أولا : يكفي لنقض اتفاق السلف الذي ذكره ابن تيمية ما ذكره نفسه ( ابن تيمية ) من خلاف أئمة كبار لقول من قال بعود الضمير إلى الله كأبي ثور وأبي الشيخ الأصبهاني وابن خزيمة ومحدثو البصرة – ومحدثو البصرة لا يعلم عددهم إلا الله - وغيرهم .
وهذا عدد لا يمكن ولا يصح أن يستهان به .
ثم هناك من لم يذكرهم ابن تيمية ومنهم :
1 : ابن قتيبة الدِّينَوري (213 - 276هـ
2 : ابن حِبَّان ( 000 - 354 هـ،
3 : ابن مندة (310 - 395 هـ
4 : البغوي، أبو محمد (ت 516 هـ)
5: أحمد بن عمر بن إبراهيم، أبو العباس الأنصاري القرطبي(578 - 656 هـ .
وغيرهم .
وقد نقلت أقوالهم آنفا .
فبطل زعم من حصر الخلاف بابن خزيمة وجعله من أخطائه .
وليت شعري أين الاتفاق ؟
وأقوى دليل على عدم صحة الاتفاق الذي ذكره شيخ الإسلام هو نقل ابن مندة ( 310 - 395 ه) لاختلاف علماء السلف في هذه المسألة وهو أقرب الناس إلى عصرهم مع ترجيحه عودة الضمير إلى آدم عليه السلام .
فقال في كتابه التوحيد (1/ 222) :
" اختلف أهل التأويل في معنى هذا الحديث وتكلموا على ضروب شتى ،
والأحسن منها : أن الله تعالى خلق آدم , عليه السلام , على صورته . معناه : لم يخلقه طفلا ثم صبيا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ,
هو الأصح منها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإسناد الثابت "
قلت : وفيه إشارة إلى خطأ من قال بعودة الضمير إلى الله تعالى مستندا للروا ية الضعيفة .
ثم يأتي متعصب ويصر على تقديم قول ابن تيمية المتأخر زمنا عن القرون الأولى على قول من هو أقرب إليهم مع ما عنده من زيادة علم بوجود الخلاف . وهذا لا يمت للعلم بصلة .
ثانيا : من قال بخلاف ظاهر الحديث فقال بعود الضمير إلى الله لا يخلوا من :
1 : أنه منعه من الأخذ بظاهر الحديث تصحيحه للرواية الضعيفة " فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن " التي تدل صراحة على عودة الضمير إلى الله تعالى فأنّى له أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول بظاهر الرواية الصحيحة الأخرى المحتملة لمعنى راجح وآخر مرجوح وقد جاء النص الذي يبين وجوب ترجيح المرجوح .
ولكن ليته كان نصا صحيحا لحسم الخلاف ولسلّم له المخالفون .
ولكن الرواية لا ولن تصح ولن تصلح كقرينة .
فبطل الاستدلال بها وكان استنادهم عليها كمن اتخذ بيت العنكبوت بيتا . وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت .
2 : أنه خالف أصول الاستدلال باللغة العربية التي تقتضي عودة الضمير إلى أقرب مذكور وهو آدم إلا أن يجد قرينة تصرف الضمير إلى المذكور الأبعد وهو الله تعالى .
كيف وهنا قد جاءت القرينة لتؤكد عودة الضمير إلى أقرب مذكور ألا وهو آدم عليه السلام " خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا ..." .
ومن خالف اللغة وقال بعودة الضمير إلى أبعد مذكور اضطر إلى التناقض فأعاد الضمير الأول – صورته - إلى الله تعالى وأعاد الضمير الثاني – طوله - إلى آدم لأنه لا يمكن أن يعيده إلى الله لأنه يكفر بذلك .
ثالثا : من قال بعودة الضمير إلى آدم عليه السلام من أئمة أهل السنة والجماعة قد أصاب الحق لأنه أخذ بظاهر الحديث وفق الاستدلال المستقيم للغة العربية يقوي هذا القرينة الصريحة الصحيحة في نفس الرواية الصحيحة كما بينت ذلك آنفا " خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا ..." .
رابعا : ومما سبق يتبين الخطأ البيّن باتهام أولئك الأئمة بالتأثر بالجهمية بينما هم من أصاب الحق وعلى أصول أهل السنة والجماعة أو على أقل تقدير أنهم الأقرب إلى الحق .
وليت شعري ما علاقة قولهم بالجهمية ! .
هل عطلوا صفة من الصفات ؟! . كلا .
بل هم يثبتون صفة الصورة بأدلة أخرى . فواعجبا !
وليت شعري كيف يتهم من خالف ظاهر الحديث الصحيح بقرينته وأخذ بمعنى مرجوح مستندا برواية ضعيفة من أخذ بظاهر الرواية الصحيحة الراجح بقرائنها بأنه جهمي !.
خامسا : ومن العجب أن يجعل قول الإمام أحمد مهيمنا على قول من خالفه وحاكما عليه .
فما دام الإمام أحمد قال أن من أعاد الضمير إلى آدم أنه جهمي فهو كما قال من دون أي تمحيص أو نظر في حجج من خالفه القوية والأقرب إلى الحق - وهذا تقليد مقيت - .
وليس مخالفة الجهمية ذريعة لمتابعة المشبهة في دلالة نص ظاهره وقرائنه ترجح معنى صحيحا بلا تعطيل ولا تشبيه ولا تأويل وهو عودة الضمير لآدم وهو الظاهر من الحديث وهو الراجح من اللغة وله قرينة ظاهرة .
بينما قول الإمام أحمد ومن تابعه فهو تشبيه لا مفر منه لأن المشَبَّه ( آدم ) معلوم الصورة ومشاهد فلا ينفع أن نقول " ليس كمثله شيء " أو نمرها كما جاءت من غير تشبيه .
نعم لو كان المشبه غير معلوم الصورة .
ونعم لو لم يعين مخلوقا بعينه دون بقية الخلق لقلنا ليس كمثله شيء ولقلنا صورته لا تشبه صورة أحد من خلقه .
ثم لو قلنا على صورته بمعنى على صفاته فما الفرق بين الإنسان والقرد ؟!
فعندهما الوجه والقدم واليد والسمع والبصر ونحو ذلك .
وأخيرا فإن المسألة خلافية ولكل فريق وجه من الاستدلال وكما بينت آنفا.