جاء في كتاب " المثل السائر" لابن الأثير (2/ 152) ما يلي :
... وكذلك ورد ( أي التكرير) في قوله تعالى في سورة القصص :" فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ".آية 19
فقوله تعالى :" فلما أن أراد أن يبطش " بتكرير أن مرتين دليل على أن موسى عليه السلام لم تكن مسارعته إلى قتل الثاني كما كانت مسارعته إلى قتل الأول ، بل كان عنده إبطاء في بسط يده إليه، فعبر القرآن عن ذلك في قوله تعالى :" فلما أن أراد أن يبطش ".
وجرت بيني وبين رجل من النحويين مفاوضة في هذه الآية ؛ فقال :إن أن الأولى زائدة ، ولو حذفت فقيل فلما أراد أن يبطش لكان الممعنى سواء ، ألا ترى قوله تعالى :" فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ ".وقد اتفق النحاة على أنَّ أنْ الواردة بعد لما وقبل الفعل زائدة ،
فقلت له : النحاة لا فتيا لهم في مواقع الفصاحة والبلاغة ، ولا عندهم معرفة بأسرارهما ، من حيث أنهم نحاة ولا شك أنهم وجدوا أن ترد بعد لما وقبل الفعل في القرآن الكريم , وفي كلام فصحاء العرب فظنوا أن المعنى بوجودها كالمعنى إذا سقطت ، فقالوا هذه زائدة ، وليس الأمر كذلك ، بل إذا وردت لمّا وورد الفعل بعدها بإسقاط أن ؛ دل ذلك على الفور ، وإذا لم تسقط لم يدلنا ذلك على أن الفعل كان على الفور ؛ وإنما كان فيه تراخٍ وإبطاء ."
ثم ذكر شرحا مستفيضا عن عدم وجود حروف زائدة في القران ,
الذي أعجبني في هذه المقولة هو النفاذ إلى السر اللغوي للكلمات في القران حتى أنك لتستشف منها نفسيات من قص الله علينا قصصهم .
والله أعلم .