدهم أن يروي ما ليس عند غيره كما قاله الإمام الرازي ( وما نُقِلَ آحادًا فيما تَتَوَفَّرُ الدواعي على نقلِهِ ) تواترا كسقوط الخطيب عن المنبر وقت الخطبة، وقيل: لا يقطع بكذبه.




  3. #63

    افتراضي

    الدرس الثاني والستون- السنة

    الخبر المقطوع بصدقه


    وأما الخبر المقطوع بصدقه فله أنواع منها:
    أولا: الخبر المعلوم وجوده بالضرورة نحو الواحد نصف الاثنين.
    ثانيا: الخبر المعلوم وجوده بالاستدلال كقولنا: العالم حادث.
    ثالثا: خبر الله تعالى وخبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
    رابعا: بعض ما نقل إلينا من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نقطع بصدوره عنه وهذا يحكم به على الإبهام أي أننا كما نقطع بأن بعضا مما نقل عنه كذب نقطع على جهة الإجمال بأن بعضا مما نقل عنه حق كالخبر المتواتر فثبوت البعض في الجملة قطعي.
    خامسا: الخبر المتواتر وهو: خبر جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب عن محسوس، واحترزنا بقولنا: عن محسوس ما كان عن معقول كخبر الفلاسفة بقدم العالم وكخبر النصارى بإلوهية المسيح تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
    ثم المتواتر ينقسم إلى: لفظي ومعنوي، فالأول أن يتفق الجمع المذكور في اللفظ والمعنى بأن يتفق الجمع الغفير على لفظ واحد في الرواية وهو عزيز الوجود، والثاني أن يتفقوا في القدر المشترك كجود حاتم المعلوم من كثرة الوقائع المنقولة في ذلك، وإن كانت كل واحدة لا توجب القطع.
    ومتى ما حصل العلم في النفوس بمضمون خبر ما فذلك علامة على اجتماع شرائط التواتر فيه.
    ومن مسائل المتواتر ما يلي:
    1- الأصح أنه ليس للمتواتر عدد معين. وقال بعضهم أقله أربعة كشهود الزنا، وقال آخرون: أقله خمسة.
    2- لا يشترط في المتواتر إسلام رواته ولا عدالتهم أو أن يكونوا من بلدان متفرقة؛ لأن الكثرة الكثيرة مانعة من احتمال التواطؤ على الكذب.
    3- أنه يفيد العلم الضروري أي الذي تضطر النفوس إليه ولا تستطيع النفس دفعه.
    4- إذا أخبر رواة المتواتر عن أمر عاينوه بأنفسهم فذلك كاف لحصول العلم بخبرهم. وإن أخبروا عن عيان غيرهم- أي أخبروا عمن عاين الحدث- فيشترط أن يكون المعاينون ومن نقل عنهم في كل الطبقات كثرة يمتنع تواطؤهم على الكذب، فإن لم يكونوا كذلك ولو في طبقة واحدة فليس خبرهم متواترا.
    5- تارة يحصل العلم بالمتواتر بسبب الكثرة الكثيرة فمثل هذا مما يشترك الناس في حصول العلم به كخبر نقله 1000 شخص، وتارة يحصل بأن ينضم إلى أقل المتواتر من القرائن ما تجعل الناظر يقطع به فإذا قلنا إن أقل المتواتر خمسة مثلا وانضاف إلى قلة رواته قرائن عديدة كعدالتهم وشدة تدينهم وتفرق بلدانهم وانعدام المصلحة بالكذب فهذا من المتواتر وهذا لا يشترك كل الناس بالعلم به لأنه موقوف على العلم بتلك القرائن وهي قد تقوم عند شخص دون آخر، ولهذا كان من الحديث ما يقطع أهل الحديث بتواتره ويظن غيره من أهل الكلام أنه لا يفيد العلم.

    ( شرح النص )

    وإمَّا بصِدْقِهِ كخبرِ الصَّادِقِ، وبعضِ المنسوبِ للنَّبيِّ، والمتواترِ وهو: خبرُ جمعٍ يمتنعُ تواطُؤُهمْ على الكذبِ عنْ محسوسٍ، وحصولُ العلمِ آيةُ اجتماعِ شرائِطِهِ، ولا تكفي الأربعةُ، والأصحُّ أَنَّ ما زادَ عليها صالحٌ مِنْ غيرِ ضبطٍ وأنَّهُ لا يُشترطُ فيهِ إسلامٌ ولا عدمُ احتواءِ بلدٍ، وأَنَّ العلمَ فيهِ ضروريٌ، ثُمَّ إنْ أَخبروا عن محسوسٍ لهمْ فذاكَ، وإلا كفى ذلكَ، وأَنَّ عِلْمَهُ لكثرةِ العددِ مُتَّفِقٌ، وللقرائنِ قدْ يختلِفُ.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ...
    ( وإمَّا ) مقطوع ( بصِدْقِهِ كخبرِ الصَّادِقِ ) أي الله تعالى لتنزهه عن الكذب ورسوله لعصمته عنه ( وبعضِ المنسوبِ للنَّبيِّ ) صلى الله عليه وسلّم وإن لم نعلم عينه أي نحكم بصدق بعض لا بعينه ( والمتواترِ ) معنى أو لفظا ( وهو ) أي المتواتر ( خبرُ جمعٍ يمتنعُ ) عادة ( تواطُؤُهمْ ) أي توافقهم ( على الكذبِ عنْ محسوسٍ ) لا عن معقول لجواز الغلط فيه كخبر الفلاسفة بقدم العالم، فإن اتفق الجمع المذكور في اللفظ، والمعنى فهو لفظي، وإن اختلفوا فيهما مع وجود معنى كلي فهو معنوي، كما لو أخبر واحد عن حاتم بأنه أعطى دينارا وآخر بأنه أعطى فرسا وآخر بأنه أعطى بعيرا وهكذا. فقد اتفقوا على معنى كلي وهو الإعطاء، وقول: عن محسوس متعلق بخبر ( وحصولُ العلمِ ) بمضمون خبر ( آيةُ ) أي علامة ( اجتماعِ شرائِطِهِ ) أي المتواتر في ذلك الخبر. أي الأمور المحققة له، وهي كما يؤخذ من تعريفه: كونه خبر جمع، وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب، وكونه عن محسوس ( ولا تكفي الأربعةُ ) في عدد الجمع المذكور لاحتياجهم إلى التزكية فيما لو شهدوا بالزنا فلا يفيد قولهم العلم فإن شهود الزنا لا تقبل شهادتهم إذا لم يكونوا عدولا ( والأصحُّ أَنَّ ما زادَ عليها ) أي على الأربعة ( صالحٌ ) لأن يكفي في جمع المتواتر ( مِنْ غيرِ ضبطٍ ) أي حصر بعدد معين فأقل عدده خمسة. كذا قال وقيل: عشرة، وقيل غير ذلك ( و ) الأصح ( أنَّهُ ) أي المتواتر ( لا يُشترطُ فيهِ إسلامٌ ) فى رواته ولاعدالتهم ولا اختلاف أنسابهم كما فهما بالأولى من عدم اشتراط الإسلام ( ولا عدمُ احتواءِ بلدٍ ) أي واحد عليهم فيجوز أن يكونوا كفارا وفسقة و أقارب وأن يحويهم بلد، وقيل: لا يجوز ذلك لجواز تواطئهم على الكذب فلا يفيد خبرهم العلم، قلنا: الكثرة مانعة من التواطؤ على الكذب ( و ) الأصح ( أَنَّ العلمَ فيهِ ) أي في المتواتر ( ضروريٌ ) أي يحصل عند سماعه من غير احتياج إلى نظر لحصوله لمن لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان، وقيل: نظري ( ثُمَّ إنْ أَخبروا ) أي أهل الخبر المتواتر كلهم ( عن محسوسٍ لهمْ ) بأن كانوا طبقة واحدة ( فذاكَ ) أي إخبارهم عن محسوس لهم واضح في حصول التواتر ( وإلا ) أي وإن لم يخبروا كلهم عن محسوس لهم بأن كانوا طبقات فلم يخبر عن محسوس إلا الطبقة الأولى منهم ( كفى ) في حصول التواتر ( ذلكَ ) أي إخبار الأولى عن محسوس لها مع كون كل طبقة من غيرها جمعا يؤمن تواطؤهم على الكذب كما علم مما مر من شروط تؤخذ من التعريف، بخلاف ما لو لم يكونوا كذلك فلا يفيد خبرهم التواتر، وبهذا بان أن المتواتر في الطبقة الأولى قد يكون آحادا فيما بعدها كما في القراءات الشاذة فإنها قد تكون متواترة في طبقة الصحابة ثم تصير آحادا في ما بعدها من الطبقات ( و) الأصح ( أَنَّ عِلْمَهُ ) أي المتواتر أي العلم الحاصل منه ( لكثرةِ العددِ ) في راويه ( مُتَّفِقٌ ) للسامعين له فيجب حصوله لكل منهم ( وللقرائنِ ) الزائدة على أقل العدد الصالح له ( قدْ يختلِفُ ) فيحصل لزيد دون غيره من السامعين؛ لأن القرائن قد تقوم عند شخص دون آخر، أما الخبر المفيد للعلم بالقرائن المنفصلة عنه فليس بمتواتر، وقيل: يجب حصول العلم من المتواتر مطلقا أي لكثرة العدد أو للقرائن للجميع على السواء، وقيل: لا يجب ذلك مطلقا فلا يشترط في المتواتر أن يحصل العلم به للجميع لا عند كثرة العدد ولا عند وجود القرائن فقد يحصل للبعض دون البعض الآخر.




  4. #64

    افتراضي

    الدرس الثالث والستون- السنة

    ما اختلف في كونه من المقطوع بصدقه


    أولا: إجماع الأمة على وفق خبر آحاد ما لا يدل على كونه قطعي الصدور، بمعنى أن الخبر المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجمعت الأمة على ما تضمنه من حكم، فإنه ليس بالضرورة يكون هذا دليلا على قطعية صدور ذلك الخبر عنه صلى الله عليه وسلم لجواز أن يكون مستند الإجماع نص آخر. وقيل: يدل على صدقه لأن الظاهر أن المجمعين استندوا عليه.
    ثانيا: بقاء خبر الآحاد الذي تتوفر الدواعي على إبطاله لا يدل على كونه قطعي الصدور.
    مثاله: ما رواه الشيخان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي. وقد احتج الزيدية على أنه قطعي الصدور بما يلي:
    إن هذا الخبر قد سمعه بنو أمية فلم يبطلوه مع ما في نفوسهم من علي فلو أمكنهم أن يبطلوه لفعلوا فدل على أن هذا الحديث كان معلوما عند الناس ولا سبيل لهم لإبطاله، فالحال إنه وإن وصل إلينا آحادا فهو دليل على قطعي الصدور.
    والجواب هو: أن هذا ليس بدليل على قطعيته بل هو دليل على ظنهم صدقه أي أنهم ظنوا صدقه فلم يردوه، فالاتفاق على القبول دليل على ظن ثبوته وليس على قطعيته، ثم على أي أساس تم افتراض أنهم كانوا يريدون التلاعب بالنصوص فالحق أن هذا بمجرده لا يدل على أن الخبر قطعي الصدور.
    والحديث المذكور ورد عندما تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم للخروج في إحدى الغزوات فخرج معه أصحابه وترك عليا على المدينة فقال أتجعلني بمنزلة النساء والصبيان. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
    ثالثا: افتراق العلماء بين الاحتجاج بخبر وبين تأويله لا يدل على قطعية صدوره. فإن اتفاقهم هذا وعدم ذهاب أحد منهم إلى إبطاله لا يدل على أكثر من أنهم ظنوا صحة الخبر- كما في المسألة التي قبلها- ولا يدل على قطعيته فإننا مأمورون باتباع المظنون كالمعلوم. وقيل: يفيد العلم.
    رابعا: إذا أخبر شخص عن أمر محسوس بحضور قوم بالغين حد التواتر ولا حامل لهم عن السكوت عن تكذيبه- كخوف أو طمع- فلم يكذبوه فخبره صادق قطعا. وقيل: لا يلزم صدقه.
    خامسا: إذا أخبر شخص بخبر والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه فلم ينكر عليه فهذا دليل على صدق هذا الخبر قطعا سواء أخبر بأمر دنيوي أو أخروي. وقيل: لا يلزم صدقه.

    ( شرح النص )

    وأنَّ الإجماعَ على وَفْقِ خبرٍ، وبقاءَ خبرٍ تتوفرُ الدواعي على إبطالِهِ، وافتراقَ العلماءِ بينَ مؤولٍ ومحتجٍّ لا يدلُّ على صدقِهِ، وأنَّ المخبِرَ بحضرةِ عددِ التواترِ ولم يكذبوهُ ولا حاملَ على سكوتِهم، أَو بمسمَعٍ من النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولا حامِلَ على سكوتِه صادقٌ.
    ......................... ......................... ......................... ......................
    ( و ) الأصح ( أنَّ الإجماعَ على وَفْقِ خبرٍ ) لا يدل على صدقه في نفس الأمر مطلقا لاحتمال أن يكون للإجماع مستند آخر، وقيل: يدل عليه مطلقا لأن الظاهر استناد المجمعين إليه لعدم ظهور مستند غيره، وقيل: يدل إن تلقوه بالقبول بأن تعرضوا للاستناد إليه بأن قالوا إن دليلنا على إجماعنا هو هذا الخبر، وإلا فلا يدل لجواز استنادهم إلى غيره ( و ) الأصح أن ( بقاءَ خبرٍ تتوفرُ الدواعي على إبطالِهِ ) بأن لم يبطله ذوو الدواعي مع سماعهم له آحادا لا يدل على صدقه، وقيل: يدل عليه للاتفاق على قبوله حينئذ. قلنا: الاتفاق على قبوله إنما يدل على ظنهم صدقه، ولا يلزم منه صدقه في نفس الأمر مثاله قوله صلى الله عليه وسلّم لعلي رضي الله عنه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. رواه الشيخان. فإن دواعي بني أمية وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدلالته على خلافة علي رضي الله عنه كما قيل كخلافة هارون عن موسى بقوله اخلفني في قومي وإن مات قبله، ولم يبطلوه وأجوبة ذلك مذكورة في كتب أصول الدين ( و ) الأصح أن ( افتراقَ العلماءِ ) في خبر ( بينَ مؤولٍ ) له ( ومحتجٍّ ) به ( لا يدلُّ على صدقِهِ ) وقيل: يدلّ عليه للاتفاق على قبوله حينئذ. قلنا جوابه ما مر آنفا وهو أنه يدل على ظنهم صدقه ( و ) الأصح ( أنَّ المخبِرَ ) عن محسوس ( بحضرةِ عددِ التواترِ ولم يكذبوهُ ولا حاملَ ) لهم ( على سكوتِهم ) عن تكذيبه مِن نحو خوف أو طمع في شيء منه أو عدمِ علمٍ بخبره ككونه غريبا لا يقف عليه إلا الأفراد من الناس صادقٌ فيما أخبر به، لأن سكوتهم تصديق له عادة فيكون الخبر صدقا، وقيل: لا إذ لا يلزم من سكوتهم تصديقه لجواز سكوتهم عن تكذيبه لا لشيء ( أو ) أي والأصحّ أن المخبر عن محسوس ( بمسمَعٍ من النبي صلى الله عليه وسلّم ) أي بمكان يسمعه منه النبيّ ( ولا حامِلَ ) له ( على سكوتِه ) عن تكذيبه ( صادقٌ ) فيما أخبر به دينيا كان أو دنيويا، لأن النبي لا يقر أحدا على كذب، وقيل: لا إذ لا يدل سكوته على صدق المخبر أما في الدين، فلجواز أن يكون النبي بيّنه من قبل أو أخّر بيانه بما يخالف ما أخبر به المخبر، وأما في الدنيوي، فلجواز أن لا يكون النبي يعلم حاله كما في إلقاح النخل، روى مسلم عن أنس أنه صلى الله عليه وسلّم مرّ بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح. قال فخرج شيصا- أي رديئا- فمرّ بهم فقال: ما لنخلكم ؟ قالوا قلت كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم. أما إذا وجد حامل على ما ذكر كأن كان المخبر ممن يعاند ولا ينفع فيه الإنكار فلا يكون صادقا قطعا.




  5. #65

    افتراضي

    الدرس الرابع والستون- السنة

    الخبر المظنون صدقه


    أولا: الخبر المظنون صدقه هو خبر الواحد وهو: ما لم ينتهِ إلى حد التواتر. سواء كان راويه واحدا أم أكثر.
    ومن خبر الواحد ما يعرف بالمستفيض والمشهور وهو: الشائع بين الناس وقد صدر عن أصل. توضيحه:
    إن الأصل المذكور هو السند فإذا ذاع الحديث وشاع بين الناس وكان قد صدر عن سند ينحصر من حيث العدد في اثنين أو أكثر فهو المستفيض وإن كان شائعا لا عن أصل فإنه مقطوع بكذبه.
    وفي المستفيض أقوال:
    1- من يجعله قسما من الآحاد وعليه فالقسمة ثنائية فالخبر إما آحاد وإما متواتر، ومن الآحاد المستفيض وغيره.
    2- إن القسمة ثلاثية آحاد ومستفيض ومتواتر، والمستفيض هو: ما نقله عدد كثير يربو على الآحاد وينحط عن عدد التواتر. فالمستفيض رتبة متوسطة بين المتواتر والآحاد.
    3- إنه والمتواتر بمعنى واحد.
    وفي أقل عدد رواة المستفيض أقوال:
    1- اثنان وهو قول الفقهاء.
    2- ثلاثة وهو قول المحدثين.
    3- أربعة وهو قول الأصوليين.
    ثانيا: خبر الواحد العدل يفيد الظن الذي يوجب العمل، وقد يفيد العلم بقرائن تنضم إليه.
    كما لو أخبر رجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء واحضار الكفن والنعش.
    كذا مثلوا والحقيقة إن احتمال تزوير الحقيقة في مثل ذلك الموقف لا يزال قائما كما يحصل في عصرنا.
    ثالثا: في وجوب العمل بخبر الواحد تفصيل:
    1- فيجب العمل به في الفتوى والشهادة إجماعا.
    أي يجب العمل إجماعا بما يفتي به المفتي وكذا الحاكم ولو كان واحدا وكذا ما يشهد به الشهود ولو كانوا آحادا.
    2- ويجب العمل به في باقي الأمور الدينية والدنيوية في الأصح كالإخبار بدخول وقت الصلاة، وكإخبار طبيب بمضرة شيء أو نفعه.
    ولو كان خبر الواحد يعارضه القياس فإنه يعمل بالخبر ولا يلتفت للقياس. وقيل: بالقياس إن لم يكن راوي الخبر فقيها.
    وهنا مسألة: هل وجوب العمل بمقتضى خبر الواحد ثبت بالدليل السمعي أو بالدليل العقلي؟
    فقيل: سمعا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث أفرادًا إلى القبائل والملوك، فلو لم يجب العمل بأخبارهم لم يكن واجبا على المبعوث إليهم أن يمتثلوا. وقيل: هو واجب سمعا وعقلا، وهو أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد ولا سبيل إلى ذلك.


    ( شرح النص )

    وأَمَّا مظنونُ الصِّدقِ فخبرُ الواحدِ وهو: ما لم ينتهِ إلى التواترِ، ومنهُ المستفيضُ وهو: الشائعُ عن أصلٍ. وقد يسمى مشهورًا، وأقلُّهُ اثنانِ، وقيلَ: ما زادَ على ثلاثةٍ.
    مسألةٌ: الأَصحُّ أَنَّ خبرَ الواحِدِ يُفيدُ العلمَ بقرينةٍ ويجبُ العملُ بهِ في الفتوى والشهادةِ إجماعًا، وفي باقي الأمورِ الدينيّةِ والدنيويةِ في الأصحِّ سمعًا، وقيلَ: وعقلًا
    .
    ......................... ......................... ......................... ........................
    ( وأَمَّا مظنونُ الصِّدقِ فخبرُ الواحدِ وهو: ما لم ينتهِ إلى التواترِ ) سواء أكان راويه واحدا أم أكثر أفاد العلم بالقرائن المنفصلة أو لا ( ومنهُ ) أي خبر الواحد ( المستفيضُ وهو: الشائعُ ) بين الناس ( عن أصلٍ ) بخلاف الشائع لا عن أصل فإنه مقطوع بكذبه ( وقد يسمى ) المستفيض ( مشهورًا ) فهما بمعنى واحد، وقيل: المشهور بمعنى المتواتر، وقيل: قسم ثالث غير المتواتر والآحاد ( وأقلُّهُ ) أي المستفيض أي أقلّ عدد راويه ( اثنانِ ) وهو قول الفقهاء ( وقيلَ: ما زادَ على ثلاثةٍ ) وهو قول الأصوليين، وقيل: ثلاثة وهو قول المحدثين. ( مسألةٌ: الأَصحُّ أَنَّ خبرَ الواحِدِ يُفيدُ العلمَ بقرينةٍ ) كما في إخبار رجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش، وقيل: لا يفيد العلم مطلقا أي مع قرينة أو لا، وعليه الأكثر من الأصوليين ( ويجبُ العملُ بهِ ) أي بخبر الواحد ( في الفتوى والشهادةِ ) أي ما يفتي به المفتي ويشهد به الشاهد بشرطه، وفي معنى الفتوى الحكم ( إجماعًا وفي باقي الأمورِ الدينيةِ والدنيويةِ في الأصحِّ ) وإن عارضه قياس كالإخبار بدخول وقت الصلاة أو بتنجس الماء وكإخبار طبيب أو غيره بمضرة شيء أو نفعه، وقيل: يمتنع العمل به مطلقا لأنه إنما يفيد الظن، وقيل: إن لم يعارضه قياس ولم يكن راويه فقيها، وإذا قلنا بأنه يجب العمل به فيجب ( سمعًا ) لأنه صلى الله عليه وسلّم كان يبعث الآحاد إلى القبائل والنواحي لتبليغ الأحكام، فلولا أنه يجب العمل بخبرهم لم يكن لبعثهم فائدة ( قيل: وعقلًا ) أيضا، وهو أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد ولا سبيل إلى القول بذلك.




  6. #66

    افتراضي

    الدرس الخامس والستون- السنة

    الخبر المظنون صدقه


    أولا: إذا روى عدل عن عدل حديثا فكذّب الأصل الفرع، أي كذب المرويُّ عنه الراوي، كأن قال: ما رويتُ له هذا، وكان الراوي جازما كأن قال: رويت عنه هذا، فالمختارُ أن ذلك لا يسقط الخبرَ المروي؛ لاحتمال نسيان الشيخ، وكذلك لا تسقط عدالة هذا ولا ذاك. ومن أجل عدم سقوط عدالتهما لا ترد شهادتهما لو اجتمعا في شهادة على شيء. وقيل: يرد الخبر.
    ثانيا: إذا روى العدل حديثا، وزاد فيه زيادة لم يروها غيره من العدول الذين شاركوه في رواية الحديث، فهذه المسألة تعرف بزيادة الثقة، مثالها: ما ورد في صحيح مسلم ( جُعلِت لنا الأرض مسجدا وطهورا ) رواه هكذا أكثر الرواة. ورواه مسلم أيضا عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة عنه صلى الله عليه وسلم: (جعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها طهورا ) فزاد أبو مالك وتربتها.
    هذه صورة المسألة وفيها خلاف طويل وخلاصة ما قرره المصنف هو:
    1- إن المجلس الذي سُمعت فيه هذه الرواية إما أن يعلم اتحاده- أي كان هنالك مجلس واحد بأن لم يحدث المروي عنه بذلك الحديث إلا مرة واحدة- أو يعلم تعدده، أو يجهل الحال بأن لم يعلم اتحاد المجلس ولا تعدده، فإن علم تعدد المجلس قبلت الزيادة؛ لاحتمال أن النبي صلى الله وعليه وسلم قالها في مجلس وسكت عنها في مجلس. وكذا تقبل إذا جهل الحال؛ لأن الغالب في مثل ذلك هو التعدد.
    2- إن علم اتحاد المجلس فإن كان الذين سكتوا عن الزيادة ولم يرووها عددا لا يجوز عليهم أن يغفلوا عما زاده الواحد، أو كانت الزيادة يغفل مثلهم عنها ولكنها كانت مما تتوفر دواعي من سمعها على نقلها- ككونها تعلقت بأمر غريب عادة- فلا تقبل الزيادة في تلك الحال.
    وإن لم يكن كذلك قبلت الزيادة بثلاثة شروط
    :
    أ- أن لا يكون الساكت عن الزيادة أضبط ممن رواها. فإن كان أضبط تعارض الخبران فيصار إلى الترجيح بينهما.
    ب- أن لا يصرح الساكت عن الزيادة بنفيها بأن قال: ما سمعت هذه الزيادة، فإنه والحال ذلك يتعارض الخبران فيصار إلى الترجيح بينهما.
    ج- أن لا تكون الزيادة تغير الإعراب والمعنى. فإن غيرت حصل التعارض فيصار للترجيح.
    مثال ما غيرت الزيادة: حديث الصحيحين: ( فرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا مِن تمر.. ) فلو رُوي ( فرض رسول... نصفَ صاعٍ ) فلفظة نصف غيرت إعراب الصاع من النصب إلى الجر.
    ثالثا: ما ذكرناه من زيادة الثقة صورته أن ينفرد راو عن عدد بزيادة، فماذا يكون الحال لو انفرد راو عن راو واحد بزيادة ؟
    الجواب: تقبل الزيادة وإن علم اتحاد المجلس لأن مع راوي الزيادة زيادة علم.
    رابعا: الراوي الواحد إذا روى الحديث تارة بدون زيادة، وتارة أخرى مع الزيادة قبلت الزيادة.
    خامسا: يجوز حذف بعض الخبر عند أكثر العلماء، إلا إذا تعلّق بالمحذوف البعض الآخر، فهذا لا يجوز لإخلاله بالمعنى.
    مثال ما لا يجوز حذفه ما ورد في حديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. فلا يجوز حذف ( حتى يبدو صلاحها ).
    ومثال ما يجوز حذفه ما في أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته. فيجوز حذف ( الحل ميتته ) لأنه لا تعلق لأحد الحكمين بالآخر.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ: المختارُ أنَّ تكذيبَ الأصلِ الفرعَ وهوَ جازِمٌ لا يُسقِطُ مَرْوِيَّهُ لأنَّهما لو اجتمعا في شهادةٍ لم تُرَدَّ.
    وزيادةُ العدلِ مقبولةٌ إنْ لمْ يُعْلَمْ اتحادُ المجلِسِ وإلا فالمختارُ المنعُ إنْ كانَ غيرُهُ لا يَغْفُلُ مثلُهم عن مثلِها عادةً أو كانتْ الدواعي تتوفرُ على نقلِها فإنْ كانَ الساكِتُ أضبطَ أو صرَّحَ بنفيها على وجهٍ يقبلُ تعارضا.
    والأصحُّ أنهُ لو رواها مرة وتركَ أخرى، أَو انفردَ واحدٌ عن واحدٍ قُبِلتْ، وأنَّهُ إنْ غيرتْ إعرابَ الباقي تعارضَا، وأنَّ حذفَ بعضِ الخبرِ جائزٌ إلا أنْ يتعلَّقَ به الباقي
    .
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( مسألةٌ: المختارُ أنَّ تكذيبَ الأصلِ الفرعَ ) فيما رواه عنه ( وهوَ جازِمٌ ) به كأن قال: رويت هذا عنه، فقال: ما رويته له (لا يُسقِطُ مَرْوِيَّهُ ) عن القبول وقيل: يسقطه؛ لأن أحدهما كاذب ويحتمل أن يكون هو الفرع فلا يثبت مرويه، قلنا: يحتمل نسيان الأصل له بعد روايته للفرع فلا يكون واحد منهما بتكذيب الآخر له مجروحا ( لأنَّهما لو اجتمعا في شهادةٍ لم تردَّ ) دليل على ترجيحه عدم سقوط مرويه ( وزيادةُ العدلِ ) فيما رواه على غيره من العدول ( مقبولةٌ إنْ لمْ يُعْلَمْ اتحادُ المجلِسِ ) بأن علم تعدده لجواز أن يكون النبي ذكرها في مجلس وسكت عنها في آخر، أو لم يعلم تعدده ولا اتحاده، لأن الغالب في مثل ذلك التعدد ( وإلا ) أي وإن علم اتحاده (فالمختارُ المنعُ ) أي منع قبولها ( إنْ كانَ غيرُه ) أي غير من زاد ( لا يَغْفُلُ مثلُهم عن مثلِها عادةً أو كانتْ الدواعي تتوفرُ على نقلِها ) وإلا قبلت، وقيل: لا تقبل مطلقا لجواز خطأ من زاد فيها، وقيل: تقبل مطلقا، وهو ما اشتهر عن الشافعي، ونقل عن جمهور الفقهاء والمحدثين لجواز غفلة من لم يزد عنها ( فإنْ كانَ الساكِتُ ) عنها فيما إذا علم اتحاد المجلس ( أضبطَ ) ممن ذكرها ( أو صرّحَ بنفيها على وجهٍ يقبلُ ) كأن قال: ما سمعتها ( تعارضا ) أي خبر الزيادة وخبر عدمها، بخلاف ما إذا نفاها على وجه لا يقبل بأن مَحَّض النفي فقال: لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلّم. فإنه لايقبل لأنه لم يصرح بنفي السماع فلعله قال ذلك بناء على ظنه هو واجتهاده أي أن نفي الزيادة كان بناء على ما بدا له، بخلاف نفي السماع المتقدم فإنه يقطع بنفي السماع لها ( والأصحُّ أنهُ لو رواها ) الراوي ( مرة وتركَـ ) ـها ( أخرى أوانفردَ ) بها ( واحدٌ عن واحدٍ ) فيما روياه ( قُبِلتْ ) وإن علم اتحاد المجلس لجواز السهو في الترك في المسألة الأولى وهي رواها مرة وتركها أخرى، ولأن مع راويها زيادة علم في المسألة الثانية وهي انفراد واحد عن واحد، وقيل: لا يقبل لجواز الخطأ فيها في الأولى، ولمخالفة رفيقه في الثانية ( و ) الأصح ( أنَّهُ إنْ غيرتْ ) زيادة العدل ( إعرابَ الباقي تعارضَا ) أي الخبران لاختلاف المعنى حينئذ كما لو روي في خبر الصحيحين: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر. نصف صاع، وقيل: تقبل الزيادة كما إذا لم يتغير الإعراب ( و ) الأصح ( أنَّ حذفَ بعضِ الخبرِ جائزٌ إلا أنْ يتعلَّقَ به الباقي ) فلا يجوز حذفه اتفاقا لإخلاله بالمعنى المقصود كأن يكون غاية أو مستثنى بخلاف ما لا يتعلق به الباقي فيجوز حذفه، لأنه كخبر مستقلّ، وقيل: لا يجوز لاحتمال أن يكون للضمّ فائدة تفوت بالتفريق مثاله حديث السنن في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. إذ قوله الحل ميتته لا تعلق له بما قبله.




  7. #67

    افتراضي

    الدرس السادس والستون- السنة

    زيادة الثقة في السند - حمل الصحابي الخبر على أحد معنييه


    أولا: لو روى جماعة حديثا مرسلا بأن لم يذكر الصحابي ورواه واحد مسندا، أو رواه جماعة موقوفا ورفعه واحد فحكم هذه الزيادة كحكم الزيادة في المتن التي سبقت.
    فيقال: إن علم تعدد مجلس السماع من الشيخ قُبِلَ الإسناد أو الرفع؛ لجواز أن يفعل الشيخ ذلك مرة دون أخرى، وكذا إن لم يعلم تعدد المجلس ولا اتحاده لأن الغالب فى مثل ذلك التعدد.
    وإن اتحد ففيه تفصيل فيقال: إن كان مثل المرسلين أو الواقفين لايغفل عادة عن مثل الإسناد أو الرفع لم يقبل، وإلا قُبِلَ ما لم يكونوا أضبط، أو صرحوا بنفي الإسناد أو الرفع على وجه يقبل كأن قالوا: ما سمعنا الشيخ أسند الحديث أو رفعه فإنه يتعارض الصنيعان فيصار إلى الترجيح.
    ثانيا: إذا روى الصحابي حديثا يحتمل معنيين فأكثر فحمله هو على أحدهما فهل يؤخذ بحمله لتعيين معنى الحديث ؟
    فيه تفصيل كالتالي:
    1- أن يكون المعنيان متنافيين كالقرء له معنيان متنافيان وهما: الطهر والحيض، ثم لو حمله الصحابي الذي روى حديث القرء على أحدهما فحينئذ يحمل الخبر عليه؛ لأن الظاهر أنه لا يحمله عليه إلا لقرينة تدل عليه لمشاهدته صاحب الشريعة.
    2- أن يكون المعنيان غير متنافيين، ثم حمله الصحابي على أحد معنييه فحينئذ يكون كحمل المشترك على معنييه معا- وقد تقدمت المسألة في مباحث الكتاب- فنحمل الخبر على المعنيين معا، وإنما لم نأخذ بحمل الصحابي لأنه لا حصر في كلامه وإنما هو أخذ بمصداق من مصاديق ذلك المشترك فيحتمل أنه يقول بالآخر أيضا واقتصر على الأول لا لغرض الحصر بل للتمثيل، وذلك كلفظ العين فلو حمله على الجارية لم يمنع من حمله على الباصرة أيضا حملا للفظ المشترك على كلا معنييه.
    3- أن يكون المعنيان غير متساويين بل أحدهما هو الظاهر كالحقيقة والمجاز، ثم حمله الصحابي الذي روى الحديث الذي فيه اللفظ الظاهر في أحد المعنيين على غير المعنى الظاهر كأن حمله على المجاز أو حمل الأمر على الندب وظاهره الوجوب فأكثر العلماء يحملونه على الظاهر ولا يأخذون بما حمله الصحابي عملا بظاهر الحديث ما لم تكن هنالك قرينة.

