تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: وَلَكِنْ هَلْ يَعْتَبِرُ بِهَا الْمُنْتَسِبُون َ إِلَى الْقُرْآنِ؟

  1. #1

    افتراضي وَلَكِنْ هَلْ يَعْتَبِرُ بِهَا الْمُنْتَسِبُون َ إِلَى الْقُرْآنِ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد : وجاء في المنار أيضا:
    (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) هَذَا بَيَانٌ مُعَلِّلٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْوَعِيدِ لِمَنْ يُبَدِّلُ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا، وَلَا سِيَّمَا نِعْمَةُ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى فِي هِدَايَةِ الْمِلَّةِ إِلَى وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، فَالْكُفْرُ فِيهَا هُوَ كُفْرُ النِّعْمَةِ لَا إِنْكَارُ وُجُودِ اللهِ تَعَالَى وَلَا الشَّرَكُ بِهِ كَمَا زَعَمَ (الْجَلَالُ) وَغَيْرُهُ، وَسَبَبُهُ الِافْتِتَانُ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ، وَإِيثَارُهَا عَلَى حَيَاةِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ، وَالْمَقَامُ مَقَامُ الْأَمْرِ بِالِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ وَالْأَخْذِ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَشَرَائِعِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّفَرُّقِ فِيهَا، وَالْمُسْلِمُون َ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِالْوَعِيدِ عَلَى التَّفَرُّقِ وَاتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْيِهِ وَتَفْسِيرِهِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ - فَبَعْدَ أَنْ أَمَرَنَا تَعَالَى وَنَهَانَا وَتَوَعَّدَ مَنْ يَزِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ مِنَّا بَعْدَ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ذَكَّرَنَا بِحَالِ مَنْ سَبَقَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ نَزَلَ بِهِمْ عَذَابُ التَّفَرُّقِ وَالْخِلَافِ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَنَّهُمْ مُنْتَمُونَ إِلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَعِنْدَهُمْ شَرِيعَةٌ إِلَهِيَّةٌ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْكِتَابِ لِاخْتِلَافِ أَئِمَّتِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ فِي التَّأْوِيلِ وَالتَّأْلِيفِ، وَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يَعْتَذِرُ عَنْ تَرْكِهِ الْعَمَلَ بِالتَّوْرَاةِ بِأَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِبَعْضِ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ مِنْهُ بِهَا.
    بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ يَسْأَلُ سَائِلٌ: كَيْفَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي دِينِهِمْ وَيَتَفَرَّقُون َ شِيَعًا بَعْدَ مَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَهَذِهِ الْآيَةُ جَوَابٌ لِهَذَا السُّؤَالِ، وَحَلٌّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ، مُلَخَّصُهُ أَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا وَالْغُرُورِ بِزِينَتِهَا يَصْرِفَانِ جَمِيعَ قُوَى النَّفْسِ إِلَى التَّفَانِي فِي طَلَبِهَا، وَبِذَلِكَ تَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي آيَاتِ الْحَقِّ وَبَيِّنَاتِهِ، أَمَّا الرُّؤَسَاءُ فَإِنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ إِلَى حُبِّ الِامْتِيَازِ وَالشُّهْرَةِ وَالِاسْتِعْلَا ءِ عَلَى الْأَقْرَانِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْخِلَافِ وَانْتِصَارِ كُلِّ رَئِيسٍ لِمَذْهَبٍ، وَالذَّبِّ عَنْهُ بِالْجَدَلِ وَالتَّأْوِيلِ. وَأَمَّا الْمَرْءُوسُونَ فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يَنْتَمِي إِلَى رَئِيسٍ يَعْتَزُّ بِهِ وَيُقَلِّدُهُ دِينَهُ، وَلَا يَسْتَمِعُ قَوْلًا لِمُخَالِفِهِ، وَيَرْبِطُ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّة ِ،
    فَحُبُّ الدُّنْيَا هُوَ عِلَّةُ الْعِلَلِ وَرَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ارْتِبَاطِ الرُّؤَسَاءِ بِالْمَرْءُوسِي نَ فِي تَفْسِيرِ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا) (2: 165) الْآيَاتِ.
    وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا قَاضٍ بِأَنْ يَخْتَصَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَنْ أُوتُوا كِتَابًا وَجَاءَتْهُمْ بَيِّنَاتٌ تَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ وَتُحَقِّقُ وَحْدَتَهُمْ، فَفَصَمُوا بِالْخِلَافِ عُرْوَتَهَا، وَمَزَّقُوا بِالتَّفَرُّقِ نَسِيجَ وَحْدَتِهَا، وَذَلِكَ كُفْرٌ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَتَبْدِيلٌ لَهَا بِالنِّقْمَةِ. وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَزَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ فِي الدِّينِ الْآيَةُ التَّالِيَةُ لِهَذِهِ، فَإِنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِأَصْلِ الْخِلَافِ فِي الدِّينِ مُنْذُ بَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ.
    جُمْلَةُ (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) إِلَخْ. فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّا جَعَلَنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (18: 7) ابْتَلَاهُمْ فَغَرَّتْ أَقْوَامًا زِينَتُهَا، وَفَتَنَتْهُمْ بَهْجَتُهَا، فَانْصَرَفَتْ هِمَّتُهُمْ إِلَى الِاسْتِمَاعِ بِلَذَّاتِهَا، وَانْحَصَرَتْ أَفْكَارُهُمْ فِي اسْتِنْبَاطِ الْوَسَائِلِ لِشَهَوَاتِهَا، وَمُسَابَقَةِ طُلَّابِ الْمَالِ وَالْجَاهِ عِنْدَ أَرْبَابِهَا، وَمُزَاحَمَةِ الطَّارِقِينَ لِأَبْوَابِهَا، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا سِعَةٌ لِطَلَبِ شَيْءٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَارِضًا لَهُمْ فِيهَا يَرْغَبُونَ، وَحَائِلًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ، فَمَا بَالُكَ بِطَلَبِ الْحَقِّ، وَالتَّطَلُّعِ إِلَى حَيَاةٍ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَالْحَقُّ يَنْعَى عَلَيْهِمْ إِسْرَافَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ، وَيُطَالِبُهُمْ بِحُقُوقٍ عَلَيْهِمْ لِغَيْرِهِمْ. وَالتَّطَلُّعُ إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى يُزَعْزِعُ مِنْ سُكُونِهِمْ إِلَى لَهْوِهِمْ، وَيَغُضُّ شَيْئًا مِنْ تَعَالِيهِمْ فِي زَهْوِهِمْ، بَلْ يُكَدِّرُ عَلَيْهِمْ بَعْضَ صَفْوِهِمْ، وَيَقِفُ بِهِمْ دُونَ شَأْوِهِمْ.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  2. #2

    افتراضي

    وَمَنْ لَمْ يَطْلُبِ الْحَقَّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِخْلَاصٍ وَإِنْصَافٍ لَا يَجِدُهُ وَلَا يَتَّفِقُ مَعَ أَهْلِهِ، وَأَنَّى لِلْمَفْتُونِين َ بِالزِّينَةِ الْإِخْلَاصُ وَالْإِنْصَافُ؟ !
    أَقُولُ: وَثَمَّ أَقْوَامٌ آخَرُونَ نَظَرُوا إِلَى زِينَةِ الدُّنْيَا كَمَا أَمَرَ اللهُ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ. وَثَانِيهِمَا: كَوْنُهَا نِعْمَةً مِنْهُ تَعَالَى يَنْتَفِعُ بِهَا، وَيَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَيَتَّبِعُ شَرْعَهُ فِيهَا بِالْقَصْدِ وَاجْتِنَابِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَتَذَكُّرِ الدُّعَاءِ بِحَسَنَةِ الدُّنْيَا وَحَسَنَةِ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ، وَلَا تَنْسَ قَوْلَهُ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) إِلَخْ.
    وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا هُنَا مَنْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لِلَّهِ وَلِلنَّاسِ إِيمَانًا إِذْعَانًا وَانْقِيَادًا، بَلْ يُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، لَا الْمُشْرِكُونَ أَوِ الْكَافِرُونَ فِي عُرْفِ بَعْضِ النَّاسِ كَالَّذِينِ لَا يُسَمَّوْنَ مُسْلِمِينَ، كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِين َ النَّاجِينَ طَائِفَةً يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ أَوْ يَصِفُونَهَا بِالْإِيمَانِ أَوِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمْ أُولَئِكَ الْمُوقِنِينَ بِمَا عِنْدَ اللهِ، الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ الْحَقَّ عَلَى كُلِّ مَا يُعَارِضُهُ مِنْ شَهَوَاتِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ، وَإِذَا عَثَرَ أَحَدُهُمْ فَعَمِلَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ يَتُوبُ مِنْ قَرِيبٍ. وَانْظُرْ سَائِرَ مَا عَرَّفَ اللهُ تَعَالَى بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنَ النُّعُوتِ وَالْأَوْصَافِ يَظْهَرُ لَكَ هَذَا.
    وَأَظْهَرُ أَوْصَافِ الْكَافِرِ أَنْ تَكُونَ زِينَةُ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ، يُؤْثِرُهَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِنَّ أَمْرَ الدِّينِ لَا يُزَحْزِحُهُ عَنْ شَيْءٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الزِّينَةِ وَمَتَاعِهَا بِلَا مَعَارِضٍ مِنَ الدُّنْيَا، كَحَاكِمٍ يَزِعُ أَوْ إِهَانَةٍ تُتَوَقَّعُ; لِأَنَّهُ لَا يَقِينَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَسِبًا إِلَى دِينٍ فَمَا دِينُهُ إِلَّا تَقَالِيدٌ وَعَادَاتٌ، وَخَوَاطِرُ تَتَنَازَعُهَا الشُّبُهَاتُ، وَتَتَجَاذَبُهَ ا الشُّكُوكُ وَالتَّأْوِيلَا تُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَلِّمُ تَقْلِيدًا بِأَنَّ هُنَالِكَ آخِرَةً فِيهَا نَعِيمٌ خَاصٌّ بِأَهْلِ مِلَّتِهِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا وَصَفَ اللهُ الْكَافِرِينَ، وَضِدَّ مَا نَعَتَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا كَانَ الْيَهُودُ فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ. وَقَدْ أَطْلَقَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمُ اسْمَ الْإِيمَانِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا الْآيَةُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَفِي غَيْرِهَا أَيْضًا كَقَوْلِهِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَامَّةً مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْحَدِيدِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحِمَتِهِ) (57: 28) إِلَخْ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمُ اسْمَ الْكُفْرِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
    وَذَلِكَ أَنَّ لِلْإِيمَانِ - كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - إِطْلَاقَيْنِ، فَيُطْلَقُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُوقِنِ الْمُذْعِنِ لِلْعَمَلِ وَالِاتِّبَاعِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ يُصَدِّقُ تَقْلِيدًا بِأَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهًا أَرْسَلَ رُسُلًا وَيَنْتَسِبُ إِلَى بَعْضِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ فِي إِيمَانِهِ، وَبَصِيرَةٍ فِي دِينِهِ، وَحُسْنِ اتِّبَاعٍ لِنَبِيِّهِ، بَلْ هُوَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَكُونُونَ فِي عُرْفِ الْقُرْآنِ كَافِرِينَ، وَذَكَرَ مِنْ عَلَامَتِهِمُ الِافْتِتَانَ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَهُمْ يَعُدُّونَ الْكِيَاسَةَ الِانْغِمَاسَ فِي نَعِيمِهَا، وَيَرَوْنَ الْفَضْلَ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ فُضُولِهَا (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) إِيمَانًا حَقِيقِيًّا يَحْمِلُ عَلَى
    الْعَمَلِ - يَسْخَرُونَ مِنْ فُقَرَائِهِمْ; لِأَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ مِنْ زِينَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا رَاضِينَ مِنَ اللهِ مَغْبُوطِينَ بِمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالرَّجَاءِ بِالْآخِرَةِ، وَمِنْ أَغْنِيَائِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَنَوَّقُونَ فِي النَّعِيمِ، بَلْ يَرَوْنَ الْكِيَاسَةَ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِتَرْقِيَةِ النَّفْسِ بِالِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ الْمُؤَيَّدِ بِالْبَيِّنَاتِ وَالتَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَأَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَيَعُدُّونَ الْفَضْلَ فِي الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّاسِ وَخِدْمَةِ الْأُمَّةِ، وَالْإِفَاضَةِ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ عَلَى الْعَاجِزِينَ وَالْبَائِسِينَ ، وَكُلَّمَا أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ دِرْهَمًا عَدَّهُ أُولَئِكَ الْمُسْتَهْزِئُ ونَ مَغْرَمًا.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  3. #3

