تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الأدلة العقلية النقلية لإثبات النبوات

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2016
    المشاركات
    173

    افتراضي الأدلة العقلية النقلية لإثبات النبوات

    لقد خلق الله الخلق فسواهم في أجمل وأحسن صور خلقهم ثم أعطى كل شيء خلقه فهداهم فكل يؤدي وظيفته قال تعالى إخبارا عن فرعون: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) طه وقال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) الأعلى.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والتسوية: جعل الشيئين سواءً كما قال: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} وقوله تعالى {تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} و {سَوَاءٌ} وسط لأنه معتدل بين الجوانب. وذلك أنه لا بد في الخلق والأمر من العدل. فلا بد من التسوية بين المتماثلين فإذا فضل أحدهما فسد المصنوع كما في مصنوعات العباد إذا بنوا بنيانًا فلا بد من التسوية بين الحيطان إذ لو رفع حائط على حائط رفعًا كثيرًا فسد. ولا بد من التسوية بين جذوع السقف فلو كان بعض الجذوع قصيرًا عن الغاية وبعضها فوق الغاية فسد. وكذلك إذا بني صف فوق صف لا بد من التسوية بين الصفوف وكذلك الدرج المبنية. وكذلك إذا صنع لسقي الماء جداول ومساكب فلا بد من العدل والتسوية فيها. وكذلك إذا صنعت ملابس للآدميين فلا بد من أن تكون مقدرةً على أبدانهم لا تزيد ولا تنقص. وكذلك ما يصنع من الطعام لا بد أن تكون أخلاطه على وجه الاعتدال والنار التي تطبخه كذلك. وكذلك السفن المصنوعة.

    فإذا كان هذا في مصنوعات العباد وهي جزء من مصنوعات الرب فكيف بمخلوقاته العظيمة التي لا صنع فيها للعباد كخلق الإنسان وسائر البهائم وخلق النبات وخلق السموات والأرض والملائكة.... فالعدل والتسوية لازم لجميع المخلوقات والمصنوعات. فمتى لم تصنع بالعدل والتسوية بين المتماثلين وقع فيها الفساد. ثم إذا خلق المخلوق فسوى فإن لم يهده إلى تمام الحكمة التي خلق لها فسد. فلا بد أن يهدى بعد ذلك إلى ما خلق له." إنتهى.

    قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) القيامة.

    فلا بد أن يهدى إلى تمام الحكمة التي خلق لها.

    فبقياس المساواة كما خلق الله الشمس والقمر والنجوم والطيور والدواب... وهداهم إلى وظائفهم فكذلك لا بد من هداية الإنسان أيضا لأنه خلق من خلق الله وإلا فسد وأفسد إذا لا بد من تجلي أثار صفة الحكمة والهداية في البشر كما تجلت في السماوات والأرض قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) المؤمنون.

    والهداية نوعان هداية بيان وهداية إلهام أما الأولى فهي المقصودة هنا وهي ما اختص به البشر عن سائر الخلق وأما الثانية فهي عامة في جميع الخلق .

    وبالقياس الأولى الإنسان أولى بالهداية من جميع الخلق لأن كل شيء مسخر له وليس العكس وبما أنه مفضل عليهم جميعا بصفة التعلم وصفة الإختيار ، فلا بد إذا من تعليمه ولا بد من تخييره وإلا فما حاجة هذه الصفات فيه ؟ فلا بد أن يكون هذا الهدى من جنس ما يفهمه ولا بد أن يكون المتكلم من جنس المكلم. فلذلك أرسل الله من البشر رسلا وأنزل معهم كتبا ليبينوا للناس وظيفتهم قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) إبراهيم. وقال تعالى: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)الإسراء.

    ولهذا سمى الله تعالى في كتابه العزيز الرسل المرسلة والكتب المنزلة والبيان الذي معهما بالهدى وقد قاله ابو العالية وقرره ابن كثير في تفسيره وغيره عند قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) .وفي سورة أخرى قال تعالى: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123 طه) وهذا عندما أنزل الله آدم وزوجه وإبليس من الجنة التي هي فوق السماوات السبع إلى الأرض فهو خطاب لآدم وزوجه بإنزال الملائكة بشريعة ولبنيه بإرسال الرسل بالشرائع.

    والهدى في زمننا هذا هو، القرآن وبالتلازم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى في أول كتابه: الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة. وقال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) الإسراء. قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) الشورى. وهي هداية بيان.. فمن تبعى الهدى فلا يخاف ولا يحزن ولا يضل ولا يشقى.

    أوليس الذي أرسل الرياح مبشرات ومنذرات وأنشأ السحاب الثقال وأنزل من السماء ماءا طهورا ليحيي به أرضا ميتا ورزقا لأجساد العباد كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) الفرقان .أولى بأن يرسل لهم رسلا مبشرين ومنذرين وينزل لهم روحا من السماء لتحيا به قلوبهم؟ ولقد مثل الله الهدى بالماء فقال: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) الرعد. فشبّه تعالى الهدى الذي أنزله على رسوله لحياة القلوب والأرواح، بالماء الذي أنزله لحياة الأجساد، وشبّه ما في الهدى من النفع العام الكثير الذي يضطر إليه العباد بما في المطر من النفع العام الضروري، وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها بالأودية التي تسيل فيها السيول، فواد كبير يسع ماء كثيرا، كقلب كبير يسع علما كثيرا، وواد صغير يأخذ ماء قليلا كقلب صغير، يسع علما قليلا وهكذا. وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات عند وصول الحق إليها، بالزبد الذي يعلو الماء ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها، وأنها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له حتى تذهب وتضمحل، ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي والحلية الخالصة. كذلك الشبهات والشهوات لا يزال القلب يكرهها، ويجاهدها بالبراهين الصادقة، والإرادات الجازمة، حتى تذهب وتضمحل ويبقى القلب خالصا صافيا ليس فيه إلا ما ينفع الناس من العلم بالحق وإيثاره، والرغبة فيه، فالباطل يذهب ويمحقه الحق {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} وقال هنا: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ} ليتضح الحق من الباطل والهدى والضلال.

    أوليس أيضا الذي هدى عباده في ظلمات البر والبحر كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)الأنعام. أولى بأن يخرجهم من ظلمات الجهل والظلم إلى نور الحق والعدل قال تعالى: الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) إبراهيم. ولقد مثل الله هدايته بالنور الذي يجعله في قلب المؤمن فقال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور. وهذا بعدما افتتح السورة بقوله تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1). ثم قال تعالى قبل أية النور : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34). كأنه والله أعلم يقول لنا لقد أنزلنا أيات بينات أي واضحات محكمات ومبينات أي تنير لكم قلوبكم ودربكم لتهتدوا بها من ظلمات الجهل والظلم إلى نور العلم والعدل كما قال تعالى: رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ...(الطلا ق). {و} أنزلنا إليكم أيضا {مثلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} من أخبار الأولين، الصالح منهم والطالح، وصفة أعمالهم، وما جرى لهم وجرى عليهم تعتبرونه مثالا ومعتبرا، لمن فعل مثل أفعالهم أن يجازى مثل ما جوزوا. {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} أي: وأنزلنا إليكم موعظة للمتقين، من الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، يتعظ بها المتقون، فينكفون عما يكره الله إلى ما يحبه الله. كل ذلك لأن الله هو نور السماوات والأرض. فيكون تفسير الأية{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي الله هادي أهل السماوات والأرض وله أيضا صفة النور سبحانه {مَثَلُ نُورِهِ} أي مثل هدايته الذي يهدي إليه {كَمِشْكَاةٍ} أي كوة وهذا مثل صدر المؤمن {فِيهَا مِصْبَاحٌ} وهذا مثل الإيمان فهو كالسراج المنير {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} الزجاجة هي مثل قلب المؤمن. ووصف الزجاجة {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} من صفائها وبهائها مضيئة كإضاءة الدر قال ابن القيم: شبه قلبه بالزجاجة لرقتها وصفائها وصلابتها، وكذلك قلب المؤمن فإنه قد جمع الأوصاف الثلاثة فهو يرحم ويحسن ويتحنن ويشفق على الخلق برقته. وبصفائه تتجلى فيه صور الحقائق والعلوم على ما هي عليه ويباعد الكدر والدرن والوسخ بحسب ما فيه من الصفاء. فيكون التفسير حتى الآن: مثل هدايته وهو الإيمان الذي يجعله في قلب المؤمن الصافي الذي هو في صدره كمثل مصباح في زجاجة كأنها كوكب دري في مشكاة. {يُوقَدُ} ذلك المصباح أي هذا الإيمان {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} أي يوقد من زيت شجرة الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون {لا شَرْقِيَّةٍ} فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، {وَلا غَرْبِيَّةٍ} فقط، فلا تصيبها الشمس أول النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض، كزيتون الشام تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها. والشجرة المباركة هي شجرة الإخلاص ودين الحق وهي مادة المصباح التي يتقد منها قاله ابي بن كعب وفصله ابن القيم. ولهذا قال: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} فهذه فطرة الناس التي فطرهم الله عليها وهي دين الحق الإسلام أي الإستسلام لله وطاعته .فإذا مس هذا الزيت نارا أضاء إضاءة بليغة أي إذا مس فطرته المزيد من الحجج والأيات البينات المبينات إزداد هداية كما قال تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) محمد .ولهذا قال تعالى:{نُورٌ عَلَى نُورٍ} نور الزيت فوقه نور النار أي نور الفطرة معه نور العلم النافع معه نور العمل الصالح ويزيده الله نورا {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكي معه وينمو. {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ} ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا، {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فعلمه محيط بجميع الأشياء، فلتعلموا أن ضربه الأمثال، ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها، وأنها مصلحة للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها، لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها، فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون.

    أوليس أيضا الذي جعل لنا في الأرض سبلا لنهتدي بها في سفرنا كما قال تعالى:وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) الزخرف. أولى بأن يجعل لنا إليه سبيلا ويبينه لنا فيهدينا إليه لأن كل شيء يدل على لقاءه.. قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16). قال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) الإنسان. وقال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9).

    بالخلاصة كما أرسل الله الرياح مبشرات ومنذرات وأنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وكما هدى الله العباد بنور الكواكب وجعل لهم سبلا لعلهم يهتدون ويصلون الى مقصودهم، أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل من السماء روحا فأحيا به قلوب العباد وجعله نورا ينير لهم دربهم وجعل حامليه كالكواكب فهدى بكلامه وبرسله وأتباعهم عباده إلى صراطه المستقيم الجامع لسبل السلام والموصل الى جنة الرحمن.

    فمن أثبت هذه الأفعال لله وجب عليه اثبات لوازمها.
    فهذه بعض الأدلة لإثبات النبوات وضرورة الوحي .
    وزد عليه ما تواتر من الأخبار والأثار ووحدة دعوة الأنبياء فلم يبق إلا الإقرار.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2016
    المشاركات
    1,348

    افتراضي

    جزاك الله خيرا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2016
    المشاركات
    173

    افتراضي

    واياكم اخي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •