بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قناة يوتيوبية

أثبتَ الجيلُ الجديد من الشباب وجوده بل وتأثيره في استخدام الإعلام الجديد للتعبير عن بعض همومه، وللحديثِ بالطريقة التي يراها مناسبةً لمخاطبةِ أقرانه من الشباب الذين يمثلون القطاع الأكبر من مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، متخففين بذلك من العقبات التي قد تواجهم في الإعلام التقليدي.

عدّادُ الإحصاءات "اليوتيوبي" يؤكد أن أعدادَ المشتركين في القنوات الفردية لبعض الشباب تجاوزت ـ وبشكل مضاعف ـ أعدادَ المشتركين في القنوات اليوتيوبية التي تملكها قنواتٌ فضائيةٌ مشهورة، مشاهدوها بعشرات الملايين!

وهذا كله مؤشر واضح على نجاح هؤلاء إعلامياً وفنيّاً ـ بغض النظر عن مضمون هذه القنوات ـ في مخاطبة هذه الطبقة من المجتمع، والتي هي من أصعب مراحل العمر، لكثرة ما يعتريها من تقلبات فسيولوجية ونفسية وفكرية.

وبعد اطلاعي على مضامين بعض هذه القنوات، وجدتُ أن الهادفَ منها، أو الذي يجمع بين الترفيه والإفادة معاً قليل بالنسبة لباقي القنوات التي خلا أكثرها ـ وللأسف ـ من الجمع بين الترفيه والإفادة، بل بعضها تضمن محاذير شرعية واضحة، كالتهاون في إدراج الموسيقى، أو صور ومقاطع لنساء متبرجات، وأخطرُ من هذا بعض المضامين الفكرية الخطيرة التي تتضمنها بعض هذه المقاطع، من سخرية بالشعائر الدينية والأحكام الشرعية!

ومع كثرةِ هذه القنوات التي تزداد يوماً بعد يوم، أردتُ أن أرسل هذه الرسالة إلى إخواني وأبنائي ملاك هذه القنوات والمقدّمين فيها، وإلى المشجعين لهم من المشتركين، والتي أرجو أن تصل إلى قلوبهم كما خرجت من قلبي، فأقول:

- رؤيةُ آثار النجاح شيء يبعث على السرور، ويدفعُ للمزيد، فهل فكّرنا في مضمون ما نقدّم؟ وأنه على أقلّ الأحوال لا يجلب لنا سيئاتٍ إذا أفضينا إلى ربنا تعالى، فإن ميزان النجاحِ والفوزِ هناك إنما هو برجحان الحسنات على السيئات فقط لا غير، لا شهرة، ولا كثرة مشتركين أو متابعين! {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران: 185].

- الوصولُ إلى الناس، والرغبةُ في كثرة المشتركين لا يجوز أن تكون على حساب القفز على المسلمات والثوابت الدينية، ولا بإقحام المَشَاهِدِ التي فيها محاذير شرعية.

- إن كلَّ مسلمٍ يكرهُ أن يعصي الله في نفسه، فضلاً عن أن يجلب لنفسه ملايين السيئات على حساب ملايين المشاهَدات! والموفّق هو من يستولي عليه همّ رضى الله قبل همّ الأرقام المليونية للمشاهدات.

وإني أعيذك بالله أن تكون سبباً في تجرئة فئام من الشباب والفتيات على الطعن في الثوابت، أو السخرية بالمسلَّمات بسبب مقطعٍ أو مشهدٍ من المشاهد، فإن هؤلاء لن ينفعوك إذا وقفت بين يدي ربك حافياً عارياً، بل سيكونون خصماء لك؛ لأنهم سيحتجون أمام الله عليك بأنك مَنْ دللتهم على ذلك، وأدَعُ لك المجال لتسبح في التفكر في الفرق بين هذين النموذجين اللذين ذكرهما نبيك صلى الله عليه وسلم بقوله: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا»([1]) ، فمن أي الفريقين تحب أن تكون؟.

- هل فكرت ـ أخي ـ كم ستبقى هذه المقاطع بعد موتك؟ خمس أم عشر سنين؟ أم ربع قرن؟ أم كم؟ ما الذي ستتمناه حين تُوَسّد في قبرك، وقد تركتَ خلفك هذه التركة من عشرات ومئات المقاطع؟

- حاول ـ قبل أن تنشر أي مقطع ـ أن تجيب على بعض الأسئلة: هل هذا الذي سأقدمه يرضي الله؟ هل سيكون في رصيد حسناتي أم سيئاتي؟ ما الذي سيضيفه للمجتمع والأمة؟ وإلا فاحفظ وقتك، وسخّر جهدك للأنفع.

- سيأتي بعض الأنبياء يوم القيامة وليس معه أحد! وهو نبيٌّ مؤيد بالوحي، وهو على حق، وسيكون في أعلى منازل الجنّة! أرأيت؟ فميزان الرفعة عند الله في الدنيا والآخرة لا يركنُ إلى الأرقام؛ بل إلى سلامة المنهج.

والمقصود من هذا ليس دعوةً إلى ترك هذا الميدان، بل هي دعوة للنظر في مضامين ما نقدّم، وأن نعتني كثيراً بالنظر في المستقبل الأخروي قبل الدنيوي، فهو المستقبل الأبدي، وهو الذي لا يُخْفَضُ فيه من ارتفع، ولا يرتفعُ فيه من انخفض.

---------------
([1]) مسلم ح(2674)