تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: غض البصر فوائده، ومضار إطلاقه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    34

    Lightbulb غض البصر فوائده، ومضار إطلاقه

    غض البصر فوائده، ومضار إطلاقه
    الحمد لله الذي جعل القلوب أوعية، فخيرُها أوعاها للخير والرشاد، وشرها أوعاها للشر والفساد، وسلط عليها الهوى وامتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى. وحرم عليها أشياء لكن عوضها خيرًا مما حرم عليها.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النُّور: 30] وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: «غضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم» صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
    أما بعد: فقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته.
    روى البخاري في صحيحه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أردف الفضل بن العباس رضي الله عنهما يوم النحر خلفه- وكان الفضل قد ناهز البلوغ، فطفق الفضل ينظر إلى امرأة وضيئة من خثعم كانت تسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمور دينها، فأخذ النبي بذقن الفضل فحول وجهه عن النظر إليها.
    وفي رواية للترمذي: قال للرسول - صلى الله عليه وسلم -: لويت عنق ابن عمك. قال عليه الصلاة والسلام: «رأيت شابًا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة» ، وهذا منع وإنكار بالفعل، وتعليل لهذا الإنكار بخوف الفتنة عليهما لو أقرهما عليه.
    وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله - عز وجل - كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة؛ فالعين تزني وزناها النظر، واللسان يزني وزناه النطق، والرجل تزني وزناها الخطى، واليد تزني وزناها البطش، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» . فبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد، والرجل، والقلب، والفرج. ونبه على زنا اللسان بالكلام على زنا الفم بالقُبل، وجعل الفرج مصدقًا لذلك إن حقق الفعل أو مكذبًا له إن لم يحققه. وهذا الحديث من أبين الأِشياء على أن العين تعصي بالنظر، وأن ذلك زناها. ففيه رد على من أباح النظر مطلقًا. وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يا علي: لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية» . فالنظر يؤثر في القلب فأمره بمداواته بصرف النظر لا بتكراره. وقال جرير بن عبد الله رضي الله عنهما: «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري» رواه مسلم وأبو داود والترمذي. ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر، فما لم يتعمده القلب لا يعاقب عليه. فإذا نظر الثانية تعمدًا أثم، فأمره عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره ولا يستديم النظر. ففتنة النظر أصل كل فتنة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اتقوا الدنيا واتقوا النساء» .
    وفي مسند محمد بن إسحاق عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أخوف ما أخاف على أمتي النساء والخمر» .
    وقال: «إياكم والجلوس على الطرقات» . قالوا: يا رسول الله مجالسنا ما لنا بد منها قال: «فإن كنتم لا بد فاعلين فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام» فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع منه مانع.
    آفات عدم غض البصر:
    ـ أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى الإنسان ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه.
    ـ أنه يعرض نساءك وبناتك لأن يطلق السفهاء أبصارهم فيهن فكما تدين تدان.
    ـ أنه ينشر الفاحشة بين المسلمين .
    فوائد غض البصر:
    أحدها: تخليص القلب من ألم الحسرة؛ فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
    ثانيها: أنه يورث القلب نورًا وإشراقًا يظهر على عينيه ووجهه وجوارحه.
    ثالثها: أنه يورث قوة القلب وشجاعته وثباته. وفي الأثر «الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله» .
    رابعها: أنه يورث القلب سرورًا وفرصة وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه.
    خامسها: أن غض البصر يسد عنه بابًا من أبواب جهنم؛ فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل، وتحريمُ الله تعالى للنظر حجابٌ مانعٌ من الوصول، فمن هتك الحجاب ضري على المحظور ولم تقف نفسه عند غاية؛ لأن لذتها في الشيء الجديد.
    سادسها: أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب.
    سابعها: أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحِجر: 72] وسَكرانُ العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات.
    والله سبحانه إنما حكى هذا المرض- مرض العشق عن طائفتين من الناس وهم «قوم النساء» وقوم لوط فأخبر عن «عشق امرأة العزيز» ليوسف وما راودته وكادته به، وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه .
    والطائفة الثانية الذي حكى الله عنهم العشق هم «اللوطية» كما قال تعالى: {جَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُون} [الحجر: 67- 69] فكل من الطائفتين عشق ما حرم عليه من الصور، ولم يبال بما في عشقه من الضرر.
    ودواء هذا الداء العضال- العشق المحرم- أن يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر فيه، ويكثر التضرع واللجوء إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه. قال الله تعالى في قصة عشقها: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يُوسُف: 24] فصرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه؛ فإن القلب إذا أخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور، فعشق الصور إنما يتمكن من القلب الفارغ.
    وفي الصحيح من حديث جابر: أنه رأى امرأة فأتى زينب فقضى حاجته منها. وقال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه» ، وفي سنن ابن ماجه مرفوعًا: «لم ير للمتحابين مثل النكاح» .
    فعلى المسلم أن يديم الإعراض عما لا يحل من النظر، لما في ذلك من الضرر،ولما في غض البصر من الفوائد دنيا وأخرى.
    وعليه أن يسأل مقلب القلوب والأبصار الثبات على الدين، وتصريف القلوب إلى طاعة رب العالمين. قال تعالى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41] .
    بيان مفاسد فاحشة الزنى
    من عواقب عدم غض البصر اقتراف الزنى عياذا بالله، لذلك
    جاء في تحريم الفواحش ووجوب حفظ الفرج قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج» أخرجه الترمذي عن أبي هريرة. وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» فبدأ - صلى الله عليه وسلم - بالأكثر وقوعًا، ثم بالذي يليه. فالزنا أكثر وقوعًا من قتل النفس، وقتل النفس أكثر وقوعًا من الردة نعوذ بالله منها.
    ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم، فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها ونكست رءوسهم بين الناس. وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا وقتل النفس، وإن أبقته حملته على الزوج فأدخلت على أهلها وأهله أجنبيًا ليس منهم فورثهم وليس منهم، وخلا بهم، وانتسب إليهم وليس منهم، إلى غير ذلك من مفاسد زناها.
    وأما زنا الرجل فإنه يوجب اختلاط الأنساب أيضًا، وإفساد المرأة المصونة وتعريضها للتلف والفساد؛ ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين،
    ومن خاصيته. أنه يكسو صاحبه سواد الوجه، وثوب المقت بين الناس.
    ومن خاصيته أيضًا أنه يشتت القلب ويمرضه إن لم يمته، ويجلب الهم والحزن والخوف، ويباعد صاحبه من الملك ويقربه من الشيطان؛ ولهذا شرع فيه القتل على أبشع الوجوه وأفحشها وأصعبها.
    ولو بلغَ الرجلَ أن امرأته أو حرمته قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت. قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أتعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» .
    وظهور الزنا من أمارات خراب العالم، وهو من أشراط الساعة، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنه قال: لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكموه أحد بعدي سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا، ويقل الرجال، وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» .
    وخص سبحانه الزنا من بين سائر الحدود بخصائص منها: القتل فيه بأبشع القتلات، وحيث خففه فجمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.
    ومنها: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم. ومنها: أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين.
    نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا ويرزقنا العفة والعفاف.
    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    34

    افتراضي

    هذا مقال كنت قد نقلته من كتاب للخطب والمواعظ وتصرفت فيه زياة ونقصانا
    الكتاب: موضوعات صالحة للخطب والوعظ
    المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي (المتوفى: 1421هـ)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •