موسوعة شعراء العربية
المجلد السادس\ الجزء الاول
شعراء العربية في الاندلس

بقلم د فالح الكيلاني
(جعفر بن عثمان المصحفي )

أبو الحسن جعفر بن عثمان بن نصر بن قوي بن عبد الله بن كسيلة المصحفي واصله من البربر من مدينة ( بلنسية ) وهو
حاجب الخليفتين( الحكم المستنصر بالله) وابنه (هشام المؤيد بالله ).

اختاره الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله مُؤدّبًا لولي عهده ( الحكم ) لذا كان جعفر مقرّبا لدى (الحكم ) وقد اختاره ليكون كاتبه الخاص. ثم اختاره الناصر ليكون واليًا لجزيرة ( ميورقة ). ولما آلت الخلافة الى الحكم، جعله وزيره، وأبقاه كاتبًا خاصًا له وضم إليه منصب صاحب الشرطة بعد فترة ثم جعله حاجبه بعد وفاة الحاجب ( جعفر بن عبد الرحمن الصقلبي ) ثم أصبح بعد ذلك المسئول الأول عن ادارة أمور البلاد خلال العامين الأخيرين من حياة (الحكم) المستنصر بالله حيث قضاهما في نوبات متتابعة من المرض . ولما الت الخلافة الى الخليفة ( هشام المؤيد بالله ) جعله حاجبه في أول خلافته، وعيّن عددًا من أبناء جعفرالمصحفي وأبناء أخيه في مناصب رفيعة.
قاد جعفر المصحفي عملية لإبطال مخطط فتيان قصر الخلافة الصقالبة حول تولية (المغيرة بن عبد الرحمن) الناصر لدين الله الخلافة خلفًا للخليفة (الحكم )المستنصر بالله بدلاً من هشام ابن الحكم وولي عهده ،وقد انتهت هذه العملية بمقتل (المغيرة) وتولية (هشام ) المؤيد بالله وكان عمره اثنتي عشرة سنة خليفة تحت وصاية أمه (صبح البشكنجية) ثم تعاون جعفر المصحفي مع رجل الدولة القوي وصاحب الشرطة (محمد بن أبي عامر) على التخلص من نفوذ الفتيان الصقالبة داخل قصر الخلافة تدريجيًا، لتنحصر السلطة الفعلية في يد المصحفي وابن أبي عامر وأم الخليفة .
استغل ( محمد بن أبي عامر) علاقته القوية ( بصبح ) أم الخليفة، وسوء العلاقات بين ( جعفر المصحفي ) و (غالب بن عبد الرحمن الناصري) صاحب مدينة ( سالم ) وقائد جيش الثغر نتيجة اتهام ( جعفر المصحفي ) ل (غالب ) بالتقصير في الدفاع عن الحدود الشمالية أمام حملة الممالك المسيحية في الشمال على حدود الدولة بعد وفاة الخليفة (الحكم )المستنصر بالله. فلجأ (محمد بن أبي عامر ) للتحالف مع ( غالب بن عبد الرحمن ) ومصاهرته حيث تزوج ( أسماء بنت غالب ) وكان جعفر المصحفي قد راسل والدها ( غالب ) يطلبها للزواج الى ابنه ( محمد بن جعفر)، ثم استصدر( محمد بن أبي عامر) امرا خلافيًا من خلال حليفته أم الخليفة بعزل ( محمد بن جعفر المصحفي ) كحاكم لمدينة ( قرطبة )، وتولية ( محمد بن أبي عامر) حاكمًا عليها بالإضافة إلى منصبه كقائد للجيش. كما استصدر امرا آخر من الخليفة بتولية صهره (غالب الناصري ) الحجابة إلى جانب (جعفر المصحفي )، مما يعد انتقاصًا من سلطة (جعفر المصحفي) ومكانته .
0
ولما تم (للمنصور ) سجن ( جعفرالمصحفي ) ودَّع المصحفي أهله وودَّعوه وداع الفراق الابدي وقال لهم:

( إنكم لن ترونى بعدها حيا فقد أتى وقت إجابة الدعوة وما
كنت أرتقبه منذ أربعين سنة وذلك أنى شاركت ظلما فى سجن رجل فى عهد الناصر وما أطلقته إلا برؤيا رأيتها بأن قيل لى أطلق فلانا فقد أجيبت فيك دعوته فأطلقته وأحضرته وسألته عن دعوته علىّ فقال دعوت على من شارك فى أمرى أن يميته الله فى أضيق السجون فقلت إنها قد أجيبت فإنى كنت ممن شارك فى أمره وندمت حين لا ينفع الندم).

وكان ابن عثمان المصحفى قد كتب للمنصور يستعطفه أن يخرجه من السجن فقال:
عفا الله عنك ألا رحمة
تجود بعفوك إن أبعدا

لئن جلّ ذنب ولم أعتمده
فأنت أجلّ وأعلى يدا

ألم تر عبداً عدا طوره
ومولىّ عفا ورشيداً هدى

أقلني أقالك من لم يزل
يقيك ويصرف عنك الردى

وقال ايضا يستعطفه :
هبنـى أسأت فأين العفـو والكـرم
إذ قـادنى نحوك الإذعان والندم

يا خير من مدت الأيدى إليـه أمـا
ترثى لشـيخ نعـاه عندك القلم

بالغت فى السخط فاصفح صفح مقتدر
إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا

فأجابه المنصور قائلا:
الآن يا جاهلا زلت به القدم
تبغى التكرم لما فاتك الكرم

ندمت إذ لم تعد منى بطائلة
وقلما ينفع الإذعان والندم

نفسى إذا غضبت ليست براضية
ولو تشفع فيك العرب والعجم

وفي رواية اخرى كان المنصور بن أبى عامر يعمل عند الحاجب جعفر بن عثمان المصحفى الذي كان العقل المدبر لمملكة ( هشام المؤيد بالله ) وكان المنصور رجلا ذكيا استطاع ان يكسب محبة الناس بجوده وحسن خلقه بينما المصحفى ينفرها ببخله وسوء خلقه وظلمه للناس إلى أن قضى الله أمرا كان مفعولا فاستولى المنصورعلى الحجابة بعد سجن المصحفى وقد طال أمد سجنه حتى يئس من عفو المنصور فقال :
لـى مدة لا بد أبلـغها فإذا انقـضت أيـامها مت
لو قابلتنى الأسد ضارية والموت لم يقرب لما خفت
فانظر إلى وكن على حذر فى مثل حالك أمس قد كنت
وفي 13 شعبان 367 هـ اصدر الخليفة هشام امرا باقالة جعفر المصحفي والتي تعتبر نكبة كبرى ل ( جعفر المصحفي ) وقد سجن المصحفي هو وأبنائه وأقاربه وصودرت أموالهم وتشديد التنكيل به وسجنه في محبسه في مدينة ( الزهراء ) حتى مات في سجنه ويقول في نكبته :
لا تأمننّ من الزمان تقلُّبا
إن الزمان بأهله يتقلبُ

ولقد أراني والليوث تهابني
وأخافني من بعدُ ذاك الثعلبُ

حسبُ الكريم مذلةً ونقيصةً
أن لا يزالَ إلى لئيمٍ يَطلبُ

وإذا أتتك أُعجوبةٌ فاصبر لها
فالدهرُ يأتي بعدُ ما هو أعجبُ
توفي الشاعر جعفر المصحفي في سجنه بمدينة (الزهراء ) بالقرب من قرطبة سنة \372 هجرية – 982 ميلادية مسموما وفي رواية اخرى مات مخنوقا .

كان جعفر بن عثمان المصحفي وزيرا و أديبا بارعا ومن كبار الكتاب في الا ندلس ، وكان شاعرًا بليغًا له الكثير من الأشعار والقصائد المشهورة . يتميز شعره بالجيادة والبلاغة وسهولة الاسلوب ورقة المعاني قال الشعر في اغلب الفنون الشعرية وقد مر بنا بعض ما قال من شعره .
ومما قاله في شعره الغزلي :
يا ذا الذي لم يدع لي حُبّه رمقًا
هذا مُحبك يشكو البثّ والأرقا

لو كنت تعلم ما شوقي إليك إذا
أيقنت أن جميع الشوق لي خُلِقا

لم يُبصر الحُسن مجموعًا على أحدٍ
من ليس يُبصر ذاك الخدّ والعنقا

ويقول ايضا :
يا من أراني بالحاظ يصرفّها
عني الصبا والهوى رشدي وتوفيقي

جمعت فيك غليل العاشقين كما
جمعت ما تشتهي من كلّ معشوق

وفي وصف وردة السوسن يقول:
يا ربّ سوسنة قد بتّ ألثمها
وما لها غير طعم المسك من ريق

مصفرّة الوسط مبيضّ جوانبها
كأنها عاشق في حجر معشوق

ويقول في الخمرة :
صفراء تطرق في الزجاج فان سرت
في الجسم دبّت مثل صلّ لاذع

خفيت على شرابها فكأنما
يجدون ريّا في اناء فارغ

عبث الزمان بجسمها فتسترت
عن عينها في ثوب نور سابغ

واختم البحث بهذه الابيات من شعره :
ومصفرة تختال في ثوب نرجس
وتعبق عن مسك ذكيّ التنفس

لها ريح محبوب وقسوة قلبه
ولون محب حلة السقم مكتسي

فصفرتها من صفرتي مستعارة
وانفاسها في الطيب انفاس مؤنسي

وكان لها ثوب من الزغب أغبر
على جسم مصفرةٌ من التبر أملس

فلما استتمت في القضيب شبابها
وحاكت لها الأوراق اثواب سندسي

مددت يدي باللطف أبغي اجتناءها
لاجعلها ريحانتي وسط مجلسي

فبزّت يدي غضبا لها ثوب جسمها
وأعريتها باللطف من كلّ ملبسي

ولما تعرت في يدي من برودها
ولم تبق الا في غلالة نرجسي

ذكرت بها من لا ابوح بذكره
فاذبلها في الكفّ حرّ التنفسي

اميرالبيان العربي
د فالح نصيف الكيلاتي
العراق- ديالى - بلدروز

*********************