( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ):
( أعوذ بالله ): أمتنع به وأعتصم به وألجأ إليه سبحانه
( من الشيطان ): أي من شره ووسوسته وإغوائه وخطواته وخطراته وتسويله وإضلاله
( الرجيم ): المطرود من باب الله أو المشتوم بلعنة الله([i]
([ii])﴿ بـسم الله([iii]): أي استعينوا وتبركوا باسم ( الله ) في بداية تلاوتكم.
﴿ الله ﴾: المألوه المعبود ذو الألوهية والعبودية وحده لا شريك له على خلقه أجمعين، المستحق لإفراده بالعبادة، لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال.
﴿ الرحمن ﴾: المتصف بالرحمة العظيمة الواسعة جـداً (صفة لذاته سبحانه).
﴿ الرحيم ﴾: الراحم برحمته لأوليائه ومن يشاء من خلقه (صفة لفعله سبحانه) والرحمة هي الرقة والعطف.
﴿ الحمد ﴾: الثناء والمدح للمحمود باللسان مع المحبة في القلب سواء أحسن إليك المحمود أولم يحسن.
﴿ الحمد لله ﴾: الثناء على الله بصفاته صفات الجلال والجمال والكمال، وأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل بجميع الوجوه.
﴿ رب ﴾: المالك لكل شيء، السيد، الخالق المدبر، المربي لأوليائه تربية خاصة، ولخلقه تربية عامة.
﴿ العالمين ﴾: أي الإنس والجن([iv]).
﴿ مالك ﴾ وفي قراءة أخرى متواترة ﴿ ملك ﴾: المالك هو المتصرف بفعله فيما يملك، والملك هو المتصرف بفعله وأمره فيما يملك، والله تعالى ﴿ مالك الملك ﴾ فهو المتصرف به بفعله وأمره.
﴿ يوم الدين ﴾: هو يوم القيامة يوم يدين الله عز وجل الخلائق فيه بأعمالهم أي يحاسبهم ويجازيهم عليها إن خيراً فثواب وإن شراً فعقاب إلا من عفا الله عنه.
﴿ مالك يوم الدين ﴾: الله عز وجل هو المالك ليوم الدين وغيره من الأيام لكن التخصيص هنا للدلالة على انقطاع تصرف الخلائق في ذلك اليوم.
﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾: أي نخصك وحـدك بالعبادة والاستعانـة.
﴿ نعبد ﴾: العبادة تطلق على التعبد وهو التذلل لله بفعل أوامره واجتناب نواهيه محبة وتعظيماً رغباً ورهباً، وتطلق على المتعبد به وهو كل الاعتقادات والأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة التي يحبها الله.
وتذلل القلب هو الخشوع وتذلل الجوارح هو الخضوع والله أعلم
والله عز وجل لا يقبل العبادة إلا إذا كانت خالصة له لا شريك له فيها، وكانت على شريعة وطريقة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ نستعين ﴾ الاستعانة هي الاعتماد على الله المستعان وطلب العون منه على العبادة وعلى جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به والتفويض إليه في تحصيل ذلك.
﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾: أي دلنا وأرشدنا ووفقنا إلى الطريق الذي لا عوج فيه ولا اعوجاج الموصل لرضوانك وهذا الصراط هو العلم بالحق والعمل به، لذا فسره بعضهم بالإسلام وفسره بعضهم بالقرآن.
فالمسلم محتاج دائماً على أن يدله ربه سبحانه على الحق والعلم النافع وأن يرزقه الإرادة والقدرة على العمل بما علم وذلك في أموره كلها وفي كل لحظة وكل يوم، وهذا الصراط هو :
﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ﴾: من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فهم أصحاب العلم بالحق والعمل به، وأهل الرحمة لا الشقاء والغضب، وأهل الهدى لا الضلال.
﴿ غير﴾ صراط ﴿ المغضوب عليهم ﴾: وهم اليهود ومن تبعهم وشابههم الذين فقدوا العمل بالحق مع أنهم علموا به وذلك لفساد نيتهم وقصدهم ولإتباعهم الهوى فكانوا من الغاوين
﴿ ولا ﴾ صراط ﴿ الضالين﴾: وهم النصارى ومن تبعهم وشابههم من أهل الجهل الذين فقدوا العلم بالحق أصلاً بفساد علمهم واعتقادهم فأنى لهم أن يعملوا به.

تم تفسير الفاتحة
والحمد لله رب العالمين
الذي بنعمته تتم الصالحات.


([i]) الشيطان المقصود هنا هو قرين الإنسان من الجن، كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله أو مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قال: ( نعم )، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: ( نعم ) أخرجه مسلم.
وحديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن ) أخرجه مسلم

([ii]) قال بعض أهل العلم : « يقدر في أول الفاتحة لفظ (قولوا) لكـي تناسب صيغــة الجماعة في قوله : ﴿ إياك نعبد ﴾ ».

([iii]) قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي : « أي أبتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ ( اسم ) مفرد مضاف، فيعم جميع الأسماء [الحسنى] ».

([iv]) هذا الراجح عندي وهناك أقوال أخرى في معنى ﴿ العالمين ﴾ كما يلي :
الأول: الإنس والجن والملائكة أي كل ما يعقل .
الثاني: الإنس والجن والملائكة والحيوانات أي الأحياء والأمم.
الثالث: كل مخلوق ويدخل في ذلك الدنيا والفترات الزمنية والأجيال.
ولكن هذه الأقوال يمكن الرد عليها بأن الملائكة وسائر المذكورين لا يمكن أن تشملهم الآيات التالية : ﴿ وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ﴾ و﴿ ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ﴾ و ﴿ أتأتون الذكران من العالمين ﴾ وكذلك فيما عدا الملائكة: ﴿ أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ﴾.