الصفة الأولى: إخلاص النية لله الذي بيده الثواب والعقاب, والذي لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا صوابًا, لحديث: "إنَّما الأعمال بالنيات, وإنَّما لكل امرئ ما نوى".
الصفة الثانية: التزود من العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح: ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: من الآية 197].

الصفة الثالثة: فهم العقيدة فهمًا صحيحًا وتحقيق العبادة, إذ بذلك تقبل جميع الأعمال.

الصفة الرابعة: مراقبة الله في السر والعلن والاستحياء من الله والاستعداد التام للانتقال من هذه الدار إلى دار البرزخ فدار القرار: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
الصفة الخامسة: محاسبة النفس والاستعداد التام ليوم الانتقال من هذه الدار إلى دار القرار.

الصفة السادسة: الحرص الصادق على التأسي بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وذلك بمتابعة ما جاء به من عند ربه, ونبذ التقاليد الشرقية والغربية التي ابتلي بها معظم الناس لا سيما شباب المسلمين ذكورًا وإناثًا بسبب الدعايات المغرضة التي تهدم الدين وتحطم الأخلاق وتحارب فطرة الله التي فطر الناس عليها.
الصفة السابعة: استثمار الأوقات في كل ما ينفع ويفيد في الدنيا والآخرة رجاء لثواب الله ومحاربة للتسكع والتسيب والضياع التي تسبب الخذلان والحرمان والخسران في الدنيا والبرزخ ويوم لقاء الله.
الصفة الثامنة: الحرص على نشر العلم وإعطائه أغلى الأوقات, وإعداد نفسه إعدادًا جيدًا يمكنه من إيصال الخير إلى المدعوين على اختلاف مستوياتهم وتباين أحوالهم.

الصفة التاسعة: محاولة كثرة الاطلاع والقراءة في الكتب المفيدة من قديم وحديث جاعلاً في المقدمة القرآن الكريم وكتب تفسيره المشهورة, وكتب السنة المطهرة كالأمهات الست مثلاً وشروحها, وكتب السيرة النبوية التي تكشف عن كيفية طرق الدعوة المحمدية, وكذا قراءة المجلات والصحف المعاصرة للاستفادة منها, أو النقد لها الورد عليها بقصد بيان الحق ونصرته, وتوضيح الباطل وقمعه ودحضه.
الصفة العاشرة: اختيار الإسلوب الحسن في الموعظة والجدل والمناظرة والتعلم الذي ينبغي أن تراعي فيه مستويات الناس في الفهم والحاجة إذ إن لكل مقام مقالاً وإن لكل زمان رجالاً.

الصفة الحادية عشرة: العناية باللغة العربية إذ هي لغة القرآن الكريم فلكم رأينا من إعراض عن حديث من يلحن, وزهد في موعظته أو محاضرته.
الصفة الثانية عشرة: مواكبة الأحداث ومعرفة الزمن الذي يعيش فيه والوسط الذي يعاصر ذويه إذ إن ذلك من أقوى أسباب نجاح الدعوة إلى الله في مجتمعات الخلق.

الصفة الثالثة عشرة: كثرة الاستشهاد بالقرآن الكريم بقصصه وأمثاله ووعده ووعيده, وكذا بالقصص والأمثال التي استعملها النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبه ووصاياه كما يحسن ذكر مناقب الدعاة من سلفنا الصالح أعلام الهدى ومصابيح الدجى وأئمة الدين والتقوى, لتقوى عزائم المدعوين فيرتسموا الخطى ويأخذوا القدوة الصالحة الرشيدة منهم.
الصفة الرابعة عشرة: التدرج والمرحلية مع المدعوين فيعلهم صغار العلم قبل كباره يعلمهم العقيدة التي بدأ الأنبياء العظام والرسل الكرام بدعوة الخلق إليها وهذه عين البصيرة.

الصفة الخامسة عشرة: مراعاة عدم الإطالة لئلا يمل الداعية الناس أو يفتنهم عن الضروريات من حوائجهم, اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى الإطالة, فإنه لا مانع منها فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه خطب الناس يومًا كاملاً بين لهم فيه كل شيء من أمور دينهم حتى دخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, وأصحابه الكرام جلوس يسمعون فلم يصبهم ملل ولا ضجر".
وإن حاجة الناس اليوم في القرى والبوادي إلى معرفة أصول دينهم وبيان محاسنه وفضائله لأشد من أي وقت مضى, كيف لا وهم يعيشون في عصر كم فيه من ملهيات ومغريات تزين للإنسان البشري الشر بحذافيره, وتحببه إلى النفوس بوسائلها الفاتنة ودعاياتها المغرضة وضلالاتها الهدامة, ورغم ذلك كله فإن معظم الناس يتضجرون إذا تجاوز الخطيب في خطبته أو المحاضر في محاضرته ربع ساعة من الزمن, فإذا ما قضيت الصلاة أو انتهت المحاضرة, سمعت لهم دويًا بالتعليق, لقد أطال علينا, وما هكذا تكون الخطابة والخطباء, ونحو ذلك.
بينما هم -هدانا الله وإياهم- لا يملون من قضاء ساعات طوال عند سماع الأغاني الخليعة أو التمثيليات الفاسدة المفسدة التي لا تحقق لأحد مصلحة ولا تفيد سامعًا شيئًا نافعًا, هكذا انعكست الحقائق عند هذا الصنف من الناس, فلا يكادون يفرقون بين النافع المفيد والضار والمؤلم, ومجالس الخير الطيبة المباركة, ومجالس الشر المحرقة المنتنة فلا حول ولا قوة إلا بالله.

الصفة السادسة عشرة: الحرص على نيل الحكمة التي أرشد إليها القرآن الكريم, ومجانبة التقريع والتنديد بالمدعو أو المدعوين إلا في موضعه, فقد يكون الخصم مستهترًا ومتهورًا فينبغي أن تستعمل معه الشدة عله ينزجر ويرتدع ويشعر أن العزة لأهل الإيمان بالله والدعوة إليه كما قال تعالى: ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً ﴾ [الإسراء: 102].

الصفة السابعة عشرة: كثرة الاحتمال وقوة الصبر, إذ إن من اختار لنفسه طريق الأنبياء فلا بد أن يناله من الأذى ما يحتاج معه إلى شحنة كبيرة من الصبر يستعين بها على أداء واجبه وإنجاز مهمته.
الصفة الثامنة عشرة: البدء في التعلم والدعوة بالأهم فالمهم كأصول الدين من عقيدة وعبادة ومعاملة وسلوك وخلق حسن.
الصفة التاسعة عشرة: الاعتراف بالفضل لأهل العلم والفضل وتوفير الاحترام للآخرين فلا يغمطهم حقهم, ولا يفتي في مجالسهم إلا بإذنهم إن كانوا أكثر منه علمًا وأوسع اطلاعًا.

الصفة العشرون: الشجاعة الشرعية المقرونة بالحكمة الدعوية على نهج السلف الصالح -رحمهم الله-؛ لأن الدعوة إلى الله جهاد, والجهاد لا يقوم بوظيفته إلا الشجعان والحكماء الذين يؤمنون بأن الموت والحياة بيد الله وكذلك هداية القلوب بيده وحده دون سواه, والذين يتصرفون في شأن الدعوة إلى الله وفق نصوص الشرع الشريف بدون إفراط ولا تفريط.
الصفة الحادية والعشرون: الكرم, إذ هو خلق عظيم وسبب متين من أسباب الإقبال على الدعاة إلى الله والأخذ عنهم والاستفادة منهم, فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها.
ولقد أحسن القائل:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم . . . . . فطالما استعبد الإنسان إحسان

الصفة الثانية والعشرون: الاعتراف بالحق, والعمل به, فالاعتراف بالحق فضيلة وأولى الناس بذلك الدعاة إلى الله.
الصفة الثالثة والعشرون: التلطف في التعليم وفي الجدل والمناقشة, إذا أن ذلك طريق الأنبياء والمرسلين وهو أسوتنا الحسنة, وقدوتنا الصالحة الرشيدة في كل تصرفاتنا وفي كل شأن من شئوننا حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

فهذه ثلاث وعشرون صفة لا تجتمع إلا لدى الكمَّل من الدعاة إلى الله غير أنه من لا يدركها كلها فلا يفته جلها وهو في ذلك يواصل سعيه جادًّا ليدركها ويتصف بها كي يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ولا يعزب عن البال أن الرياء والمراد والعجب وابتغاء الشهرة مقاصد دنيئة تنبئ عن خبث الطوية ومرض القلب وعدم الإيمان بالله الذي بيده الموت والحياة والثواب والعقاب, والذي إليه المرجع والمآب, فيجازي على الأعمال خيرها وشرها, سرها وجهرها, كما قال عز وجل: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47], وكما قال سبحانه: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ [الكهف: من الآية 110].

تلك أيها القارئ الكريم هي الدعوة إلى الله وصفات الداعية حدثتك عنها باختصار ولتعلم كيف احتضن الدعوة إلى الله الرسل الكرام والأنبياء العظام وأتباعهم في كل زمان ومكان, وجاهدوا في سبيلها باليد والقلب واللسان, وكتب لها العز والنصر على أيدي ذوي الصدق والصبر والإيمان, ولو كره ذلك أهل الفساد والطغيان.

نقلا من كتاب المنهج القويم في التأسي بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم