استثمار الوسائل الحديثة في
مذاكرة العلم والبحث والمناظرة
بسم الله الرحمن الرحيم
إحياء العلم مذاكرته
اعلم – وفقك الله – أن العلم فريضة شرعية كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " ( صحيح الجامع : 3913 ) .
ومن طرق استظهار العلم وكشفه المذاكرة فيه – بحثاً ومناظرة - ، كما قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سَبَأٍ:46] .
قال القرطبي – رحمه الله - : " فَإِذَا كَانُوا فُرَادَى كَانَتْ فِكْرَةً وَاحِدَةً، وَإِذَا كَانُوا مَثْنَى تَقَابَلَ الذِّهْنَانِ فَتَرَاءَى مِنَ الْعِلْمِ لَهُمَا مَا أُضْعِفَ عَلَى الِانْفِرَادِ " ( تفسير القرطبي : 14 / 311 ) .
ومذاكرة العلم من هدي السلف – رحمهم الله - .
قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - : "كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه" ( الجامع للخطيب : 1/236) .
لذلك قال ابن عثيمين – رحمه الله – : " من الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يهتم بها المذاكرة، والمذاكرة نوعان:
النوع الأول: مذاكرة مع النفس، بأن تجلس مثلا جلسة وحدك ثم تعرض مسألة من المسائل أو مسألة قد مرت عليك، ثم تأخذ في محاولة عرض الأقوال وترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضها على بعض، وهذه سهلة على طالب العلم، وتساعد على مسألة المناظرة السابقة.
النوع الثاني: مذاكرة مع الغير، بأن يختار من إخوانه الطلبة من يكون عونًا له على طلب العلم، مفيدًا له، فيجلس معه ويتذاكرون، يقرأ مثلا ما حفظاه، كل واحد يقرأ على الآخر قليلا، أو يتذاكران في مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن قدرا على ذلك فإن هذا مما ينمي العلم ويزيده، لكن إياك والشغب والصلف؛ لأن هذا لا يفيد " ( كتاب العلم : ص/ 165 ) .
وقال النووي – رحمه الله - : " مذاكرة حَاذِقٍ في الفنِّ ساعةَ أنفع من المطالعة والحفظ ساعاتٍ بل أيَّامًا " (شرح مسلم) : (1/ 48) .
تعريف وآداب :
" اعلم أن المناظرة : هي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب " ( رسالة الآداب لطاشكبري زاده : ص/ 26 ) .
ومن آداب مجموعة البحث العلمي .
1- الإخلاص ؛ لأنه أساس الأعمال ، وباب الفهم ، كما قال – تعالى - : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} " يَقُولُ إِنَّمَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ قِيَامًا خَالِصًا لِلَّهِ، لَيْسَ فِيهِ تَعَصُّبٌ وَلَا عِنَادٌ " ( تفسير ابن كثير : 3/ 517 ) .
2- العلم ؛ لأنه مادة المذاكرة – بحثاً ومناظرة - .
3- المناصحة .
4- الحلم . قال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله - : " ، أما المناظرة في الحق، فإنها نعمة، إذ المناظرة الحقة فيها إظهار الحق على الباطل، والراجح على المرجوح فهي مبنية على :
- المناصحة،
- والحلم،
- ونشر العلم،
أما المماراة في المحاورات والمناظرات، فإنها تحجج ورياء ولغط وكبرياء ومغالبة ومراء، واختيال وشحناء، ومجاراة للسفهاء فاحذرها واحذر فاعلها، تسلم من المآثم وهتك المحارم، وأعرض تسلم وتكبت المأثم والغرم " ( حلية طالب العلم : ص/ 189 ).
5- نصيحة ختامية : قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري – رحمه الله - :
" فَالْمُؤْمِنُ الْعَالِمُ الْعَاقِلُ يَخَافُ عَلَى دِينِهِ مِنَ الْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا يَصْنَعُ فِي عِلْمٍ قَدْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ؟
قِيلَ لَهُ: إِذَا كَانَ كَذَلِكَ , وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَنْبِطَ عِلْمَ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ , قَصَدَ إِلَى عَالِمٍ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِعِلْمِهِ اللَّهَ , مِمَّنْ يُرْتَضَى عِلْمُهُ وَفَهْمُهُ وَعَقْلُهُ , فَذَاكَرَهُ مُذَاكَرَةَ مَنْ يَطْلُبُ الْفَائِدَةَ .
وَأَعْلِمْهُ أَنَّ مُنَاظَرَتِي إِيَّاكَ مُنَاظَرَةَ مَنْ يَطْلُبُ الْحَقَّ , وَلَيْسَتْ مُنَاظَرَةَ مُغَالِبٍ ,
ثُمَّ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْإِنْصَافَ لَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحِبَّ صَوَابَ مُنَاظِرِهِ , وَيَكْرَهَ خَطَأَهُ , كَمَا يُحِبُّ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ , وَيَكْرَهُ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ ,
وَيُعْلِمُهُ أَيْضًا: إِنْ كَانَ مُرَادُكَ فِي مُنَاظَرَتِي أَنْ أُخْطِئَ الْحَقَّ , وَتَكُونَ أَنْتَ الْمُصِيبَ وَيَكُونُ أَنَا مُرَادِي أَنْ تُخْطِئَ الْحَقَّ وَأَكُونُ أَنَا الْمُصِيبُ , فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَيْنَا فِعْلُهُ , لِأَنَّ هَذَا خُلُقٌ لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ مِنَّا , وَوَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ مِنْ هَذَا.
فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ نَتَنَاظَرُ؟ قِيلَ لَهُ: مُنَاصَحَةً , فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ الْمُنَاصَحَةُ؟ أَقُولُ لَهُ: لَمَّا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ فِيمَا بَيْنَنَا أَقُولُ أَنَا: إِنَّهَا حَلَالٌ , وَتَقُولُ أَنْتَ: إِنَّهَا حَرَامٌ , فَحُكْمُنَا جَمِيعًا أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا كَلَامَ مَنْ يَطْلُبُ السَّلَامَةَ , مُرَادِي أَنْ يَنْكَشِفَ لِي عَلَى لِسَانِكَ الْحَقُّ , فَأَصِيرَ إِلَى قَوْلِكَ , أَوْ يَنْكَشِفَ لَكَ عَلَى لِسَانِيَ الْحَقُّ , فَتَصِيرَ إِلَى قُولِي مِمَّا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ ,
فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَنَا رَجَوْتُ أَنْ تُحْمَدَ عَوَاقِبُ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ , وَنُوَفَّقَ لِلصَّوَابِ , وَلَا يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَصِيبٌ " ( أخلاق العلماء : ص/ 61 ) .
****