تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حول توجيه قول المعاصرين : كل عام وأنتم بخير

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي حول توجيه قول المعاصرين : كل عام وأنتم بخير

    حول توجيه قول المعاصرين:
    كل عام وأنتم بخير

    أ.د. عبدالعظيم فتحي خليل

    حول توجيه قول المعاصرين:
    كل عام وأنتم بخير


    أصدر المجمع في ذلك قراراً هذا نصه:
    "يخطئ بعض النقاد ما يشيع من قول الناس في أعيادهم: "كل عام وأنتم بخير" بناء على أنه لا موضع للواو هنا، والصحيح عندهم أن يقال: كل عام أنتم بخير.

    وقد درَسَت اللجنة هذا التعبير، وانتهت إلى أنه جائز على أن يكون "كل عام" مبتدأ حُذف خبره، والتقدير: كل عام مقبل وأنتم بخير، والواو حالية، والجملة بعدها حال" [1].

    وجاء في كتاب الألفاظ والأساليب بيان حول القرار يشتمل على أربعة أمور:
    الأول: أن الأستاذ علي النجدي ناصف تقدم إلى لجنة الألفاظ والأساليب بمذكرة ناقش فيها من يخطئون ذكر الواو في تلك العبارة، وانتهى إلى أنها صحيحة، مع بقاء الواو فيها، على أن تكون "كل" إما فاعلاً حذف فعله، وإما ظرفاً لفعل مقدر أسند إلى المخاطبين، نحو: تحيون.. أما جملة: "وأنتم بخير" فجملة حالية على التقديرين.. أو على أن تكون الواو في العبارة زائدة، وقد أجاز زيادتها الكوفيون وآخرون.

    الثاني: أن اللجنة ناقشت هذه المسألة، فاتجه الرأي فيها إلى الابتعاد عن القول بالزيادة، والقول بالظرفية، والاكتفاء باعتبار "كل" فاعلاً حذف فعله، أو مبتدأ حذف خبره، وقال الأستاذ محمد شوقي أمين: ربما كان القول بأن "كل" مبتدأ هو الأدنى للقبول، أما القول بأنها ظرف فإنه يقتضي أن يقوم الكلام على فضلتين، هما: الظرف والحال، دون اعتبار لركني الجملة الأساسيين، وأرى أن التعبير لا يحتاج إلى توجيه؛ لأنه يقوم على أبسط القواعد النحوية، إذ تكون "كل عام" مبتدأ و"أنتم" معطوفاً عليها، و"بخير" خبراً.

    الثالث: أن الأستاذ علي النجدي عاد فكتب مذكرة ملحقة بالأولى، وانتهى فيها إلى أن إعراب "كل" في العبارة فاعلاً أرجح عنده من رفعه مبتدأ، إذ دل الاستقراء على أن الجملة الفعلية أكثر استعمالاً في اللغة العربية من الجملة الاسمية.

    الرابع: أن لجنة الألفاظ والأساليب ناقشت ذلك، وانتهت إلى قرارها فيه، وجاء في آخره: "وقد درست اللجنة هذا التعبير، وانتهت إلى أنه جائز من وجهين:
    أحدهما: أن تكون "كل" فاعلاً حذف فعله لكثرة الاستعمال، والتقدير: يقبل كل عام وأنتم بخير.

    والآخر: أن تكون "كل" مبتدأ حذف خبره، والتقدير حينئذ: كل عام مقبل وأنتم بخير، وفي كلتا الحالتين تكون الواو حالية، والجملة بعدها حالاً".

    ولما عرض القرار على مجلس مؤتمر المجمع في دورته الحادية والأربعين، أوصى بالاقتصار في توجيه الإجازة على أن يكون "كل عام" مبتدأ حذف خبره [2].

    وفي معجم الأخطاء اللغوية المعاصرة ذكر الأستاذ/ محمد العدناني تخطئة بعض النقاد لهذا التعبير، وأن لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع درسته، وذكر قرار اللجنة في صورته الأولى، وقال معقباً: "وأنا أؤيد هذا القرار الذي ثبت جملة يقولها نحو مائة وخمسين مليون عربي في أعيادهم" [3].

    وقبل التعقيب على قرار المجمع أعرض فيما يلي موجزاً لما تضمنته المذكرتان اللتان تقدم بهما الأستاذ علي النجدي ناصف إلى لجنة الألفاظ والأساليب:
    أما الأولى فعنوانها: "كل عام وأنتم بخير"، وقد بدأها ببيان معنى العبارة، والواو التي فيها، فقال:
    هذه عبارة متداولة في لغة العصر، يقولها الناس في المناسبات الحولية السعيدة، ويدعو بها بعضهم لبعض أن تعود عليهم المناسبة التي يقولونها فيها وهم ناعمون بحياة طيبة، وتبدو الواو في هذه العبارة غير ذات موضوع، وقد رآها كذلك بعض المشتغلين باللغة العربية، فدعوا إلى حذفها لتصبح العبارة بعدها: كل عام أنتم بخير، فتكون "كل" إما مبتدأ مرفوعاً، ويكون خبره جملة "أنتم بخير"، والعائد محذوف، وإما ظرف زمان منصوباً ومتعلقاً بما تعلق الخبر به، وهو "بخير".

    ثم ذكر ثلاثة وجوه يصح بها توجيه العبارة مع بقاء الواو:
    أولها: أن يقدر فعل قبل "كان" وتكون فاعلاً له نحو: "يقبل" مثلاً، فيكون التقدير: يقبل كل عام وأنتم بخير، وفيه تكون جملة "وأنتم بخير" حالية.

    الثاني: أن يقدر فعل قبل "كل" وتكون ظرف زمان متعلقاً به، وهذا الفعل موجه للمخاطبين، وتقديره: تحيون، أي: تحيون كل عام وأنتم بخير، والجملة "وأنتم بخير" حالية كالوجه السابق.

    وإنما ساغ حذف الفعل في هذين الوجهين لدلالة الحال عليه، قال: وقد عقد سيبويه باباً لحذف الفعل حين يدل المقام عليه دون أن يكون دالاً على أمر أو نهي، ومن قوله فيه: "إذا رأيت رجلاً متوجهاً وجهة الحاجة قاصداً في هيئة الحجاج فقلت: مكة ورب الكعبة، حيث زكنت أنه يريد مكة، كأنك قلت: يريد مكة والله، ويجوز: مكة والله، على قولك: أراد مكة والله، كأنك أخبرت بهذه الصفة عن أنه كان فيها أمس، فقلت: مكة والله، أراد مكة إذ ذاك، ومن ذلك قوله عز وجل: ﴿ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [البقرة: 135]، أي: بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، كأنه قيل لهم: اتبعوا حين قيل لهم: ﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى ﴾ [البقرة: 135]".

    الثالث: جعل الواو في "وأنتم بخير" زائدة، وفي هذا الوجه يقول: على أن الكوفيين والأخفش وآخرين يجيزون زيادة الواو، ومن أدلتهم على زيادتها قوله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73] بعد قوله جل ذكره: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ﴾ [الزمر: 71]، فحذف الواو من هذه الآية يشعر بزيادتها في الآية السابقة؛ لأنهما متقابلتان، وعلى القول بزيادة الواو في العبارة بناء على ذلك تكون فيها مذكوراً كمحذوف [4].

    وأما المذكرة الثانية فعنوانها: ملحق بمذكرة أسلوب: "كل عام وأنتم بخير"، وقد ذكر في بدايتها أنه يريد بها توضيح أمرين:
    الأول: الزيادة في القرآن لمناسبة ما جاء في المذكرة السابقة من ذكر الآيتين اللتين يحتج بهما القائلون بزيادة الواو.

    والثاني: حذف الجملة لمناسبة ما جاء في المذكرة من إعراب كلمة "كل" فاعلاً لفعل محذوف، أو ظرفاً متعلقاً بفعل محذوف كذلك.

    وفي موضوع الزيادة في القرآن الكريم يقول:
    "ليس القول بالزيادة في القرآن محظوراً يتحرج منه أو ينهى عنه، فهذه الزيادة حقيقة مقررة لم يطمسها خلاف المخالفين في القديم، ولن يطمسها خلاف المخالفين في الحديث، ككل قضية ثابتة يقع فيها خلاف، وتتعدد فيها الآراء، وهي اليوم تدرس تطبيقاً على قواعد النحو في المدارس والجامعات، ومنها جامعة الأزهر".

    وفي موضوع حذف الجملة ذكر أن العربية لا تكتفي بالاستكثار من الحذف، ولكنها تنوعه أيضاً، حتى لو قال قائل: "إن العربية هي لغة الحذف" ما كان عليه من ذلك بأس، فهي تحذف المفرد، وتحذف الجملة الواحدة، وتحذف الجمل المتتابعة، وهي تحذف المفرد مضافاً حيناً ومضافاً إليه حيناً آخر، وتحذفه موصوفاً تارة، وصفة تارة أخرى، وتحذفه في أحوال متعددة غير هذه.

    وتحذف الجملة جواباً للشرط الجازم.. وجواباً للشرط غير الجازم.. وتحذفها معطوفاً عليها.. وتحذفها جملة قول، وتحذف الجمل المتتابعة في القصص كثيراً.

    ثم ذكر أن العرب لا تحذف ما تحذف جزافاً، ولكنها تحذفه حين يكون في فحوى الكلام أو واقع الحال ما يدل عليه، فيكون محذوفاً في اللفظ، ملحوظاً في الذهن، ولهذا يمكن المتكلم أن يجتزئ من العبارة الكاملة بذكر الظرف أو الجار والمجرور، فيفهم السامع عنه ما يريد لحضور المحذوف في ذهنه، مثال ذلك أن يهم زائر بالجلوس في مكان يرى المزور أن يجلس في مكان أفضل منه فيقول له: هنا، أو على هذا الكرسي، فيفهم الزائر أنه يدعوه إلى الجلوس على غير ما هم هو بالجلوس عليه.

    ثم اتجه إلى توجيه العبارة المتحدث عنها وترجيح ما يراه بشأنها فقال:
    والناس حين يقول بعضهم لبعض: كل عام وأنتم بخير، وينصبون لفظ "كل" يضمرون في مطلع العبارة فعلاً نحو: نعيش، لكنهم يجعلونه على ذكر منهم وملاحظة.

    وهم حين يرفعون لفظ "كل" يضمرون كذلك فعلاً نحو: "يقبل" على نحو ما أضمروا الفعل الذي قبله، ولا مانع أن يكون رفعه على الابتداء أيضاً، وأن يكون المحذوف هو الخبر، والخلاف في الإعراب هنا ليس بذي شأن؛ لأنه ليس له أثر في جوهر القضية، فالمهم أن يكون رفع "كل" في العبارة صحيحاً.

    وإذا لم يكن بد من المفاضلة بين الإعرابين، فإعرابه فاعلاً أرجح عندي من رفعه مبتدأ؛ لأن الاستقراء يدل على أن الجملة الفعلية أكثر استعمالاً من الجملة الاسمية، والقرآن الكريم خير شاهد على ذلك، فما من سورة من سوره إلا فيها الجملة الفعلية أكثر من أختها الاسمية.

    وقد كتب الأستاذ علي الجارم بحثاً منشوراً في مجلة المجمع عن الجملة في اللغة العربية، ذهب فيه إلى أن الجملة الفعلية أساس التعبير، وأرجع ذلك إلى أن حياة العرب كان يغلب عليها التوجس والمفاجأة، فكانوا لذلك يتدفعون إلى ذكر الحدث قبل من وقع الحدث منه.

    إذن يكون صحيحاً رفع لفظ "كل" ونصبه على سواء من عبارة: "كل عام وأنتم بخير" [5].

    وفي التعقيب على ذلك أجيب عن التساؤلات الآتية:
    • ما رأي النحويين فيما أجازته اللجنة من إعراب "كل" فاعلاً لفعل محذوف؟
    • لمَ لمْ تأخذ اللجنة بتوجيه العبارة بأن الواو زائدة؟
    • ما توجيه العبارة في حالة نصب "كل"؟

    1- إجابة السؤال الأول: ما رأي النحويين في إعراب "كل" فاعلاً لفعل محذوف؟
    قسم أبو حيان [6] الفعل بالنسبة لذكره مع الفاعل أو حذفه إلى ثلاثة أقسام: واجب الذكر، وواجب الحذف، وجائز الحذف.

    فالأول: ما في الكلام دليل على حذفه، فيجب ذكره.

    والثاني: إذا ولي ما يختص بالفعل الاسم، وبعده ما يفسره، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ﴾ [التوبة: 6] [7]، فيكون الفعل محذوفاً وجوباً لوجود ما يفسره.

    والثالث: إذا أشعر به ما قبله، فيجوز حذفه كما يجوز ذكره، كقولك: "فلان" في جواب: من زارك؟، ويجوز أن تقول: زارني فلان.

    وقد فصل ابن مالك وغيره [8] مواضع الحذف الجائز للفعل، فذكروا أربعة مواضع، وهي:
    أ- إذا أجيب به نفي فيجوز حذفه، نحو قولك: بلى زيد، جواباً لمن نفى وقال: ما قام أحد.

    ب- إذا أجيب به استفهام محقق كما في قولك: نعم فلان، في جواب: هل جاءك أحد؟.

    ج- إذا أجيب به استفهام مقدر، كما في قول الحارث بن نهيك:
    ليبك يزيد ضارع لخصومة
    ومختبط مما تطيح الطوائح

    فإن "ضارع" فيه فاعل فعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام المقدر، كأنه قيل: من يبكيه؟ فقال: ضارع، أي: يبكيه ضارع، ثم حذف الفعل.

    د- إذا استلزمه فعل ذكر قبله، كما في قول الفرزدق:
    غداة أحلت لابن أصرم طعنة
    حصين عبيطات السدائف والخمر

    فهو على تقدير: وحلت الخمر، فالخمر مرفوع بفعل محذوف يسلتزمه "أحلت"، وعبيطات السدائف: الدري من لحوم سقف السنام وغيره مما غلب عليه السمن.

    وعبر ابن مالك عن هذه المواضع في التسهيل [9] بقوله: "ويضمر جوازاً فعل الفاعل المشعر به ما قبله"، وقال في شرح الكافية الشافية[10]:
    ويرفع الفاعل فعل حذفاً
    إذا استبان بدليل عرفاً

    ويلحظ أن الفعل حذف في هذه المواضع لقرينة مقالية، وهي المستفادة من سياق الكلام، وأما حذف الفعل لقرينة حالية - وهي التي تستفاد من الحال والمقام - فقد صرح به ابن الحاجب في شرحه لكافيته [11]، حيث ذكر أن الفعل قد يحذف عند القرائن حالية كانت أو مقالية.

    ويبدو لي أن أبا حيان يعبر عن ذلك بقوله في الارتشاف: "وأجاز بعض النحويين: زيد عمراً، بمعنى: ليضرب زيد عمراً، إذا كان ثم دليل على إضمار الفعل، ولم يلبس، وقد منع ذلك سيبويه وإن لم يلبس..." [12]، وهو يشير إلى قول سيبويه في الكتاب: "واعلم أنه لا يجوز أن تقول: زيد، وأنت تريد أن تقول: ليضرب زيد، أو: ليضرب زيد، إذا كان فاعلاً.. ولا يجوز: زيد عمراً، إذا كنت لا تخاطب زيداً إذا أردت: ليضرب زيد عمراً، وأنت تخاطبني..." [13].

    ومما جاء فيه حذف الفعل لقرينة حالية قول العرب في مثل: "إن لا حظية فلا ألية"، وأصل المثل - كما ذكر ابن الحاجب [14] - أن رجلاً كان لا تحظى عنده امرأة، فلما تزوج هذه لم تأل جهداً في أن تحظى عنده، فطلقها ولم تحظ، فقالت: "إن لا حظية فلا ألية"، أي: إن لم تثبت لك حظية فما ألوت جهداً في قصد الحظوة.

    وقد جعله ابن الحاجب من قبيل حذف الفعل وجوباً في الرواية برفع "حظية"، وعلل ذلك بأن القرينة في أصل المثل دلت على المراد، وقد اشتملت على أمر لا يجوز مجامعة الفعل معه، وهو كونه مثلاً، ولا يخفى أن القرينة في أصل المثل حالية.

    وهذا يدلك على أن القرينة الحالية يجوز معها حذف الفعل لدلالتها عليه، وذلك ينطبق على العبارة المعاصرة، فإن قرينة التهنئة بإقبال العام تجيز حذف الفعل الرافع لـ "كل"، ويكون التقدير: يقبل كل عام وأنتم بخير، كما قدره الأستاذ علي النجدي وأقرته اللجنة.

    2- إجابة السؤال الثاني: لمَ لمْ تأخذ اللجنة بتوجيه العبارة بأن الواو زائدة؟
    جاء في المغني [15] تفسير الواو الزائدة بأنها الواو التي دخولها في الكلام كخروجها، بمعنى أن دخول هذه الواو في الجملة لا يأتي بفائدة في أصل المعنى المراد من الجملة، كما أن إسقاطها منها لا يخل بذلك المعنى، وبعض النحويين يعبر عن الواو التي هذا شأنها بالواو المقحمة، ومن ذلك قول الهروي [16] عن الواو: "وتكون مقحمة - أي زائدة في الكلام - لو لم تجيء لكان الكلام تاماً.."، والقول بمجيء الواو في الاستعمال العربي زائدة مذهب الأخفش والكوفيين كما ذكرت المصادر [17]، وكما يتبين ذلك مما ورد في معاني القرآن للأخفش [18]، ومعاني القرآن للفراء [19]، ومجالس ثعلب [20]، وقد تبعهم على ذلك بعض العلماء، ومنهم: ابن قتيبة [21]، وابن مالك [22]، والظاهر أن هؤلاء يجيزون وقوع الواو زائدة في الشعر وفي الكلام المنثور، وقد وافقهم ابن عصفور [23]، وأبو حيان [24] في جواز وقوع الواو زائدة، إلا أن الظاهر أنهما يخصان ذلك بضرورة الشعر، ومذهب جمهور البصريين ومن وافقهم من المتأخرين أن الواو لا تزاد [25]، وأن ما ورد مما ظاهره زيادة الواو في كلامهم يؤول إذا كان يقبل التأويل صيانة للحروف من الزيادة [26]، وقد ذكر المبرد في المقتضب [27] قول القائلين بزيادة الواو ووصفه بأنه أبعد الأقاويل، وصرح بأن زيادة الواو غير جائزة عند البصريين، وذكر ابن جني في الخصائص [28] أن ما يدعيه الكوفيون من زيادة واو العطف أمر لا يثبته البصريون، وقال ابن الشجري [29] عن القول بزيادة الواو في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا... ﴾ [الزمر: 73]: "ليس بشيء لأن زيادة الواو لم تثبت في شيء من الكلام الفصيح".

    والراجح في هذه القضية هو مذهب الجمهور؛ لأن الأصل في الكلام الفصيح أن لا يكون فيه شيء زائد مقحم لغير معنى [30]، والشواهد التي استدل بها الأخفش والكوفيون منها ما يحتمل التأويل بغير زيادة الواو، ومنها ما يدخل في ضرورة الشعر.

    والذي يعنينا من تلك الشواهد هنا هو الآية التي استشهد بها الأستاذ علي النجدي في مذكرته لإثبات مجيء الواو زائدة، وهي قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73] [31].

    وأبادر فأقول:
    إن زيادة الواو أو غيرها بالمعنى الذي ذكرته نقلاً عن ابن هشام وغيره - وهو كون الحرف لغواً وحشوا دخوله في الكلام كخروجه - لا يصح القول به في القرآن الكريم الذي أحكمت آياته وفصلت من لدن حكيم خبير، وذلك إن صح وقوعه في الشعر الذي هو محل الضرورات لا يمكن أن يقع في القرآن الكريم الذي هو ذروة الأساليب العربية في الفصاحة والبلاغة.

    وليس من الفصاحة أو البلاغة في شيء تخريج تلك الآية على زيادة الواو، وعلى ذلك لا يصح الاستشهاد بها على زيادة الواو في تعبيرنا المعاصر، والدليل على بعد ذلك التخريج أنه قد تجافى عنه جمع من أئمة النحو والتفسير المشهود لهم بالتحقيق، وهذا سيبويه [32] يقول: "سألت الخليل عن قوله جل ذكره: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [الزمر: 73] أين جوابها؟.. فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر - يعني الجواب - في كلامهم لعلم المخبر لأي شيء وضع هذا الكلام".

    وهذا ابن الشجري [33] يحكي عن الزجاج وشيخه المبرد تقدير الجواب في الآية، ويرجح ذلك فيقول: "قال أبو إسحاق الزجاج في قوله: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا... ﴾ [الزمر: 73]: سمعت محمد بن يزيد يذكر أن الجواب محذوف، وأن المعنى: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين سعدوا، فالمعنى في الجواب: حتى إذا كانت هذه الأشياء صاروا إلى السعادة، وقال قوم: الواو مقحمة، والمعنى: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها.. والمعنى - عندي - حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين دخلوها، وحذف الجواب لأن في الكلام دليلا عليه انتهى كلام أبي إسحاق، وأقول: إن حذف الأجوبة في هذه الأشياء - يعني لو ولولا وإذا - أبلغ في المعنى، ولو قدر في موضع دخولها: فازوا، لكان حسناً".

    وقال أبو البقاء العكبري [34] في توجيه الآية: الواو زائدة عند قوم، وليست زائدة عند المحققين، والجواب محذوف تقديره: اطمأنوا، ونحو ذلك.

    ويذكر ابن يعيش [35] أن البغداديين - يعني الكوفيين - أجازوا في الواو أن تكون زائدة، واحتجوا بأنها جاءت كذلك في مواضع، منها الآية، ثم يقول: "وأما أصحابنا فلا يرون زيادة هذه الواو، ويتأولون جميع ما ذكر وما كان مثله بأن أجوبتها محذوفة لمكان العلم بها"، ثم يذكر أن تقدير الجواب في الآية: صادفوا الثواب الذي وعدوه ونحوه.

    ويذكر المنتجب الهمذاني [36] في الواو في: ﴿ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [الزمر: 73] ثلاثة أوجه.
    الأول: أنها عاطفة، والجواب محذوف تقديره: دخلوها أو أمنوا وشبههما.
    والثاني: أنهما للحال.
    والثالث: أنها صلة، ثم يقول: "والاختيار الوجهان الأولان".

    ويختار المالقي [37] في الآية أن تكون الواو للحال؛ حيث ذكر مذهب الكوفيين وأدلتهم، ومنها الآية، ثم قال: "والبصريون يخرجون ذلك كله إلى معنى العطف، والجواب مقدر وتقديره أبلغ من ذكره إلا قوله تعالى: ﴿ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [الزمر: 73]، فإن الواو فيه واو الحال؛ لأن الكرامة للواصلين لدخولها أن يجدوا أبوابها مفتحة لهم"، وهو اختيار ابن أبي الربيع قبله، حيث اكتفى بتوجيه الآية على أن الواو فيها للحال، وقد حذفت قد، وقال: "المعنى - والله أعلم -: وقد فتحت أبوابها" [38].

    ولم يذكر أبو السعود [39] في تفسير الآية غيره، قال: "وجواب إذا محذوف للإيذان بأن لهم من فنون الكرامات ما لا يحدق به نطاق العبارات، كأنه قيل: حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [الزمر: 73] من جميع المكاره والآلام ﴿ طِبْتُمْ ﴾ طهرتم من دنس المعاصي، أو طبتم نفساً بما أتيح لكم من النعيم ﴿ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ كان ما كان مما يقصر عنه البيان".

    ويرى الشهاب الخفاجي [40] في حاشيته على البيضاوي أن قوله تعالى: ﴿ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ جملة حالية بتقدير "قد"، وأن أهل الجنة جاءوها بعدما كانت مفتحة لهم، ويدل على تقدم الفتح أن الحال الماضية تشعر بالتقدم، وأنه ورد في آية أخرى: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ﴾ [ص: 50] [41]، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، فاحتمال العطف في: ﴿ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ مرجوح، وهو كالممنوع في حكم البلاغة.

    هذا، وقد جاء في المغني وغيره [42] أن القول بكون الواو في الآية للحال قول المبرد والفارسي وجماعة، وأنهم قالوا: إنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراماً لهم عن أن يقفوا حتى تفتح لهم.

    ومن الذين اختاروا كون الواو للحال في الآية من المتأخرين أيضاً صاحب الكليات، وقد قال في توجيه ذلك [43]: "قد تستعار الواو للحال بجامع الاشتراك بينهما في الجمعية، لأن الحال تجامع ذا الحال لأنها صفته في الحقيقة كما في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا... ﴾ [الزمر: 73] أي حال ما تكون أبوابها مفتوحة؛ لأنه- تعالى- في بيان الإكرام لأهل الإسلام، ومن إكرام الضيف أن يكون الباب مفتوحاً حال وصوله إلى باب المضيف، فيحمل على الحال لإفادة هذا المعنى، يؤيده قوله تعالى: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ﴾ [ص: 50]".

    ومن ذلك كله يتبين أن القول بزيادة الواو في كلام العرب ضعيف جداً، وأن جمهور العلماء على خلافه، فلا يصح العمل به، فضلاً عن القياس عليه، ولهذا لم تأخذ لجنة الألفاظ والأساليب بالمجمع بتوجيه الواو في العبارة المعاصرة على أنها زائدة.

    3- إجابة السؤال الثالث: ما توجيه العبارة في حالة نصب "كل"؟.
    يلحظ في قرار المجمع أنه قصر استعمال المعاصرين لهذه العبارة على رفع "كل"، واقتصر على تخريجها في تلك الحالة، مع أن استعمال المعاصرين لها لا يقتصر على رفع "كل"، فإن من الشائع عندهم نصبها، ولهذا اتجه الأستاذ علي النجدي في مذكرته إلى تخريجه، والذي أراه في تخريج النصب أن التعبير به إما أن يكون بشرى بإقبال العام، ورجاء بأن يكون إقبال كل عام مصحوباً بكون المخاطب في حالة طيبة، وإما أن يكون بشرى بحدث يحدث في كل عام مرة، كاحتفال بنصر ونحوه مع الرجاء بأن يعود ذلك الحدث في كل عام والمخاطب بخير وبحالة طيبة.

    وفي الحالة الأولى يكون "كل" منصوباً على الظرفية بفعل ناصب له تقديره: تحيون في كل عام، كما قدره الأستاذ علي النجدي، ويجوز - عندي - أن يكون منصوباً على المفعولية، على أن يقدر الفعل الناصب متعدياً نحو: تلقون أو تدركون أو تقضون.

    وأما الحالة الثانية فيكون فيها "كل" منصوباً على الظرفية بفعل ناصب دال على الحدث الذي يقصد المتكلم التبشير به، ومستمد من القرينة الحالية، فيقدر مثلاً: تحتفلون كل عام وأنتم بخير، أو تحجون كل عام.. أو تضحون كل عام.

    وهو من قبيل حذف الفاعل مع رافعه، وهو كثير في اللغة بشرط وجود القرينة الدالة على المحذوف حالية كانت أو مقالية، والقرينة هنا هي الحالية، وقد تقدم فيما نقله الأستاذ علي النجدي عن كتاب سيبويه أمثلة تشبه ذلك.

    هذا، وبالله التوفيق.


    [1] الألفاظ والأساليب ص 229.
    [2] الألفاظ والأساليب ص 229.
    [3] المعجم المذكور ص 710.
    [4] الألفاظ والأساليب ص 230، 231.
    [5]
    [6] ارتشاف الضرب 3 /1322.
    [7] التوبة: 6.
    [8] ينظر: شرح التسهيل لابن مالك 2 /118، والتصريح 4 /257، والأشموني 2 /48، 49.
    [9] شرح التسهيل لابن مالك 2 /118، والمساعد 1 /394، وتعليق الفرائد 4 /243.
    [10] ص 591 بالجزء الثاني.
    [11] شرح المقدمة الكافية 1 /332.
    [12] الارتشاف 3 /1323.
    [13] الكتاب 1 /254.
    [14] الإيضاح 1 /178.
    [15] مغني اللبيب ص 473.
    [16] الأزهية ص 234.
    [17] المغني 473، ومصابيح المغاني 526، والجني الداني 164.
    [18] معانيه 1 /132.
    [19] معاني الفراء.
    [20] مجالس ثعلب ص 59.
    [21] تأويل مشكل القرآن ص 252.
    [22] انظر: شرح التسهيل له 3 /355، 356.
    [23] ضرائر الشعر ص 71، 72.
    [24] الارتشاف 5/2398.
    [25] الجني الداني ص 166.
    [26] شرح الكافية المرضي 4 /416.
    [27] 2 /77، 78 من المقتضب.
    [28] 2 /462.
    [29] أماليه 2 /122.
    [30] ينظر: مصابيح المغاني ص 526.
    [31] الزمر: 71.
    [32] الكتاب 3 /103.
    [33] أماليه 2 /120، 121.
    [34] الإملاء 2 /216.
    [35] شرح المفصل 8 /93، 94.
    [36] الفريد 4/202.
    [37] رصف المباني ص 487.
    [38] الملخص 1 /454.
    [39] تفسيره 7 /361.
    [40] حاشيته المذكورة 8 /231.
    [41] سورة ص: 50.
    [42] المغني ص 476، ومصابيح المغاني ص 530.
    [43] الكليات ص 921.


    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_lan...#ixzz4Jl16DiIs

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2016
    المشاركات
    99

    افتراضي

    كذلك الأستاذ فيصل المنصور له بحث عن هذه الكلمة أجازها فيه

    للاطلاع أو التحميل
    https://old.uqu.edu.sa/files2/tiny_m...035/kul3am.pdf

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •