قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
من بلغته دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الكفر ، وعلم أنه رسول الله ، فآمن به ، وآمن بما أنزل عليه ، واتقى الله ما استطاع ، كما فعل النجاشي وغيره ، ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ، ولا التزام جميع شرائع الإسلام ، لكونه ممنوعا من الهجرة ، وممنوعا من إظهار دينه ، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام ؛ فهذا مؤمن من أهل الجنة ، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون ، وكما كانت امرأة فرعون ، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر ; فإنهم كانوا كفارا ، ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام ، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان ، فلم يجيبوه .
قال تعالى عن مؤمن آل فرعون : ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) سورة غافر: 34 .
وكذلك النجاشي ، فهو وإن كان ملك النصارى ، فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام ، بل إنما دخل معه نفر منهم . ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه ، فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – بالمدينة : خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا ، وصلى عليه ، وأخبرهم بموته يوم مات ، وقال : ( إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات ) .
وكثير من شرائع الإسلام ، أو أكثرها ، لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك ، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت ، بل قد روي أنه لم يكن يصوم شهر رمضان ; لأن ذلك كان يظهر عند قومه ، فينكرونه عليه ، وهو لا يمكنه مخالفتهم . ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن .
فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه .
وبالجملة : لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر، وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة، لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها، بل الوجوب بحسب الإمكان .
ينظر كتاب " منهاج السنة النبوية " لشيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 111- 125) .