♦ ملخص السؤال:
امرأة متزوجة لديها ثلاثة أطفال، منزلها صغير وضيق؛ مما يؤدِّي إلى عدم التقارُب بينها وبين زوجها بسبب الأولاد، وتسأل عن الحدِّ الفاصل في التواصُل والتوادِّ بينها وبين زوجها أمام الأطفال.

♦ تفاصيل السؤال:
أنا امرأة مُتزوِّجة منذ عشر سنوات ولله الحمد، ولديَّ ثلاثة أطفال: (تسع سنوات، وست سنوات، ثلاث سنوات).


مشكلتي تكمُن في أنَّ منزلي صغير، ومُكَوَّن مِن غُرفتين فقط، وصلة الحوار بيني وبين زوجي تكاد تنعدم بسبب الأطفال؛ فَهُمْ دائمًا موجودون أمامنا، علمًا بأنهم ينامون في غرفة مستقلةٍ وحدهم.


سؤالي: ما الحد الفاصل في التواصُل والتوادِّ بيني وبين زوجي أمامهم، مِن حيث القُبْلةُ واللمسُ؛ حيث إنهم يغارون مِن جلوسي قُرب أبيهم، ومِن تقبيلي له، ويستفسرون عن ارتدائي الثياب القصيرة أمام والدهم!


نَمَطُ حياتنا مُملٌّ؛ فأنا أنام في سرير ووالدهم في سرير آخر، وليس لديَّ غرفة نوم.


زوجي طيبٌ، وأشعر بالارتياح معه، ولكني في بعض الأحيان أحس بالقهر، وأعصابي تتعب مِن هذا الوَضْع، في كل حركة أعملها يقول لي: الأطفال!


مَللتُ مِن ابني الثاني، فهو يستحلفُني قبل النوم ألَّا نغلق الباب، ويزعم أنه يخاف!


فهل يسبِّب الوضع الحالي عُقَدًا نفسية لأطفالي في المستقبل؟ وما نمط الحياة الصحيح أمام الأطفال؟


وجزاكم الله خيرًا


الجواب

يقول ربُّنا - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْك ُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58].


وضَع سبحانه تَشْريعًا وتحديدًا، وبيَّن في هذه الآية الكريمة السلوكَ القويم، والاتجاه المستقيم الذي يصلح به حال الفرد والأسرة والمجتمع.


ورَد في تفسيرها: "هذا توجيهٌ للمؤمنين، وتربيةٌ وتعليم إلى اللياقة الاجتماعية في محيط الأسرة، وذلك أنَّ اندماجَ الخَدَم والصبيان في أُسَرهم قد يتجاوَز بهم الاحتشام في المخالَطة؛ فيدخلون على الكبار دون استئذان في هذه الأوقات الثلاثة المذكورة في الآية، ونظرًا لأنها أوقات خلوة، وحرية شخصية، ويتحلَّل الإنسانُ فيها مِن لباس الحشمة؛ جاء القرآنُ الكريم بتشريع الاستئذان في تلك الأوقات بالنسبة لمن ذكرتهم مِن الخدم والصبيان؛ حتى لا يطَّلعوا على ما هو سرٌّ لا يُستَساغ اطِّلاعهم عليه؛ إذ هو كالعورة التي ينبغي سترها.


وفيه توجيه لأعضاء الأسرة المؤمنة إلى اتِّخاذ الملابس اللائقة لمقابلة بعضهم البعض، حتى تظلَّ كرامتهم مَصونة، وحريتهم مكفولة، وآدابهم مرعيَّة؛ فالقرآنُ الكريمُ جاء ليُعلِّمنا ويُوجهنا إلى الخير وفضائل الأخلاق وحُسن المعاشَرة"، ا.هـ؛ (تيسير التفسير للقطان).


فمِن حقِّ أطفالنا علينا أن نُعلِّمَهم تعاليم الإسلام، وأن نُؤدِّبهم بآدابه، وهذا واجبنا نحوهم، مهما ضاقت الدار لا يخوِّلهم ذلك حق مجالسة آبائهم وأمهاتهم في أي وقت شاؤوا، واقتحام خلواتهم، وتقييد حُرياتهم إلى هذا الحدِّ الذي تضيق معه أنفس الكبار، ويتبرمون منه، ثم لا يجدون إلى حَله مِن سبيل، وقد عوَّدوا أبناءَهم عليه بحجة أنهم صغار، ويُخشى عليهم.


قد يُبالغ الوالدان في التحرُّز أمام أبنائهما حتى يتحريا الكلمة الطيبة يتبادلانها، ويتجنَّبا اللمسة الحانية، ويُحرِّما على أنفسهما كل ما قد يُثير الأبناء أو يلفت انتباههم، وهم يغالون في ذلك أشد المغالاة، فإذا ما قبَّل والدُهم والدتهم على رأسها أو يدها، أو اقتربت منه، أو مسحتْ على رأسه، تعجَّب الأبناء من أمور يُفترض بها أن تكون طبيعية لا تخرج عن إطار الحشمة، ولا تنأى عن أعتاب الفضيلة؛ فليس في ذلك ما يثير الفتنة ويحرِّك الغرائز، إلا أنهما اعتادا ألَّا يظهر منهما شيء من ذلك، بل يتعمدان التباعد على قدْر الاستطاعة؛ مما يرسخ في أذهان الأطفال شعورًا بضرورة انتفاء ذلك، فيشعرون أنه مُحرَّم على آبائهم، ولو تغلف بغلاف الوقار، وارتدى رداء الحِشْمة.


والحدُّ الفاصل في التعامُل بينكما هو الذي يُقرُّه العرفُ، ولا يخالف الشرع؛ فلا يمنعكِ مِن تقبيل زوجكِ أو تقبيله إياكِ في غير شهوة، أو إثارة فتنة، وكل ما يفعله الزوجان على غير وجه الاستمتاع لا يكون فيه ما يُخل بالآداب، أو يُثير حفيظة الأبناء، ويبدو أنكِ تحرزتِ منه زمنًا رسَّخ في أذهانهم أن ذلك ليس من الأدب.


ماذا عليكِ فعله إن أبدوا تعجبهم مِن جلوسكِ إلى جواره؟


ردة فعلكِ غايةٌ في الأهمية؛ فمُجرد تردُّدكِ، أو ارتباككِ، أو تلعثُمكِ، أو حتى ضحككِ بتحرج، يكون بمثابة رسالة مَضمونها أنهم على صواب، وأن عملكِ هذا لا يليق ولا يجوز، فعليكِ بالهدوء وإجابتهم بحزْمٍ ورِفْق: لماذا لا أجلس إلى جواره، أليس والدكم وزوجي؟ ألستم تسعدون حين يسود الحب بيننا جميعًا؟


ويحسن محادثة الأطفال بوجهٍ عامٍّ حول بعض الخِلافات التي تنشأ بين الوالدين، فتتسبَّب في الطلاق، وما يُخلِّفه الطلاق مِن آثار سلبية شديدةٍ على الأبناء، وتوضيح أن التآلف متى ما كان بين الوالدين انعكس على أبنائهم وعلى البيت، والصغير يعي ذلك جيدًا، ويتقبله بصورةٍ تُتيح له التفكير في مستقبل أسرته، وتُؤهِّله لتحمل المسؤولية.


بخصوص ارتداء الملابس القصيرة أمام والدهم، فهناك حدودٌ لا يُفترض تخطيها أمام الأبناء، وقد توسعتِ النساءُ في هذه الألبسة إلى حدٍّ كبيرٍ؛ فنجد مَن تلبس أمام إخوانها أو والديها أو محارمها ما يُبرز صدرها وظهرها، وما يشف عما تحته، أو يضيق حتى يصف الجسد بصورةٍ تُثير الفتنة، فلا ينبغي إظهار ذلك أمام المحارم، ويُتحرز منه أمام الصغير المميز، فلكِ أن تلبسي ما تشائين مِن الثياب مما يُظهر الرأس والعنق وجزءًا مِن الذراعين، ولا يتعدى إلى كَشْفِ أو وَصْف العورات.


وقد سُئِلَت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء:
"هل يجوز لبس الثوب الضيق الذي يبرز الظهر للمرأة والثديين والخصر، والذي يُبرز محاسن المرأة، ويكشف الذراعين والرقَبة وبعضًا مِن الصدر أمام النساء والمحارم؟ وهل يجوز لبس الثوب الضيق أمام النساء فقط مِن المحارم، أو غيرهن مِن النساء الأجنبيات المسلمات؟


فأجابتْ:
• أولًا: يحرمُ على المرأة المسلمة أن تلبسَ اللباس الضيق أمام محارمها، سِوى زوجِها، ويحرم عليها أمام نسائها إذا كان مِن السرَّة إلى الركبة كالبنطلون، أو كان لسائر بدنها لكن يحصل به فتنة النساء والإثارة.


• ثانيًا: فيما يحل لها إظهاره مِن زينتها أمام محارمها غير زوجها، فهو: وجهها، وكفاها، وخلخالها، وقرطها، وأساورها، وقلادتها، ورأسها، وقدماها"، اهـ بتصرف؛ ]فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى - (ج 24 / ص 35)[.


وفي جواب آخر قالت اللجنة الدائمة:
"الذي يجوز كشْفُه للأولاد هو ما جرتِ العادة بكشْفِه؛ كالوجه والكفين والذراعين والقدمين ونحو ذلك".


مِن حقِّك أن ترتدي ما تشائين مِن الثياب أمام زوجك، وأن تتجمَّلي له بما يعفه ويُبعده عن الفتنة، ولا يمنعكِ وجود الأبناء ما دامتْ لكِ غُرفةٌ خاصة، ولحلِّ هذه المشكلة التي تُعاني منها الكثير مِن الأُسَر الإسلامية، يجب أن يعي الأبناء جيدًا أنَّ غرفة نوم الوالدين حقٌّ لهما دون غيرهما، وليُخصِّص الزوجان وقتًا قبل النوم مثلًا ليجلسا فيه جلستهما الخاصة، ويتمتَّعا بحريتهما، وليعلم الأبناء أنَّ هناك أوقاتًا ليس لهم تعدِّيها، وحدودًا لا ينبغي تخطِّيها، وأن غرفة الوالدين خاصة بهما، وليكن الجلوس والتسامر الأسري في غرفة الأبناء أو في صالة البيت.


بَقِيَ أمرٌ وددتُ أن ألفت انتباهكِ إليه، وهو: فَصْل مكان نوم الزوجين، وضيقُ المكان لا يُبرر أن يكونَ لك سريرك الخاص وله آخر!


وقد دلَّت الدراساتُ الطبيةُ على استحباب اجتماع الزوجين في مكانٍ واحد أثناء النوم؛ حيث يتولد بينهما مِن المودَّة والتآلُف ما لا يحدث بانفصالهما، وكثير مِن الأزواج الذين يتبعون نظام فصل الغرف أو الأَسِرَّة يسودُ بينهما شعورٌ مِن النفور والصدود الذي يزداد دون أن يَتَنَبَّها إليه، وهذا حادث بشكل كبير في الدول الغربية.


إن لم يكنْ لديكما سريرٌ مزدوجٌ، فلا أقل مِن تقريب السريرين حتى يلتَصِقا، وضمهما كأنهما سريرٌ واحد، وقد تفعل بعضُ الأمهات مثل ذلك أحيانًا حين تخشى على طفلِها؛ فتلصق سريره بسريرها ليكون بقربها طيلة الليل.


بخصوص طلَب ولدك الأوْسَط فتْح باب غرفتكِ أثناء النوم، فقد يكون يشعر بالخوف فعلًا، فعليكِ بالاستفسار منه حول مدى خوْفِه وكنهه، ومحادثته قليلًا قبل نومه وهو على سريره، ثم تلقينه أذكار النوم، وإن شئتِ فقصِّي عليه قصة مِن السيرة النبوية، ثم قبِّليه واذهبي إلى غرفتكِ، لكن عليه أن يعتادَ بابكِ مُغلقًا، فإن أَبَى فذكِّريه أنَّ إخوانه معه في الغرفة، وأن ليس ثمة ما يدعو للخوف، وشجعيه بمناداته ببعض العبارات والألقاب التي يحبها الأطفال؛ كأسد، وليث، وبَطَل، وغيرها.


لن يتسبَّب الوَضْعُ في عقدةٍ نفسية للأطفال إذا ما سارت الأمورُ في مَسارها الطبيعي، ومتى سلكتْ مسلكها المعتدل، فلا تقلقي بشأن ذلك، والله أسأل أن يصلحهم، وأن يعينكِ على تربيتهم.


والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل




رابط الموضوع: http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz4Atzcs7kd