المبحث الأول : الإيمان بالله
الإيمان بالله يعني : التصديق الجازم بوجود الله وبربوبيته وألوهيته وبأسمائه وصفاته.

والمقصود بوجود الله أن الله موجود منذ الأزل وسبيقى موجوداً إلى الأبد. فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير.
فمن أنكر وجوده أو شك فيه أو وقف من هذا الأمر موقفا محايداً حُرِم من الجنة وخُلِّد في النار في حياة الأبدية بالآخرة.
والمقصود بربوبية الله أن الله تعالى خالق كل شيء ومالكه ومدبره ورازقه وأنه المحيي والمميت بيده الملك، وهو على كل شيء قدير. فهو الرب الوحيد في الأرض والسماء، فكل شيء يخضع لربوبيته بدءا من الذرات وانتهاء إلى الكواكب والمجرات وما هنالك من العوالم المشاهدة وغير المشاهدة. فلا ند له في ربوبيته ولا ضد، ولا منازع له ولا منافس. فلا شيء يمكن أن يكون ربا مهما تجبر وتكبر أو أظهر من العتو والطغيان. ولا يمكن لشخص مها شرَّع من التشريعات أو قنن من القوانين، أن يكون ربا. فهو إذا قطع صلته مع الله وطغى على شريعة الله وأصبح يشرع باسمه ومن تلقاء نفسه كان عاصيا وكافراً. ولكن أي من أعماله هذه لا ترقيه إلى منصب الربوبية. فلا رب إلا الله. وكل من يعتقد بأن من شرَّع من تلقاء نفسه أصبح ربا أو منازعا للرب أو منافسا له فقد أشرك مع الله. أي اعترف بأن الربوبية منصب يمكن أن يتبوأه كل من أراد. وكذلك كل من يظن بأن ربوبية الله غير منفذة في الأرض والسماء وأن الله بحاجة إلى مساعدتنا لتنفيذ ربوبيته فقد كفر بالله وجعل الإنسان شركائه في الربوبية. فالتشريع لا يدخل في تعريف الربوبية، إذ الرب من التربية، وهي إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام. فالرب ليس من معانيه " المشرع". فالمشرعون مهما شرعوا وقننوا لا يتحولون إلى أرباب من دون الله. إذ لو كان الأمر كذلك لامتلئت الدنيا بأرباب من دون الله. أما خضوع الإنسان لتشريعات الله فذلك يدخل في باب طاعة الله. فمن لم يخضع ضل وعصى، ومن أنكر شرع الله فقد كفر، ومن نبذ شرع الله وغدا يشرع من تلقاء نفسه فقد فسق وكفر. ولكنه لم يتحول في حال من الأحوال إلى رب بجوار الله. أما قوله تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فليس معناه أن الأحبار والرهبان حينما شرعوا من تلقاء أنفسهم أصبحوا أربابا من دون الله في الواقع والحقيقة بحيث يصدق عليهم تعريف الربوبية. فلا أحد يمكنه أن يكون ربا سوى الله. بل معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله. في حين أن الطاعة ينبغي أن تخصص لله وحده، الرب الحق للأض والسماء وما بينهما. فهم حين أعطوا طاعتهم لأحبارهم ورهبانهم فكأنهم اتخذوهم أربابا من دون الله. فهم أرباب لدى متخذيهم وليسوا أربابا في الواقع والحقيقة. أي إذا قيل لك: هل هذا الحبر أو الراهب رب؟ فأجبت قائلا: نعم، هو رب. فقد أشركت مع الله. إذ جعلت غير الرب ربا. أما قضية الاتخاذ فذلك شيء آخر. فالإنسان يمكن أن يعبد صنما. ولكن عباته هذه لا يحول الصنم إلى إله. فكل ما في الأمر أنه قد اتخذ غير الإله إلها.. فالتشريع وإن كان حق الله تعالى، ولكن إذا لم يؤد أحد هذا الحق لله، بل جعله لنفسه، فإنه خرج عن طاعة الله، ولم يكن لله ندا ولا منازعا. فالفرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية وشرع وقنن من تلقاء نفسه سماه الله طاغيا، ولم يسمه ندا أو منازعا. فلم يقل لموسى وهارون ( عليهما السلام) حين أرسلهما إليه: إذهبا إلى فرعون، إنه أصبح إلها وربا من دوني، أو نازعني في ألوهيتي وربوبيتي . بل قال لهما: إذهبا إلى فرعون إنه طغي. فالطغاة ليسوا آلهة وأربابا من دون الله. وكل من يصطنع تعريفا للرب ينطبق على هؤلاء الطغاة، فإنه بفعله هذا يجعل الكون مليئا بالأرباب من دون الله. وبعده لن يفيده في شيء ما إذا قال إن هؤلاء الأرباب أرباب باطلة. لأنه اعترف بوجود الأرباب من دون الله بغض النظر عن متخذيها. وهذا هو الشرك عينه. فعلى سبيل المثال لنفترض أن الفرعون لم يتخذه أحد إلها وربا، ولكنه واصل في التشريع باسمه وادعى الألوهية والربوبية، فهل يصبح فرعون بصنيعه هذا الها وربا؟ إذا كان جوابك بنعم، فقد أشركت فرعون مع الله، واعترفت به إلها وربا. وبعد ذلك إذا جئت وقلت: نعم، أنا اعترف بأن فرعون إله ورب من حيث انطباق تعريف الألوهية والربوبية عليه. ولكني أكفر به. فكفرك به لا يجعلك مؤمنا بل تبقى مشركا ما دمت تعترف به إلها وربا.
فالأمر ليس بأنه لا ينبغي أن يكون للكون أي رب غير الله. بل الأمر هو أنه ليس للكون أي رب سوى الله. نعم يمكن القول بأنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ أحد ربا من دون الله. إذا لو فعل ذلك لاتخذ غير الرب ربا.
فهذه مسألة حساسة فأرجو أن تفهمها أخي القارئ حق الفهم حتى لا تكون من الذين يدب فيهم الشرك كدبيب النملة وهم لا يشعرون، بل يعتقدون إنهم ينزهون الله عن الشرك، ويحميهم ممن ينافسونه وينازعونه في أخص خصوصية الربوبية. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.