بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
تجدون أيها الأحبة رفقته موضوعا بالعنوان السابق، وضعته في هذا المنتدى من باب الإفادة، راجيا الأجر والثواب من الله تعالى، وحسن التوجيه والرشد من القارئ الحصيف إلى ما تضمنه من خلل أو زلل، فإن الكمال لله تعالى. وإليك مقدمة البحث فإن أعجبتك كان ذلك داعيا إلى تنزيله عندك والتفرغ للإطلاع على مباحثه، على أمل أن أجد منك النصيحة والسلام.
المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
«يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون»[1].
«يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا»[2]
«يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزرا عظيما»[3]
أما بعد:
فما زال العلماء يدأبون على نصرة حديث النبي T، ينفون عنه انتحال المبطلين وتحريف الغالبين وتأويل الجاهلين.
ومن هؤلاء العلماء: المحدثون، الذين أفنوا حياتهم في خدمة حديث النبي T ، حين شدوا الرحال وسهروا الليالي الطوال، وقطعوا الفيافي والقفار من أجل تحصيل الأسانيد العالية والطرق الواضحة والأحاديث الصحيحة. وأصحاب هذه الصناعة يقل معدودهم ويعز، بل يتعذر وجودهم، فهم في قلتهم أقل من عدد المسلمين في جميع أهل الملل، وأعز من مذهب أهل السنة بين سائر الآراء والنحل.
وما ذلك إلى لصعوبة هذا العلم، فهو علم يخلقه الله تعالى في القلوب بعد طول الممارسة له والاعتناء به، ولذلك قل من ينبل فيه.
إن ما يميز هذه الطائفة من العلماء عن غيرها دقتها وضبطها للأخبار وتشددها في قبول الرواية حتى يتبين حال الراوي والمروي عنه، ومن ثم وضعهم قواعد وضوابط لرواية حدث النبي T، وأصلوا آدابا وأخلاقا ينبغي توفرها في المحدث وطالب الحديث.
ولما رأيت الميدان التربوي بصفة عامة - وبخاصة دعاميته الأساسيتين «الأستاذ - التلميذ»- في حاجة إلى التحلي بكثير من هذه المبادئ والأخلاق والمناهج، رأيت أن أقف وقفة مع عالم كبير ومحدث شهير، حافظ المشرق الإمام؛ أبو بكر الخطيب البغدادي، من خلال كتاباته حول آداب المحدث والسامع، سواء التي أفردها بالبحث أو التي ضمنها بعض كتبه الأخرى، لأستخلص منها قدر المستطاع ما أودع فيها من آداب الرواية والسماع، التي ينبغي أن يتحلى بها المتصدر للتعليم والراغب في التعلم.
ولم يكن اختياري للخطيب البغدادي هملا، وإنما لما يحتله هذا الرجل من المكانة العلمية وخصوصا في علم الحديث، فهو فارس هذا الميدان، وعمدة هذا الباب، إذ كل من أتى بعده اعتمد كتبه ونسج على منواله مستفيدا منه، ولهذا قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: «كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه»([4]).
فإنه لم يترك فنا من الفنون إلى وقد صنف فيه كما يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: « وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا»([5]).
ومن هذه الكتب التي ألفها كتابه الماتع « الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» الذي أفرده لذكر ما على طالب العلم والمعلم أن يتحلى به من الأخلاق الحميدة والآداب الرفيعة.
يقول رحمه الله تعالى: «وأنا أذكر في كتابي هذا بمشيئة الله ما بنقلة الحديث وحماله حاجة إلى معرفته واستعماله، من الأخذ بالخلائق الزكية والسلوك للطرائق الرضية، في السماع والحمل والأداء والنقل..»([6])
ومن أنعم النظر في هذا الكتاب، وجد أن عنوانه لم يكن اعتباطا أو جريا وراء السجع والتجنيس وإنما جاء جامعا مانعا. فقد أوفى الموضوع حقه، و أعطى كل باب مستحقه. ولم يكتف الخطيب بهذا الكتاب للإشارة إلى تلك الآداب، وإنما ضمنها بعض كتبه الأخرى كـ «الفقيه والمتفقه»و«اقتض اء العلم العمل».
هذا وقد أسميت هذا البحث المتواضع «الاستفادة من مناهج المحدثين في عملية التعلم والتعليم» الخطيب البغدادي أنموذجا، وقسمته إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة على النحو التالي:
- مقدمة: تناولت فيها مكانة المحدثين وميزاتهم التي امتازوا بها، ودوافع البحث وسبب اختياري للخطيب دون غيره.
- الفصل الأول: ترجمة الخطيب البغدادي

* المبحث الأول: نشأته وطلبه للعلم
* المبحث الثاني: مناقبه وأخلاقه وأقوال العلماء فيه
* المبحث الثالث: شيوخه وتلامذته وكتبه
- الفصل الثاني : آداب العالم

* المبحث الأول: آدابه مع نفسه
* المبحث الثاني: آدابه مع تلامذته
* المبحث الثالث: آدابه مع درسه
- الفصل الثالث: آداب المتعلم

* المبحث الأول: آدابه مع نفسه
* المبحث الثاني: آدابه مع شيوخه
* المبحث الثالث: آدابه مع درسه
- الفصل الرابع: خصصته لذكر النصائح التي ذكرها الخطيب لطالب العلم فيما يخص الحفظ.
- خاتمة الدراسة : أشرت فيا إلى نتائج البحث
والفضل يرجع في هذا كله إلى الله ثم مشايخنا الفضلاء نخص بالذكر منهم شيخنا العلامة الأصولي عبد الله بن المدني، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى.
وقد بذلت فيه النصح قدر المستطاع، وإن لم أكن أهلا لذلك، فلا تعجل أيها الناظر فيه إن وجدت زلة أو هفوة، فتلك طبيعة البشر، وحسبك أن لك صفوه وعلي كدره، فإنني لا أدعي العصمة، وأرجو الله تعالى أن يغفر لي كل خطأ، فالجواد قد يكبو والسيف قد ينبو والكمال لله سبحانه .
فإن تجد عيبا فسد الخللا قد جل من لا عيب فيه وعلا([7])

والله أسأل أن ينفع به كل من قرأه، وأن يذخره لي ويجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمد لله رب العالمين.
وكتب:عبد الفتاح بن محمد ورتي، صبيحة يوم السبت

26 ربيع الثاني من سنة 1429، الموافق ل 3 ماي 2008، حامدا مصليا.








[1]-" آل عمران" :الآية 102.

[2]- " النساء": الآية 1.

[3]-" الأحزاب" :الآية 70-71.

[4]- "نزهة النظر في شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر"، ابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الكريم الفضيلي، نشر المكتبة العصرية، الطبعة الأولى 1418-1998، ص 18.

[5]- نفسه.

[6]-" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي"، تحقيق الدكتور محمود الطحان، نشر مكتبة المعارف بالرياض، 1403-1983، (ج 1 ص 79).

[7]- "ملحمة الإعراب"، لأبي محمد القاسم الحريري البصري، تحقيق علي حسن، دار عمان (ص 71).