    ( شرح النص )

    ولَوْ أَسْنَدَ وأَرسَلُوا أو رفعَ ووقَفُوا فكالزيادةِ، وإذا حَمَلَ صحابيٌّ مَرْوِيَّهُ على أَحَدِ مَحْمَلَيهِ حُمِلَ عليهِ إِنْ تنافيا، وإلا فكالمشتركِ في حملِهِ على معنييهِ، فإنْ حَمَلَهُ على غيرِ ظاهرِهِ حُمِلَ على ظاهِرِهِ في الأَصحِّ.
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( ولَوْ أَسْنَدَ وأَرسَلُوا ) أي أسند الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحد من رواته وأرسله الباقون بأن لم يذكروا الصحابي ( أو رفعَ ووقَفُوا ) أي رفع الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحد من رواته ووقفه الباقون على الصحابي ( فكالزيادةِ ) أي فالإسناد في المسألة الأولى والرفع في المسألة الثانية كالزيادة في المتن فيما مرّ من التفصيل- وكذا الخلاف- فيقال: إن علم تعدد مجلس السماع من الشيخ قُبِلَ الإسناد أو الرفع؛ لجواز أن يفعل الشيخ ذلك مرة دون أخرى، وكذا إن لم يعلم تعدد المجلس ولا اتحاده لأن الغالب فى مثل ذلك التعدد، وإن علم اتحاد المجلس ففيه تفصيل فيقال: إن كان مثل المرسلين أو الواقفين لايغفل عادة عن مثل الإسناد أو الرفع لم يقبل، وإلا قُبِلَ ما لم يكونوا أضبط، أو صرحوا بنفي الإسناد أو الرفع على وجه يقبل كأن قالوا: ما سمعنا الشيخ أسند الحديث أو رفعه فإنه يتعارض الصنيعان فيصار إلى الترجيح، ومعلوم أن التفصيل بين ما تتوفر الدواعي على نقله ولا تتوفر لا يمكن مجيئه هنا، كما أن التفصيل بين ما يغير الإعراب أو لا يغيره لا يمكن مجيئه هنا أيضا، ويعتبر تعدد مجلس السماع من الشيخ هنا كتعدد مجلس السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ثَمَّ ( وإذا حَمَلَ صحابيٌّ مَرْوِيَّهُ على أَحَدِ مَحْمَلَيهِ حُمِلَ عليهِ إِنْ تنافيا ) كالقرء يحمله على الطهر أو الحيض، لأن الظاهر أنه إنما حمله عليه لقرينة، وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقال في اللمع: فيه نظر أي لاحتمال أن يكون حمله لموافقة رأيه لا لقرينة. وخرج بالصحابي غيره، وقيل: مثله التابعي، والفرق على الأصح أن ظهور القرينة للصحابي أقرب (وإلا ) أي وإن لم يتنافيا ( فكالمشتركِ في حملِهِ على معنييهِ ) أي فحكمه حكم المشترك المتقدم وقد تقدم أن الأصح أنه يحمل على كلا المعنيين فحينئذ يحمل المرويُّ على محمليه معا ولا يختص بحمل الصحابي إلا على القول بمنع حمل المشترك على معنييه فإن قلنا به فحينئذ يحمل عل ما حمله الصحابي ( فإنْ حَمَلَهُ ) أي حمل الصحابي مرويه فيما لو تنافى المحملان ( على غيرِ ظاهرِهِ ) كأن حمل اللفظ على معناه المجازى دون الحقيقي ( حُمِلَ على ظاهِرِهِ في الأَصحِّ ) اعتبارا بالظاهر، وفيه وفي أمثاله قال الشافعي: كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته، وقيل: يحمل على حمله لأنه لم يفعله إلا لدليل. قلنا: في ظنه وليس لغيره اتباعه فيه؛ لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا فإن ذكر دليلاً عمل به، أما إذا لم يتناف المحملان فظاهرٌ حمله على حقيقته ومجازه بناء على الراجح من استعمال اللفظ فيهما.




  8. #68

    افتراضي

    الدرس السابع والستون- السنة

    مَن لا تقبل أو تقبل روايته


    أولا: لا تقبل رواية كافر ولو علمنا تحرزه من الكذب؛ لأنه ليس بعد الكفر ذنب؛ ولأنه لا يؤمن كيده للإسلام، وإذا كان خبر الفاسق يرد لفسقه فالكافر من باب أولى.فالإسلام شرط.
    إلا أن الكافر إذا أسلم وكان قد سمع شيئا أثناء كفره ثم أداه بعد إسلامه فإنه يقبل منه.
    ثانيا: لا تقبل رواية المجنون سواء أطبق جنونه أم تقطّع. فالعقل شرط.
    ثالثا: لا تقبل رواية الصبي مميزا كان أو غير مميز؛ لأنه لعدم تكليفه قد يقدم على الكذب؛ فلا يمكن الوثوق بخبره إلا أن الصبي إذا تحمّل شيئا في صباه ثم أداه بعد البلوغ قبل منه؛ إذْ الأصل فيه بعد البلوغ العدالة والضبط وأنه لا يروي إلا ما عقله وحفظه. فالبلوغ شرط.
    رابعا: تقبل رواية المبتدع بشروط:
    1- أن لا تكون بدعته مكفّرة.
    2- أن يكون يحرّم الكذب.
    3- أن لا يكون داعيا إلى البدعة. ولم يشترطه بعضهم لأن المدار على الصدق فإذا تحققنا صدقه فلا يضر دعوته لها لا سيما إذا لم يرو ما يقوي بدعته.
    خامسا: تقبل رواية مَن ليس فقيها. وقال الحنفية: نقبل روايته إلا فيما خالف القياس، ونوقش بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رُبَّ حامِل فقهٍ ليس بفقيه. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
    سادسا: تقبل رواية مَتساهل في غير الحديث، وهو من يروي كلام الناس وينقله وهو غير واثق من ثبوته على عادة أكثر الناس في التساهل، ولكنه غير متساهل في رواية الحديث فلا يروي إلا ما هو واثق فيه فهذا تقبل روايته.
    سابعا: تقبل رواية المكثر من الرواية، وإن كانت مخالطته للمحدثين قليلة، لكن بشرط أن يكون تحصيله لما رواه ممكنا في المدة التي خالط فيها المحدثين، وإلا فلا تقبل لظهور كذبه في بعض غير معين منها.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ: لايُقْبَلُ مُخْتَلٌ وكافرٌ في الأصحِّ وكذا صبيٌّ في الأصحِّ، والأصحُّ أنَّهُ يقبلُ صبيٌّ تَحَمَّلَ فَبَلَغَ فأَدَّى، ومبتدِعٌ يُحَرِّمُ الكذبَ وليسَ بداعيةٍ ولا يُكفّرُ ببدعتِهِ، ومَن ليسَ فقيهًا وإنْ خالفَ القياسَ، ومتساهِلٌ في غيرِ الحديثِ، ويقبَلُ مُكْثِرٌ وإنْ نَدَرَتْ مخالَطَتُهُ للمحدِّثينِ إنْ أمكنَ تحصيلُ ذلكَ القدرُ في ذلكَ الزمنِ.
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( مسألةٌ: لايُقْبَلُ ) في الرواية ( مُخْتَلٌ ) في عقله كمجنون وإن تقطّع جنونه، وكمفيق من جنونه وأثّر في زمن إفاقته أي أنه قد أفاق من الجنون ولكن الجنون السابق قد أثر في عقله وإن لم يصر مجنونا فلا تقبل روايته إذ لا يمكنه التحرز عن الخلل ( و ) لا ( كافرٌ ) وإن علم منه التدين والتحرز عن الكذب، إذ لا وثوق به في الجملة، مع شرف منصب الرواية عن الكافر وهو لا يستحقه ( وكذا صبيٌّ ) يميز ( في الأصحِّ ) إذْ لا وثوقَ بهِ لأنه لعلمه بعدم تكليفه قد لا يحترز عن الكذب، وقيل: يقبل إن علم منه التحرز عنه، أما غير المميز فلا يقبل قطعا كالمجنون ( والأصحُّ أنَّهُ يقبلُ صبيٌّ ) مميز ( تَحَمَّلَ فَبَلَغَ فأَدَّى ) ما تحمله لانتفاء المحذور السابق، وقيل: لا إذ الصغر مظنة عدم الضبط ويستمر المحفوظ بحاله أي أنه قد حفظ حفظا غير دقيق وبقي في ذهنه على هذا الوصف إلى أن بلغ، ولو تحمل كافر فأسلم فأدّى أو فاسق فتاب فأدى قبل ( و ) الأصح أنه يقبل ( مبتدِعٌ يُحَرِّمُ الكذبَ وليسَ بداعيةٍ ولا يُكفّرُ ببدعتِهِ ) لأمنه من الكذب مع تأويله في الابتداع، بخلاف من لا يحرم الكذب أو يكون داعية بأن يدعو الناس إلى بدعته أو يكفر ببدعته كمنكر حدوث العالم والبعث، وعلم الله بالمعدوم وبالجزئيات فلا يقبل واحد من الثلاثة، وقيل: يقبل ممن يحرم الكذب وإن كان داعية لما مر وهو الذي رجحه الأصل، ومراده إذا لم يكفر ببدعته، وقيل: يقبل ممن يحرم الكذب وإن كفر ببدعته، وقيل لا يقبل مطلقا لابتداعه المفسق له ( و ) الأصح أنه يقبل ( مَن ليسَ فقيهًا وإنْ خالفَ القياسَ ) خلافا للحنفية فيما يخالف القياس قالوا لأن مخالفته ترجح احتمال الكذب، قلنا: لا نسلم لأن عدالته تمنعه من الكذب ( و ) الأصح أنه يقبل ( متساهلٌ في غيرِ الحديثِ ) بأن يتساهل في حديث الناس، ويتحرز في الحديث النبوي لأمن الخلل فيه بخلاف المتساهل فيه فيرد، وقيل: لا يقبل المتساهل مطلقا لأن التساهل في غير الحديث النبوي يجرّ إلى التساهل فيه ( ويقبلُ مكثِرٌ ) من الرواية ( وإنْ نَدَرَتْ مخالَطَتُهُ للمحدِّثينِ إنْ أمكنَ تحصيلُ ذلكَ القدرِ ) الكثير الذي رواه من الحديث ( في ذلكَ الزمنِ ) الذي خالطهم فيه فإن لم يمكن لم يقبل في شيء مما رواه لظهور كذبه في بعض لا نعلم عينه.




  9. #69

    افتراضي

    الدرس الثامن والستون- السنة

    العدالة

    أولا: شرط الراوي العدالة وهي: ملكةٌ تمنع صاحبها اقتراف الكبائر وصغائر الخسّة والرذائل المباحة.
    فالكبائر كالزنا والسرقة وشرب الخمر، والصغائر نوعان: صغائر دالة على خسة صاحبها كسرقة لقمة والتطفيف في الميزان بتمرة، وصغائر غير دالة على الخسة كنظرة إلى أجنبية وكذبة لم يتعلق بها ضرر، فالأولى تسقط العدالة بخلاف الثانية فإنها لا يخلو منها غير معصوم، والرذائل المباحة كالبول في الطريق فإنه مكروه ولكنه رذيلة تؤثر على العدالة.
    ثانيا: لا تقبل رواية من لم نتحقق فيه العدالة وهو المجهول، وهو ثلاثة أقسام:
    1- مجهول العين.
    2- مجهول الظاهر والباطن.
    3- مجهول الباطن دون الظاهر.
    فالأول: هو مَن عرف اسمه ولم يرو عنه إلا راو واحد ولم ينقل فيه جرح ولا تعديل.
    والثاني: هو من عرف اسمه وروى عنه راويان ولم تعرف عدالته ظاهرا ولا باطنا، ومعرفة عدالته الظاهرة تحصل بأن يعلم عدم الفسق منه، ومعرفة عدالته الباطنة تحصل بأقوال المزكين له في كتب الجرح والتعديل، فهو روى عنه اثنان وارتفعت عنه جهالة العين ولكن لم تتحقق عدالته الظاهرة والباطنة. ( الظاهرة بالعلم بعدم الفسق والباطنة بأقوال المزكين ).
    والثالث: هو من عرف اسمه وروى عنه راويان فأكثر وعلم عدم فسقه ولكن لم تعلم عدالته الباطنة بأقوال المزكين.
    فحديث هؤلاء جميعا من الضعيف المردود، وكذا حديث المبهم وهو من لا يعرف اسمه بأن يقال في السند حدثني رجل، وهذا يقبل حديثه إذا وثقه إمام من أئمة الحديث كالشافعي كأن قال حدثني رجل ثقة أو مَن لا أتهمه.
    وكثير من العلماء لايرضى بهذا التوثيق وقالوا فليذكر لنا من هو فقد يكون ثقة عنده هو دون غيره.
    رابعا: الأصح قبول رواية مَن أقدم على فعل مفسّق بعذر كجهل أو تأويل. كمَن شرب الخمر جهلا بحرمتها أو شرب النبيذ ظنا منه إباحته متأولا في ذلك.
    خامسا: الكبيرة هي: ما توعد الشارع على فعله بخصوصه بغضب أو لعن ونحوه.
    والكبائر كثيرة أفردت بالتصنيف ولنذكر منها ما يلي:
    القتل، والزنا، واللواط، وشرب الخمر، وشرب المسكر غير الخمر كالنبيذ، والسرقة لما قيمته ربع مثقال من الذهب، أما سرقة دون ذلك فصغيرة، والغصب للمال، والسرقة تحصل خفية والغصب جهارا، والقذف بزنا أو لواط، والنميمة وهي نقل كلام بعض الناس إلى بعض على وجه الإفساد بينهم، وشهادة الزور، واليمين الفاجرة وهي اليمين الكاذبة التي يقتطع بها حق غيره، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم بغير حق، والخيانة بوزن أو كيل وهم المطففون في الميزان ومن الخيانة الغلول في الغنيمة، وتقديم الصلاةٍ على وقتها، وتأخيرها عنه بلا عذر، والكذب عمدا على نبيٍّ، وضرب المسلم بلا حق، وسب أحد الصحابة، وكتم الشهادة، والرشوة وهي: أن يبذل مالا ليحق باطلا أو يبطل حقا، والدياثة: وهي الرضى بفعل أهله الفاحشة ودخول الرجال عليهم، والقيادة والقواد: مَن يجمع بين الرجال والنساء في الحرام أي من غير أهله، والسعاية وهي: أن يذهب بشخص إلى ظالم ليؤذيه بما يقوله في حقه، ومنع الزكاة، واليأس من رحمة الله أي استبعاد العفو عن الذنوب لاستعظامها لا إنكار سعة رحمته للذنوب، فإنه كفر، والأمن من مكر الله بالاسترسال في المعاصي والاتكال على العفو، والظهار كقوله لزوجته أنت عليّ كظهر أمي، وأكل لحمِ ميتةٍ وخنزيرٍ، والفطر في رمضانَ ولو يوما بلا عذر، والحرابة وهي قطع الطريق على المارّين بإخافتهم، والسحر، والربا، والإدمان على الصغيرة أي الإصرار عليها من نوع واحد أو أنواع حيث لم تغلب طاعاته معاصيه.

    ( شرح النص )

    وشرطُ الراوي العدالةُ وهيَ: مَلَكَةٌ تمنعُ اقترافَ الكبائرِ وصغائرِ الخِسَّةِ كسرقةِ لقمةٍ والرذائلِ المباحةِ كبولٍ بطريقٍ، فلا يقبلُ في الأصحِّ مجهولٌ باطنًا وهوَ المستورُ ومجهولٌ مطلقًا ومجهولُ العينِ، فإنْ وصَفَهُ نحوُ الشافعيِّ بالثقةِ أو بنفي التهمةِ قُبلَ في الأصحِّ كمَن أقدمَ معذورًا على مُفسّقٍ مظنونٍ أو مقطوعٍ. والمختارُ أنَّ الكبيرةَ: ما تُوعِّدَ عليهِ بخصوصِهِ غالبًا، كقتلٍ وزنًا ولواطٍ وشربِ خمرٍ ومسكرٍ وسرقةٍ وغصبٍ وقذفٍ ونميمةٍ وشهادةِ زورٍ ويمينٍ فاجرةٍ وقطيعةِ رحمٍ وعقوقٍ وفرارٍ ومالِ يتيمٍ وخيانةٍ وتقديمِ صلاةٍ وتأخيرِها وكذبٍ على نبيٍّ وضربِ مسلمٍ وسبِّ صحابيٍّ وكتمِ شهادةٍ ورشوةٍ ودياثةٍ وقيادةٍ وسِعايةٍ ومنعِ زكاةٍ ويأسِ رحمةٍ وأمنِ مكرٍ وظِهارٍ ولحمِ ميتَةٍ وخنزيرٍ وفطرٍ في رمضانَ وحِرابةٍ وسحرٍ وربا وإدمانِ صغيرةٍ.
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( وشرطُ الراوي العدالةُ وهيَ ) لغة: التوسط في الأمر من غير إفراط إلى طرفي الزيادة والنقصان. وشرعا بالمعنى الشامل للمروءة ( ملكةٌ ) أي هيئة راسخة في النفس ( تمنعُ اقترافَ ) أي ارتكاب ( الكبائرِ وصغائرِ الخِسَّةِ كسرقةِ لقمةٍ ) وتطفيف تمرة ( والرذائلِ المباحةِ ) أي الجائزة بالمعنى الأعم أي المأذون في فعلها لا بمعنى مستوية الطرفين ليشمل المكروه ( كبولٍ بطريقٍ ) وهو مكروه ونحو ذلك مما يخلّ بالمروءة. ومعنى التعريف المذكور أنه يمنع اقتراف كل فرد من أفراد ما ذكر فباقتراف فرد منه تنتفي العدالة، أما صغائر غير الخسة ككذبة لا يتعلق بها ضرر ونظرة إلى أجنبية، فلا يشترط المنع من اقتراف كل فرد منها. فلا تنتفي العدالة باقتراف شيء منها إلا أن يصرّ عليه ولم تغلب طاعاته، وإذا تقرر أن العدالة شرط في الرواية ( فلا يقبلُ في الأصحِّ مجهولٌ باطنًا وهوَ المستورُ ) أى مستور العدالة بأن روى عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق فهو مجهول الباطن عدل الظاهر ( و ) لا ( مجهولٌ مطلقًا ) أي باطنا وظاهرا وهو من روى عنه عدلان ولم تعلم عدالته الظاهرة بتحقق عدم ظهور الفسق منه ولا عدالته الباطنة بأقوال المزكين ( و ) لا ( مجهولُ العينِ ) كأن يقال عن رجل لانتفاء تحقق العدالة- والمشهور عند المحدثين أن من لم يسم هو المبهم وأما مجهول العين فهو من سمي ولم يرو عنه إلا راو واحد- وقيل: يقبلون اكتفاء بظنّ حصولها في الأول وتحسينا للظنّ بالأخيرين ( فإنْ وصَفَهُ ) أي الأخير وهو مجهول العين ( نحوُ الشافعيِّ ) من أئمة الحديث الراوي عنه ( بالثقةِ أو بنفي التهمةِ ) كقوله أخبرني الثقة أو من لا أتهمه ( قُبلَ في الأصحِّ ) وإن كان الثاني- وهو قوله مَن لا أتهمه- دون الأوّل- وهو قوله الثقة- رتبة وذلك لأن واصفه من أئمة الحديث لا يصفه بذلك إلا وهو كذلك، وقيل لا يقبل لجواز أن يكون فيه جارح ولم يطلع عليه الواصف ( كمَن أقدمَ معذورًا ) بنحو تأويل أو جهل بالحرمة -ككونه حديث عهد بإسلام- خلا عن التدين بالكذب، أو إكراه ( على ) فعل ( مُفسّقٍ مظنونٍ ) كشرب نبيذ ( أو مقطوعٍ ) كشرب خمر فيقبل في الأصح سواء اعتقد الإباحة أم لم يعتقد لا الإباحة ولا الحرمة وذلك لعذره، وقيل: لا يقبل لارتكابه المفسق وإن اعتقد الإباحة، وقيل: يقبل في المظنون دون المقطوع، وخرج بالمعذور من أقدم عالما بالتحريم باختياره أو متدينا بالكذب فلا يقبل قطعا ( والمختارُ أنَّ الكبيرةَ: ما تُوعِّدَ عليهِ ) بنحو غضب أو لعن أو نار أو عذاب ( بخصوصِهِ ) في الكتاب أو السنة أي زيادة على مطلق الوعيد الوارد في المخالفة ( غالبًا ) احتراز عما ورد فيه وعيد بخصوصه وليس بكبيرة كالغيبة، وقيل: هي ما فيه حدّ ( كقتلٍ ) ظلما ( وزنًا ولواطٍ وشربِ خمرٍ ) وإن لم يسكر لقلتها وهي المسكر من ماء العنب ( ومسكرٍ ) ولو غير خمر كالمسكر من نقيع الزبيب المسمى بالنبيذ ( وسرقةٍ ) لربع مثقال أو ما قيمته ذلك، أما سرقة ما دون ذلك فصغيرة ( وغصبٍ ) لمال أو نحوه من الحقوق ( وقذفٍ) لرجل أو امرأة بزنا أو لواط ( ونميمةٍ ) وهي نقل كلام بعض الناس إلى بعض على وجه الإفساد بينهم ، أما الغيبة وهي ذكرك لإنسان بما يكرهه وإن كان فيه وعيد فصغيرة قاله صاحب العدة الكبرى شرح الإبانة الحسين بن علي الطبري، وأقرّه الرافعي ومن تبعه كالنووي لعموم البلوى بها. وقال القرطبي في تفسيره إنها كبيرة بلا خلاف ( وشهادة زورٍ ويمينٍ فاجرةٍ ) وهي اليمين الكاذبة التي يقتطع بها حق غيره ( وقطيعةِ رحمٍ وعقوقٍ وفرارٍ ) من الزحف ( ومالِ يتيمٍ ) أي أخذه بلا حق (وخيانةٍ ) بوزن أو كيل وهم المطففون في الميزان، ومنها الغلول في الغنيمة، وهذا في غير الشيء التافه أما في التافه فصغيرة ( وتقديمِ صلاةٍ ) على وقتها (وتأخيرِها ) عنه بلا عذر كسفر ( وكذبٍ ) عمدا ( على نبيٍّ وضربِ مسلمٍ ) بلا حق ( وسبِ صحابيٍّ وكتمِ شهادةٍ ورشوةٍ ) وهي أن يبذل مالا ليحق باطلا أو يبطل حقا ( ودياثةٍ ) وهي الرضى بفعل أهله الفاحشة ودخول الرجال عليهم ( وقيادةٍ ) والقواد: مَن يجمع بين الرجال والنساء في الحرام أي من غير أهله ( وسعايةٍ ) وهي أن يذهب بشخص إلى ظالم ليؤذيه بما يقوله في حقه ( ومنعِ زكاةٍ ويأسِ رحمةٍ ) والمراد باليأس من رحمة الله استبعاد العفو عن الذنوب لاستعظامها لا إنكار سعة رحمته للذنوب، فإنه كفر ( وأمنِ مكرٍ ) بالاسترسال في المعاصي والاتكال على العفو ( وظهارٍ ) كقوله لزوجته أنت عليّ كظهر أمي ( ولحمِ ميتةٍ وخنزيرٍ ) أي تناوله بلا ضرورة ( وفطرٍ في رمضانَ ) ولو يوما بلا عذر ( وحرابةٍ ) وهي قطع الطريق على المارّين بإخافتهم ( وسحرٍ وربًا وإدمانِ صغيرةٍ ) أي إصرار عليها من نوع واحد أو أنواع حيث لم تغلب طاعاته معاصيه، وليست الكبائر منحصرة في المذكورات، كما أفهمه ذكر الكاف في أولها نسأل الله أن يجنبنا ظاهر الإثم وباطنه وأن يغفر لنا ذنوبنا.

    V

  10. #70

    افتراضي

    الدرس التاسع والستون- السنة

    الفرق بين الرواية والشهادة- مسائل في الجرح والتعديل


    أولا: الفرق بين الرواية والشهادة هو أن الرواية هي: الإخبار بشيء عام لا ترافع فيه إلى الحكّام، كقول الرواي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه. فهذا عام متعلق بكل أحد؛ وليس خاصا بشخص دون شخص، وليس في قوله هذا شهادة لأحد عند الحاكم.
    وأما الشهادة فهي: الإخبار بشيء خاص عند الحاكم إنْ كان حقا لغير المخبِرِ على غيره.
    كقول الشاهد: أشهد بأنَّ لفلان عند فلان كذا من المال.
    فإن كان حقا للمخبِر على غيره فهو دعوى، وإن كان اعترافا بحق لغيره عليه فهو إقرار وإن لم يكن عند حاكم.
    ثانيا: إذا قال شخص أَشهدُ بكذا فهل هو إنشاء أو خبر؟
    فقيل: هو محض إنشاء لأنه ينطبق عليه حد الإنشاء فإن مضمونه لا وجود له في الخارج إلا بالتلفظ به، فإذا تلفظ وقال أشهد بكذا وجد مدلوله وتحقق.
    وقيل: هو خبر محض بالنظر إلى متعلقه أي المشهود به، فلو قال شخص: أشهدُ بأن لزيدِ عند عمرو 10 دنانير فهو إخبار بالحق.
    وقيل: هو إنشاء تضمّن إخبارًا، فهو بالنظر إلى لفظه إنشاء؛ لأن مضمونه لا وجود له في الخارح، وبالنظر إلى متعلقه وهو المشهود به إخبار.
    ثالثا: صيغ العقود كبعت واشتريت وزوّجت كلها من قبيل الإنشاء؛ لأن مضمونها لا وجود له في الخارج ليخبر عنه.
    رابعا: يثبت الجرح والتعديل بقول واحد، وأما في الشهادة فلا بد من شهادة اثنين. وقيل لا بد فيهما من اثنين.
    خامسا: يكفي الإطلاق في التعديل من غير بيان سبب.
    أما في الجرح فلا بد من بيان السبب؛ للاختلاف في أسبابه فقد يكون بعضها جارحا عند المتكلم دون غيره من الأئمة، ولكن يكفي الإطلاق في الجرح- كأن يقول: هو ضعيف - إذا علم مذهبه وأنه لايجرح إلا بشيء قادح.
    سادسا: إذا تعارض الجرح والتعديل فالجرح مقدم إن كان عدد الجارحين أكثر من المعدلين إتفاقا، أما إذا تساويا أو كان عدد الجارحين أقل فيقدم الجرح أيضا على الأصح لاطلاع الجارح على ما لم يطلّع عليه المعدّل.
    سابعا: من طرق التعديل حكم الحاكم بمقتضى شهادة شخص، فمتى حكم القاضي في قضية بشهادة فلان فهذا تعديل ضمني له.
    ثامنا: قيل: من طرق التعديل أيضا عمل العالِم بمقتضى رواية شخص فإنه يعتبر تعديلا له وإلا لما عمل بروايته.
    وقيل: ليس تعديلا له والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطا.
    تاسعا: من طرق التعديل أيضا رواية من لا يروي إلا عن عدل بأن صرح بذلك أو عرف أن من عادته أن لايروي إلا عن عدل.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ: الإخبارُ بعامٍّ روايةٌ، وبخاصٍّ عندَ حاكمٍ شهادةٌ إنْ كانَ حقًّا لغيرِ المخبِرِ على غيرِهِ والمختارُ أنَّ أشهدُ إنشاءٌ تضمَّنَ إخبارًا، وأنَّ صيغَ العقودِ والحُلولِ كبِعتُ وأَعتقتُ إنشاءٌ. وأنَّهُ يثبتُ الجرحُ والتعديلُ بواحدٍ في الروايةِ فقطْ، وأنَّهُ يشترطُ ذكرُ سببِ الجرحِ فيهما، ويكفي إطلاقُهُ في الروايةِ إنْ عُرِفَ مذهبُ الجارِحِ، والجرحُ مقدمٌ إنْ زادَ عددُ الجارحِ على المعدِّلِ وكذا إنْ لم يزدْ عليهِ في الأصحِّ، ومِنَ التعديلِ حكمُ مشترِطِ العدالةِ بالشهادةِ، وكذا عَمَلُ العالِمِ، وروايةُ مَنْ لايروي إلا عنْ عدلٍ في الأصحِّ
    .
    ......................... ......................... ......................... ....
    ( مسألةٌ: الإخبارُ بعامٍّ ) أي بشيء عام ( روايةٌ ) سواء أكان مدلول الرواية خبرا أو إنشاء كالأمر بالصلاة ( و ) الاخبار ( بخاصٍّ عندَ حاكمٍ شهادةٌ إنْ كانَ حقًّا لغيرِ المخبِرِ على غيرِهِ ) فإن كان للمخبر على غيره فدعوى، أو لغيره عليه وإن لم يكن عند حاكم فإقرار ( والمختارُ أنَّ أشهدُ إنشاءٌ تضمَّنَ إخبارًا ) نظرا إلى اللفظ لوجود مضمونه في الخارج به، ونظرا إلى متعلقه وهو المشهود به، وقيل: محض إخبار نظرا إلى متعلقه فقط، وقيل: محض إنشاء نظرا إلى اللفظ فقط ( و ) المختار ( أنَّ صيغَ العقودِ والحُلولِ كبِعتُ ) واشتريت ( وأَعتقتُ إنشاءٌ ) لوجود مضمونها في الخارج بها، ويقصد بالحلول الألفاظ التي تدل على الفسخ لا الإبرام كطلقت وأعتقت، وقال أبو حنيفة إنها إخبار على أصلها فإن قيل ولكن لا وجود لمضمونها في الخارج قال نقدر وجود مضمونها في الخارج قبيل التلفظ بها ثم نخبر عنها ( و ) المختار (أنَّهُ يثبتُ الجرحُ والتعديلُ بواحدٍ في الروايةِ فقطْ ) أي بخلاف الشهادة لا يثبتان فيها إلا بعدد أي اثنين فأكثر كما في الشهادة بالزنا، وقيل: لا يكفي واحد في الرواية كالشهادة ( و ) المختار ( أنَّهُ يشترطُ ذكرُ سببِ الجرحِ فيهما ) أي في الرواية والشهادة للاختلاف فيه بخلاف سبب التعديل ( و ) لكن ( يكفي إطلاقُهُ ) أي الجرح (في الروايةِ ) كالتعديل كأن يقول الجارح فلان ضعيف أو ليس بشيء ( إنْ عُرِفَ مذهبُ الجارِحِ ) من أنه لا يجرح إلا بقادح، فعلم أنه لا يكفي الإطلاق في الرواية إذا لم يعرف مذهب الجارح، ولا في الشهادة مطلقا أي سواء عرف مذهب الجارح أم لا لتعلق الحق فيها بالمشهود له فيحتاط فيها ما لا يحتاط في الرواية، وقيل: يشترط ذكر سبب الجرح والتعديل في الرواية والشهادة ولو من العالم بأسباب الجرح والتعديل، فلا يكفي إطلاقهما فيهما لاحتمال أن يجرح بما ليس بجارح وأن يبادر إلى التعديل عملا بالظاهر لا بما يحقق العدالة ( والجرحُ مقدمٌ ) عند التعارض على التعديل ( إنْ زادَ عددُ الجارحِ على ) عدد ( المعدِّلِ ) إجماعا ( وكذا إنْ لم يزدْ عليهِ ) بأن ساواه أو نقص عنه ( في الأصحِّ ) لاطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل، وقضية هذا التعليل: أنه لو اطلع المعدل على السبب الذي جرح به وعلم توبته منه قدم على الجارح وهو كذلك لأن مع المعدل حينئذ زيادة علم، وقيل: في حالة تساوي عدد الجارحين والمعدلين أو نقص عدد الجارحين فإنه يصار إلى الترجيح بينهما بحسب القرائن ولا يحكم بحكم عام ( ومِنَ التعديلِ ) لشخص ( حكمُ ) الحاكم ( مشترِطِ العدالةِ ) في الشاهد ( بالشهادةِ ) من ذلك الشخص إذ لو لم يكن عدلا عنده لما حكم بشهادته فالحكم بشهاته يتضمن عدالته ( وكذا عَمَلُ العالِمِ ) المشترط للعدالة في الراوي برواية شخص هي تعديل له في الأصح، وإلا لما عمل بروايته وقيل: ليس تعديلا، والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطا ( و ) كذا ( روايةُ مَن لا يروي إلا عنْ عدلٍ ) بأن صرح بذلك أو عرف من عادته بالاستقراء أنه لا يروي إلا عن عدل ( في الأصحِّ ) كما لو قال هو عدل، وقيل: يجوز أن يترك عادته في بعض الأحيان فلا تكون روايته عنه تعديلا له.




  11. #71

    افتراضي

    الدرس السبعون- السنة

    تكملة مسائل الجرح والتعديل- الصحابي والتابعي


    أولا: هناك أمور قيل إنها من جملة ما يجرح به الرواة والشهود والأصح أنها ليست مما يجرح به. ومن هذه الأمور:
    1- إذا ترك العالم العمل بمقتضى رواية شخص، أو ترك الحاكم الحكم بمقتضى شهادة شخص؛ لأنه يجوز أن يكون الترك لوجود معارض لترك الرواية أو الشهادة لا لجرح في الراوي أو الشاهد.
    2- إذا أقيم الحد على الشاهد بالزنا فليس ذلك جرحا للشاهد؛ لأنه قد يكون ذلك لعدم اكتمال نصاب الشهادة لا لتحقق كذب الشاهد.
    وكذا إذا أقيم الحد على شارب النبيذ ونحوه من الأمور الإجتهادية؛ إذْ قد يكون مذهبه جواز ذلك.
    3- إذا دلّس الراوي اسم مَن روى عنه بأن سماه بغير ما اشتهر به حتى لا يعرف.
    وقيل: لا يعتبر جرحا بشرط إذا سئل عنه يبينه باسمه الذي يعرفه به الناس فإن لم يبينه فهو جرح.
    ومن ذلك ما لو كنّى شخصا أو لقبه بما اشتهر به غيره. ومن ذلك قول صاحب جمع الجوامع: أخبرنا ( أبو عبد الله الحافظ) يقصد به شيخه الذهبي. مع أن المعروف أن البيهقي كان يقول: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، يقصد به الحاكم صاحب المستدرك.
    ومن ذلك ما يوهم اللقاء كأن يقول الراوي: قال الزهري وهو لم يلقه، يوهم أنه قد لقيه.
    ومن ذلك ما يوهم الرحلة كأن يقول: ( حدثنا فلان وراء النهر ) وهو يريد الفرات مثلا، مع أن المعروف عند المحدثين أن من قال: حدثنا وراء النهر، أنه يقصد نهر جيحون على الحدود بين أفغانستان وطاجكستان.
    أما مدلس المتون وهو: مَن يدرج كلامه مع متن الحديث بحيث لا يتميزان. فهو مجروح لإيقاع غيره في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
    ثانيا: الصحابيّ: مَن اجتمع مؤمنا مميزا بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته.
    وإن لم يرو عنه شيئا، وإن لم يطل اجتماعه به، أو كان أنثى، أو أعمى كابن أم مكتوم.
    فخرج من اجتمع به كافرا، أو غير مميز، وقيل: لا يشترط التمييز، أو بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمى صحابيا.
    والتابعي: مَن اجتمع مؤمنا مميزا بالصحابي في حياته. وقيل: يشترط في التابعي أن يطول صحبته للصحابي.
    والصحابة كلهم عدول فلا يبحث عن عدالتهم في رواية أو شهادة لتزكية الله لهم.
    ولو ادعى مَن عاصر النبي صلى الله عليه وسلم وكان عدلا أنه اجتمع به ثبتت صحبته.

    ( شرح النص )

    وليسَ من الجَرحِ تركُ عملٍ بِمَروِيِّهِ وحُكمٍ بمشهودِهِ، ولا حدٌّ في شهادةِ زنًا ونحوِ شربِ نبيذٍ، ولا تدليسٌ بتسميةٍ غيرِ مشهورةٍ، قيلَ إلا أن يكونَ بحيثُ لو سُئِلَ لم يبيّنْهُ، ولا بإعطاءِ شخصٍ اسما آخرَ تشبيهًا كقولِ الأصل: أبو عبد اللهِ الحافِظُ يعني الذهبي تشبيهًا بالبيهقيِّ يعني الحاكِمَ، ولا بإيهامِ اللقي والرحلةِ، أمَّا مُدِلِّسُ المتونِ فمجروحٌ.
    مسألةٌ: الصحابيُّ: مَن اجتمعَ مؤمنًا بالنبيِّ. وإنْ لمْ يروِ ولم يطلْ كالتابعيّ معهُ.
    والأصحُّ أنهُ لو ادّعى معاصِرٌ عدلٌ صحبةً قُبِلَ، وأنَّ الصحابةَ عدولٌ.