    افتراضي

    قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَى هَؤُلَاءِ السَّاخِرِينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ فِي زِينَتِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ خَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ فِي نَزَاهَتِهِمْ وَتُقَاتِهِمْ: (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فَإِذَا اسْتَعْلَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ طَائِفَةً مِنَ الزَّمَنِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الْقَصِيرَةِ الْفَانِيَةِ بِمَا يَكُونُ لَهُمْ مِنَ الْأَتْبَاعِ وَالْأَنْصَارِ وَالْمَالِ والسُّلْطَانِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ يَكُونُونَ أَعْلَى مِنْهُمْ مَقَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الْحَيَاةِ الْعَلِيَّةِ الْأَبَدِيَّةِ. وَلَمْ يَقُلْ: وَالَّذِينَ آمَنُوا فَوْقَهُمْ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا وَنُشِّئُوا بَيْنَ قَوْمٍ يُدْعَوْنَ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَاللهُ يُرْشِدُنَا إِلَى أَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِالْإِيمَانِ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا إِذَا صَحِبَتْهُ التَّقْوَى، وَكَانَتْ أَثَرًا لَهُ فِي النَّفْسِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) (19: 63) وَ (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (3: 133) وَ (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) (5: 93) وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنَّ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَا فِيهَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ اللَّقَبِ وَالْجِنْسِيَّة ِ، أَوْ بَعْضِ التَّقَالِيدِ الَّتِي لَا أَثَرَ لَهَا فِي النَّفْسِ، لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى مِثْلِهَا، وَإِذَا قِيلَ لِعُظَمَائِهِمْ فِيهَا وَاحْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِهَا طَفِقُوا يُحَرِّفُونَ وَيُؤَوِّلُونَ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْكَافِرِينَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ. أَوْ يَقُولُونَ: هَكَذَا شُيُوخُنَا وَإِنَّمَا نَحْنُ مُقَلِّدُونَ، وَهَؤُلَاءِ الدَّاعُونَ إِلَى الْكِتَابِ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ; لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الِاجْتِهَادَ فِي الدِّينِ، وَقَدْ أَقْفَلَ عُلَمَاؤُنَا بَابَهُ مُنْذُ مِئِينَ مِنَ السِّنِينَ.
    ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَمْتَازُ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْمُتَّقِي عَلَى الْكَافِرِ الْقَائِمِ بِتَبْدِيلِ النِّعْمَةِ وَتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ - وَهُوَ الْعُلُوُّ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَنَا أَنَّ رِزْقَ الدُّنْيَا وَنَعِيمَهَا لَيْسَ خَاصًّا فِيهَا بِتَقِيٍّ وَلَا شَقِيٍّ، بَلْ هُوَ مَبْذُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي مِنْ حَيْثُ لَا يَظُنُّ الْمَرْءُ وَلَا يَحْتَسِبُ فَقَالَ: (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الْحِسَابُ: التَّقْدِيرُ; أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ لَهُ عَلَى حَسَبِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْكُفْرِ وَالْفُجُورِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ السَّعَةِ وَعَدَمِ التَّقْتِيرِ وَالتَّضْيِيقِ، كَقَوْلِهِمْ: يُنْفِقُ فُلَانٌ بِغَيْرِ حِسَابٍ; أَيْ: يُنْفِقُ كَثِيرًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ بَذَلَ الْعَطَاءَ فِي الدُّنْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ بِخَلْقِ الْأَرْزَاقِ وَإِقْدَارِ النَّاسِ عَلَى الْكَسْبِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى بِغَيْرِ حِسَابٍ عَلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ، فَهُوَ الَّذِي خَلَقَ وَرَزَقَ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةِ أَحَدٍ وَلَا مُرَاجَعَتِهِ، وَقَدْ بَسَطَ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) (17: 18 - 21) فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطِ السَّعْيَ لِرِزْقِ الدُّنْيَا; لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي بِلَا سَعْيٍ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَكَنْزٍ، أَوِ ارْتِفَاعٍ لِأَثْمَانِ مَا يَمْلِكُ مِنْ عَقَارٍ وَعُرُوضٍ بِأَسْبَابٍ عَامَّةٍ، وَاشْتَرَطَ لِلْآخِرَةِ السَّعْيَ مَعَ الْإِيمَانِ، كَمَا خَصَّهَا هُنَا بِالَّذِينِ اتَّقَوْا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَطَاءَهُ وَاسِعٌ مَبْذُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ لَيْسَ فِيهِ حَظْرٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَلِلْمُشَمِّرِ تَشْمِيرُهُ، وَعَلَى الْمُقَصِّرِ تَقْصِيرُهُ، وَفِي الْحِسَابِ هُنَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ الِاحْتِسَابُ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) .
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

  4. #4

    افتراضي

    إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (10: 7، 8) فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ النَّارَ مَأْوَى الْغَافِلِينَ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، أَيْ عَنْ دَلَالَتِهَا عَلَى وُجُودِ خَالِقِهَا وَمُدَبِّرِ النِّظَامِ فِيهَا، وَكَوْنِ إِعَادَةِ خَلْقِ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِمْ فِي طَوْرٍ آخَرَ لَا يَتَعَاصَى عَلَى قُدْرَتِهِ، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَى عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَعَنْ كَوْنِ مَعْرِفَتِهِ تَعَالَى أَعْلَى أَنْوَاعِ الْمَعْرِفَةِ، وَكَوْنِ التَّنَعُّمِ الرُّوحَانِيِّ بِلِقَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ أَسْمَى أَنْوَاعِ النَّعِيمِ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْغَافِلُونَ عَمَّا ذُكِرَ - مِنْ أَكْبَرِ
    الْعُلَمَاءِ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى وَحِكَمِهِ فِي خَلْقِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالْعَالَمِ السُّفْلِيِّ، بَلْ حُجَّةُ اللهِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ أَبْلَغُ وَأَظْهَرُ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ فَطِنُوا لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ، وَفَقِهُوهُ كَمَا يَجِبُ لَكَانُوا أَسْعَدَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَبْعَدَ عَنْ شُرُورِهَا وَمَفَاسِدِهَا مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ الْآنَ، وَلَاسْتَعَدُّو ا بِذَلِكَ لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ أَكْمَلَ اسْتِعْدَادٍ.
    كَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الرُّومِ: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (30: 7) فَانْظُرْ إِلَى بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ فِي إِعَادَةِ ضَمِيرِ (هُمْ) وَهُوَ لِلتَّأْكِيدِ الَّذِي اقْتَضَاهُ وَصْفُهُمْ بِالْعِلْمِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ صَاحِبِهِ عَدَمُ الْغَفْلَةِ.
    تِلْكَ الصِّفَاتُ هِيَ صِفَاتُ مَنْ خُلِقُوا لِسُكْنَى الْجَحِيمِ، وَمَا يُقَابِلُهَا فَهُوَ صِفَاتُ أَهْلِ دَارِ النَّعِيمِ، فَأَهْلُ النَّارِ بِنَصِّ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى هُمُ الْأَغْنِيَاءُ الْجَاهِلُونَ الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَا يَسْتَعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ فِي فِقْهِ حَقَائِقِ الْأُمُورِ، وَلَا يَسْتَعْمِلُونَ أَسْمَاعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ فِي اسْتِنْبَاطِ الْمَعَارِفِ، وَاسْتِفَادَةِ الْعُلُومِ، وَمَعْرِفَةِ آيَاتِ اللهِ الْكَوْنِيَّةِ، وَفِقْهِ آيَاتِهِ التَّنْزِيلِيَّ ةِ، وَهُمَا سَبَبُ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَالْبَاعِثُ النَّفْسِيُّ عَلَى كَمَالِ الْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ، وَلَنْ تَرَى فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْكَثِيرَةِ مَنْ نَبَّهَ قُرَّاءَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى إِلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الْهَادِيَةِ إِلَى سَبِيلِهِ وَصِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ، عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اتَّخَذُوا كِتَابَ اللهِ مَهْجُورًا، فَإِذَا سَأَلْتَ أَشْهَرَهُمْ بِعِلْمِ التَّفْسِيرِ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ لَكَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ لِلنَّارِ خَلْقًا هُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي مَجْبُورُونَ، لَهُمْ قُلُوبٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَفْهَمُوا بِهَا شَيْئًا مِمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُفْهَمَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَلِيقُ بِالْمَقَامِ مِنَ الْحَقِّ وَدَلَائِلِهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا -، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا شَيْئًا مِنَ الْمُبْصَرَاتِ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الشَّوَاهِدُ التَّكْوِينِيَّ ةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْحَقِّ انْدِرَاجًا أَوَّلِيًّا - وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا شَيْئًا مِنَ الْمَسْمُوعَاتِ ، فَيَتَنَاوَلُ الْآيَاتِ التَّنْزِيلِيَّ ةَ عَلَى طُرُزِ مَا سَلَفَ " انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ رُوحِ الْمَعَانِي، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فِيهِ فَكَلَامٌ فِي الْإِعْرَابِ وَنُكَتِ التَّعْبِيرِ، وَتَحْقِيقٌ لِمَعْنَى الْجَبْرِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِي نَ، وَهُوَ زُبْدَةُ مَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ، وَأَهْلُ النَّارِ عِنْدَهُمْ مَنْ يُسَمُّونَهُمْ كَافِرِينَ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ يُسَمُّونَهُمْ مُسْلِمِينَ، إِنْ كَانُوا يَجْهَلُونَ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَيُصِرُّونَ عَلَى الْفُجُورِ، اتِّكَالًا عَلَى شَفَاعَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ مَعَ اللهِ أَوْ مِنْ دُونِ اللهِ لِمُهِمَّاتِ الْأُمُورِ، وَيَذْبَحُونَ لَهُمُ النَّسَائِكَ، وَيَنْذِرُونَ لَهُمُ النُّذُورَ،
    وَهِيَ عِبَادَاتٌ لِغَيْرِ اللهِ يَخْرُجُونَ بِهَا مِنْ حَظِيرَةِ الْإِيمَانِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ عَلَى الْجَبْرِ غَفْلَةٌ وَجَهْلٌ بَلْ هِيَ كَسَائِرِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نَوْطِ الْجَزَاءِ بِالْعَمَلِ وَمَعْنَاهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ تَرَكُوا اسْتِعْمَالَ عُقُولِهِمْ وَمَشَاعِرِهِمُ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ فِي عِلْمِ الْهُدَى، الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَعْمَالُ الْمُزَكِّيَةُ لِلنَّفْسِ، فَكَانُوا بِذَلِكَ أَهْلَ جَهَنَّمَ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ تَعَالَى ذَرَأَهُمْ لِجَهَنَّمَ لِذَوَاتِهِمْ ; فَإِنَّ ذَوَاتِ الْجِنْسَيْنِ كُلُّهَا مُتَشَابِهَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ خَلَقَهُمْ عَاجِزِينَ عَنِ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْقُوَى فِي أَسْبَابِ الْهُدَى بَلْ قَالَ: إِنَّهُمْ هُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهَ ا فِي ذَلِكَ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (67: 10، 11) وَلَكِنَّ الْجَدَلَ فِي الْمَذَاهِبِ هُوَ الَّذِي أَوْهَمَهُمْ، وَنَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنْ هَدَانَا إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِالشَّوَاهِدِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ وَالْأَكْوَانِ، وَهُوَ مَا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا مَا يَحُومُ حَوْلَهُ الْإِنْسَانُ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ، مِمَّا أَمَرَ بِهِ اللهُ فَالْحَمْدُ لَهُ ثُمَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
    لا يتعصب الا غبي او عصبي او حزبي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •