لقد ترَكَنا النبي – صلى الله عليه وسلم – على المحجَّةِ البيضاءِ ليلُها كنهارهِا، لا يزيغُ عنها إلا هالِك، وكتابُ ربِّنا وسُنةُ رسوله – صلى الله عليه وسلم – قائِمةٌ بيننا، إليهما المرجِعُ والتحاكُم، وقد مضَى النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابتُه الكرامُ عليها بعد خَتم الرسالة وتمام الدين، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]

فما لم يكن يومئذٍ دينًا فليس هو اليومَ بدِين، وما لم يشرَعه النبي – صلى الله عليه وسلم – مُبلِّغًا عن ربه فليس بشريعةٍ.

وفي زمن تعدُّدِ أدعِياءِ الحق، وتبايُنِ المزاعمِ بالتِزامِ السنة، وفي وقتِ كثرةِ الجماعاتِ والطوائفِ والمناهج، والتي فرَّقت ولم تجمَعْ، وبدَّدَ أكثرُها الجهودَ ولم تنفَعْ أو تدفَعْ؛ فإن الإسلامَ وهو دينُِ الوسطِ واليسر، قد علِقَ به من الشوائِبِ ما غطَّى بهاءَه وصفاءَه، وفرَّقَ المسلمينَ وشتَّتَهم، والأدهَى من ذلك:

إثارةُ الغُبارِ على عامَّةِ المسلمين، بتمزيقِهم وتحزيبِهم، وجَعلِهم فِرقًا وشِيَعًا، مما يُؤكِّدُ أن في داخل الأمةِ أدواءً لا تقِلُّ خطورةً عن ضررِ أعدائها من الخارج.

إن على العلماءِ أن يُبيِّنُوا حقيقةَ ومُقتضَى قولِ الله – عز وجل -: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]، وقوله – سبحانه -: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31، 32].

وأنَّ تَنَقُّصَ علماء الأمة، السائِرِين على منهجِ سلفِها الصالح هو طعنٌ في صحابةِ الرسول – صلى الله عليه وسلم – وتابِعِيهم، وفي علماءِ الإسلام، وأئمةِ الفقه وتلامِذَتهم، والذين لم يتَّخِذُوا لهم اسمًا إلا الإسلام، ولا وصفًا إلا المسلمين، ولا منهجًا إلا اتِّباعَ السنة، وكلُّهم قد صحَّ النقلُ عنه بذمِّ الابتداع في الدين، والحَيدَة عن سُنَّة سيِّد المرسلين.

والحمدُ لله على أن الوعيَ والحذَرَ يتنامَى لدَى المسلمين بما يُحاكُ ضدَّهم، إلا أن جَمعَ كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم فريضةٌ شرعية، وأوامرُ إلهية: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].

إنَّ الواجبَ هو وَأدُ كلِّ خلافٍ يشُقُّ صفَّ المسلمين، ويُفرِّق جمعَهم، فليست الأمةُ في حال رَفاهٍ يسمَحُ لها بمزيدٍ من التدابُرِ والتقاطُع، ومن سعَى في تفريقٍ وعَزلٍ فهو المعتزِلُ لوحده، وهو النادُّ عن جماعةِ المسلمين، ويبقَى عمومُ المسلمين في دائرةِ الإسلام والوحدة، يجمعُهم كتابُ الله وسُنةُ رسوله – صلى الله عليه وسلم -، قِبلتُهم واحدة، ودينُهم واحد، وكتابُهم واحد.

وعلى أمةَ الإسلام أن تعِيَ أسباب اجتماعها ، وأن تعلَمَ أن التحدِّي الذي يُواجِهُ الأمةَ أكبرُ من الإغراقِ في التفاصيلِ، ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46].
————-
د صالح آل طالب