    ......................... ......................... ......................... .................
    ( وليسَ من الجَرحِ ) لشخص ( تركُ عملٍ بِمَروِيِّهِ و ) لا ترك ( حُكمٍ بمشهودِهِ ) لجواز أن يكون الترك لمعارض لا لجرح ( ولا حدٌّ ) له ( في شهادةِ زنًا ) بأن لم يكمل نصابها؛ لأنه لانتفاء النصاب لا لمعنى في الشاهد يقتضي جرحه ( و ) لا في ( نحوِ شربِ نبيذٍ ) أي في القدر الذي لايسكر منه وأما القدر الذي يسكر منه فالحد به محل وفاق، ونحو ذلك من المسائل الاجتهادية المختلف فيها لجواز أن يعتقد إباحة ذلك ( ولا تدليسٌ ) فيمن روى عنه ( بتسميةٍ غيرِ مشهورةٍ ) له حتى لا يعرف، ويسمى هذا بتدليس الشيوخ ( قيلَ ) أي قال ابن السمعاني ( إلا أن يكونَ بحيثُ لو سُئِلَ ) عنه ( لم يبيّنْهُ ) فإن صنيعه حينئذ جرح له لظهور الكذب فيه، وأجيب بمنع ذلك لجواز أن يكون إخفاءه لغرض من الأغراض ( ولا ) تدليس ( بإعطاءِ شخصٍ اسما آخرَ تشبيهًا ) له بشخص آخر ( كقولِ ) صاحب ( الأصلِ ) أخبرنا ( أبو عبدُ اللهِ الحافظُ يعني ) به ( الذهبي تشبيهًا بالبيهقيِّ ) في قوله أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ( يعني ) به ( الحاكمَ ) لظهور المقصود وذلك صدق في نفس الأمر وهذا من تدليس الشيوخ أيضا ( ولا ) تدليس ( بإيهامِ اللقي والرحلةِ ) الأول ويسمى تدليس الإسناد كأن يقول من عاصر الزهري مثلاً ولم يلقه. قال الزهري أو عن الزهري موهما أنه سمعه، فإن لم يأت بلفظ موهم بل صرح بالسماع ممن لم يسمع منه فهو كذب، والثاني ويسمى تدليس البلدان وهو من أقسام تدليس الشيوخ كأن يقول حدّثنا فلان وراء النهر موهما جيحون، والمراد نهر مصر مثلا كأن يكون بالجيزة لأن ذلك من المعاريض لا كذب فيه ( أمَّا مُدِلِّسُ المتونِ ) وهو من يدرج كلامه معها بحيث لا يتميزان ( فمجروحٌ ) لإيقاعه غيره في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم ( مسألةٌ: الصحابيُّ ) أي صاحب النبي صلى الله عليه وسلّم ( مَن اجتمعَ مؤمنًا ) مميزا ( بالنبيِّ ) صلى الله عليه وسلم في حياته ( وإن لم يروِ ) عنه شيئا ( ولم يطلْ ) أي اجتماعه به أو كان أنثى أو أعمى كابن أم مكتوم، فخرج من اجتمع به كافرا أو غير مميز أو بعد وفاة النبي، لكن قال البرماوي في غير المميز إنه صحابي وإن اختار جماعة خلاف ذلك، وقيل يشترط في صدق اسم الصحابي الرواية ولو لحديث واحد وإطالة الاجتماع نظرا في الإطالة إلى العرف، وفي الرواية إلى أنها المقصود الاعظم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلّم لتبليغ الأحكام (كالتابعيِّ معهُ ) أي مع الصحابي فيكفي في صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه مؤمنا بالصحابي في حياته، وهذا ما رجحه ابن الصلاح والنووي وغيرهما، وقيل: لا يكفي ذلك من غير إطالة للاجتماع به وبه جزم الأصل تبعا للخطيب البغدادي، وفرق بأن الاجتماع بالنبي يؤثر من النور القلبي أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الأخيار ( والأصحُّ أنهُ لو ادّعى معاصِرٌ ) للنبي صلى الله عليه وسلّم ( عدلٌ صحبةً قُبِلَ ) لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك، وقيل لا يقبل لادّعائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما لو قال أنا عدل فإنه لا يقبل منه ذلك ( و ) الأصح ( أنَّ الصحابةَ عدولٌ ) فلا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة لأنهم خير الأمة لقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس. وقوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا. فإن المراد بهم الصحابة، ولخبر الصحيحين: خير أمتي قرني. وقيل: هم كغيرهم فيبحث عن عدالتهم في ذلك إلا من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين رضي الله عنهما.




  12. #72

    افتراضي

    الدرس الحادي والسبعون- السنة

    المرسل


    أولا: الحديث المرسل: قول غير صحابي- تابعيا كان أم من بعده- قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا. باسقاط الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم. هذا اصطلاح الأصوليين.
    وأما اصطلاح المحدثين فهو: قول التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم. أي بإسقاط الصحابي. أما قول مَن بعد التابعي فهو معضل.
    ثانيا: لا يحتج بالمرسل للجهل بالواسطة ولكن يحتج به إذا كان المرسِل من كبار التابعين كقيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي بشرط أن يعضد ذلك المرسَل واحد مما يلي:
    1- أن يكون ذلك الراوي المرسِل لا يروي إلا عن عدل كأبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، فحينئذ لا يضر الجهل بالواسطة ويعتبر الحديث في حكم الحديث المسنَد المتصل.
    2- أن يوافق قول صحابي أو فعله.
    3- أن يقول به الأكثر من أهل العلم.
    4- أن يروى من طريق آخر مسند صحيحا كان أم ضعيفا.
    5- أن يكون هنالك مرسِل آخر قد أرسل نفس الحديث وكان شيخ الاول غير شيخ الثاني.
    6- أن ينتشر بين العلماء ويشتهر من غير نكير.
    7- أن يوافقه قياس.
    8- أن يعمل به أهل العصر أي ولم يصل إلى حد الإجماع فإنه حينئذ يكون حجة بنفسه.
    ثالثا: الحجة ليس في المرسل وحده ولا فيما عضده وحده بل بمجموعهما معا يكونان دليلا واحدا، إلا إذا عضد المرسل مسند صحيح فإنه يكون لنا دليلان: المسند الصحيح وذلك المرسل.
    وتظهر الفائدة عند التعارض والبحث عن المرجحات فإذا عارض دليل واحد هذا المرسل الذي تقوى بمسند صحيح ترجح لاجتماع دليلين.
    رابعا: أن المرسَل إذا تقوى بعاضد - غير الحديث الصحيح - فهو مع الاحتجاج به أضعف من الحديث المسند الذي لم يسقط منه أحد فعند التعارض يقدم المسند على المرسل الذي تقوى بعاضد.
    خامسا: إذا تجرد المرسل عن عاضد يعضده ولم يكن في الباب سوى هذا المرسل وكان مقتضى هذا المرسل هو المنع من شيء فإنه يجب الكف عنه احتياطا. وقيل: لا يجب.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ: المرسَلُ: مرفوعُ غيرِ صحابيٍّ إلى النبيِّ، والأصحُّ أنَّهُ لا يُقبَلُ إلا إنْ كانَ مُرْسِلُهُ من كبارِ التابعينَ وعَضَدَهُ كونُ مُرْسِلِهِ لا يروي إلا عنْ عدلٍ وهُوَ مُسنَدٌ، أو عَضَدَهُ قولُ صحابيٍ أو فِعلُهُ أو قولُ الأكثرِ أو مسنَدٌ أو مُرسَلٌ أو انتشارٌ أو قياسٌ أو عملُ العصرِ أو نحوُها. والمجموعُ حجّةٌ إنْ لم يحتجَّ بالعاضِدِ، وإلا فدليلانِ، وأنَّهُ باعتضادِهِ بضعيفٍ أضعفُ مِنْ المسنَدِ، فإنْ تَجَرَّدَ ولا دليلَ سواهُ فالأصحُّ الانكفافُ لأجلِهِ.
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( مسألةٌ: المرسَلُ ) المشهور عند الأصوليين والفقهاء وبعض المحدثين ( مرفوعُ غيرِ صحابيٍّ ) تابعيا كان أو من بعده ( إلى النبيِّ ) صلى الله عليه وسلّم مسقطا لواسطة بينه وبين النبي، وعند أكثر المحدّثين مرفوع تابعي إلى النبي، وعندهم المعضل: ما سقط منه راويان فأكثر، والمنقطع: ما سقط منه من غير الصحابة راوٍ ( والأصحُّ أنَّهُ لا يُقبَلُ ) أي لا يحتج به للجهل بعدالة الساقط ( إلا إنْ كانَ مُرْسِلُهُ من كبارِ التابعينَ ) كقيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي ( وعَضَدَهُ كونُ مُرْسِلِهِ لايروي إلا عنْ عدلٍ ) كأن عرف ذلك من عادته كأبي سلمة بن عبد الرحمن يروي عن أبي هريرة رضي الله عنه ( وهوَ ) حينئذ ( مُسْنَدٌ ) حكما لأن إسقاط العدل كذكره ( أو عَضَدَهُ قولُ صحابيٍ أو فعلُهُ أو قولُ الأكثرِ ) من العلماء لا صحابيَّ فيهم ( أو مسنَدٌ ) سواء أسنده المرسِل أم غيره ( أو مرسَلٌ ) بأن يرسله آخر يروي عن غير شيوخ الأوّل ( أو انتشارٌ ) له من غير نكير ( أو قياسٌ أو عملُ ) أهل ( العصرِ ) على وفقه ( أو نحوُها ) ككون مرسله إذا شارك الحفاظ في أحاديثهم وافقهم فيها ولم يخالفهم إلا بنقص لفظ من ألفاظهم بحيث لا يختل به المعنى. وهذا في حقيقته شرط يعود إلى الراوي فإنه يشترط فيه أن يكون من كبار التابعين وأن يكون يوافق الحفاظ في حفظهم فإن كان يشذ عنهم رد المرسل، ثم بعد ذلك يعضده عاضد فإن المرسل حينئذ يقبل، وقيل: يقبل مطلقا لأن العدل لا يسقط الواسطة إلا وهو عدل عنده وإلا كان ذلك تلبيسا قادحا فيه، وقيل: لا يقبل مطلقا ( والمجموعُ ) من المرسل وعاضده ( حجةٌ ) لا مجرد المرسل ولا مجرد عاضده لضعف كل منهما منفردا، ولا يلزم من ذلك ضعف المجموع، لأنه يحصل من اجتماع الضعيفين قوة مفيدة للظن هذا ( إنْ لمْ يحتجَّ بالعاضِدِ ) وحده ( وإلا ) بأن كان يحتج به كمسند صحيح ( فـ ) ـهما ( دليلانِ ) إذ العاضد حينئذ دليل برأسه والمرسل لما اعتضد به صار دليلا آخر فيرجح بهما عند معارضة حديث واحد لهما ( و ) الأصح ( أنَّهُ) أي المرسل ( باعتضادِهِ ) أي مع اعتضاده ( بضعيفٍ ) يقصد بالضعيف ما لا يحتج به لوحده كقول الصحابي أو فعله أو عمل الأكثر ( أضعفُ من المسنَدِ ) المحتج به، وقيل: أقوى منه لأن العدل لا يسقط إلا من يجزم بعدالته، بخلاف من يذكره فيحيل الأمر فيه على غيره. قلنا: لا نسلم ذلك أما إذا اعتضد بصحيح، فلا يكون أضعف من مسند يعارضه بل هو أقوى منه، كما علم مما مر، أما مرسل صغار التابعين كالزهري فباق على عدم قبوله مع عاضده لشدة ضعفه، وقيد القبول بكبار التابعين؛ لأن غالب رواياتهم عن الصحابة فيغلب على الظن أن الساقط صحابي، فإذا انضم إليه عاضد كان أقرب إلى القبول وعليه ينبغي ضبط الكبير بمن أكثر رواياته عن الصحابة والصغير بمن أكثر رواياته عن التابعين على أن ابن الصلاح والنووي لم يقيدا بالكبار فقبلوا المرسل حيثما اعتضد وهو قول قوي، واعلم أن هذا التفصيل كله في مرسل غير صحابي كما عرفت، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب لأن أكثر رواية الصحابة عن الصحابة وكلهم عدول كما مرّ ( فإنْ تجرَّدَ ) هذا المرسل عن عاضد ( ولا دليلَ ) في الباب ( سِواهُ ) ومدلوله المنع من شيء أي الحظر عن فعله ( فالأصحُّ ) أنه يجب ( الانكفافُ ) عن ذلك الشيء ( لأجلِهِ ) أي لأجل المرسل احتياطا لأن ذلك يحدث شبهة توجب التوقف، وقيل: لا يجب لأنه ليس بحجة حينئذ، أما إذا كان ثم دليل سواه فيجب الانكفاف قطعا إن وافقه وإلا عمل بمقتضى الدليل.




  13. #73

    افتراضي

    الدرس الثاني والسبعون- السنة

    نقل الحديث بالمعنى- طرق رواية الصحابي


    أولا: يجوز نقل الحديث بالمعنى لعارف بمدلولات الألفاظ ومواقِع الكلام.
    فالمعرفة بمدلولات الألفاظ يعني: معرفة معنى المفردات الواردة في الحديث ليتمكن من تبديل لفظ بآخر مساو له في المعنى، والمعرفة بمواقع الكلام يعني: معرفة الأحوال الداعية إلى إيراد الكلام على وفقها ومقتضاها. كالإنكار المقتضي لإيراد الكلام مؤكدا وجوبا، والتردد المقتضي إيراد الكلام مؤكدا استحسانا، وخلو الذهن المقتضي لإيراد الكلام خاليا من التوكيد، إلى غير ذلك من الأحوال المقتضية لإيراد الكلام مشتملا على خصوصية مناسبة للحال كما تقرر في علم المعاني.
    فإن لم يكن عارفا بما ذكر لم يجز له أن يروي الحديث بمعناه خشية إفساده.
    ثانيا: إذا قال الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو عن رسول الله كذا فالظاهر أنه سمعه منه صلى الله عليه وسلم فهو حجة.
    ثالثا: إذا قال الصحابي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا أو نهى عن كذا فهو حجة. وقيل: لا لأنه لم ينقل إلينا لفظه فلعل الصحابي لم يرد بالأمر والنهي حقيقته وأطلق عليهما لفظ الأمر والنهي تسمحا ومجازا. ولا يخفى ضعفه.
    رابعا: إذا قال الصحابي أُمِرنا ونُهينا عن كذا- بالبناء للمجهول- فهو حجة؛ لأن الظاهر أن الآمر والناهي هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
    خامسا: إذا قال الصحابي من السنة كذا فالأكثر من العلماء يحتج به؛ لأن الظاهر أن المقصود سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
    وقيل: لا يحتج بذلك؛ لاحتمال أن يقصد بالسنة سنة البلد.
    سادسا: إذا قال الصحابي ما يلي:
    1- كنا معاشر الناس نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم كذا.
    2- كان الناس يفعلون في عهده صلى الله عليه وسلم كذا.
    3- كنا نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم كذا.
    فهو حجة لظهور تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
    وقيل: ليس بحجة لجواز أن لا يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم به.
    سابعا: إذا قال الصحابي كان الناس يفعلون كذا من غير أن يذكر في عهده صلى الله عليه وسلم فهو حجة أيضا لأن الظاهر أن المراد بالناس جميعهم فيكون هذا حكما بإجماع الصحابة على أمر. ومن هذا القبيل لو قال الصحابي: كانوا لا يقطعون في الشيء التافه. أي كانوا لايقطعون يد السارق إذا سرق التافه القيمة كرغيف خبز ونحوه فلا بد من النصاب الشرعي وهو ربع دينار من الذهب فهذا حجة لظهور الإجماع. وقيل: ليس بحجة لاحتمال أن يكون المراد بعض الناس لا جميعهم.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ: الأصحُّ جوازُ نقلِ الحديثِ بالمعنى لعارِفٍ، وأنَّهُ يُحتجُّ بقولِ الصحابيِّ قالَ النبيُّ، فعنه، فسمعتُه أمرَ ونهى أو أُمِرنا أو نحوُه ومِن السنَّةِ، فكانَ معاشِرَ النَّاسِ، أو كانَ النَّاسُ يفعلونَ، فكنَّا نفعَلُ في عهدِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فكانَ الناسُ يفعلونَ، فكانوا لا يقطعونَ في التَّافِهِ.
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( مسألةٌ: الأصحُّ جوازُ نقلِ الحديثِ بالمعنى لعارِفٍ ) بمعاني الألفاظ ومواقع الكلام وذلك بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساو له في المراد والفهم، وإن لم يَنْسَ اللفظ الآخر أو لم يرادفه؛ لأن المقصود المعنى واللفظ آلة، وقيل: لا يجوز إن لم ينس لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لفوت الفصاحة في كلام النبي، وقيل: إنما يجوز بلفظ مرادف بخلاف غير المرادف؛ لأنه قد لا يوفي بالمقصود، وقيل: لا يجوز مطلقا. أما غير العارف فلا يجوز له تغيير اللفظ قطعا ( و ) الأصح ( أنَّهُ يُحتجُّ بقولِ الصحابيِّ قالَ النبيُّ ) صلى الله عليه وسلّم، لأنه ظاهر في سماعه منه، وقيل لا. لاحتمال أن يكون بينهما واسطة من تابعي أو صحابي آخر، وقلنا نبحث عن عدالة الصحابة على القول الآخر في المسألة ( فـ ) ـبقوله ( عنه ) أي عن النبي لما مر، وقيل: لا لظهوره في الواسطة. ( فـ ) ـبقوله ( سمعتُه أمَرَ ونهى ) لظهوره في صدور أمر ونهي منه، وقيل: لا لجواز أن يطلقهما الراوي على ما ليس بأمر ولا نهي تسمحا ( أو ) بقوله ( أُمِرنا أو نحوهُ ) مما بني للمفعول كنهينا أو أوجب أو حرّم علينا أو رخص لنا لظهور أن فاعلها النبي، وقيل: لا. لاحتمال أن يكون الآمر والناهي بعض الولاة وأن يكون الإيجاب والتحريم والترخيص استنباطا من قائله وفهما له ( و ) بقوله ( مِن السنةِ ) كذا لظهوره في سنة النبي، وقيل: لا لجواز إرادة سنة البلد ( فكانَ معاشِرَ الناسِ ) نفعل في عهده صلى الله عليه وسلّم ( أو كانَ النَّاسُ يفعلونَ ) في عهده صلى الله عليه وسلّم ( فكنَّا نفعَلُ في عهدِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) لظهوره في تقرير النبي عليه، وقيل: لا لجواز أن لا يعلم به ( فكانَ الناسُ يفعلونَ، فكانوا لا يقطعونَ في ) الشيء ( التَّافِهِ ) قالته عائشة رضي الله عنها لظهور ذلك في جميع الناس الذي هو إجماع، وقيل: لا لجواز إرادة ناس مخصوصين، وعطف الصور بالفاء إشارة إلى أن كل صورة دون ما قبلها رتبة. تنبيه: الأثر المذكور عن أم المؤمنين عائشة لم أقف عليه بذلك اللفظ والثابت هو ما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره: لم يكن يقطع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه.




  14. #74

    افتراضي

    الدرس الثالث والسبعون- خاتمة السنة

    طرق تحمل الرواية


    تقدّم ذكر ألفاظ الصحابي حينما يروي الحديث كقوله: قال أو عن أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغالب الأعم أن يكون سماعه منه صلى الله عليه وسلم.
    وأما غير الصحابي فله في تحمل وأداء الرواية عدة طرق بعضها أعلى رتبة من بعض وهي:
    أولا: الإملاء وهي: أن يقوم الشيخ بقراءة الأحاديث على الطلاب وهم يكتبون. سواء أكان يقرأ من كتابه أو من حفظه.
    ثانيا: التحديث وهو: أن يقرأ الشيخ الأحاديث من غير إملاء عليهم. سواء أكان يقرأ من كتاب أو من حفظه.
    ثالثا: قراءة الطالب على الشيخ وهو يسمعه.
    رابعا: سماع الطالب الحديث من قراءة غيره من طلاب الحديث على الشيخ.
    خامسا: المناولة أو المكاتبة مع الإجازة: كأن يناول الشيخ الطالب مسموعاته مكتوبة ويقول له أجزت لك روايتها عني، أو أن يكتب الشيخ مروياته أو بعضها ثم يدفعها للطالب الحاضر في المجلس أو يرسلها له إذا كان غائبا ويجيزه أيضا.
    سادسا: الإجازة بلا مناولة أي أن يجيزه من غير أن يدفع له مكتوبا وهي على أنواع:
    1- إجازة خاصة به في شيء خاص كأن يقول له أجزتُ لكَ رواية صحيح البخاري عني. فهي إجازة لطالب معين في شيء معين.
    2- إجازة خاصة في شيء عام كأن يقول له أجزتُ لك رواية جميع مسموعاتي.
    3- إجازة عامة في شيء خاص كأن يقول أجزت لمن عاصرني رواية صحيح البخاري عني.
    4- إجازة عامة في شيء عام كأن يقول أجزت لمن عاصرني رواية جميع مسموعاتي.
    سابعا: المناولة أو المكاتبة من غير إجازة كأن يقول هذه مسموعاتي ويدفعها للطالب من غير أن يقول أجزت لك.
    ثامنا: الإعلام بلا إجازة كأن يقول للطالب هذا الكتاب من مسموعاتي على فلان.
    تاسعا: الوصية كأن يوصي بكتاب إلى غيره ليرويه عنه عند سفره أو موته.
    عاشرا : الوجادة كأن يجد كتابا بخط شيخ معروف.
    والمختار جواز رواية الحديث بأي طريقة تحمل بها الحديث من الطرق السابقة.
    وللمحدثين ألفاظ يستعملونها في الأداء منها: 1- أملى عليّ، 2- حدثني، 3- قرأت عليه، 4- قُرِئ عليه وأنا أسمع، 5-أخبرني إجازة ومناولة أو أخبرني إجازة ومكاتبة 6- أخبرني إجازة 7- أنبأني مناولة أو مكاتبة ، 8- أخبرني إعلاما، 9- أوصى إليّ، 10- وجدت بخطه.

    ( شرح النص )


    خَاتِمَةٌ
    مُسْتَنَدُ غيرِ الصحابيِّ: قراءةُ الشيخِ إملاءً، فتحديثًا، فقِراءَتُهُ عليهِ، فسَماعُهُ،، فمناوَلَةٌ أو مُكاتَبَةٌ معَ إجازةٍ، فإجازةٌ لخاصٍّ في خاصِّ، فخاصٍّ في عامٍّ، فعامٍّ في خاصٍّ، ففي عامٍّ، فَلِفُلانٍ ومَنْ يوجَدُ مِن نَسْلِه، فمناوَلَةٌ أَو مُكاتَبَةٌ، فإعلامٌ، فوصِيَّةٌ، فوِجَادَةٌ. والمختارُ جوازُ الرِّوايةِ بالمذكوراتِ لا إجازةِ مَنْ يوجدُ مِنْ نَسْلِ فلانٍ، وألفاظُ الأداءِ مِن صِناعةِ المحدِّثينَ.
    ......................... ......................... ......................... .....
    هذه ( خَاتِمَةٌ ) في مراتب التحمّل أي أخذ الحديث عن الشيخ ( مُسْتَنَدُ ) أي ما استند إليه في تلقي الحديث ( غيرِ الصحابيِّ ) من التابعين فمن بعدهم، وقيد بغير الصحابي لأن الصحابي يتلقى الحديث غالبا بطريق السماع المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم بلا قراءة من كتاب أو مناولة أو غيرها من التفصيلات ( قراءةُ الشيخِ ) على الطالب من حفظه أو من كتابه ( إملاءً ) أي والطالب يكتب ( فتحديثًا ) بلا إملاء سواء حدثه من حفظه أو من كتاب ( فقِراءَتُهُ عليهِ ) أي على الشيخ (فسَماعُهُ ) بقراءة غيره على الشيخ ويسمى هذا والذي قبله بالعَرْض ( فمناوَلَةٌ أو مُكاتَبَةٌ معَ إجازةٍ ) كأن يدفع له الشيخ أصل سماعه أو نسخة مقابلة به، أو يكتب شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه، ويقول له أجزت لك روايته عني ( فإجازةٌ ) بلا مناولة ولا مكاتبة ( لخاصٍّ في خاصِّ ) أي لخاص من الرواة بشيء خاص من حديثه كأجزتُ لك رواية البخاري ( فخاصٍّ في عامٍّ ) كأجزت لك رواية جميع مسموعاتي ( فعامٍّ في خاصٍّ ) كأجزت لمن أدركني أي أدرك زمني رواية مسلم ( فـ) ـعام ( في عامٍّ ) كأجزت لمن عاصرني رواية جميع مروياتي ( فَلِفُلانٍ ومَنْ يوجَدُ مِن نَسْلِه ) تبعا له ( فمناوَلَةٌ أَو مُكاتَبَةٌ ) بلا إجازة إن قال معها هذا من سماعي (فإعلامٌ ) بلا إجازة ولا مناولة كأن يقول هذا الكتاب من مسموعاتي على فلان أي من غير أن يأذن في روايته عنه ( فوصِيَّةٌ ) كأن يوصي بكتاب إلى غيره ليرويه عنه عند سفره أو موته ( فوِجَادَةٌ ) كأن يجد حديثا أو كتابا بخط شيخ معروف ( والمختارُ جوازُ الرِّوايةِ بالمذكوراتِ ) وأما القول بامتناع الرواية بالأربعة التي قبل الوجادة فمردود بأنها أرفع من الوجادة والرواية بها جائزة عند الشافعي وغيره، فالأربعة أولى أي أنهم إذا أجازوا الوجادة وهي أدون الجميع فجواز غيرها من باب أولى ( لا إجازةِ مَنْ يوجدُ مِنْ نَسْلِ فلانٍ ) بأن يقول أجزت من سيوجد من نسل زيد رواية البخاري مثلا فلا يجوز بخلاف لو قال: أجزت زيدًا ومن سيوجد من نسله تبعا له فإنها تجوز للمعدوم بالتبع كما تقدم، وقيل: تجوز، وقيل: لا تجوز الرواية بالإجازة بأقسامها ( وألفاظُ الأداءِ ) أي الألفاظ التي تؤدى بها الرواية ( مِن صِناعةِ المحدِّثينَ ) لا الأصوليين فلتطلب منهم ومنها على ترتيب ما مر: أملى عليّ، حدثني، قرأت عليه، قرىء عليه وأنا أسمع، أخبرني إجازة ومناولة أو مكاتبة، أخبرني إجازة، أنبأني مناولة أو مكاتبة، أخبرني إعلاما، أوصى إليّ، وجدت بخطه.




  15. #75

    افتراضي

    الدرس الرابع والسبعون- الإجماع

    مقدمة


    أولا: الإجماع: اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على أي أمر.
    وقد علم من هذا التعريف أمور:
    1- اختصاص الإجماع بالمجتهدين فلا عبرة باتفاق غيرهم قطعا، ولا عبرة بموافقة أو مخالفة الغير للمجتهدين.
    2- اختصاصه بالمسلمين لأن الإسلام شرط في المجتهد فلا عبرة بوفاق الكافر ولا بخلافه.
    3- أنه لا بد من إجماع كل المجتهدين؛ فيضر مخالفة الواحد، وعلم من هذا أنه لا يكفي إجماع أهل مكة فقط، أو المدينة فقط، أو أهل الحرمين.
    4- عدم انعقاده في حياته صلى الله عليه وسلم لأنه إن وافقهم فالحجة في قوله وإن لم يوافقهم فلا عبرة بقولهم دونه.
    وأما بعد عصره فالعصور جميعا سواء في إمكانية الإجماع وحجيته لا فرق بين عصر الصحابة وعصر غيرهم من الناس.
    5- أن اتفاق الأمم السابقة على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس إجماعا- بناء على أن الإجماع من خصائص هذه الأمة- وليس بحجة علينا لأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا في الأصح.
    6- أن إجماع المجتهدين قد يكون في ديني: كصلاة وزكاة، وقد يكون في دنيوي كتدبير الجيش وأمور الرعية، وفي عقلي كحدوث العالم، وفي لغوي ككون الفاء للتعقيب.
    وعلم أنه ليس المراد بالمجتهد هو خصوص الفقيه بل يرجع في كل أمر إلى أهله فالمجتهدون في اللغة مثلا إجماعهم في مسائل اللغة معتبر وإن لم يعتبر قولهم في الشرعيات وهكذا في كل فن من الفنون وهكذا في الأمور الدنيوية يرجع فيها إلى أهل الاختصاص.
    ثانيا: لا يشترط في الإجماع ما يلي:
    1- لا يشترط وجود معصوم بين أهل الإجماع خلافا للروافض فإنهم يعتدون بالإجماع لا بناء على حجية اتفاق الأمة بل بناء على وجود الإمام المعصوم بينهم.
    2- لا يشترط في أهل الإجماع أن يكونوا عددا كثيرا يحصل بنقلهم التواتر. وأقل ما يحصل به الإجماع اثنان فلو لم يكن في الأمة إلا مجتهد واحد فلا ينعقد الإجماع بقوله وليس قوله بحجة لأنه لا يؤمن عليه الخطأ.
    3- لا تشترط العدالة في المجتهد- على ما اختاره الأكثر- وبناء عليه لو كان المجتهد فاسقا وخالف بقية المجمعين فهل يعتبر بقوله بحيث لا ينعقد الإجماع بدونه ؟ الجواب نعم فلا بد من أن يتفق معهم.
    4- لا يشترط طول الوقت بعد الإجماع بل ينعقد الإجماع بلحظة اتفاقهم ولهذا قالوا لو مات المجمعون عقب إجماعهم كأن خرّ السقف عليهم انعقد.
    5- لا يشترط انقراض عصر المجمعين بأن يموت أهله بل ينعقد بلحظة اجماعهم. وعليه فلا يجوز للمجتهد منهم الرجوع عن قوله بأن طرأ عليه ما جعله يغير اجتهاده، كما أنه لو تأهّل بعد إجماعهم عالم آخر وصار مجتهدا فإنه لا يحل له خرق إجماعهم السابق لأنه لم يكن حينها مجتهدا، وأما ما بعد ذلك من المسائل فلا بد من قوله معهم.

    ( شرح النص )


    الكتابُ الثالِثُ في الإجماعِ

    وهُوَ اتفاقُ مجتهدي الأُمَّةِ بعدَ وفاةِ محمدٍ في عصرٍ على أيِّ أمرٍ. ولو بلا إمامٍ معصومٍ أو بلوغِ عددِ التواترِ أو عدولٍ أو غيرَ صحابيٍّ أو قَصُرَ الزمَنُ. فَعُلِمَ اختصاصُهُ بالمجتهدينَ فلا عبرةَ باتفاقِ غيرِهِم قطعًا ولا بوفاقِهِ لهم في الأصحِّ، وبالمسلمينَ وأنَّهُ لا بدَّ مِن الكلِّ وهو الأصحُّ، وعدمُ انعقادِه في حياةِ محمدٍ، وأنَّهُ لو لم يكنْ إلا واحدٌ لم يكنْ قولُهُ إجماعًا وليسَ حجةً على المختارِ، وأنَّ انقراضَ العصرِ لايشترطُ.

    ......................... ......................... ......................... ...........
    لما فرغ من الكتاب والسنة شرع في الدليل الثالث فقال: ( الكتابُ الثالِثُ في الإجماعِ وهُوَ اتفاقُ مجتهدي الأُمَّةِ بعدَ وفاةِ محمدٍ ) صلى الله عليه وسلّم ( في عصرٍ على أيِّ أمرٍ ) كان من ديني ودنيوي وعقلي ( ولو بلا إمامٍ معصومٍ ) وقالت الروافض: لا بد منه ولا يخلو الزمان عنه وإن لم تعلم عينه بأن كان متخفيا فنحن نعلم وجوده إجمالا وإن لم نتحقق شخصه والحجة في قوله فقط وغيره تبع له، هذا وحكاية الأقوال عنهم لمجرد العلم وإلا فليس لخلافهم اعتبار ( أو ) بلا ( بلوغِ عددِ تواترٍ) وقيل: يشترط ( أو ) بلا ( عدولٍ ) بناء على أن العدالة ليست ركنا في المجتهد وهو الأصح، وقيل: يعتبر كون المجتهدين عدولا بناء على أن العدالة ركن في المجتهد فعليه لا يعتبر وفاق الفاسق ( أو ) كان المجتهد ( غيرَ صحابيٍّ ) فلا يختصّ الإجماع بالصحابة، وقالت الظاهرية: يختص بهم لكثرة غيرهم كثرة لا تنضبط فيبعد اتفاقهم على شيء ( أو قَصُرَ الزمَنُ ) كأن مات المجمعون عقب إجماعهم بخرور سقف عليهم، وقيل: يشترط طوله في الإجماع الظني- كالإجماع السكوتي الذي سيأتي الكلام عليه- بخلاف القطعي ( فَعُلِمَ ) من الحد زيادة على ما مر ( اختصاصُهُ ) أي الإجماع ( بالمجتهدينَ ) بأن لا يتجاوزهم إلى غيرهم ( فلا عبرةَ باتفاقِ غيرِهِم ) وهم العوام ( قطعًا ) أي اتفاقا ( ولا بوفاقِهِ لهم في الأصحِّ ) أي أن عدم اعتبار إجماع العوام محل وفاق ولكن وقع خلاف في أنه هل يشترط أن ينضم العوام للمجتهدين في الإجماع كي يصدق أن الأمة بأسرها أجمعت أو لا يشترط ذلك ؟ الأصح أنه لايشترط، وقيل: يشترط ( و ) علم اختصاصه ( بالمسلمينَ ) لأن الإسلام شرط في المجتهد فلا عبرة بوفاق الكافر - ولو كفر ببدعة - ولا بخلافه ( و ) علم ( أنَّهُ لا بدَّ مِن ) اتفاق ( الكلِّ ) لأن إضافة مجتهد إلى الأمة تفيد العموم ( وهوَ الأصحُّ ) فيضر مخالفة الواحد ولو تابعيا بأن كان مجتهدا وقت اتفاق الصحابة، وقيل: يضر مخالفة الاثنين دون الواحد، وقيل يكفي اتفاق كل من أهل مكة وأهل المدينة وأهل الحرمين، وقيل غير ذلك. فعلم أن اتفاق كل من هؤلاء ليس بحجة في الأصح وهو ما صرح به الأصل، لأنه اتفاق بعض مجتهدي الأمة لا كلهم ( و) علم ( عدمُ انعقادِه في حياةِ محمدٍ ) صلى الله عليه وسلّم، لأنه إن وافقهم فالحجة في قوله وإلا فلا اعتبار بقولهم دونه ( و ) علم ( أنَّهُ لو لم يكنْ ) في العصر (إلا ) مجتهد ( واحدٌ لم يكنْ قولُهُ إجماعًا ) إذ أقل ما يصدق به اتفاق مجتهد الأمة اثنان ( وليسَ ) قوله ( حجّةً على المختارِ ) لانتفاء الإجماع عن الواحد، وقيل: حجة وإن لم يكن إجماعا لانحصار الاجتهاد فيه ( و ) علم ( أنَّ انقراضَ ) أهل ( العصرِ ) بموتهم ( لا يشترطُ ) في انعقاد الإجماع لصدق حد الإجماع مع بقاء المجمعين ومعاصريهم وهو الأصح كما سيأتي، وقيل: يشترط انقراضهم .




  16. #76

    افتراضي

    الدرس الخامس والسبعون- الإجماع

    مسائل في الإجماع


    أولا: لا بدَّ للإجماع من مستند من كتاب أو سنة أو قياس فإجماعهم يكشف عن تشريع لا أنهم المشرعون. وقيل: لا يكون عن قياس.
    ثانيا: إذا اختلف المجتهدون في مسألة على قولين أو أكثر فخلافهم إما أن يستقر أو لا يستقر.
    والخلاف المستقر هو: أن يمضي بعد الخلاف زمن طويل عرفا يعلم به أن كل قائل مصمم على قوله.
    والخلاف غير المستقر هو: أن يمضي بعد الخلاف زمن قصير عرفا لا يتحقق معه تصميم كل قائل على قوله. فقد يرجعون عنه ويتفقون بعد اختلافهم.
    ثالثا: إذا اختلف أهل عصر في مسألة على قولين فهل يجوز بعد ذلك الاتفاق على أحدهما؟ فيه تفصيل:
    1- إذا حصل الاتفاق من قبل المختلفين أنفسهم بأن اختلفوا في مسألة ثم اتفقوا هم أنفسهم على أحد القولين المختلف فيهما فيصح الإجماع حينئذ سواء استقر الخلاف أم لم يستقر لجواز ظهور مستند جليّ يرفع الخلاف بينهم. وقد اتفق الصحابة على دفن رسول الله في بيت عائشة بعد أن اختلفوا في مكان دفنه. كما اتفقوا على خلافة أبي بكر بعد اختلافهم على الخليفة.
    2- إذا حصل الاتفاق ليس من المختلفين أنفسهم بل ممن جاء بعدهم فينظر:
    أ- إذا لم يستقر الخلاف فيجوز لمن بعدهم أن يتفقوا على ما اختلف به من قبلهم وصورة المسألة أن يختلف أهل عصر على قولين أو أكثر ثم يموتوا قبل أن يمضي زمن طويل يتحقق به خلافهم ثم يجمع من بعدهم على أحد القولين فيكون الزمن بين اختلاف الأولين وإتفاق الآخرين قصيرا عرفا لا يستقر معه الخلاف بمعنى أن المجتهدين الأوائل قد اختلفوا ولكنهم كانوا في مهلة النظر والتدقيق فلم يتحقق خلافهم وتثبت أقوالهم فماتوا في هذه المدة وجاء من بعدهم فظهر لهم قوة أحد القولين فأجمعوا عليه فهذا جائز.
    ب- إذا استقر الخلاف فحينئذ لا يجوز لمن بعدهم الاتفاق على قول لأن اختلافهم المستقر ينبئ عن إتفاقهم على جواز الأخذ بكل من القولين، أي أنهم أجمعوا على الخلاف فلا يجوز الإجماع على خلاف الإجماع الأول.
    رابعا: التمسك بأقل ما قيل في مسألة ما حق ومسلك صحيح عند عدم وجود دليل في المسألة؛ لأنه تمسك بما أجمعوا عليه مع ضميمة أن الأصل عدم وجوب الزائد.
    مثاله: اختلاف العلماء في دية الذمي الواجبة على قاتله، فقيل: كدية المسلم، وقيل: كنصفها، وقيل: كثلثها، وقد أخذ الشافعي بالثلث لأنهم مجمعون على وجوب الثلث على أقل تقدير والأصل عدم وجوب الزائد وبراءة الذمة فأخذ بالثلث.

    ( شرح النص )

    وأنَّهُ قَدْ يكونُ عنْ قياسٍ وهوَ الأصحُّ فيهما، وأنَّ اتفاقَ السابقينَ غيرُ إجماعٍ وليسَ حُجّةً في الأصحِّ وأنَّ اتفاقَهم على أحدِ قولينِ قبلَ استقرارِ الخلافِ جائزٌ ولو مِن الحادِثِ بعدَ ذوي القولينِ وكذا اتفاقُ هؤلاءِ لا مَن بعدَهم بعدَهُ في الأصحِّ، وأنَّ التَّمسُّكَ بأقلِ ما قيلَ حَقٌّ، وأنَّهُ يكونُ في دينيٍّ ودنيويٍّ وعقليٍّ لا تتوقَّفُ صحتُه عليهِ ولغويٍّ، وأنَّهُ لا بدَّ لهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ وهوَ الأصحُّ.
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( و ) علم ( أنَّهُ ) أي الإجماع ( قدْ يكونُ عنْ قياسٍ ) لأن الاجتهاد المأخوذ في حد الإجماع لا بدّ له من مستند كما سيأتي، والقياس من جملته وذلك كإجماعهم على تحريم أكل شحم الخنزير قياسا على لحمه
    ( وهوَ الأصحُّ ) وقيل: لا يجوز أن يكون عن قياس ( فيهما ) أي ما ذكر هو الأصح في المسألتين وهما لا يشترط انقراض العصر وجواز استناد الإجماع إلى قياس ( و ) علم ( أنَّ اتفاقَ ) الأمم ( السابقينَ ) على أمة محمد صلى الله عليه وسلّم ( غيرُ إجماعٍ وليس حجةً ) في ملته ( في الأصحِّ ) لاختصاص دليل حجية الإجماع بأمته لخبر ابن ماجه وغيره: إن أمتي لا تجتمع على ضلالة. وقيل: إنه حجة بناء على أن شرعهم شرع لنا وسيأتي بيانه ( و ) علم ( أنَّ اتفاقَهُمْ ) أي المجتهدين في عصر ( على أحدِ قولينِ ) لهم أى كأن يقول جماعة منهم بحرمة شيء وأخرى بحله ثم اتفقوا على حرمته أو حله ( قبلَ استقرارِ الخلافِ ) بينهم بأن قصر الزمن بين الاختلاف والاتفاق ( جائزٌ ولو ) كان الاتفاق ( مِنَ الحادثِ ) أي ممن جاء ( بعدَ ذوي القولينِ ) بأن مات أهل العصر الأول أصحاب الخلاف ونشأ غيرهم وكانت المدة بين اختلاف الأولين واتفاق الآخرين قصيرة عرفا لا يستقر فيها خلاف وذلك لجواز أن يظهر مستند جلى يجتمعون عليه، وقد أجمعت الصحابة على دفنه صلى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعد اختلافهم الذي لم يستقر ( وكذا اتفاقُ هؤلاءِ ) أي ذوي القولين (لا مَنْ ) جاء ( بعدهم بعدَه ) أي بعد استقرار الخلاف بأن طال زمنه فإنه جائز لا اتفاق من بعدهم ( في الأصحِّ ) وهذا ما صححه النووي في شرح مسلم، وقيل: لا لأن استقرار الخلاف بينهم يتضمن اتفاقهم على جواز الأخذ بكل من شقي الخلاف باجتهاد أو تقليد، فيمتنع اتفاقهم على أحدهما. قلنا: تضمن ما ذكر مشروط بعدم الاتفاق على أحدهما بعده فإذا وجد فلا اتفاق قبله، والحاصل أنه إن لم يستقر الخلاف فيجوز بعد اتفاق المختلفين أنفسهم أو من جاء بعدهم، وإن استقر الخلاف فيجوز للمختلفين أنفسم الاتفاق ولا يجوز لمن جاء بعدهم ( و ) علم ( أنَّ التَّمَسُّكَ بأقلِّ ما قيلَ ) من أقوال العلماء حيث لا دليل سواه ( حقٌّ ) لأنه تمسك بما أجمع عليه مع كون الأصل عدم وجوب ما زاد عليه كاختلاف العلماء في دية الذمي الكتابي، فقيل كدية المسلم، وقيل كنصفها، وقيل كثلثها فأخذ به الشافعي لذلك، فإن دل دليل على وجوب الأكثر أخذ به كغسلات ولوغ الكلب قيل إنها ثلاث، وقيل سبع ودل عليه خير الصحيحين فأخذ به ( و ) علم ( أنَّهُ ) أي الإجماع قد ( يكونُ فيدينيٍّ ) كصلاة وزكاة ( ودنيويٍّ ) كتدبير الجيوش وأمور الرعية ( وعقليٍّ لا تتوقّفُ صِحّتُهُ ) أي الإجماع ( عليهِ ) كحدوث العالم ووحدة الصانع، فإن توقفت صحة الإجماع عليه كثبوت الباري والنبوة لم يحتج فيه بالاجماع وإلا لزم الدور وتوضيحه سيأتي قريبا ( ولغويٍّ ) ككون الفاء للتعقيب ( و ) علم ( أنَّهُ ) أي الإجماع ( لا بدَّ لهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ ) أي دليل، وإلا لم يكن لقيد الاجتهاد المأخوذ في حده معنى ( وهُوَ الأصحُّ ) لأن القول في الأحكام بلا مستند خطأ، وقيل: يجوز حصوله بغير مستند بأن يلهموا الاتفاق على صواب. وخلاصة ما قيل في الإجماع في العقليات- أي في أمور العقائد- إننا لا يجوز أن نحتج على وجود الله سبحانه أو على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بإجماع الأمة للزوم الدور وهو باطل فإنه إذا قيل بمَ أثبتم وجود الله والنبوة لنبيكم ؟ وقلنا: بإجماع علمائنا المجتهدين. فسيقال: وبم ثبتت حجية إجماعهم. فنقول: بالكتاب والسنة. فيقال: وبم عرفتم نبوة من جاء بالكتاب والسنة ووجود الخالق الذي أرسله. فنقول: بالإجماع، فصار دورا باطلا. أما ما عدا القدر الذي يثبت به وجود البارئ وثبوت النبوة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيمكن أن يثبت بالإجماع لعدم لزوم الدور.




  17. #77

    افتراضي

    الدرس السادس والسبعون- الإجماع

    الإجماع السكوتيّ


    الإجماع نوعان:
    أولا: الإجماع الصريح وله صور هي:
    1- أن يعبر جميع المجتهدين عن آرائهم بصريح القول بما تتفق به كلمتهم.
    2- أن يصرح بعضهم بالقول ويفعل البقية مقتضى القول. كأن يفتي بعضهم بحل شيء ويفعله بقيتهم.
    3- أن لا يوجد تصريح بالقول ولكن يتفق الجميع على فعل شيء فيعلم جوازه.
    ثانيا: الإجماع السكوتي وله صورتان:
    1- أن يقول بعض المجتهدين قولا ويسكت الباقون عليه.
    2- أن يفعل بعض المجتهدين فعلا ويسكت الباقون عليه.
    ويشترط للإجماع السكوتي شروط هي:
    1- أن يعلم الساكتون بالحكم، فإن لم يعلموا بالحكم فلا يعد سكوتهم إجماعا.
    2- أن يكون السكوت مجردا عن إمارة الرضى والسخط، فإن اقترن بأمارة الرضى فهو إجماع قطعا، وإن اقترن بأمارة السخط فهو ليس بإجماع قطعا.
    3- أن يكون الحكم اجتهاديا تكليفيا، فإن لم يكن الحكم اجتهاديا بل كان قطعيا، فالسكوت حينئذ لا يدل على شيء لبداهة المسألة فليست هي من الإجماع السكوتي الذي كلامنا فيه، وكذا لو لم تكن المسألة تكليفية: كما لو قيل: عمار بن ياسر أفضل من حذيفة بن اليمان فالسكوت لايدل على شيء.
    4- أن يكون قد مضت مدة كافية عادة للنظر، فإن لم تمض فلا يعتبر سكوتهم إقرارا فلعلهم لا يزالون يقلبون المسألة وينظرون فيها.
    ثالثا: اختلف العلماء في الإجماع السكوتي على أقوال منها:
    1- هو ليس بإجماع ولا حجة يحتج بها.
    2- هو حجة يحتج بها ولكنه ليس بإجماع؛ لأن الإجماع ينصرف عند الإطلاق إلى المقطوع فيه بالموافقة لكنه حجة؛ لأن سكوت الباقين علامة رضا إذا لم يكن هنالك مانع من إبداء المعارضة.
    3- هو إجماع وحجة؛ لأن سكوت الباقين بعد علمهم تظن به الموافقة عادة.

    ( شرح النص )

    أمَّا السكوتيُّ بأن يأتيَ بعضُهُم بحكمٍ ويسكتَ الباقونَ عنهُ وقدْ عَلِموا به وكان السكوتُ مجردًا عن أمارةِ رِضًا وسُخْطٍ والحكمُ اجتهاديٌّ تكليفيٌّ ومضى مُهلةِ النَّظرِ عادةً فإجماعٌ وحُجَّةٌ في الأصحِّ.
    ......................... ......................... ......................... ..................
    ( أمَّا السكوتيُّ بأن يأتيَ بعضُهُم ) أي بعض المجتهدين ( بحكمٍ ) وإتيانهم به قد يكون بالقول أو الفعل ولذا عبر بيأتي دون يقول ( ويسكتَ الباقونَ عنهُ وقدْ عَلِموا به ) خرج ما لو لم يعلم الساكتون بالحكم فليس من محل الإجماع السكوتي؛ لأن صورة الإجماع السكوتي تتحقق بأن ينتشر ويبلغ الحكم الجميع، ولكن هنا مسألة وهي: إذا قال بعض المجتهدين بحكم ولم ينتشر قولهم هذا ليبلغ جميع المجتهدين على وجه الأرض ولكن لم ينقل أي خلاف في المسألة فهل يدل عدم وجود الخلاف على أنه حجة -وإن لم نسمه إجماعا سكوتيا- أو لا ؟ فيه خلاف فقيل: حجة لعدم ظهور خلاف فيه، وقيل- وهو اختيار المصنف- ليس بحجة لأن الساكتين ربما لم يخوضوا في المسألة وينظروا فيها من الأصل فلعلهم إذا نظروا وجمعوا الأدلة قالوا بخلاف ما قاله الأولون ( وكان السكوتُ مجردًا عن أمارةِ رِضًا وسُخْطٍ ) خرج ما لو اقترن السكوت بأمارة الرضى فإجماع قطعا أو بأمارة السخط فليس بإجماع قطعا ( والحكمُ اجتهاديٌّ تكليفيٌّ ) خرج ما لو كان الحكم قطعيا لا اجتهاديا أو لم يكن تكليفيا نحو عمار أفضل من حذيفة أو عكسه -أي حذيفة أفضل من عمار- فالسكوت فيهما لا يدل على شيء ( ومضى مُهلةِ النَّظرِ عادةً ) خرج ما لو لم يمض زمن مهلة النظر عادة فلا يكون ذلك إجماعا ( فإجماعٌ وحُجَّةٌ في الأصحِّ ) لأن سكوت العلماء في مثل ذلك يظن منه الموافقة عادة، وقيل: ليس بإجماع ولا حجة لاحتمال السكوت لغير الموافقة كالخوف والمهابة والتردد في الحكم وعزي هذا للشافعي، وقيل: ليس بإجماع بل حجة لاختصاص مطلق اسم الاجماع عند هذا القائل بالقطعي أي المقطوع فيه بالموافقة وذلك بتصريح الكل وإن كان هو عنده إجماعا حقيقة كما يفيده كونه حجة عنده، وقيل: حجة بشرط انقراض العصر، وقيل: غير ذلك.




  18. #78

    افتراضي

    الدرس السابع والسبعون- الإجماع

    خاتمة مسائل الإجماع


    أولا: أجمعت الأمة على امتناع ارتداد جميع الأمة الإسلامية في عصر من العصور لحديث ابن ماجه وغيره: لا تجتمع أمتي على ضلالة. فالارتداد لا يقع قطعا وإن كان العقل يجيزه فإن ساحة التجويز العقلي أكبر بكثير مما هو في الواقع.
    ثانيا: لا يجوز أن تجهل الأمة كلها شيئا كلفت بالعمل به، وإن جاز أن تجهل شيئا لم يقع تكليفها به.
    ثالثا: هل يجوز أن تفترق الأمة في مسألتين متشابهتين لهما نفس الحكم إلى فرقتين كل منهما يخطئ في مسألة ؟
    كما في مسألة إرث العبد وإرث القاتل فالصواب أن كليهما لا يرث، فهل يجوز أن تذهب نصف الأمة إلى أن العبد يرث والقاتل لا يرث، ويذهب النصف الآخر إلى العكس وهو أن العبد لا يرث والقاتل يرث.
    فإذا نظرنا إلى مجموع المسألتين فجميع الأمة أخطأت فيهما ولذا قال بعض العلماء إن هذا لا يجوز على الأمة.
    وإذا نظرنا إلى كل مسألة على حدة فلم يخطئ الجميع ولذا قال بعض العلماء إن هذا جائز.
    رابعا: الإجماع لا يضادّ إجماعا قبله وهذا علم من قولنا يحرم خرق الإجماع فإذا أجمعت الأمة في عصر من العصور على حكم فهو ملزم لكل الأمة إلى قيام الساعة فلا يجوز أن تجتمع الأمة بعد ذلك وتنقض الإجماع السابق.
    خامسا: لا يجوز أن يعارض الإجماع دليل، لأن الدليل إن كان قطعيا فيستحيل معارضته الإجماع لأن الحجة القطعية لا تعارض الحجة القطعية أبدا، وإن كان الدليل ظنيا فلا يثبت أمام الإجماع.
    سادسا: الإجماع لا بد له من مستند ولكن ليس بالضرورة أن ينقل مع الإجماع دليله وعليه فإذا وجد خبر يوافق مضمونه الإجماع فلا يدل هذا على أنه هو مستند المجمعين فقد يكون لهم مستند آخر لم نعلمه.
    مثاله: كما إذا أجمعوا على وجوب النية في الصلاة فقد وافق إجماعهم خبر: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه. فهذه الموافقة لا تدل على أنهم مستندون في إجماعهم على الخبر المذكور. لكن إذا بحثنا واستقرأنا ولم نجد غير ذلك الخبر فالظاهر أنه هو مستند الإجماع مع بقاء نسبة احتمال أن يكون غيره وأننا لم نظفر به لأنه لم ينقل إلينا.
    سابعا: الأمر المجمع عليه إن كان معلوما من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة فجاحده كافر قطعا، فإن لم يكن معلوما من الدين بالضرورة كفساد الحج بالوطء قبل الوقوف بعرفة فلا يكفر جاحده، كما لا يكفر جاحد المجمع عليه من غير الامور الدينية.

    ( شرح النص )

    وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ ارتِدادُ الأمةِ سمعًا، لا اتفاقُها على جهلِ ما لم تُكَلَّفْ بهِ، ولا انقسامُها فِرقتينِ كلٌّ يُخْطِئُ في مسألةٍ، وأنَّ الإجماعَ لايضادُّ إجماعًا قبلَهُ وهوَ الأصحُّ في الكلِّ، ولا يُعَارِضُهُ دليلٌ وموافَقَتُه خبرًا لا تَدُل على أنَّهُ عنهُ لكنَّهُ الظاهِرُ إنْ لمْ يوجدْ غيرُهُ.
    خاتِمَةٌ: جاحِدُ مُجْمَعٍ عليهِ معلومٍ من الدينِ ضرورةً كافرٌ إنْ كانَ فيهِ نصٌّ وكذا إنْ لم يكنْ في الأصحِّ
    .
    ......................... ......................... ......................... .............
    ( و ) علم من حرمة خرق الإجماع ( أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ارتِدادُ الأمةِ ) في عصر ( سمعًا ) لخرقه إجماع من قبلهم على وجوب استمرار الإيمان، وقيل: لا يمتنع سمعا كما لا يمتنع عقلا اتفاقا ( لا اتفاقُها ) أي الأمة في عصر ( على جهلِ ما ) أي شيء ( لم تُكَلَّفْ بهِ ) بأن لم تعلمه كالتفضيل بين عمار وحذيفة فلا يمتنع إذ لا خطأ فيه لعدم التكليف به، وقيل: يمتنع ( ولا انقسامُها ) أي الأمة ( فِرقتينِ ) في كل مِن مسألتين متشابهتين ( كلٌّ ) من الفرقتين ( يُخْطِئُ في مسألةٍ ) من المسألتين كاتفاق إحدى الفرقتين على وجوب الترتيب في الوضوء وعلى عدم وجوبه في الصلاة الفائتة، والأخرى على العكس، فلا يمتنع نظرا في ذلك إلى أنه لم يخطىء إلا بعض الأمة بالنظر إلى كل مسألة على حدتها، وقيل: يمتنع نظرا إلى أنها أخطأت في مجموع المسألتين والخطأ منفي عنها بالخبر السابق ( و ) علم ( أنَّ الإجماعَ لايضادُّ إجماعًا ) أي لا يجوز انعقاده على ما يضاد ما انعقد عليه إجماع ( قبلَهُ ) لاستلزامه تعارض قاطعين، وقيل: يجوز إذ لا مانع من كون الأوّل مغيا بالثاني أي أن تكون مدة صلاحية الإجماع الأول إلى حين ظهور إجماع آخر ( وهوَ ) أى ما ذكر من المعلومات من حرمة إحداث ثالث وتفصيل فما بعدها ( الأصحُّ في الكلِّ ) أي كل من المسائل الست وهي: حرمة إحداث ثالث وتفصيل، وجواز إحداث دليل أو تأويل أو علة، وامتناع ارتداد الأمة، وجواز اتفاق الأمة على جهل ما لم تكلف به، وجواز انقسام الأمة فرقتين كلّ يخطئ في مسألة، وامتناع معارضة الإجماع لإجماع قبله ( ولا يُعَارِضُهُ ) أي الإجماع بناء على الأصح أنه قطعيّ ( دليلٌ ) قطعي ولا ظني، إذْ لا تعارض بين قاطعين لاستحالته، إذ التعارض بين شيئين يقتضي خطأ أحدهما، ولا بين قاطع ومظنون لإلغاء المظنون في مقابلة القاطع، أما الإجماع الظني فيجوز معارضته بظني آخر ( وموافَقَتُهُ ) أي الإجماع ( خبرًا ) أي حديثا ( لا تَدُلُّ ) تلك الموافقة ( على أنَّهُ ) أي الإجماع ناشئ ( عنهُ ) أي عن ذلك الخبر؛ لجوازِ أن يكون ناشئا عن غيره ولم ينقل لنا استغناء بنقل الإجماع عنه ( لكنَّهُ ) أي كونه عنه هو ( الظاهِرُ إنْ لمْ يوجدْ غيرُهُ ) بمعناه، إذ لا بد له من مستند كما مر، فإن وجد غيره فلا لجواز أن يكون الإجماع عن ذلك الغير، وقيل: موافقته له تدل على أنه عنه ( خاتِمَةٌ جاحِدُ مُجْمَعٍ عليهِ معلومٍ من الدينِ ضرورةً ) وهو ما يعرفه منه الخواص والعوام من غير قبول تشكيك كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والخمر ( كافرٌ ) بلا خلاف ( إنْ كانَ فيهِ نصٌّ ) من كتاب وسنة لأن جحده يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلّم فيه ( وكذا إنْ لم يكنْ ) فيه نصّ جاحده كافر ( في الأصحِّ ) لما مر من كونه معلوما من الدين بالضرورة، وقيل: لا لعدم النص وخرج بالمجمع عليه غيره وإن كان فيه نص، وخرج بالمعلوم ضرورة غيره كفساد الحج بالوطء قبل الوقوف بعرفة، وإن كان فيه نص كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت لقضاء النبي صلى الله عليه وسلّم به، كما رواه البخاري. وخرج بالدين المجمع عليه المعلوم من غير الدين ضرورة كوجود بغداد، فلا يكفر جاحدها في المسائل الثلاثة المذكورة.




  19. #79

    افتراضي

    الدرس الثامن والسبعون- القياس

    مقدمة


    أولا: القياس: حمل معلوم على معلوم لمساواته له في علة حكمه عند الحامل.
    كقياس النبيذ على الخمر في الحرمة بجامع الإسكار.
    فقولنا: حمل معلوم على معلوم المقصود بالمعلوم الأول هو المقيس كالنبيذ والمقصود بالمعلوم الثاني هو المقيس عليه كالخمر، والمقصود بالحمل هو الإلحاق والتسوية بينهما في الحكم.
    وقولنا: لمساواته له في علة الحكم أي لوجود علة الحكم كالإسكار في المقيس.
    وقولنا: عند الحامِل أي أن المساواة في العلة هي عند الحامل والقائس وهو المجتهد، وقد يكون في الواقع ليست تلك علة الحكم فيكون القياس فاسدا، فعلم أن التعريف يشمل كل قياس شرعي عند المجتهد وإن كان لم يصب فيه حكم الله، فإن أريد تخصيص الحد بالقياس الصحيح فليرفع قيد عند الحامل لتكون المساواة واقعية لا بحسب ظن المجتهد فقط.
    ثانيا: القياس حجة فيما يلي:
    1- الأمور الدنيوية كالأغذية والأدوية، كقياس نفع هذا الدواء في معالجة مريض معين على مريض مثله، والبحوث العلمية والتكنولوجيا لا تستغني عن القياس.
    2- الأمور الشرعية لعمل كثير من الصحابة به متكررا شائعا بلا إنكار من أحد.
    ثالثا: تستثنى أمور لا يحتج فيها بالقياس وهي:
    1- الأمور العادية والخِلْقية، أي التي ترجع إلى العادة والخلقة. مثل: أقل الحيض وأكثره وكذلك النفاس والحمل ونحو ذلك. فإنها لا تثبت بالقياس؛ لأنها لا يدرك المعنى والعلة فيها بل يرجع فيها إلى قول من يوثق به وهي تختلف من شخص لآخر، فلا يقال مثلا: النفاس أقله يوم وليلة قياسا على الحيض.
    2- بعض الأحكام الشرعية التي لا يدرك المعنى فيها، فليس كل الأمور الشرعية يجري القياس فيها؛ لأنه مبني على إدراك العلة في الأصل والفرع وحيث لم يعلم فلا قياس.
    3- المنسوخ من الأحكام؛ إذْ بالنسخ ينتفي اعتبار الوصف الجامع فلا يمكن القياس حينئذ.
    رابعا: إذا نص الشارع على علة حكم معين هل يكون نصه على العلة أمرا بالقياس فيجب إثبات نفس الحكم في كل موضوع وجدت فيه العلة أو لا ؟
    مثاله: إذا قال الشارع: حرّمت الخمرَ لإسكارها. هل يكون تنصيصه على العلة في هذه المسألة دليلا على إيجاب قياس كل المواد المسكرة على الخمر في الحرمة أو ليس لوحده دليلا كافيا ؟
    قيل: هو دليل على وجوب القياس.
    وقيل: لا لأن الشارع قد يكون نصّ على العلة لبيان سبب تشريع الحكم ليكون أوقع في النفس وأدعى للامتثال.
    وحاصل المسألة أنه لو لم يرد أمر من الشارع بالتعبد بالقياس لكنه في موضع نصّ على علة حكم فهل يكون ذلك أذنا منه في هذا القياس المخصوص وإعلاما منه بحجية القياس وإيجابا للعمل بموجبه أو لا؟
    وفائدة هذه المسألة تظهر في أن أكثر مَن منع حجية القياس لم يخالف في الأخذ بالقياس في حالة النص بالعلة حتى لو لم يسمه قياسا. وأما الجمهور فرغم احتجاجهم بالقياس فلم يعتبروا صورة النص على العلة دليلا كافيا للاحتجاج بالقياس مع اعترافهم بأن أقوى صور القياس ما ثبتت علته بالنص.
    والخلاصة أن التنصيص على العلة لا يكفي دليلا على حجية القياس.

    ( شرح النص )

    الكتابُ الرابعُ في القياسِ

    وهُوَ حمْلُ معلومٍ على معلومٍ لمساواتِهِ في علةِ حكمهِ عندَ الحامِلِ، وإنْ خُصَّ بالصحيحِ حُذِفَ الأخيرُ، وهوَ حجّةٌ في الأمورِ الدنيويةِ وكذا في غيرِها في الأصحِّ إلا في العاديَّةِ والخِلْقِيَّةِ، وإلا في كلِّ الأحكامِ، وإلا القياسَ على منسوخٍ فيمتنِعُ في الأصحِّ، وليسَ النصُّ على العلةِ أمرًا بالقياسِ في الأصحِّ
    .
    ......................... ......................... ......................... .................
    لما فرغ من الكتاب والسنة والإجماع شرع في الدليل الرابع فقال: ( الكتابُ الرابعُ في القياسِ ) الفقهي ( وهُوَ ) لغة: التقدير والمساواة، يقال: قست الثوب بالذراع أي قدرته به، ويقال: فلان لا يقاس بفلان أي لايساوى به، واصطلاحا ( حمْلُ معلومٍ على معلومٍ ) أي إلحاقه به في حكمه
    ، والمقصود بالمعلوم هو الشيء الذي يمكن أن يعلم، فالقياس هو إلحاق شيء بشيء، ولكنه عبر بالمعلوم ولم يعبر بالشيء ليشمل الحد القياس في المعدومات فإن الشيء ينصرف للموجود والقياس يمكن أن يجري في الذهن بين شيئين معدومين ( لمساواتِهِ ) له ( في علةِ حكمهِ ) بأن توجد في الفرع المحمول ( عندَ الحامِلِ ) وهو المجتهد سواء وافق ما في نفس الأمر أو لا، بأن ظهر غلطه، فتناول الحد القياس الفاسد كالصحيح ( وإنْ خُصَّ ) المحدود ( بالصحيحِ حُذِفَ ) من الحدّ ( الأخيرُ ) وهو عند الحامل فلا يتناول حينئذ إلا الصحيح لانصراف المساواة المطلقة إلى ما في نفس الأمر والفاسد قبل ظهور فساده للمجتهد معمول به كالصحيح ( وهوَ ) أي القياس ( حجّةٌ في الأمورِ الدنيويةِ ) كالأغذية ( وكذا في غيرِها ) كالشرعية ( في الأصحِّ ) لعمل كثير من الصحابة به متكررا شائعا مع سكوت الباقين فيكون إجماعا، ولقوله تعالى: فاعتبروا. والاعتبار: قياس الشيء بالشيء، فيجوز القياس في ذلك، وقيل: لا يجوز ( إلا في العاديَّةِ والخِلْقِيَّةِ ) أي التي ترجع إلى العادة والخلقة كأقل الحيض أو النفاس أو الحمل وأكثره فيمتنع ثبوتها بالقياس في الأصح، لأنها لا يدرك المعنى فيها، بل يرجع فيها إلى قول من يوثق به، وقيل: يجوز لأنه قد يدرك المعنى فيها ( وإلا في كلِّ الأحكامِ ) فيمتنع ثبوتها جميعا بالقياس في الأصح؛ لأن منها ما لا يدرك معناه كوجوب دية الخطأ على العاقلة مع أنهم لم يقتلوا، وقيل: يجوز حتى إن كلا من الأحكام صالح لأن يثبت بالقياس بأن يدرك معناه ووجوب الدية على العاقلة له معنى يدرك، وهو إعانة الجاني فيما هو معذور فيه، كما يعان الغارم لأصلاح ذات البين بما يصرف إليه من الزكاة ( وإلا القياسَ على منسوخٍ فيمتنِعُ ) القياس فيه ( في الأصحِّ ) لانتفاء اعتبار الوصف الجامع بالنسخ، وقيل: يجوز فيه ( وليسَ النصُّ على العلةِ) لحكم نحو: الخمر حرام لإسكارها ( أمرًا بالقياسِ ) أي ليس أمرا به، والقصد من هذه المسألة بيان أن هذا التنصيص على العلة لا يصلح أن يكون دليلا على حجية القياس ( في الأصحِّ ) وقيل: إنه أمر به.




  20. #80

    افتراضي

    الدرس التاسع والسبعون- القياس

    أركان القياس

    أولا: أركان القياس أربعة:
    1- الأصل وهو: الصورة المقيس عليها والتي نصّ الشارع على حكمها.
    2- الثاني: الفرع وهو: الصورة المقيسة التي نبحث لها عن حكم.
    3- حكم الأصل وهو: خطاب الله الوارد على الأصل والثابت بالكتاب أو السنة أو الإجماع.
    4- العلة: وهي الوصف الجامع بين الأصل والفرع بوجوده فيهما، والتي بواسطتها سنعدِّي حكم الأصل إلى الفرع.
    ثانيا: اختلف في تحديد الأصل على أقوال:
    1- هو محلُ الحكمِ المشبّهُ بهِ أي هو الصورة التي ثبت لها الحكم أولا والتي يشبه بها الفرع فإن القياس قائم على التشبيه فالأصل هو المشبه به، والفرع هو المشبه، والعلة هي وجه الشبه، بعبارة أخرى الأصل هو المقيس عليه. وهو الأصح.
    2- هو دليل الحكم.
    3- نفس الحكم.
    مثاله: قياس البيرة على الخمر لعلة الإسكار، فالأصل على القول الأول هو الخمر، وعلى القول الثاني فهو ما دل على تحريم الخمر وهو قوله تعالى: ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشطان فاجتنبوه )، وعلى القول الثالث هو الحرمة.
    ثالثا: لا يشترط في الأصل ما يلي:
    1- قيام دليل يدل على جواز القياس عليه بنوعه أو شخصه. وقيل: يشترط ذلك.
    فمثلا البيع نوع له عقود كثيرة يشملها اسم البيع ولكل عقد منه له مسائل مخصوصه فلا يشترط إذا أردنا أن نقيس في مسألة من مسائل البيع أن يوجد دليل يدل على جواز القياس لا في شخص المسألة ولا في نوعها بأن يرد دليل على جواز القياس في البيوع، وكذا إذا أردنا أن نقيس في مسائل النكاح فلا يشترط أن يوجد دليل من الشرع على جواز القياس في تلك المسألة بخصوصها ولا في باب النكاح، بخلاف من اشترط فعنده لا بد من دليل، فمثلا إذا أردنا أن نقيس على مسألة من مسائل الطلاق فلا بد من وجود دليل على جواز القياس في باب النكاح.
    2- الإجماع على وجود العلة في الأصل، فيصح القياس على أصل اختلف العلماء في وجود علته.
    والاختلاف يكون في موضعين:
    أ- في كون الأصل معللا أو لا أي تعرف له علة أو لا، كما لو قيس اللائط على الزاني في الحد، فاعترض الحنفية بأن القياس لا يجري في الحدود فهي غير معللة أصلا عندهم.
    ب- في كون الأصل قد وجدت فية العلة أو لا، فلا يشترط اتفاقهم على أن العلة في الأصل هي كذا، كما في تحريم ربا الفضل في التمر والبر والشعير والملح ، فقيل: هي الكيل أو الوزن ولو لم تكن مطعومة، وقيل: هي الطعم فما ليس بمطعوم لايجري فيه الربا، وقيل: هي القوت والادخار.


    ( شرح النص )

    وأَركانُهُ أَربَعَةٌ: الأَوَّلُ الأَصلُ والأصحُّ أَنَّهُ مَحَلُ الحكمِ المشبَّهُ بهِ، وأَنَّهُ لا يُشتَرَطُ دالٌّ على جوازِ القياسِ عليهِ بنوعِهِ أَو شخصِهِ، ولا الِاتِّفاقُ على وجودِ العِلَّةِ فيهِ.
    ......................... ......................... ......................... .
    ( وأَركانُهُ ) أي القياس ( أَربَعَةٌ ) مقيس عليه، ومقيس، ومعنى مشترك بينهما، وحكم للمقيس عليه يتعدّى بواسطة المشترك إلى المقيس ( الأَوَّلُ ) وهو المقيس عليه ( الأَصلُ ) أي يسمى به كما يسمى المقيس بالفرع كما سيأتي ( والأصحُّ أَنَّهُ ) أي الأصل المقيس عليه ( مَحَلُ الحكمِ المشبَّهُ بهِ ) أي المقيس عليه، وقيل هو حكم المحل، وقيل دليل الحكم ( و ) الأصح ( أَنَّهُ لا يُشتَرَطُ ) في الأصل المذكور ( دالٌّ ) أي دليل ( على جوازِ القياسِ عليهِ بنوعِهِ أَو شخصِهِ، ولا الِاتِّفاقُ على وجودِ العِلَّةِ ) المعينة ( فيهِ ) وقيل: يشترطان، فعلى اشتراط الأول لا يقاس في مسائل البيع مثلا إلا إذا قام دليل على جواز القياس فيه بنوعه أو شخصه، وعلى اشتراط الثاني لا يقاس فيما اختلف في وجود العلة فيه، بل لا بدّ من الاتفاق على ذلك بعد الاتفاق على أن حكم الأصل معلل بأن يتفقوا على أن علته كذا، وكل من القولين مردود بأنه لا دليل عليه.




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •