أخرج الترمذي (3637) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " كاَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا ؛ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ"
وصححه الألباني.
قال القاري رحمه الله في "مرقاة المفاتيح" 9 / 3704 :
الْمَعْنَى: يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا سَرِيعًا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الصَّبَبُ الْحُدُورُ، وَهُوَ مَا يَنْحَدِرُ مِنَ الْأَرْضِ، يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا .
وروى البغوي في " شرح السنة " (12/ 320) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى، مَشَى مَشْيًا مُجْتَمِعًا، يُعْرَفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْيِ عَاجِزٍ وَلا كَسْلانَ.
وحسنه الألباني في " الصحيحة " (2140) .
قال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" 5 / 248 :
ومع سرعة مشيه : كان على غاية من الهَوْن والتأني وعدم العجلة ، فكان يمشي على هينته ، ويقطع ما يُقطع بالجهد ؛ بغير جهد "
وأخرج الترمذي (3648) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا ؛ وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ ".
وإسناده ضعيف .
وعند الترمذي أيضا (3638) عن علي رضي الله عنه قال : "كان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ " .
وضعفه الألباني .
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 1/ 161- 163 :
" كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، وَكَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ مِشْيَةً، وَأَحْسَنَهَا وَأَسْكَنَهَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، وَإِنَّا لَنُجْهِدَ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ ) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ) وَقَالَ مَرَّةً: ( إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ ) .
قُلْتُ: وَالتَّقَلُّعُ : الِارْتِفَاعُ مِنَ الْأَرْضِ بِجُمْلَتِهِ ، كَحَالِ الْمُنْحَطِّ مِنَ الصَّبَبِ، وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعَزْمِ وَالْهِمَّةِ وَالشَّجَاعَةِ ، وَهِيَ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ وَأَرْوَحُهَا لِلْأَعْضَاءِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ مِشْيَةِ الْهَوَجِ وَالْمَهَانَةِ وَالتَّمَاوُتِ ، فَإِنَّ الْمَاشِيَ إِمَّا أَنْ يَتَمَاوَتَ فِي مَشْيِهِ وَيَمْشِيَ قِطْعَةً وَاحِدَةً كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَحْمُولَةٌ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ قَبِيحَةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ بِانْزِعَاجٍ وَاضْطِرَابٍ مَشْيَ الْجَمَلِ الْأَهْوَجِ، وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى خِفَّةِ عَقْلِ صَاحِبِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ حَالَ مَشْيِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَإِمَّا أَنْ يَمْشِيَ هَوْنًا، وَهِيَ مِشْيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهَا فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) الفرقان/ 63 . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ وَلَا تَمَاوُتٍ ، وَهِيَ مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ : كَانَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، حَتَّى كَانَ الْمَاشِي مَعَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَنَّ مِشْيَتَهُ لَمْ تَكُنْ مِشْيَةً بِتَمَاوُتٍ وَلَا بِمَهَانَةٍ ، بَلْ مِشْيَةٌ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ.
وَالْمِشْيَاتُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْهَا، وَالرَّابِعُ: السَّعْيُ، وَالْخَامِسُ: الرَّمَلُ، وَهُوَ أَسْرَعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَيُسَمَّى: الْخَبَبَ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خَبَّ فِي طَوَافِهِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ) .
السَّادِسُ: النَّسَلَانُ، وَهُوَ الْعَدْوُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يُزْعِجُ الْمَاشِيَ وَلَا يُكْرِثُهُ. وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ أَنَّ الْمُشَاةَ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَشْيِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: ( اسْتَعِينُوا بِالنَّسَلَانِ ).
وَالسَّابِعُ: الْخَوْزَلَى، وَهِيَ مِشْيَةُ التَّمَايُلِ، وَهِيَ مِشْيَةٌ يُقَالُ: إِنَّ فِيهَا تَكَسُّرًا وَتَخَنُّثًا.
وَالثَّامِنُ: الْقَهْقَرَى، وَهِيَ الْمِشْيَةُ إِلَى وَرَاءٍ.
وَالتَّاسِعُ: الْجَمَزَى، وَهِيَ مِشْيَةٌ يَثِبُ فِيهَا الْمَاشِي وَثْبًا.
وَالْعَاشِرُ: مِشْيَةُ التَّبَخْتُرِ، وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعُجْبِ وَالتَّكَبُّرِ، وَهِيَ الَّتِي خَسَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِصَاحِبِهَا لَمَّا نَظَرَ فِي عِطْفَيْهِ ، وَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَأَعْدَلُ هَذِهِ الْمِشْيَاتِ : مِشْيَةُ الْهَوْنِ وَالتَّكَفُّؤِ.
وَأَمَّا مَشْيُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ: فَكَانُوا يَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ خَلْفَهُمْ ، وَيَقُولُ: (دَعُوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ ) .
وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : وَكَانَ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ . وَكَانَ يَمْشِي حَافِيًا وَمُنْتَعِلًا، وَكَانَ يُمَاشِي أَصْحَابَهُ فُرَادَى وَجَمَاعَةً.
وَمَشَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ مَرَّةً ، فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ ، وَسَالَ مِنْهَا الدَّمُ فَقَالَ:
هَلْ أَنْتَ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيَتِ ** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
وَكَانَ فِي السَّفَرِ سَاقَةَ أَصْحَابِه ، يُزْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُهُ ، وَيَدْعُو لَهُمْ .اهــ
فالأحاديث السابقة تدل على أن مشيته صلى الله عليه وسلم كانت مِشية اعتدال ونشاط ، فيها سكينة ووقار.