الحمد للهِ الكريمِ المنَّانِ الَّذِي خَصَّنَا بصيَامِ شهرِ رمضانَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، القائلُ سبحانَهُ: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [1] وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ وحبِيبُهُ القائِلُ -صلى الله عليه وسلم-:« الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»[2] اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ:
فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ امتثالاً لقَولِهِ تعالَى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ ﴾ [3].
أيُّها المسلمون:
بعدَ أيَّامٍ قليلةٍ نستقبِلُ شَّهرَ رمضانَ الكريمِ، شهرٌ تعُمُّ فيهِ البركاتُ، وتتنَزَّلُ فيهِ الرَّحماتُ، وتُضَاعَفُ فيهِ الحسناتُ، وتُغفرُ فيهِ الزَّلاتُ، وتُستجابُ فيهِ الدَّعواتُ، وتُفْتَحُ فيهِ أبوابُ الجنَانِ، وتُغلَقُ فيهِ أبوابُ النيرانِ، فيَا بُشرَاكُمْ بِهذَا الشَّهرِ العظيمِ، وهنيئاً لَكُمْ مَا أَعَدَّهُ الكريمُ لَكُمْ مِنَ التَّكريمِ، وقَدْ كَانَ نبيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- يُبَشِّرُ أصحابَهُ بقدومِهِ، لِمَا فيهِ مِنَ الخيرِ العميمِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-:«أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ »[4].
فعلينَا أَنْ نحرصَ عَلَى هذَا الفضلِ العظيمِ وهذَا المقامِ الرَّفيعِ، وأوَّلُ مَا نسْعَى إلَى تحقيقِهِ هُوَ التوبةُ والإنابةُ إلَى اللهِ والإِخلاصُ فِي الصِّيامِ والقيامِ والإطعامِ وسائِرِ أفعالِ الخيرِ، قَالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:« إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ »[5].
وكذلكَ ينبغِي أَنْ نتعلَّمَ أحكامَ الصِّيامِ، ونسأَلَ عنْهَا أهْلَ الذِّكْرِ ونحرصَ علَى مجالِسِ العِلْمِ، ونتخَلَّقَ بأخلاَقِ الصِّائمِ مِنَ الصَّبرِ والرَّحمَةِ والكرَمِ، واجتنَابِ مَا لاَ يليقُ.
أيُّهَا المسلمونَ:
إنَّ بلوغَ رمضانَ فُرْصَةٌ عُظْمَى وَنِعْمَةٌ كُبْرَى فعليَنَا أَنْ نستفِيدَ منْهَا فِيمَا يعُودُ عَليْنَا مِنْ خَيْرَيِ الدُّنيَا والآخرةِ، قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: « قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ »[6].
عبادَ اللهِ:
إنَّ النُّفوسَ مُتَلهفَةٌ لِقُدُومِ هذَا الموسمِ العظيمِ، لتتنافَسَ فِي ميدانِ الخيرِ وتنالَ أعظْمَ الأجرِ، فيَا مَنْ يرجُو جنَّةَ ربِّهِ ويسْعَى ليكونَ مِنْ عُتَقَائِهِ هَا قَدْ أقبلَ عليكَ شهرُ الخيرِ فاحرِصْ علَى اغتنامِهِ، قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:«إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ»[7].
فإذَا أدركْتَ تلكَ الليلةَ المباركةَ ورأيْتَ هلالََ الشهرِ فَقُلْ كمَا كانَ حبيبُكَ المصطفَى -صلى الله عليه وسلم- يقولُ:« اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ »[8].
اللَّهُمَّ بارِكْ لنَا فِي شعبانَ، وبلِّغْنَا رمضَانَ، وأعِنَّا علَى الصِّيامِ والقيامِ، ووفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطاعتِهِ امتثالاً لقولِكَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [9].
نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ -صلى الله عليه وسلم-.
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
المصدر: خطب الجمعة من الإمارات - الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف


[1] البقرة:185.


[2] مسلم:344.


[3] البقرة: 197.


[4] النَّسائيّ: 2079.


[5] النَّسائيُّ: 3089.


[6] البخاري: 1771، مسلم:1994.


[7] البخاري: 2766.


[8] الترمذي: 3451.


[9] النساء: 59.